أدب الرعب والعام

الطقس الأخير

بقلم : محمد ضيف – مصر
للتواصل : [email protected]

الطقس الأخير
استمررت فترة من الأيام أحاول القيام بالإسقاط النجمي

أنا لست إلا شخص عادي أعيش في مدينة (………) بمحافظة القاهرة , لم أكن أهتم بالميتافيزيقا أو كما يطلق عليها البعض علوم ما وراء الطبيعة ولم تكن من ضمن نطاق اهتماماتي التي تنصب في مجالات أخرى مثل كرة القدم والسباحة والكمبيوتر والجلوس على المقهى مع الأصدقاء وبعض الأنشطة بجانب الدراسة .

لقد نسيت أن أعرفكم على شخصي المتواضع , أنا حسام طالب بكلية حقوق جامعة القاهرة بالفرقة الثالثة , مستواي الدراسي متوسط , لست بالشخص الطويل ولست قصير القامة أيضاً , فمتراوح طولي 175 سم , جسدي رياضي ممشوق وذلك للممارسة السباحة منذ سن الخامسة , قمحي البشرة .. والآن ننتهي من هذه المقدمة التي لا طائل منها ونذهب للأهم .. علوم ما وراء الطبيعة . كنت أعتقد أن من يهتم بهذه العلوم ليس سوى شخص يبحث في الصحراء عن ماء ولا يجد غير سراب وذلك لجهلي وعدم اهتمامي بهذه العلوم إلى جانب أني شخص علمي بحت فلا يمكن أن اصدق أن هناك أشخاص يستطيعون عبور الجدران أو السفر من مكان لمكان أخر دون الانتقال الطبيعي عبر وسائل السفر المعتادة .. وهنا كانت البداية ..

البداية كانت عن طريق الصدفة على الكمبيوتر عن موضوع يسمى الإسقاط النجمي ويا له من موضوع شيق فهو يمنحك المغامرة والسفر وكسر كل الحواجز والمعرفة وأنت في مكانك ! .. ولكن حذار , فأنت وحدك تستطيع تحديد هل أنت شخص مغامر ؟ هل تقبل التحدي ؟ هل يمكنك القيام بالإسقاط ألنجمي ؟ ..

جذبني الفضول والمغامرة لمتابعة الموقع الذي يتحدث في هذا المجال إلى أن وجدت نفسي في عالم أخر غير العالم الذي نعيش فيه , عالم مليء بالغموض وأفاق أخرى لم يستطيع العلم تفسيرها ولا تكذيبها , فهي موجودة , لكن لم يتمكن العلماء من إقرار هل يمكن إثبات صحتها أو أن هناك من قام بمجرد اختلاقها لمجرد الشهرة , لكن بعد البحث المتواصل وأيضا القراءة في مواضيع كثيرة كان الإسقاط ألنجمي هو ما يؤرقني لأن القيام به يستلزم طقوس معينة وتوجد تحذيرات كثيرة للشخص الذي يريد القيام به تمنعه من الاستمرار في ذلك .

كان ما في الموقع من مواضيع عبارة عن كنز قد وجدته واحتفظت بة لنفسي ولكنه قد يمر مرور الكرام على غيري ولذا لن اهتم بالتحذير ولن امتنع عن المغامرة المتاحة أمامي وسأقوم بهذا الإسقاط ألنجمي مرحباً بالمخاطر فكيف تكون المغامرة دون مخاطر ..

وبدأت المغامرة .. بدأت بإخبار أقرب أصدقائي بالكنز الذي وجدته وبما أنا مقبل عليه من مغامرة شديدة الإثارة وأخبرته بكل ما تعلمته في هذه الفترة القصيرة , ولما كنا في أجازة أخر العام ومع الملل الذي أمر به حددت أحد الأيام للقيام بهذه المغامرة , لكن صديقي حذرني من المخاطر التي سبق وأعلمته إياها من قبل عن هذا الأمر , لكني كنت قد صممت على القيام بهذا الأمر فاخترت احد الأيام وخلدت للنوم وبدأت بمحاولة الاسترخاء طوال ساعتين إلى أن غلبني النعاس واستيقظت في اليوم التالي حانق على هذه الفكرة .. ثم استمررت فترة من الأيام أحاول القيام بالإسقاط النجمي وكل مرة يغلبني النعاس ولا أصل إلى نتيجة فرجعت أبحث في الأمر وكانت النتيجة صادمة .. إذ أن الإسقاط ألنجمي ممكن فقط لكهنة التبت وبعض الروحانيين لما يتطلبه من استرخاء وتركيز شديد جداً .

ولما أصابني الإحباط من نتيجة ما توصلت إليه قررت أن أترك هذا الأمر , ولكن قبل أن أترك الأمر توصلت لطريقة بسيطة قد تمنحني ما أريد , ولذا اخترت أحد الأيام القمرية ثم توضأت وصليت ثم جلست أقرأ القران الكريم وبعد أن انتهيت أتيت بكوب من الماء ووضعته على الأرض ووضعت إحدى يداي عليه ثم تخيلت نفسي في مكان أخر .. مكان يعمه الصمت والهدوء .. وفجأة بدأت أشعر بتدفق كم هائل من الطاقة إلى الكأس ثم ازدادت تلك القوة الغامضة وازداد التنافر بين يدي والكأس ثم صفى ذهني فجأة كما لو أن لا يوجد ما يشغله ثم ازداد التنافر أكثر وبدأت أشعر بمجالات الطاقة التي حولي شيئاً فشيئاً , ولكن كان هناك سؤال يطرح نفسه , هل هذا الارتخاء العجيب الذي أشعر به هو عبارة عن بداية مرحلة الصفاء الذهني التي يمر بها كل من يحاول الاسترخاء أم لأني قمت بدمج مجموعة من المحاولات معاً .. ثم ها هو صدري بدأ يعلو ويهبط بإيقاع متزامن بطئ إلي أن بدأت لا أشعر به , ثم صرت كمن يتجول بداخل عقله .. الأفكار تطير داخل عقلي كبالونات مليئة بالهليوم , كما لو أن لا اعتبار لقوانين الجاذبية .. عذراً نيوتن! .. ولكن هذا عقلي وهذه أفكار بداخله وليست كيان مادي لكي تطبق قانونك عليها , والآن حان وقت الاستيقاظ من هذا الاسترخاء وكانت المفاجأة .

نعم مفاجأة لأنة لم يمر سوى ساعة واحدة فقط منذ بدأت تجربتي وكل ما شعرت به ربما هو نتيجة الاسترخاء الذي لم أذقه من قبل , ربما لاختلاف مجالات الطاقة التي كانت حولي ومرورها عبر جسدي هو ما أدي إلى شعوري بفقدان الوقت ومروره أسرع من المعتاد , والآن التحدي هذا الكوب الممتلئ بالماء ماذا أفعل به ؟ .. هل أشربه كما كنت قد قرأت أم ألقيه فلا حاجة لي به فهو ممتلئ بطاقة خارجة من جسدي نتيجة العوامل الخارجية المحيطة بي في التجربة السابقة . وهنا لمعت في رأسي فكرة , لما لا أجرب كلاهما في نفس الوقت , أشرب البعض وألقي البعض , وبعد تفكير في الأمر قررت التنفيذ , فقمت بشرب البعض من الكوب وتركت الباقي , ولكن لم يحدث أي شيء , وهنا أتى ما لم يكن في الحسبان على الرغم من قلة ما شربته من الكأس , إذ إنني استمررت متيقظاً لمدة 36 ساعة ! .. وهي مدة كبيرة ولم أشعر بالإرهاق واستغللت تلك الفرصة في البحث في الانترنت عن بعض المواضيع الاخرى المهمة والتي لها علاقة وطيدة بالإسقاط ألنجمي , مثل الاسترفاع والتيلباثي التنويم المغناطيسي الشكارا (مراكز الطاقة السبع في جسم الإنسان) , وكانت هناك نظرية تتحدث عن السفر عبر الزمن والأبعاد الكونية وكيفية الاستفادة من النظرية في الوصول للبعد الرابع لكن كل هذا البحث والإجهاد ولم ينتابني الشعور بالحاجة للنوم .

لكن هيهات .. فلم تكاد تمر الساعة الثلاثين حتى وبدأت أشعر بالإجهاد التام , لكن حينها تذكرت الماء المتبقي في الكأس , فقمت على الفور وشربته , حينها شعرت بتجدد غريب في جميع أعضاء جسدي كأن لم يمر يومان ونصف لم أذق فيهم النوم ,  وكان هذا الماء المشبع بالطاقة النابعة من جسدي ومن تجربتي في تلك الليلة المقمرة هو عبارة عن أكسير متجدد من الطاقة لجسدي مما أمدني بست ساعات أخرى أبحث حول هذا الموضوع المثير للجدل والمليء بالغموض , وبعد النهم المتواصل الذي كنت فيه لمدة 36 ساعة صرت احتاج للنوم وإلى مزيد من الاسترخاء وهنا قدمت النوم لما أصابني من إجهاد عنيف بعد هذه المدة الطويلة من غير نوم مع إجهاد البحث المضني ولذا استسلمت للنعاس وارتخى جفناي ..

ارتخى جفناي وحان وقت الاستسلام لسلطان النوم , ولكن أبى العقل أن يقوم بالاستسلام , فهو مازال أمامه وقت طويل لكي يقوم بتخزين هذا الكم من المعلومات والبيانات فسبحان الخالق لهذا العقل مما يسمح له بالعمل أثناء راحة الجسد فأخذ العقل يسجل البيانات ويبحث في إمكانية تحقيق ما توصل إلية من نتائج بحثية مقروءة وأيضاً ما سمح لنفسه باختزاله من معلومات سابقة فالعقل يقوم بتخزين البيانات علي ثلاث مراحل ذاكرة بعيدة المدى وذاكرة متوسطة المدى وذاكرة قصيرة المدى ولكن حينما يحتاج الإنسان لمعلومة ما يبحث العقل في ذاكراته الثلاث بسرعة لا يضاهيها أي كمبيوتر على مستوى الأرض والأكوان فسبحان الله وهذه المعلومات يقوم بترتيبها في هذه الذاكرات إلى حين الحاجة إليها ولذا ينسى الإنسان الكثير والكثير مما يمر به لأنه لم يقم بتنشيط هذه الموهبة الإلهية فيه , لكن الغريب أني أقوم بالتفكير في هذا الأمر لأول مرة بعد خلودي للنوم , كيف ذلك وكل ما أريده هو النوم , لا أريد التفكير فيما قرأت لكن أظن هذه هي ضريبة الإجهاد المتواصل ..

متى استيقظت ؟ .. ستذهل عزيزي القارئ , بعد نوم متواصل لمدة 14 ساعة , لكن كان لهذا الإجهاد المتواصل والنوم العميق ثمناً باهظا فالآن أشعر بأشنع ألم للرأس قد يمر به إنسان , نعم شنيع , فلو وصفته لك على أنه مطارق حداد تنهال باستمرار فوق رأسي لن تصدق ذلك .. مما جعلني الجأ إلى احتساء 3 أكواب كبيرة من القهوة مع بعض أقراص الصداع ولكن لا فائدة , كل هذا له مفعول مؤقت ما يلبث يجعل الألم يزول حتى يعود مرة أخرى , ولكن هناك هذا الشعور الغريب في رأسي هذا الشعور بأن رأسي ممتلئ بالكثير والكثير من المعلومات والبيانات , أشعر كأن تلك المعلومات أصبحت أشجار عملاقة ذات جذور ممتدة في أرض خصبة على مدى مئات الأعوام ذات أوراق خضراء تملئ الفروع والأغصان لدرجة أنها تحجب ضوء الشمس , لكن هناك من ينادي بأسمي وازداد صوت المطارق وحدتها بدرجة كبيرة , وفجأة استيقظت من نومي العميق على صوت هاتفي الذي ظل يرن طوال ساعتين مضت , لكن الم الرأس قد زال فجأة ولم أجد أي أثر لأكواب القهوة فهل كنت أحلم كل هذا الوقت وكان ألم الرأس هو عبارة عن مؤثر خارجي من هاتفي الذي كان ومازال يرن .

وبدلا من ألم الرأس الذي اكتشفت أنه لم يكن موجود وأنه كان مجرد مؤثر حسي أرتبط بعقلي الباطن فقام بتفسيره على أنه مطارق كان الإرهاق الجسدي هو النتيجة فبعد استيقاظي فعليا من النوم مازالت أشعر كأن جسدي سحق تحت رافعة ممتلئة أو كأن جسدي كان يقوم بتمارين رياضية مرهقة طوال الليل باستمرار دون توقف والأغرب شعوري بأن هناك من يناديني من أعماقي ويحثني على الاستمرار ببحثي حول الإسقاط النجمي ويدفعني للاعتقاد بأنه من الممكن القيام به وكان هذا الصوت المنبعث من عقلي الباطن هو شيء واحد فقط في هذا العالم ويطلق علية الفضول .

الفضول الذي قتل القط .. لا أعلم لما تذكرت هذه القصة ربما هو تحذير من جزء ما من عقلي الباطن ليمنعني مما أنا مقدم عليه , لكن أيضاً كان حب المغامرة هو الدافع المسيطر على فكري فجمعت شتات عقلي وأخذت أرتب خطواتي في جدول منتظم للوصول لدرجة الاسترخاء المطلوبة للقيام بالإسقاط ألنجمي في أقل مدة ممكنة , كل هذا والفضول هو وقودي وإكسيري للوصول لما أريد فلو كان مصاصي الدماء حقيقة وكانت الدماء هي ما تروي ظمأهم كما تقول الأساطير فالمغامرة والمعرفة بدافع الفضول ويغلفهما الغموض هم ما يروي ظمأى .. وكان السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هل مات القط جراء الفضول ؟ .

يتبع …

تاريخ النشر : 2015-08-11

guest
33 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى