أدب الرعب والعام

الغرفة رقم 13

بقلم : ميرنا أشرف – مصر

ارتفعَت صرخاتهن مع عودة ضحكات الأطفال وصراخ المرأة الغريب لتُنتج لنا أيقونة موسيقية من الرعب
ارتفعَت صرخاتهن مع عودة ضحكات الأطفال وصراخ المرأة الغريب لتُنتج لنا أيقونة موسيقية من الرعب

” الرقم 13 رقمٌ صاحب سمعة سيئة ، يعتبر غراب شؤم لدى الأوروبيين و مكروهٌ لدى غالبية دول العالم ، يُقال أن منصبه عند السحرة كبير؛ حيث كانت جلسات السحر تتم بجلوس 12 ساحرة في حلقة و يكون العضو رقم 13 هو الشيطان نفسه، وعلى هذا المنوال تصرف بعض الوسطاء الروحانيين في جلسات تحضير الأرواح “.

كان الطريق طويلًا ، الشمس حارقة و التعب استبد منهم ، تعطلت سيارتهم فتركوها في جانب الطريق وجدّوا السير للعثور على استراحةٍ قريبة، كن ثلاث فتيات، صديقات من الطفولة “كلارا وسام وإلينا”، قررن الذهاب في رحلةٍ طويلة بمناسبة تخرجهن من الجامعة، ولكن طال بهم الطريق وتشابهت الاتجاهات، وما زاد الطين بلة هو تعطل سيارتهن في طريق يكاد يكون مهجوراً.

كلارا: كفى ، لقد تعبت، منذ متى ونحن نسير؟.

أجابتها سام وهي تجلس على الأرض بتعب: يُخيل إليّ أننا نسير منذ مدة طويلة، لم تأتي أي سيارة، ولم نقابل حتى لافتة تشير إلى مكاننا.

أردفت إلينا: كما أنني لا أرى أي استراحةٍ قريبة، أيعقل أن هذا الطريق مهجور ونحن دخلنا فيه بغير دراية؟.

قالت كلارا: هذا مستحيل ، لقد أشارت الخريطة أن هذا هو الطريق الوحيد الذي يؤدي لتلك البلدة التي نتجه إليها.

إلينا: إذا لماذا لم نقابل أي أحد في طريقنا!.

وقفت سام وأشارت إليهما: لا أعلم ، و لكن يجب أن نتحرك من هنا، الشمس حارقة وأحس بتعبٍ وإرهاقٍ شديد.

قاموا وأكملوا سيرهم وكلهم يأس ، و لكن فجأة أشارت كلارا إلى بقعة بعيدة قليلًا وسألت صديقتيها: هل ترون ما أراه؟.

صفقت إلينا بمرح: إنه مبنى، لقد نجونا!.

أسرعوا إلى حيث المبنى وقد تجدد داخلهم الأمل بالنجاة من هذا الطريق الغريب، كان مبنى عادي، ليس كبيراً جداً و لا يشبه الاستراحات التي تكون في العادة في هكذا طرق ، كانت هناك لافتة قديمة بعض الشيء معلقة على الباب تقول ، نظرت الثلاث فتيات إلى بعضهن بغرابة وتحدثت إحداهن..

إلينا: ماذا يفعل فندق في طريقٍ مهجورٍ كهذا؟.

سام: ربما كان للمسافرين أو للضائعين مثلنا، على العموم هيا ندخل؛ فأنا عطشة ومتعبة جداً.

أسرعت الفتاتان للدخول بينما نظرَت كلارا إلى النوافذ العلوية للفندق و لفت نظرها وجه طفلة صغيرة تحدق إليها من نافذة معينة، ابتسمَت كلارا للصغيرة ولوّحت لها بمرح ، و لكن الصغيرة ظلت على جمودها ثم ابتسمَت قائلة بصوتٍ خافت سمعته كلارا بصعوبة : كنا في انتظاركم.

في هذه الأثناء وصل إلى كلارا نداء صديقتيها فالتفتت لهما ثم أعادت النظر إلى الفتاة في النافذة ولكن لم تجدها، عندها شعرَت بقشعريرة باردة تضرب سائر جسدها.

اتجهت الفتيات إلى بهو الفندق ولكنه كان فارغ ، لم يجدوا أحداً في الاستقبال، قامت سام بالنداء ولكن ما من مجيب، نظرن لبعضهن في حيرة ثم قالت كلارا: هل الفندق مهجور؟.

– لا ، ليس كذلك ، صدرت هذه الجملة من خلفهن فالتفتن بسرعة لتقع أعينهن على رجل عجوز ضخم الجسم، كان ينظر لهن بتجهم ثم أردف: مَن أنتن وماذا تريدن؟.

سام: نحن كنا مسافرات ولكن تعطلت سيارتنا وبحثنا كثيراً حتى عثرنا على هذا المكان، هل بإمكاننا قضاء الليلة هنا؟.

-هل يوجد غيركن؟.

إلينا: نحن فقط.

– لا توجد سوى غرفة واحدة فارغة ، الباقي كله محجوز؛ فهذا الفندق يفضله البعض من الباحثين عن الهدوء بسبب بعده عن ضجيج المدن.

كلارا: لا بأس ، إنها تكفينا يا سيدي.

أخذن المفتاح و رقم الغرفة واتجهن إلى السلم، فقد أنهكهم التعب، كانت غرفتهم في آخر الممر، الغرفة رقم 13، فتحت سام الباب و دخلن ، فور دخولهن شعرن بلفحة برد هزت أجسادهن ، وعندما نظرن إلى الغرفة وجدنها عادية كأي غرفة تحترم نفسها، أثاثها قديم و لكنه يبدو ثمين، فيها حمام داخلي وسريران من الحجم الكبير ، ارتمَت إلينا وسام على أحدهما قائلتان بصوت واحد: وأخيراً ، بينما اتجهت كلارا إلى النافذة ثم نظرَت إلى صديقتيها قائلة: أنا لا أشعر بالراحة لهذا الفندق.

قالت إلينا: في الحقيقة أنا أيضاً بداخلي قشعريرة غريبة و كأن شيئاً ما سيحدث.

همهمَت سام: توقفا أنتما الاثنتان ، صحيح أنه يبدو غريباً و لكن ما الذي قد يحدث !، فلتحمدا الله أننا عثرنا على مكانٍ لنرتاح فيه بقية اليوم وغدًا نسأل صاحب الفندق عن ميكانيكي أو أي شخص متخصص من أجل سيارتنا.

وافقتاها الرأي و قررن النوم للحصول على قسط من الراحة بعد مشيهن الطويل تحت شمس الظهيرة.

كان الليل قد حل و أمسك فارس الظلام بعصاه ليمحو خيوط النور وتحل الظلمة على السماء، عندما استيقظت كلارا على صوت همسات، شخصٌ يهمس داخل الغرفة ، أضاءت نور الهاتف فقد كانت الغرفة غارقة في ظلامٍ غريب، نظرَت إلى صديقتيها ولكن كانتا غارقتين في النوم ، أحست بصوت الهمسات يعلو شيئًا فشيئًا، كان الصوت قادمًا من اتجاه النافذة، التفتَت في رعب إلى مصدر الصوت و وجدَت أن الستائر التي على النافذة ترفرف بقوة، “هذا هو مصدر الهمسات إذًا” تنهدت براحة وقامت من مكانها لإغلاق النافذة، شعرَت بقشعريرة باردة تزحف على أطرافها، عندما اقتربت من النافذة توقفت الستائر عن الانتفاخ وانبسطَت في مكانها، أزاحتها جانبًا ومدّت يدها لتغلق النافذة و لكن….كانت النافذة مغلقة وليس هناك كسر أو منفذ لدخول الرياح، إذًا كيف كانت تتحرك الستائر؟.

فجأة صدح صوت ضحكات أطفال ملأ المكان، انتفضت كلارا في رعب بينما استيقظَت سام وإلينا، قالت إلينا وهي تتثاءب: ماذا يحدث هنا؟.

أجابتها كلارا مرتجفة: هناك شيءٌ يحدث في هذه الغرفة، هيا بنا نخرج من هنا بسرعة.

في هذه الأثناء فُتح باب الحمام، نظرَت الفتيات لبعضهن في رعب و تمسكوا بأيدي بعض و هن ينظرن إلى الباب المفتوح، صوت صرخات امرأة ملأ المكان، كان الصوت كأنه صادر من الجدران نفسها، صراخ امرأة وضحكات أطفال و استغاثات كأنها من الجحيم، اهتزت جدران الغرفة وامتلأت بالشقوق، صارت النافذة تُفتح وتُغلق بعنف، لم تتحمل الفتيات ما يجري فوقعن أرضاً وفقدن الوعي وهن موقنات أنهن هالكات لا محالة، بعد مُضيّ بضع دقائق استيقظت الفتيات و وجدن الغرفة كما هي، هادئة، مخيفة، مقبضة، و لكن لا يوجد أثر لما حدث قبل فقدانهم الوعي.

كلارا برجفة: ماذا يحدث! هل كنا نتخيل أن الغرفة مسكونة؟.

سام: هذا مستحيل، لا يمكن لوهم أن يسيطر على ثلاثتنا، إلا لو كان ما مررنا به هي هلوسة جماعية.

أكدت إلينا و هي ترتجف: ما مررنا به ليس هلوسة أنا متأكدة، هذه الغرفة ليست عادية، الفندق نفسه لا يبدو عاديًا وصاحبه يثير ريبتي، يجب أن نخرج من هنا، يجب أن ننجو بحياتنا.

أومأت الفتاتان موافقتان ثم اتجهن مسرعات لباب الغرفة ، ولكن عندما فتحن الباب وجدن أمامهن فجوة سوداء ، تبدو و كأنها ابتلعت الممر بكل الغرف التي فيه ، لا يوجد أي شيء أمامهن ، فقط فراغ أسود،

صرخت إلينا في انهيار: ما الذي يعنيه هذا؟ ماذا يحدث هنا؟ هل أنا أتوهم أم أننا حُبسنا في هذه الغرفة؟.

ردت سام بصوتٍ مبحوحٍ من أثر الدموع: لا يمكن أن يكون هذا حقيقي، مستحيل.

– لا تخافن ، كنا في انتظاركن ، التفتن سريعًا ليجدن طفلة صغيرة، نفس الفتاة التي رأتها كلارا قبلً ا، اتسعت عيونهن و زادت رجفة أوصالهن عندما أكملت الفتاة بصوتٍ هامس مرعب: أنتن لنا، لن تخرجن من هنا، هذه الغرفة هي مثواكن الأخير.

أنهت عبارتها بضحكة انخلعَت لها قلوب بطلاتنا ولا تتناسب تماماً مع عمرها الصغير، قبل أن تنبس إحدى الفتيات بكلمة إذ يصدر طرق على الجدران، طرقٌ شديد صاخب وكأن الجدران ستسقط من فوقهن ، ارتفعَت صرخاتهن مع عودة ضحكات الأطفال وصراخ المرأة الغريب لتُنتج لنا أيقونة موسيقية من الرعب.

قطرات من الدم بدأت تظهر من اللا مكان و تنتشر على الجدران ، ظلال هائمة تظهر وتختفي. وضعَت إلينا يدها على أذنها صارخة: نحن هالكات، نحن هالكات.

احتضنتها كلارا وسام مرددتان: رحماك يا الله. و فجأة و بدون أي تفسير هدأ كل شيء، اختفَت الأصوات والظلال وقطرات الدماء، سكنَت الغرفة وعادت كما كانت، نظرن لبعضهن ثم قامت كلارا مسرعة وفتحَت باب الغرفة وإذ بها ترى الممر والغرف الأخرى ، اختفت الفجأة، نادت صديقتيها وأسرع الثلاثة للخروج من الغرفة إلى الممر فخارج الفندق تماماً .

سام: لا أصدق ، هل نجونا! هل خرجنا وانتهى كل شيء؟.

تحدثت إلينا وهي تلتقط أنفاسها: هيا نبتعد من هنا، لا أريد تفسيراً ، فقط دعونا نبتعد.

أسرعن بالعدو مبتعدات عن الفندق و غرفته المشؤومة ، بينما وقف صاحب الفندق في نافذة الغرفة 13 يتبعهن بنظره و على وجهه ابتسامة كريهة ، ثم قال : لا فائدة ، أنتن لنا.

النهاية ……

تاريخ النشر : 2021-09-04

guest
10 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى