أدب الرعب والعام

العاقوط

بقلم : نور إبراهيم – قنا ـــ مصر

في ليلة من ليالي شتاء عام 2012 كنت أحتسي الشاي مع جدي رحمه الله.. كنت أجلس معه يوميًا من بعد المغرب حتى وقت متأخر من الليل.. وكنت أسمع عشرات القصص الغريبة كل ليلة.. وجدي كان بحرًا يزخر في طيّاته بمئات الحكايات المثيرة.. ولكن عقلي كان لا يقتنع إلا بالقليل من هذه الحكايات.. فمعظم هذه الحكايات مليئة بالتفاصيل المُبالغ فيها.. تفاصيل مليئة بالشطحات والغرائب.. أؤمن في داخلي أن هناك خوارق وعجائب في هذا الكون.. ولكن ليس بهذه الدرجة من المبالغات والشطحات التي أسمعها في حكايات جدي!

قص عليّ جدي حكاية مثيرة في هذه الليلة.. ما زال صوته يتردد في أذني حتى الآن.. وما زلت أتذكر تفاصيل وجهه الأسمر وهو يتكلم بلهجة صعيدية بسيطة.. لقد كانت قصة مثيرة في ليلة إكثر إثارة!

إليكم بتفاصيل هذه القصة:

“منذ سنوات طويلة.. كان يقطن في قريتنا رجلًا يُدعى” رضوان”.. خرج “رضوان” من داره في الصباح الباكر ليروي أرضه.. أصابه الملل.. فقد ذهب النهار وأتى الليل بعتمته ومازال ينتظر ارتواء أرضه بالماء حتى آخرها.. أراد أن يكسر ذلك الملل.. فجمّع مجموعة كبيرة من الأحجار وشرع في قذفها في الهواء.. وبينما هو يلقي في الأحجار صفعته يد خفية على وجهه وكاد أن يُغشى عليه.. أصابه الذعر من هول ما حدث.. لم يستوعب ما حدث.. أهذا حلم أم حقيقة..!

لم يمهله القدر ليجمع شتات أفكاره.. فقد تراشقت عليه الأحجار من كل حدب وصوب.. صرخ ونادى بأعلى صوته.. ولكن لا حياة لمن تنادي.. فلا يوجد أي أحد في المنطقة الزراعية في هذا الوقت.. هروّل إلى بيته وهو يصرخ.. طرق باب بيته طرقًا عنيفًا.. فتحت له زوجته الباب.. وسألته عمّا حدث؟ ولكنه صرخ في وجهها ولم يجيبها.. ارتمى على فراشه وغط في سُبات عميق.. لم يخرج من غرفته وظل صامتًا.. وسط دهشة كبيرة من أهل بيته.. حلّت الليلة الثانية بشؤمها.. فقد رأى”رضوان” في المنام رجلًا قبيحًا يقول له: أنت الذي أثرت غضب العاقوط.. الويل لك يا أحمق!

استيقظ مفزوعًا من ذلك الكابوس المخيف.. خرج من غرفته قاصدًا الحمّام.. ولكنه رأى ألسنة النيران تتصاعد من دخل حوش منزله.. أصابه الهلع.. صرخ صرخة قوية زلزلت البيت وأيقظّت الكل.. وهرولوا إلى الحوش ليخمدوا النيران التي اشتعلت.. اطفئوا النيران بعد ساعات من محاولات الإطفاء المتواصلة.. ولكن احترق الحوش بكل ما فيه من ماشية.. كانت ليلة حزينة على رضوان وأهل بيته!


وفي الصباح صمم والد “رضوان” أن يصطحبه إلى الشيخ “جلاف” ذلك الرجل “المبروك” الذي يفسر كل غرائب القرية.. ليفسر ما يحدث معه من غرائب.. قص “رضوان” على مسامع الشيخ “جلاف” كل ما حدث بالتفصيل.. من بداية قذفه للأحجار في الهواء حتى اندلاع الحريق في الحوش وقبله ذلك الكابوس المخيف.. نظر الشيخ نظرة غريبة لعمران وقال له بنبرة هادئة: أنت جلبت غضب جن العاقوط.. والعاقوط اسم لفئة من الجن تقذف الناس بالطوب وتحرق بيوتهم.. ولابد أن تترك البيت حتى تنجو بنفسك وأهل بيتك من أذاهم.. تردد عمران كثيرًا.. ولكن صمّم والده على ترك ذلك البيت الملعون.. فقد كان شديد الخوف من ذلك الجن الغريب.. جن العاقوط! “

فرغ جدي من حكايته.. وقد بدت على وجهه علامات النوم.. لقد أوشك الليل على الانتصاف.. قبّلت رأسه.. وتركته لينام بعد أن وعدني بقصص مثيرة في الغد.. حفر جدي في أعماقي دهشة كبيرة وتساؤلات كثيرة بعد هذه الحكاية المثيرة.. تركني في صراع كبير.. فعقلي يرفض هذه الحكاية.. ولكن شيئًا ما في داخلي يصدقها.. ولكن لابد أن أنهي ذلك الصراع.. لابد أن أجرّب بنفسي.. لابد أن أُثير غضب العاقوط!

خرجت في تلك الليلة عازمًا على إثارة غضب العاقوط.. فجمّعت من الشارع مجموعة كبيرة من الأحجار.. بدأت في رشقها في الهواء.. ألقيت عشرة أحجار ولم يحدث شئ.. يبدو أنها خرافة من خرافات جدي الكثيرة.. هممت بإلقاء الحجر الحادي عشر.. ولكن فجأة شعرت بيد خفية تنتزع الحجر من يدي وتمسكني من تلابيبي.. صفعتني هذه اليد صفعة قوية على وجهي.. شعرت بأن روحي قد خرجت من جسدي.. كانت صفعة قوية جدًا جعلتني أفقد الوعي.. لا أدرى ما الذي حدث بعد ذلك.. ولا أدري كم استغرقت من الوقت وأنا على هذا الحال.. وبعد ذلك شعرت بقدم قوية تركلني .. أفقت مفزوعًا ووقفت.. رأيت أبي يصرخ ويقول: ماذا حدث .. هل ضربك أحد.؟.. وأشار أبي بسبابته ناحية البيت وأكمل قائلًا: وما هذه الأحجار المتناثرة أمام البيت؟

نظرت حيث أشار أبي ورأيت عشرات الأحجار المتناثرة حول البيت.. يبدو أن العاقوط أمطروا البيت بوابل من الأحجار بعد أن فقدت وعيي.. ويبدو أن صوت هذه الأحجار المزعج قد أيقظ أبي من سُباته العميق.. أمطرني أبي بوابل من الأسئلة ولكني لم أنبس ببنت شفة.. غضب أبي لما رآني صامتًا ولم أجبه على أي سؤال من أسئلته.. صرخ في وجهي وقال: لابد أن تخبرني بما حدث؟.. رسمت على وجهي ابتسامة مصطنعة وقلت له: سأخبرك لاحقًا بكل شئ.. سكت أبي وأشاح بنظره ناحية الباب محاولًا إخفاء نظرات الشك.. أمسك بيدي وسار معي حتى باب غرفتي وقال لي: نام الآن ولابد أن تحكي لي كل شئ بعد أن تستيقظ
فقلت له: سأحكي لك كل شئ إن شاء الله

دخلت غرفتي وارتميت على فراشي وذهبت في سُبات عميق.. ورأيت كابوسًا مخيفًا!

رأيت رجلًا دميم الوجه.. قصير القامة.. نحيل الجسد.. أحمر العينين.. جسده ممتلئ بالشعر كأنه قرد.. اقترب مني ذلك الرجل الغريب وقال لي بصوت كفحيح الأعفى: أنت الذي أثرت غضب العاقوط.. الويل لك يا أحمق!


ملاحظة : هذه القصة مُستوحاة من قصة حقيقية.
تذكر/ي أنني رجلًا ولست فتاة .. فاسم “نور” ليس حِكرًا على الفتيات فقط..!

guest
8 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى