أدب الرعب والعام

الطفل المعذّب

بقلم : جسيكا – قطر

الطفل المعذّب
كان طفلاً في السادسة يحمل دميته !

كانت هيلن تستعد للذهاب الى احدى المناطق السياحية لقضاء استراحة طويلة , بعد خوضها اجراءات المحكمة الطويلة , و حصولها اخيراً على الطلاق من زوجها الخائن

و قد قرّرت الذهاب وحدها لتمضية الإجازة .. لكن حلّ الليل و هي مازالت تقود سيارتها الى وجهتها المقصودة ..

فحاولت التدقيق بالخريطة مرّة ثانية لتتأكّد من مكان الفندق , و اذّ بها تلمح طفلاً يحمل دميته واقفاً في منتصف الطريق .. فأسرعت بالضغط على الفرامل !! .. لكنها لم تراه , بعد ان فتحت عيناها !

فقالت بصوتٍ يرتجف و هي تنهج بصعوبة :
-يا الهي ! هل قتلته ؟

ثم نزلت من السيارة و رجلاها بالكاد تستطيع حملها .. و نظرت اسفل السيارة , لكنها لم تجد الصغير .. و كل ما وجدته هو دميته التي كانت قريبة من احدى العجلات .. فصارت تحدّث نفسها بدهشة :
-ايعقل انه هرب !

و قد بحثت هنا و هناك , لكنها لم تجد له اثراً !..

فحمدت الله انه استطاع الهرب بالوقت المناسب .. او هذا ما كانت تقنع نفسها به ..

ثم عادت لقيادة السيارة بعد ان اخذت الدمية معها , متوجهة نحو الفندق الذي كان لا يبعد كثيراً عن مكان الحادثة

و دخلت الفندق و بالها ما زال مشوشاً ! لكنها عادت و انتبهت , بعدما سمعت صوت مدير الفندق يكلّمها :
-يا سيدة .. يا سيدة !! هل انت بخير ؟ يبدو وجهك شاحباً .. هل هناك مشكلة ؟!
-ماذا ؟! ..آه ..لا .. كنت قد اتصلت بكم البارحة , و حجزت غرفة بإسم هيلين ..

و بعد قليل .. و قبل ان تذهب مع الموظف الى غرفتها , عادت و سألت المدير العجوز :
-عفواً .. نسيت ان اسألك .. هل اتى نزلاء اليكم بصحبة اطفالهم ؟
-لا .. فمعظم من يأتون الينا في هذا المكان البعيد , يكونون بالعادة رجال اعمال او متزوجون حديثاً

ثم شكرته ..و ذهبت الى غرفتها برفقة الموظف الشاب مايكل .. و كان شاباً وسيماً في مثل عمرها , ايّ في الثلاثينيات ..كما كان خفيف الظلّ .. اخذ يرحّب بها و هو يساعدها بنقل اغراضها للغرفة .. و قد تبادلا اطراف الحديث .. كما اخذ يطلق بعض النكات والأحاديث المضحكة عن بعض الزوار ….

فقالت له هيلين :
-انت شابٌ لطيف يا مايكل .. لقد سعدت بالحديث معك

و قبل ان يغادر مايكل الغرفة , سألها ان كانت تقبل عزيمته على فنجان قهوة في مطعم الفندق بعد ساعة , فوافقت لأنها استلطفته …

و بعد ذهاب مايكل .. عادت و تذكّرت قصة الطفل .. فأخذت تنظر الى دميته بقلق :
-اتمنى ان تكون مع عائلتك الآن , و اتمنى اكثر ان لا تكون مصاباً !

ثم شعرت بالضيق , و احست و كأن جدران الغرفة تخنقها .. ففتحت الباب و نزلت الى حديقة الفندق , و هي مازالت تحمل دمية الصبي المصنوعة من القماش ..

و هناك .. اعجبتها اشجار الفندق المُنسّقة بشكلٍ حرفيّ ..و جلست امام بركة مياهها و هي شاردة بالتفكير في مشاكل حياتها , لكنها عادت للواقع على صوت رجلٍ يقول لها بتوتر و هو يشير بيده الى الدمية :
-من اين اتيت بها ؟!

كان رجلاً خمسينيّ , من نزلاء الفندق .. فأخبرته بشكلٍ موجز عما حصل معها , ثم سألته :
-عفواً .. لكن من انت ؟
-اسمي جاك
-تشرّفنا .. و انا هيلين ..منذ متى و انت نزيل في هذا الفندق ؟

-منذ بضعة اسابيع , لما تسألين ؟
-و هل رأيت اطفالاً خلال ..
-لاااا !!!

قالها بسرعة و بعصبية , قبل ان تكمل كلامها … و بعد ان لاحظ دهشتها , اسرع بالقول :
-صفي لي شكل الطفل ؟
-انا لمحته لثواني فقط .. اذكر انه يلبس ثياباً بيضاء , شعره اشقر , و عمره بحدود الست سنوات
-يعني عاد اللعين !!

قالها بصوتٍ خافت .. فسألته بدهشة :
-ماذا تقصد ؟!
فنظر الى ساعته بارتباك , و قال بعجل :
-يااه ! لقد تأخّرت كثيراً على موعد دوائي .. القاك لاحقاً

ثم ذهب مُسرعاً بعد ان آثار حيرة هيلين , التي تمّتمت بضيق :
-يا سلام .. هذا ما كان ينقصني ! رجلاً غريب الأطوار .. افّ !! ما هذه الليلة الغريبة ؟!

ثم عادت الى غرفتها و هي تحمل الدمية , التي رمتها امامها على السرير .. ثم اخذت جوالها لترى الرسائل التي لم تقرأها بعد ..

و اذّ بها تلمح خيال الصبي من خلف النافذة , و هو يشير بيده باتجاه دميته .. فقفزت بفزع ! الا انه اختفى من جديد .. وقبل ان تستوعب ماحصل سمعت طرقاً على بابها ..

ففتحت بعصبية : من ؟!!!!
فقال مايكل بدهشة : هذا انا ! ما بكِ غاضبة هكذا ؟!
-لا شيء ..

قالتها بتوترٍ ملحوظ .. ثم سألته :
-ماذا تريد يا مايكل ؟
-يبدو انك نسيت موعدنا .. فأنا لي اكثر من نصف ساعة انتظرك بمطعم الفندق ..
-آه صحيح ! لقد عزمتني على قهوة .. آسفة , نسيت

ثم ادخلته الغرفة , و حكت له قصة الصبي .. لكنه استطاع اقناعها بأن مشاهدتها لخياله , هو من اثر الصدمة بسبب الحادثة المفاجئة ..

و بعد ان ذهب مايكل .. حاولت ان تزيل هيلين كل الأفكار العالقة في ذهنها , و استسلمت للنوم

ثم حلمت بحلمٍ غريب : كانت فيه تتشاجر مع شخص قام بطعنها , ثم ادخلها الى حفرة بقصد دفنها , لكن كان في الحفرة شخصٌ آخر !
استيقظت فزعة .. فرأت الطفل امام سريرها .. و الذي فاجأها بأنه صرخ بقوة , حُطّمَ على اثّرِها زجاج غرفتها ..اما هي , فقد اغمي عليها من هول الصدمة !

في اليوم التالي استيقظت , و كان كل شيء عادي و الزجاج سليم ! فظنت بأنه كابوس مزعج ..
لكنها عزمت في نفسها على مغادرة الفندق , بعد ان اقلق هذا الشبح راحتها ..

لكن مايكل استطاع اقناعها بالذهاب اولاً للعالم الروحاني الذي يقع منزله بالقرب من الفندق , لمعرفة حلّ لهذا اللغز ..

و عنما كانا خارجين من الفندق , كان جاك يراقبهما من نافذة غرفته بضيق , و هو ينفث دخان سيجارته بعصبية و قلق

و بعد ان وصلا الى هناك .. اخبرها الروحاني بأن الطفل هو روحٌ معذبة و هائمة , و يريد منها المساعدة …

***

عند المساء ..استيقظت هيلين بعد ان احسّت ببرودةٍ مفاجئة , لترى الطفل يجلس على طرف سريرها و بيده دميته ..

لكنها لم تفزع منه هذه المرة , و سألته بصوتٍ مُرتجف :
-ماذا تريد مني ؟!

فأشار بيده نحو باب غرفتها .. فقامت عن سريرها و نظرت من العين السحرية , لتتفاجأ بعينٍ اخرى تنظر اليها ! ففزعت و ابتعدت بسرعة عن الباب .. لكنها عادت على مهل و نظرت من جديد .. فوجدت جارها جاك و هو يمرّ قرب بابها , ذاهباً الى غرفته الموجودة بآخر الرواق.. ثم نظرت الى سريرها لتجد الطفل قد اختفى !

في اليوم التالي .. و ما ان فتحت باب غرفتها , حتى وجدت جاك امامها .. و الذي قال لها بارتباكٍ واضح :
-سيدة هيلين ..رجاءً اقبلي عزيمتي على الفطور في مطعم الفندق , لأن هناك امراً ضروري اريد ان احدّثك فيه

لكنها اعتذرت منه , بحجّة ان لديها موعد .. ثم اسرعت الى الشاب مايكل تخبره بتصرفات جاك المريبة

فاتفق مايكل معها بأن يراقب جاك , بشرط ان تكمل هي جلساتها مع الروحاني

***

و بعد ساعة ..و بينما هي في جلسةٍ روحانية , اتاها اتصال من مايكل , كان يكلّمها و صوته يرتعش :
-هيلين .. لقد قرّرت الدخول الى غرفة جاك .. سأفتّشها قبل ان يعود .. هناك شيئاً مريباً بهذا الرجل .. فقد رأيته و هو يجرّ كيساً كبيراً و يدخله الى غرفته .. و بقيّ هناك لفترة .. لكنه خرج الآن من الفندق .. و لهذا سأدخل لغرفته بواسطة مفتاح الموظفين

-لا يا مايكل !! لا تدخل لوحدك .. انتظرني !! انا قادمة
لكن مايكل اغلق السماعة فجأة ! قبل ان تكمل كلامها

عندما عادت , تفاجأت بسيارات الشرطة قرب الفندق .. فركضت فزعة الى مكان غرفتها .. لتجد الشرطة و هم يضعون الملاءة فوق جثة مايكل المقتول في الرواق ..

فصارت تصرخ بهستيريا و بغضب :
-لقد قتله اللعين !! لقد قتله !!!

و امضت الليلة في قسم الشرطة و هي تقدّم شكوى ضدّ جاك , الذي اختفى اثره تماماً !

***

في مساء اليوم التالي .. كانت هيلين تنام ليلتها الأخيرة بالفندق بعد ان حزمت امتعتها , فهي تصرّ على الذهاب في الصباح , بعد ان اخّرتها التحقيقات عن الخروج من هذا الفندق المشؤوم

و في آخر الليل .. احسّت بوجود احدٍ معها بالغرفة .. و عندما نهضت من نومها , رأت شبح الصبي و هو يقف امام نافذتها , و كان يشير بيده الى شيءٍ في الخارج ! .. فاستجمعت قواها و اقتربت منه , للتفاجأ باختفائه , ثم بظهوره في الشارع ..

فنظرت من فوق اليه , و كان يشير الى مخزنٍ قديم موجود خلف سور الفندق ..قبل ان يخترق جسده جدار المخزن , و يدخل اليه !

فلبست معطفها بسرعة و اخذت جوالها .. ثم ذهبت باتجاه المخزن .. و كان بابه مفتوحاً , و كأن قفله الصدىء قد تم خلعه من قبل ! ثم دخلت بعد ان اضاءت نور جوالها .. لترى الصبي و هو يحمل دميته ينتظرها بآخر المخزن , قبل ان يعود و يخترق جسده الأرض و كأنه ينزل على الدرج ..

و عندما اقتربت من المكان , وجدت باباً سرّياً في الأرضية .. ففتحته , لتجد قبواً بالأسفل ..
فوجّهت نور جوالها الى هناك , و بدأت تنزل على الدرج الخشبي ..

و في الأسفل .. وجدت شيئاً ملفوفاً ببطانية في الزاوية , يبدو و كأنه كفنٌ صغير ! فعرفت ان جاك هو قاتل هذا الصبي , الذي دفنه هنا منذ مدة ..

و فجأة !! وجدت جاك يقف في الأعلى عند باب القبو , و هو يقول لها :
-هل دلّك اللعين على المكان ؟!!

ثم سحبها من يدها الى فوق عنّوة , بعد ان اغلق بيده فمها , و هي تحاول جاهدة الصراخ و الإفلات منه ..
و هو يقول لها :
-اهدأي قليلاً يا هيلين .. انا اريد انقاذك , قبل ان يحوّلك هذا الشبح الى قاتلة , كما فعل معي !!
-بل انت القاتل , ايها اللعين !! انت القاتل !!

ثم انتبها سوياً الى شبح الصبي , الذي وقف عند باب المخزن .. و الغريب ان جاك رآه ايضاً !.. حيث صرخ عليه بغضب :
-أأنت مُجدداً .. الن تبتعد عنّا ؟ و تعود الى الجحيم من حيث اتيت !!

لكن الطفل آشار نحو حبلٍ قريب من هيلين ..
و على الفور و من دون تفكير !! شدّت هيلين الحبل , ليسقط خطّاف حديدي من الأعلى ويخترق جسد العجوز , لينتفض جسده انتفاضات غريبة , قبل ان يتوقف عن الحركة !

و بهول صدمتنا ! نظرت الى الصبي الذي كان يبتسم لها , قبل ان يختفي !

***

وصلت الشرطة ..و حقّقت بالموضوع , بعد ان دلّتهم هيلين على مكان الجثة الموجودة في القبو 

ثم ذهبت معهم الى مركز الشرطة , قبل ان يعيدوها الى غرفتها بالفندق بعد ان اخذوا اقوالها .. و قد اعتبروا ان جريمتها هي دفاعاً عن النفس

و مع تباشير الصباح .. و بينما كانت ترتّب اغراضها للرحيل , و هي تبكي مما مرّت فيه خلال يومين .. سمعت طرقاً على بابها.. و كان المحقق !

فقالت له بضيق :
-ماذا الآن ؟! لقد حقّقتم معي طوال الليل .. دعوني اذهب .. رجاءً !!

فدخل و اغلق الباب خلفه ..
-كنّا نريد ان نسألك سؤال اخير , بخصوص الجثة التي وجدناها في المستودع
-لقد اخبرتكم كل شيء عن الطفل القتيل
-لكن الجثة لم تكن لطفل .. بل لأمراة مقطّعة .. و لذلك كان كفنها صغير
-امرأة ! و من هي ؟!

-عرفنا انها زوجة جاك .. و قد اتيا الى هنا في رحلةٍ قبل سنة .. لكنه عاد لوحده الى بلدته .. و لم يلاحظ احد اختفائها.. و الأغرب انهما كانا ينزلان في نفس غرفتك هذه .. و عند تفتيشنا قبل قليل لغرفة جاك , وجدنا مذكراته : و كان يلعن فيها الشبح الصغير , و يصفه بالشيطان الذي جعله يقتل زوجته

-و كيف لشبحٍ صغير لا يتكلم , ان يجعل الشخص قاتلاً ؟
-تماماً كما فعل معك

فسكتت هيلين بذهول .. قبل ان تستوعب بأنها بالفعل اصبحت قاتلة !

و هنا سمعا طرقاً على الباب .. ففتح المحقّق باب غرفة هيلين , ليجد الشرطي .. فعاتبه قائلاً :
-الم اخبركم انني احقّق معها في امر , و لا اريد ازعاجاً ؟!!
-آسف سيدي .. لكن هذا النزيل الجديد , يريد التحدّث معك

ثم اقترب شاب ..و وقف عند باب غرفة هيلين , بوجهه الشاحب ..و قال بصوتٍ مرتبك :
-جيد انني وجدت الشرطة هنا .. لكني قلقٌ جداً , من ان اكون دهست ولداً قبل قليل ..

ثم رفع نفس الدمية بيده , التي كانت ترتجف .. و اكمل قائلاً :
-لكن الغريب انني لم اجد الصبي ! لم اجد سوى دميته

فتبادلا المحقق و هيلين نظرات التعجّب و الذهول !

تاريخ النشر : 2016-02-04

guest
35 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى