أدب الرعب والعام

العطاء الملعون

بقلم : Evana – سوريا

وسيبقى دار العطاء هذا مكانا مشؤوما لم يكن يوما نبعا للعطاء ولا للرحمة
لقد سمعت أقاويل كثيرة عن هذه الدار ، أقاويل تقشعر لها الأبدان 

((وأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا تنهر))

لطالما تتردد على أسماعنا هذه الآيات الكريمة، نسمعها في الخطب الدينية، أو في حصص الدين المدرسية، أو في مجالس الرجال والنساء بعد حديث طويل عن يتيم ما عاش تجربة ما..

ولكن..
ماذا إن قهرت؟!
ماذا إن نهرت؟!

قصتنا خيالية.. حدثت في مكان خيالي.. وزمان خيالي.. لاتمت للواقع بصلة.. ربما!

                             * * *

كان صباح الخميس الأخير من شهر نوفمبر صباحا باردا جدا ، استيقظت في العاشرة على صوت المطر الشديد والصواعق التي ترتعش لها الأبدان وترتجف لها القلوب. كان فصل الشتاء المفضل بالنسبة لها. فكرت كم اشتاقت لهذه الأجواء الشتوية بعد صيف حار جدا، قاطع تفكيرها رنين الهاتف بإسم العمة نورا لتجيب على الفور :

(إيمان) :مرحبا عمتي هل اشتقت لي؟

(نورا) : إبنة أخي المشاغبة هل نسيتي موعدنا ؟ هل أصابك الزهايمر ؟ أنا في السوق أنتظرك منذ ثلث ساعة يا إيمان.

(إيمان) :عذرا عمة لقد نسيت فعلا سآتي حالا ربع ساعة و أكون عندك يا حبيبتي لا تغضبي.

نهضت بسرعة ولبست أول شيء ظهر في وجهها ونزلت راكضة لتركب سيارتها وتنطلق بسرعة إلى العمة نورا.

وهي في طريقها فكرت بنورا .. لطالما كانت لطيفة وطيبة القلب .. بشعرها الأشقر المجعد والنمش اللطيف على أنفها إن منظرها سعيد يبعث على السعادة.
وصلت وقد تلقتها العمة بالعتاب واللوم قائلة :

(نورا) : إيمان! قولي لي هل أصابك الزهايمر حقا! مابكِ يا فتاة لقد أصبحتي كسولة جدا مؤخرا هل يتعبك سمير؟

(إيمان) : عمتي ماهذا الكلام أنتِ تعرفين أننا لم نعد نتواصل!

(نورا) : هيا يا فتاتي أعرف كم تحبون بعضكم. لا بأس ببعض المشاكل أحيانا فهي تضفي جوا لطيفا وخصوصا لحظات الصلح والتراضي. آه يا إيمان لماذا أحمر وجهك؟

(إيمان) : خلص يا عمة!

دخلت العمة نورا إلى أحد المحلات التي تبيع الألبسة النسائية ووقفت إيمان خارجا تنتظرها.
لفت نظرها داخل المحل فتاتين صغيرتين برفقة امرأة تلبس السواد. الفتاة الصغيرة تبدو في الخامسة ذات وجه أبيض وشعر أسود كالليل وعينان سوداوان تشعان براءة ولطف.
والفتاة الكبيرة تبدو بالحادية عشرة ذات شعر أشقر انسيابي ووجه أبيض وعينان بنيتان تشعان حذرا وخوف.

كانا يلبسان لباسا خفيفا جدا لا يقدر حتى أن يدفئ نفسه. تساءلت إن كانا من عائلة فقيرة إذن ماذا يفعلان في متجر غال كهذا؟

قررت أن تعرف وتوجهت إليهما بعد أن ابتعدت المرأة المرافقة لهما قليلا لتقابلها الصغيرة بابتسامة لطيفة. سلمت عليهما وسألتهما عن أسمائهما لتجيبها الفتاة الصغيرة بحماس :

(جودي) : أنا جودي وهذه صديقتي وأمي الصغيرة ليلى.
(إيمان): ههه كم أنتِ لطيفة يا حبيبتي هيا قولي لي .. هل جئت مع والدتك إلى هنا؟
(جودي) : لا هذه المرأة ليست والدتي إنها مربيتنا ماما إحسان المسؤولة عن وحدتنا.

(إيمان) : عفوا يا صغيرتي؟ أين تعيشون؟
(جودي بحماس) : نعيش في دار العطاء، هل تعرفين سوف أصبح مغنية يوما ما و سأخرج من الدار وصديقتي ستصبح شرطية و..

نهرتها ليلى بقوة وشدت على يدها لتسحبها إلى مكان آخر
كانت المرأة الكبيرة ماما إحسان تنظر إليهما بغضب ولاحظت إيمان الخوف في عيني ليلى بينما بدت الصغيرة غير مبالية مندهشة بكل ما حولها.

وأخيرا خرجت العمة نورا بعد أن رفعت ضغط البائع حاملة بعض الأكياس…

(إيمان) : الحمدلله يا عمة لقد وجدتي ما تريدين ولن نتجول في السوق في هذا البرد القارص.

(نورا) : مابالك تكرهين السوق يا فتاة؟ انت كسولة جدا!
(إيمان) : هل رأيتي تلك الطفلتين الصغيرتين يا عمة؟ لقد أحببتهما!
(نورا) : رأيتهما واستغربت جدا، إذ يبدو عليهما الفقر ألم تري لباسهما؟ لكن ماذا يفعلان في محل غال كهذا؟
(إيمان) : قالتا لي أنهما تعيشان في دار العطاء.

(انتفضت نورا وفتحت عيناها باندهاش وقالت):
دار العطاء! لقد سمعت أقاويل كثيرة عن هذا الدار يا إيمان. أقاويل تقشعر لها الأبدان.

* * * * *

ينتقل المشهد بنا إلى بناء قديم بثلاث طوابق ونوافذ متهالكة وباب خارجي ضخم رمادي اللون كئيب الهيئة.

المنظر من الداخل لم يكن يختلف كثيرا، هدوء تام لا يسمع صوت إلا بعض الهمسات المتقطعة ، جدران بيضاء وأثاث رمادي وأضوية متهالكة لا تضيء إلا نفسها.

في إحد الغرف في الطابق الثاني نرى الأم إحسان نفسها وقد علا صوتها بالوعيد والتهديد على فتاتين صغيرتي ، ولم تكن هاتين الفتاتين إلا ليلى وجودي..

(الأم إحسان) : سأنتزع شعرك يا غبية! شفقت عليك وأخذتك معي لتحادثي الغرباء؟ كم مرة حذرتك يا جودي ألا تتواصلي مع أحد من الخارج؟ ماذا كنت تقولين لتلك الفتاة آه ؟ تكلمي!

(جودي بخوف) : والله هي من حدثتني بداية يا ماما إحسان..

(الأم إحسان) : عقابك سيكون عسيرا يا فتاتي، والعقاب الأكبر سيكون للمغضوبة الكبيرة يبدو أنها لم تتب من آخر عقاب لها. هل يحكك جلدك يا صغيرتي؟

أمسكت الأم إحسان ليلى من شعرها وجرتها خلال الممر إلى غرفة في الطابق الأرضي .. غرفة مظلمة لا ضوء فيها ولا نوافذ، صغيرة تكاد لا تتسع لشخصين معا..

(الأم إحسان) : ستبقين هنا يا صغيرتي إلى صباح الغد. ولا تسألي عن طعام ولا شراب فأنتِ محرومة.

(تصرخ ليلى بخوف) : أرجوك يا ماما لا ذنب لي أرجوك أخرجيني!

يغلق الباب على ليلى ليمتلئ الطابق بصراخها وبكائها وتوسلاتها. ولكن هل من مجيب؟ لا.. وكأنها وحيدة في هذا المبنى.

ترجع الأم إحسان إلى جودي لتراها غارقة بالدموع ترتجف خوفا ، تصفعها إحسان على وجهها مهددة ومتوعدة لها أن لا ترى الشارع بعام آخر وتسمعها كلمات تكسر قلب الكبير.. فما بالكم بطفلة صغيرة!

* * * * * * *

نعود إلى نورا وإيمان لنراهما يجلسان في صالة بيت نورا..

(إيمان) : حدثيني يا عمة عما سمعته عن دار العطاء أريد أن أعرف!

(نورا) : يا ابنة أخي العزيزة حتى بعد انقاطعك عن الصحافة مدة عامين مازال يمشي حبها في دمك يا فضولية أليس كذلك؟

سمعت كثيرا من الأمور يا إيمان .. إن صح ما يقوله الناس فإن هذا الميتم لا يمت للإنسانية ولا الرحمة بصلة

يقولون أن الفتيات اللاتي يعشن هناك يتعرضن لأقسى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، وتسمع أصوات البكاء والنحيب منه على مدار اليوم. لقد سمعها جيرانهم مرات عدة وأخبروا الشرطة بهذا الأمر، ولكن الغريب يا إيمان أنه عند قدوم الشرطة ودخولهم للدار يتوقف صوت البكاء ويرحب بهم أحر الترحيب ، وترين الفتيات في أسرتهن، وإن سألت إحداهن تقول لك أنها سعيدة ومرتاحة جدا وكأن شيء لم يكن وكأنك دخلت لمكان آخر تماما!

(إيمان) : ماذا تقولين بحق الله يا عمة!؟ لا يمكن السكوت عن هذا أبدا!
لقد رأيت نظرات الخوف والذعر في عيني الطفلة ليلى صباحا وقد انفطر قلبي لحالها.

(نورا) : إن الشرطة لم تتوصل إلى شيء يا إيمان وإن كان هذا صحيحا فإن أمر هذا الدار مريب وغريب.

صديقتنا إيمان لم تقتنع كثيرا بكلام عمتها وكأن إحساسها الصحفي المتعطش للمغامرة وكشف الحقائق قد عاد لها من جديد. وقررت بعد بضع دقائق من التفكير أن تتحرى بنفسها عن هذا الدار ولو إضطرها الأمر لسلك طرق خطيرة.

* * * * * *

نعود إلى نفس البناء المتهالك ونفس الباب الكئيب ونفس الأجواء الصامتة و الأفواه الساكتة إلا من بعض النحيب المتقطع والبكاء الضعيف.
وننتقل إلى غرفة صغيرة في الطابق الثالث بثلاثة أسرة وخزانة وشباك صغير ذو ستارة مهترئة.
نرى ليلى وجودي يجلسان على الأرض وبين يديهما أوراق بيضاء وأقلام صغيرة يرسمان و يضحكان ضحكات بريئة وكأنهما في قمة السعادة.

(ليلى) : أتعرفين يا جوجو لابد أن تكوني ممثلة كوميدية.
(جودي) : لا.. أريد أن أصبح مطربة.
(ليلي) : إذا يجب أن تغني أغاني كوميدية.

تقف جودي وهي تضحك وتبدأ بالغناء بصوت خافت وعمل أشكال مضحكة بوجهها وتضحك ليلى عليها ضحكا شديدا. 
يفتح باب الغرفة فجأة ويبدو منه آخر وجه كانت الفتاتان تتمنيان رؤيته…

(الأم إحسان) : أرى أنكما تستمتعان ها؟.. أخشى أن أقطع استمتاعكما يا عزيزتاي فالأمر مستعجل. ليلى.. تحركي معي.

(ليلى بخوف) : إلى أين ؟ 
(الأم إحسان) : إلى جهنم.. بسرعة.

أمسكتها من يدها بقوة وجرتها إلى الطابق الأرضي وتحديدا إلى مكتب مديرة الدار سارين التي قل ما كانت تتواجد فيه.

نرى سارين خلف مكتبها ويجلس أمامها رجل خمسيني ذو رأس أصلع وجنزير من الفضة معلق في رقبته.
تتساءل صغيرتنا أين رأت هذا الوجه من قبل لتقطع سارين تساؤلاتها بقولها :

(سارين) : أهلا يا ليلى كيف حالك يا صغيرتي اليوم؟
(ليلى) : بخير.
(سارين) : تعالي سلمي علي.

تقترب ليلى من سارين لتقبلها الأخيرة في جبينها قائلة :

(سارين) : لقد كبرت منذ آخر مرة رأيتك فيها أما زلتِ مشاغبة؟ هيا سلمي على العم جاك.

تقترب ليلى بخوف من جاك هذا قائلة :

(ليلى) :مرحبا.

يقول بعد أن لمس شعرها ووضع يده الثانية على ظهرها :

(جاك) :مرحبا بليلى……..

* * * * *

تستيقظ إيمان على رنين المنبه في الساعة الثامنة صباحا لتنهض وتغتسل وترتدي ملابسها بعجلة وتخرج من البيت مسرعة متجهة إلى بيت عمتها نورا.

(نورا) : مابالك تطرقين الباب قبل الشحادة يا إيمان، الوقت باكر جدا!

(إيمان) : اسمعيني يا عمتي لقد قررت في الأمس أن أزور دار العطاء كمتبرعة. أريد أن أرى ما الذي يحصل هناك بعيني ربما استطعت مساعدة تلك الفتياة بمبلغ بسيط وربما استطعت فعل شيء آخر.

(نورا) : شيء آخر! ما الذي تنوين فعله يا فتاة ؟
(إيمان) : لا تقلقي علي أريدك فقط أن تعطني العنوان.

سجلت صديقتنا العنوان على عجل وودعت عمتها بعد أن سمعت منها وابلا من التحذير وشتى عبارات الخوف والقلق عليها ، لتطرق بعد ساعة بالضبط بابا رماديا كئيبا وتفتح لها امرأة عجوز بشعر أبيض ورداء رماديا ونظرات متسائلة…

(إيمان) : صباح الخير يا خالة كيف حالك؟ أنا ريانا جئت متبرعة لداركم. هل لي بلقاء المديرة ؟

(المرأة العجوز) :صباح النور، تفضلي وانتظري بالبهو قليلا من فضلك.

دخلت صديقتنا وعيناها تتفحص المكان بكل تفاصيله ، انتابها شعور طفيف بالرهبة والخوف وقد لاحظت أن بعض العيون الصغيرة كانت تراقبها من خلف الأبواب.
جاءت المرأة العجوز واسطحبت إيمان إلى غرفة سارين…

(إيمان) : صباح الخير يا سيدتي اسمي ريانا أنا هنا من أجل التبرع لداركم

(سارين) : صباح النور ريانا جزاك الله خيرا ، حدثيني عن نفسك قليلا.. كيف سمعت بدارنا؟
(إيمان) : أنا أعيش هنا من مدة قصيرة فقط وسمعت عن داركم من بعض جيراني، أحب أن أتبرع للأيتام كما أحب أن أقوم بجولة في المكان من بعد أذنك.

(سارين) : بالطبع لك ما تريدين. هل تحبين أن تكون الجولة فورا أم تشربين شيئا قبلها؟
(إيمان) : أفضل أن نتحرك فورا من بعد أذنك.

على طاولة للطعام في غرفة كبيرة جلست ليلى وجودي بجانب بعضهما

(ليلى) : أنا خائفة يا جودي ربما كان هذا الرجل يريد أن يتبناني ، لا أريد أن أتركك!
(جودي) : إذن ستتركينني ؟ أنتِ أمي الصغيرة لا أريد التخلي عنك!
(ليلى) : أتمنى ألا يكون قد قرر أن يأخذني معه وإلا سأحزن حزنا شديدا.. ربما سيصبح لي عائلة ولكن لا أريد أن أتركك.

يقطع حديثهما صوت باب قاعة الطعام يفتح لتدخل منه سارين ومعها ضيفة غريبة، ولكن سرعان ما تعرفت جودي على هذه الضيفة ووقفت صارخة :

(جودي) : صديقتي الغريبة من محل الألبسة! لماذا لم تخبريني بإسمك آه؟ لقد بقيت طويلا أفكر فيه وأخترع لك أسماء وهمية…

(إيمان تتقدم باتجاه جودي وتقول) : حبيبتي الصغيرة لم أكن أعرف أنك تعيشين هنا.. كيف حالك؟
(جودي) : عمه لقد أخبرتك أنني أعيش هنا هل نسيتي ؟ ما اسمك قولي لي؟

(إيمان بتوتر) : ريانا.

(جودي) : هل ستصبحين آنسة هنا؟

(إيمان) : لا أنا فقط جئت للتبرع.

(سارين): ما رأيك أن نجلس في مكتبي يا آنسة.

(جودي) : أرجوك يا ماما سارين دعينا نجلس قليلا مع صديقتنا.
(سارين) : فالترافقانا إلى المكتب إذا.

في المكتب جلست سارين تستمع إلى حديث الطفلتين مع ريانا وقد انتابها شعور بالشك تجاه الأخيرة، وخصوصا بعد الذي قالته جودي الصغيرة.

رن هاتف سارين فخرجت بعد أن أجابت ببضع كلمات :
(سارين) : نعم؟.. حالا.

(إيمان بعد أن خرجت المديرة وأغلقت خلفها الباب) : قولي لي يا جودي كيف تعيشان هنا؟

(جودي) : مثل الجميع لا يسمح لنا بالخروج.
(إيمان) : هل يتم ضربكم يا عزيزتي؟ قولي لي لاتخافي سأساعدكم.

(جودي بخوف) : ل.. لا
(إيمان) : هل يزوركم الكثير من الناس؟

(ليلى) : أحيانا يا آنسة.. يأتون للتبرع مثلك أو للتبني.. لقد جاء شخص من فترة وقام بأخذ صديقتنا مرح معه لقد تبناها هو وزوجته ولم يعد رغم أنه وعدها بأن يجلبها لزيارتنا. ولكن…. سمعت بالصدفة ماما إحسان تخبر أحدهم أنها هربت!

(إيمان) : هل تعرفين اسمه أو اسم أحدهم يا ليلى؟
(ليلى) : لا.. ولكن..

(إيمان) : تكلمي!
(جودي) : لقد جاء شخص البارحة مساء إلينا ويبدو أنه وعائلته يريد ليلى ليتبناها. قالت لي أن أسمه العم جاك وأنها تظن أنها رأته عندما خرجنا مع ماما إحسان إلى السوق.

(إيمان بقلق) : هل.. هل تقصدين البائع جاك؟

يقاطعها صوت الباب وهو يفتح بسرعة لتدخل منه ماما إحسان وسارين لتنتفض إيمان بخوف وترجع الطفلة ليلى إلى الخلف قائلة بفزع :

(ليلى) : أرجوكِ لا تعاقبيننا يا ماما إحسان هي من كلمتنا بالبداية وماما سارين تعرف.. لا أريد الغرفة المظلمة أرجوكِ…

(سارين): ما غرضك من كل هذه المعلومات يا عزيزتي؟ هل أنتِ صحفية ؟ أم شرطية ؟

(إيمان): ل..لا أنا فقط متبرعة.

(الأم إحسان) : متبرعة ها! يا مغضوبة هل تظنيننا أغبياء يا آنسة إيمان؟ لقد رأيتك في السوق تتكلمين مع البنات، وسمعت مرافقتك تناديك إيمان.. لماذا تكذبين ها؟

(سارين) : لقد عرفت أكثر من اللازم يا عزيزتي يبدو أنك ستتعبيننا.. لذلك لابد من استضافتك عندنا إن لم تمانعي.

* * * * *

في المنزل كانت تجلس العمة نورا في صالة منزلها تحاول الإتصال بإيمان من دون أن تتلقى إجابة من الأخيرة، بعد عشرات المحاولات وعشرات الرسائل قررت أن تتصل بسمير صديق إيمان.

(نورا) : مرحبا سمير
(سمير) : مرحبا.. العمة نورا ؟
(نورا) : نعم.. أين أنت ؟
(سمير) : أنا في البيت يا عمة. هل أنتِ بخير؟ إن صوتك غريب.
(نورا) : سمير تعال إلي فورا يبدو أن هناك أمر ما قد حدث لإيمان.

(سمير): ماذا؟.. إيمان؟.. سآتي حالا.

بعد أقل من نصف ساعة كان سمير يجلس إلى جانب العمة نورا يحاول أن يفهم منها.

(سمير) : دار العطاء؟ متى حدث هذا يا عمتي ؟
(نورا) : صباحا يا سمير لقد طرقت علي الباب في الصباح الباكر وقالت أنها ذاهبة إليهم لتساعدهم وها هي متغيبة قرابة السبع ساعات ولم ترجع حتى الآن ولا تجيب على هاتفها.

(سمير) : يا لها من غبية طائشة.. لا تقلقي يا عمتي سأتصرف.

يخرج سمير من المنزل ويركب سيارته ليتجه بأقصى سرعته إلى أقرب مركز شرطة

(سمير) : مرحبا أريد أن أرى العميد حالا
(الشرطي) : عفوا يا سيدي الوقت متأخر و..
(سمير مخرجا بطاقته قائلا) : معك المقدم سمير قل له أريد مقابلته حالا.

(الشرطي) : حاضر.

يجلس سمير في مكتب العميد نقولا ليباشر الأخير بالقول :

(نقولا) : خير يا سمير ما الأمر؟
(سمير) : هل سمعت عن دار العطاء يا سيدي؟
(نقولا) : بالتأكيد.
(سمير) : وماذا سمعت؟
(نقولا) : أقاويل كثيرة.. ولكن شرطة تلك المنطقة لم تقدر على إثبات إي شيء ضدهم..ما الأمر يا سمير..؟
(سمير) : إن صديقتي إيمان قد سمعت هذه الأقاويل وذهبت إليهم في صباح هذا اليوم لتعرف أكثر عن هذا الموضوع ولترى بعينها. أنت تعرف إيمان إنها صحفية.

(نقولا) : أجل.. أكمل
(سمير) : إلى الآن لم تعد ولا تجيب على هاتفها..

(نقولا) : ماذا؟ هل أنت متأكد أنها ذهبت إلى هناك؟
(سمير) : أجل يا سيدي لقد ذهبت إلى منزل عمتها صباحا وأخذت العنوان منها وبعد ساعة تقريبا أرسلت إليها رسالة من أمام الدار تخبرها أنها وصلت.

(نقولا) : إن قولك هذا خطير يا سمير، ولا أخفيك أن هذا الدار والقائمين عليه عليهم شبهات كثيرة وأخطر مما تظن ولكننا لا نملك دليلا قاطعا بعد.
وإن كانت إيمان قد وقعت في شباكهم فهي في خطر كبير..

(سمير) : إذن علينا التحرك حالا يا سيدي.

(نقولا) : لا يمكننا يا سمير.

(سمير) : لماذا؟ إنك تقول أنها في خطر.. فلماذا لا نتحرك حالا؟

(نقولا) : إننا لا نملك الدليل ضدهم إنها فقط شبهات.
وإن اقتحمنا دارهم فجأة لن نحصل على شيء وسنخرج خائبين كما خرجت دوريات شرطة تلك المنطقة. يجب أن نحبك لهم خطة جيدة ليقعوا في المصيدة وبالتعاون مع قسم الشرطة هناك.

* * * * * *

في مكتب المديرة جلست سارين والأم إحسان وجاك والطفلتين ليلى وجودي…

(سارين) : لقد تم التعامل مع الصحفية ياجاك ليس هناك داع للقلق. فقد تدبرنا أمرها لليوم وغدا ليلا سوف ترسل إلى المعلم.

(جاك) : هاتان الفتاتان كادتا أن توقعانا في مأزق كبير يجب التعامل معهم بأسرع وقت وإلا فلن نسلم من لسانهما.

(سارين) : إن ليلى قدرها مكتوب ومصيرها معروف فقد دفع ثمنها يا جاك والأموال لن ترد أبدا.

(جاك وهو ينظر إلى ليلى بنظرات غريبة شيطانية): لا بأس على ليلى الصغيرة ستذهب معي وهي ساكتة وصامتة ومن دون أي مقاومة وإلا ندمت.

(ليلى باكية ومتوسلة) : أرجوكم أريد البقاء هنا.. أرجوكِ ياماما إحسان..

(إحسان بتجاهل لليلى وكأنها معتادة على هذا التوسل) : والصغيرة المغضوبة؟ إن لسانها أطول منها. أقترح أن نرسلها للمعلم فهو يحب صغار السن.
(سارين بغضب) : لقد مللت من تصرفاتها وطيشها لابد من هذه الخطوة وإلا أخاف أن توقعنا بداهية.

ينتهي الاجتماع برحيل جاك وذهاب ليلى مع ماما إحسان لتجهزها للرحيل صباحا وإدخال جودي إلى الغرفة المظلمة لتكتشف أنها ليست وحيدة فإيمان مخدرة ومحبوسة هناك أيضا

* * * * * * 

جاء الصباح وقد حمل معه بردا شديدا ورياحا قوية وكأن الجو قد استشعر بما هو آت…

نرى سمير الشاب الطويل ذو السمرة والكتف العريض والعينين الزرقاوين أمام الباب الرمادي يطرقه بهدوء لتفتح له عجوز بيضاء الشعر ذات رداء رمادي قائلة :
كيف يمكنني مساعدتك؟

(سمير) : هل لي أن أقابل سيدتك من فضلك؟
(المرأة العجوز) : مدام سارين ؟ أنتظر قليلا.

ترجع العجوز بعد عدد لابأس به من الدقائق لتدخله إلى مكتب سارين.

(سمير) : صباح الخير مدام سارين كيف حالك؟ أنا عماد كنت مسافرا في الخارج وعدت منذ فترة وجيزة.

(سارين بإعجاب وابتسامة) : صباح الخير أستاذ عماد كيف يمكنني المساعدة؟

(سمير) : بصراحة أتيتك قاصدا أن أتبنى طفلة من عندكم.
(سارين) : وهل أنت متزوج يا أستاذ؟
(سمير) : لا.
(سارين) : حقا؟ كيف إذا تريد التبني إن هذا ممنوع
(سمير) : وهل هو حقا ممنوع؟
(سارين) : ماذا تقصد؟
(سمير) : أنتِ تفهمين علي يا مدام! أنا أعرف طبيعة عملكم وأريد التعاون معكم. أعرف أنكم تديرون دارا للأيتام ظاهريا بينما تكون تجارة الأعضاء والأطفال بمختلف الأعمار هي عملكم الحقيقي.

اسمعيني يا سيدتي الجميلة يبدو أنني سأضطر لذكر بعض الأسماء أمامك كـ جاك صاحب محل الألبسة والمعلم وغيرهم حتى تصدقيني..

(يكمل سمير قوله وهو يفتح حقيبة كبيرة كانت بحوزته) : ستكونين راضية يا عزيزتي

(سارين وقد التمعت عيناها عندما رأت هذا المبلغ الكبير من المال) : حسنا لا داعي يبدو أنك زبون محتمل. ماهو طلبك؟

(سمير) : أريد فتاة صغيرة السن لا تتجاوز السادسة.
(سارين) : همم بصراحة طلبك موجود أنتظرني قليلا.

تخرج سارين من المكتب وتغلق الباب لتعود بعد بضع دقائق برفقة عدد من الفتيات من بينهم جودي وقد تعرف عليها صاحبنا من وصف العمة نورا لها.

(سمير) : ما أسمائكن يا فتيات؟

(الفتاة الأولى) : سماح
(الفتاة الثانية) : ريناز
(الفتاة الثالثة) : جودي

(سمير) : كم أعماركم؟

(سماح) : 6
(ريناز) : 6
(جودي) : 5

(سمير) : همممم اقتربي يا جودي، كم قلتي عمرك؟
(جودي) : 5

(سمير) : هل تستطيعين العمل في المنزل؟
(جودي) : قليلا.
(سمير) : انصرفي.

(سارين بعد انصراف الفتيات): هاا ما رأيك يا سيدي؟

(سمير) : أرى أن جودي هذه مناسبة، وخصوصا أن لها قوام أكبر من عمرها وتستطيع القيام ببعض الواجبات. ولكن يبقى يا مدام سارين أن تقوم الفتاة ببعض الفحوصات الطبية فقط.

(سارين) : فحوصات طبية! وما الداعي لذلك
(سمير) : إن هذا أهم شيء يا عزيزتي وإن كان في الفتاة أي مرض معد أو علة فسنبحث عن غيرها فورا.

(سارين) : لك ما تشاء

في عيادة طبية صغير نرى جودي وسارين تدخلان إلى غرفة للفحص السريري لتقوم الطبيبة بإخراج سارين من الغرفة بحجة خصوصية الفتاة الصغيرة.

(الطبيبة) : اجلسي جودي.

(جودي) : ألن تفحصيني؟

(الطبيبة) : لا أخبريني أين إيمان بسرعة.

(جودي): ه.. هل أنتِ شرطية؟

(الطبيبة) : سأساعدك يا عزيزتي أخبريني حالا.

(جودي) : إنها في الغرفة المظلمة في الطابق الأول من الدار وسيأخذونها إلى المعلم ليلا.

(الطبيبة) : من هاذا المعلم؟
(جودي) : لا أعرفه، ولكن أرجوكِ ساعدي ليلى أيضا فقد أخذها جاك.

تخرج جودي من الغرفة وهي ترتب لباسها
وتقول الطبيبة بابتسامة لسارين

(الطبيبة) : الفتاة صحتها مثل الحديد لايبدو أنها تعاني من شيء في الفحص السريري ولكن نحتاج إلى هذه التحاليل لنطمئن أكثر.

يعود سمير في الساعة السابعة مساء إلى الدار حاملا حقيبته الكبيرة ورزمة من الأوراق
يدخل الدار متوجها إلى مكتب المديرة، بعد تحيته وجلوسه يقول :
 يبدو أن صغيرتنا معافاة تماما يا سيدتي، وإن هذا الأمر ليروق لي كثيرا!
هاهو المبلغ المتفق عليه

(سارين) : ولكن إنتبه يا أستاذ عماد فإن أمرا كهذا يجب أن يتم نسيانه تماما. وعند خروجك من هذا المكان لا تعد.

(سمير) : لا تقلقي يا سيدتي الجميلة
ولكن .. ماذا إن سأل أحدهم عن الطفلة؟

(سارين) : سنقول أنها هربت.

(سمير) : إذن فالأمر محبوك تماما. هل تعرفين لقد أخذت عقلي هذه الجودي. لطالما أحببت الصغيرات منذ كنت في الخارج.. وإن المشاهدين يدفعون كثيرا لمثل هذه الأمور.

(سارين) : ماذا تقصد بالمشاهدين؟
(سمير) : مشاهدي الغرف الحمراء يا سيدتي..
يجذبهم الأطفال ويدفعون مبالغ طائلة لرؤيتهم في تلك الغرف.

(سارين) : يا إلهي أنت شيطان

(سمير) : هل تريدين فك العقد وإرجاع النقود؟
(سارين وهي تنظر إلى حقيبة الأموال) : ومالي أنا بجودي وغيرها! أنت حر والمال الذي يدفع لا يرد أبدا. وأما جودي الصغيرة.. ليكن الله في عونها ههههههههههه

* * * * * * * * 

بعد خروج سمير بوقت ليس بقصير نلاحظ توقف سيارة كبيرة أمام الدار الكئيب ليخرج منها رجل قصير القامة أشعث الشعر وكبير اليدين يميزه جرح فوق عينه اليسرى ويرافقه خمس رجال ضخام يرتدون السواد ويحملون السلاح.

يدخل من الباب من دون طرقه ويدخل معه ثلاث رجال ليبقى إثنين لحراسة الباب.

نراه يجلس في حضرة المدام سارين والأم إحسان في نفس المكتب المشؤوم ليباشر الحديث قائلا :
 أتمنى ياسارين أن تكون الطريدة دسمة هذه المرة.

(سارين) : دسمة جدا يا عزيزي وطازجة، فتاة في مقتبل العمر.

(المعلم) : إذن أرنا.

تخرج الأم إحسان لتعود بعد بضع دقائق برفقة إيمان المخدرة وكأنها نصف مشلولة…

(المعلم) : هممم لحم طازج!

(سارين) : هههههههه إنك من عشاق اللحم أيها الشيطان أليس كذلك؟

(المعلم) : هه هه هه ومن منا لا يعشقه يا عزيزتي. أخبريني من أين لك بهذا الصيد الثمين؟

(سارين) : لقد كانت تحاول التجسس علينا، ولكنها أغبى من أن تنجح في هذا. قل لي يا عزيزي ماذا ستصنع بها؟ أعتقد أنها تجلب سعرا جيدا إن بيعت لزنغيل ما.

(المعلم) : أعتقد أنني سأحتفظ بها لفترة قصيرة، فإن مثل هذا اللحم حرام أن يتذوقه شخص قبلي.

(سارين) : إنك شيطان منافق!

(المعلم) : هل تغارين يا سارين؟ هههههههههه

في نفس اللحظة والتوقيت نرى الرجلين الواقفين على باب المبنى قد تلقيا ضربة مفاجئة من الخلف بنفس الوقت لتفقدهما الوعي، ومن ثم يجران من قبل ملثمين إلى زاوية ما. ونرى أفواجا من رجال الشرطة تحاوط المكان وبعضهم يدخل مسلحا إلى داخل المبنى ومن بينهم سمير، تنتشر الشرطة في المبنى ويدخل بعضهم إلى غرفة الإدارة لتفاجأ بهم سارين وصاحبها، والرجال الثلاث الذين يتأهبون بسرعة ويخرجون أسلحتهم، ولكن كانت الشرطة لهم بالمرصاد لتخضعهم رغم ضخامة حجمهم.
ولكن…..

إن المعلم أخبث من أن يخنع بسهولة فقد تراجع إلى أحد الزوايا وأخذ إيمان رهينة بين يديه ولم يبق غيره حرا. بعد أن تم إلقاء القبض على سارين والأم إحسان أيضا.

(المعلم) : إن لم تدعونني أخرج سأقتلها وأقتل نفسي.

(سمير) : لن تستطيع الخروج أيها المعلم، إن الشرطة تحاوط المكان.

(المعلم) : هل تحسبني أمزح معك يا هذا؟

يطلق المعلم رصاصة من مسدسه لتصيب النافذة ويتناثر الزجاج في كل الغرفة.

(سمير) : حسنا أخرج، دعوه يخرج.

يخرج برفقة رهينته ليصل إلى السيارة الكبيرة
ويتفاجأ بأعداد الشرطة في المكان، حاول فتح باب السيارة ولكنه لم يفتح لسبب ما فأدار وجهه إليهم يصرخ بأنه يريد سيارة حالا. يفاجئه سمير بإطلاق رصاصة تستقر في قدم إيمان، وتصبح الأخيرة عبئا على المعلم وتخر واقعة إلى الأرض.

لقد بانت الصدمة على المعلم وماكانت ردة فعله إلا أن وجه مسدسه إلى سمير وأطلق رصاصتين استقرتا في صدر صاحبنا. ردت عليه الشرطة بوابل من الرصاص جعله يخر واقعا بلا حراك.

* * * * * * 

في المستشفى نرى سمير في غرفة العناية المشددة برفقة طبيب يشرف على حالته. وفي غرفة أخرى نرى إيمان والعمة نورا والعميد نقولا يدور بينهم الحوار التالي :

(نورا) : يا قلبي على سمير أتمنى أن يتعافى سريعا.

(إيمان وعيناها تترقرق بالدموع) : لا أصدق ما حدث يا عمة، هذا كله بسببي، بسبب طيشي وفضولي.

(نورا) : إن ما فعلته يا نورا لم يكن إلا بداعي الخير والمساعدة، ليس عليك أي ذنب.

(نقولا) : الحمد لله على سلامتك وإن شاءالله سيخرج منها سمير بخير وعافية، إنه رجل قوي أنا أعرفه.

(إيمان) : سيدي! أخبرني عن الأطفال أرجوك.. كنت أتوقع أن الأمر مجرد تعنيف وترهيب لم أتخيل أبدا أن يصل الأمر إلى هنا.

(نقولا) : إن مديرة هذا الميتم تتاجر بالأطفال مقابل مبالغ من المال لرجال ونساء شواذ ولتجار الأعضاء وغيرهم. وهذا غير التعنيف والضرب المبرح وقلة الطعام واللباس، فهي بعد كل ذلك تسرق التبرعات أيضا.

(نورا) : يا إلهي!

(إيمان) : أرجوك! ماذا عن جودي وليلى؟

(نقولا) : إن جودي موجودة في دار تابع لقيادة الشرطة وهي بخير مع بقية الأطفال.
أما ليلى……… فلم نستطع مساعدتها، فإن الرجل الذي أخذها قام بتعنيفها واغتصابها وجسدها لم يحتمل.. يرحمها الله.

تنفجر إيمان باكية تلوم نفسها وتحاول العمة تهدئتها بشتى الطرق.

يطرق الباب لتدخل منه ممرضة تقول بابتسامة عريضة : إن سمير قد استيقظ يا سيدي وأنه لا يتوقف عن السؤال عن إيمان!

تنفجر المذكورة بنوبة بكاء أخرى وهي تحاول النزول لتذهب إليه ولكن جرح رجلها يمنعها.

لن تنسى صديقتنا هذه التجربة أبدا.. ولن تنسى ليلى أبدا.. كما أن ذكرى ليلى ستبقى محفورة في قلب جودي التي عاشت الويلات رغم صغر سنها..

وسيبقى دار العطاء هذا مكانا مشؤوما لم يكن يوما نبعا للعطاء ولا للرحمة.

****** النهاية ******

تاريخ النشر : 2020-09-01

Evana

سوريا
guest
13 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى