أدب الرعب والعام

القتل لا ينجي من الموت

بقلم : Nobel Phantom
للتواصل : [email protected]

القتل لا ينجي من الموت
أخرج سيجارة من جيبه و عود كبريت ، و بعد أن أشعلها و نفث منها نفثتين أخذ قلما و كتب ..

الفصل الأول ..
القتل لا ينجي من الموت

لقد حل فصل الشتاء ، و سحر ذلك التساقط الأبيض الناعم للثلج في الهواء شوارع لندن القديمة ، تلك التي تسمع فيها صوت العربات .
في مكان ما يعيش ذلك الطالب المنطوي ريوت ، الذي لا يملك سوى اثنين من الزملاء في الكلية ، دائماً ما يجلس على المقعد ذو الذراعين في غرفته واضعاً إحدى رجليه على الأخرى و الدخان يتصاعد من شفتيه كما يتصاعد من كوب
قهوةٍ في الصباح ، لا يوجد في غرفته تلك سوى ذلك المقعد و طاولته التي لو جلس عليها أحد لرأى تلك النافذة التي تطل على الشارع العام .

كان الموت كل ما يشغل تفكيره في هذه اللحظة ، و كان يفكر في قتل أحد الأشخاص ! ثم طرأت له فكرة .. لماذا
لا يقتل أقرب الناس إليه ؟ أبويه .. نعم ، هذا أفضل من البحث عن شخص آخر غريباً عنه ، حدث نفسه قائلاً :
هل يعني هذا أنني أفكر في شيءٍ خاطئ ؟ هذا ما سيقوله أي شخص ، لنفكر .. كل ما سأفعله هو أخذ سكين حادة و قطع الوريد الذي في رقبتيهما ، سيخرج الكثير من الدم و سينتفضان قليلاً ثم تشل حركة أجسادهما ، بعدها سيبدأ تحلل جثتيهما ، البشر يقولون أنك ستسلب أرواحهما بهذه العملية ، لكنهم لا يعرفون كيف ، و كيف لهم أن يعرفوا ؟! فهذا عمل إلهي .
انتهت السيجارة التي في فمه و شرب كوباً من القهوة و أخذ معطفه و شاله الأسود و خرج ..

في اليوم التالي ذهب إلى كليته ، كانت هذه السنة هي آخر سنوات دراسته الجامعية ، دخل إلى القاعة و جلس ينتظر بدء المحاضرة و بجانبه صديقيه القديمين يتبادلان أطراف الحديث ، ظل صامتاً حتى فرغا من حديثهما ثم عرض عليهما صوراً كان قد التقطها ، كانت الصور لأبويه و هو ينحر عنقهيما في الليل إلا أن الصور لم تكن واضحةً جداً ، كانت تظهر صديقهما ممسكاً سكيناً نصفه قد دخل في رقبة كل من والديه ! تجمد صديقيه في مكانيهما كالتمثالين من هول الصدمة ، ثم تكلم أحدهما و هو يكتم فزعه قائلاً :
– أنت تمزح أليس كذلك ؟
فضحك ريوت ضحكة خافتة ماكرة و التفت إلى البروفيسور الذي كان قد حضر أثناء ذلك و لم يرد عليهما ، و بعد انتهاء المحاضرة قال لصديقيه :
– إتبعاني ..

أطاعاه و أخذا يفكران بأن صديقهم سيقول بأنه كان يمزح و أن تلك الصور ما هي إلا خدعة لإخافتنا ، نعم لا بد أن الأمر كذلك .. لقد كنا غبيين ، لقد خدعنا بمنتهى البساطة ، أدركا كل ذلك و هما يتبعانه حتى دخل زقاقاً صغيراً و توقف ، ثم التفت إليهما لكن قبل أن يقول شيئاً قاطعه أحد أصدقائه قائلاً :
– لقد عرفنا خدعتك السخيفة تلك ، لا داعي لأن تخبرنا بشيء ، يا لك من ماكر
قاطعه ريوت قائلاً :
– يا لحماقتكما … ثم أخرج السكين الذي كان قد أخفاها في الزقاق في وقت سابق ، كان ذلك السكين هو نفسه الذي شاهداه من قبل في الصورة !!
قال و هو يقرب السلاح من رقبته :
– سبب انتحاري هو ذاك الذي شاهدتماه في الصور ، ليس لدي أيُّ سبيل للنجاة ، لن يقتلني أحد غيري .
ثم مرر السلاح من خلال شاله الأسود فتطاير الدم على معطفه و سقط على وجهه و أخذ ينتفض حتى هدأ .

فزع الآخران ، لم يعرفا ما الذي عليهما أن يفعلاه ، ففضلا الهرب خشية أن يكونا متهمين ، و كتما الأمر حتى صباح اليوم التالي .. و في قاعة المحاضرة أخذا يفكران و هما ينظران إلى مقعد صديقهما ، فأدركا أنه كان عليهما أن يخبرا رجال الشرطة مباشرةً ، أما الآن فسيكونان متهمين حقاً ،
لكن الأوان قد فات .. حضر البروفيسور و بعد ذلك بدقائق نقر أحدهم على باب القاعة و دخل ، سمح له البروفيسور بالجلوس ، و الغريب في الأمر أن ذلك الشخص مشى إلى مقعد الشخص الذي انتحر منذ أمس و جلس ، لم يلحظ
الصديقان وجهه إلى أن إلتفت إليهما و ابتسامة ماكرة تتراقص على شفتيه .. كان ذلك الشخص هو صاحبهما الذي انتحر بالأمس !!

الفصل الثاني ..
إخدع المكر

الصديقان و ليكونا x و m ، خافا و كاد الفزع أن يخنقهما و هما يفكران كيف رجع ريوت من الموت ، لقد شهدا على خروج روحه بأم أعينهما ، ذلك شبح لا بد أنه شبح !!
و بعد فترةٍ قليلةٍ طرق باب القاعة و ظهر من خلفه رجل قال للبروفيسور :
– عذراً سيدي و لكن والدي ريوت يريدانه لأمر ضروري .
سمح البروفيسور لريوت بالمغادرة ، و في تلك اللحظة أغمي على x و m و قد أخذا إلى المشفى و بعدها نقلا إلى بيتيهما ، حيث قال الطبيب أنهما فاقدين للوعي فقط و لا خوف عليهما .

عندما أفاق x من غيبوبته تذكر أحداث اليوم ، و ذكرت له والدته ما جرى بعد أن فقد الوعي ، و أعطته رسالة وصلت إليه للتو و خرجت من غرفته ليرتاح ، لكن أنَّى له ذلك !! و كيف لباله أن يهدأ بعد رؤيته لتلك الأشباح و قد عادت من قبورها ؟! فكر x .. لابد أن أحصل على تفسير للأمر و لكن كيف ؟
طرأت على باله فكرة فأرسل رسالة لصديقه m ذكر فيها
أنه يريد مقابلته في المقهى للتحدث معه عن أمر مهم ، أخذ معطفه و خرج من البيت و في الطريق قرأ الرسالة التي كانت قد وصلت إليه ، عندما وصل للمقهى وجد m ينتظره هناك طلبا لنفسيهما مشروباً ثم بدأ m بالتحدث قائلاً :
– الأمر الذي تريد الحديث عنه هو بخصوص ما حدث بالأمس و اليوم أليس كذلك ؟ فعلاً إنه أمر لا يصدق حتى أنني لازلت أرتجف خوفاً من المدعو ريوت هذا .

– لا عليك أعرف شخصاً يستطيع حل أشياء كهذه و العجيب أنه يدرس معنا ، كانت هناك شائعات عنه فقط إذ أنه لم يقابل أحداً من قبل ، و لكن لنراهن عليه في الوقت الحالي .
– وكيف سنصل إليه
– هناك طريقة أخبرني بها أحدهم و هو أن نرسل طلبنا في برقية و نكتب فوقها ” إلى الشبح “
– و كيف عرفت هذا ؟
– عندما كنت فاقداً للوعي أرسل لي رسالة ذكر فيها هذه التعليمات و كتب عليها “من الشبح “
– هذا يثبت وجوده ! لا أدري كيف عرف أننا بحاجة إليه ؟! و لكن المهم هو أنني أريد تفسيراً لما حدث ، فأنا موافق على فكرتك هذه و لكن إلى أين سنرسل البرقية بعد كتابتها..
رد x : لقد ذكر أنه علينا كتابتها و وضعها أمام بيت أحدنا و سيحضر هو إلى البيت .
– لنجعل الأمر في بيتي فأنا أسكن وحيداً .

و بعد أن كتبا البرقية و وضعاها أمام بيت m بعدها بساعتين مرت سيارة و وقفت أمام البيت خرج منها رجل كثيف اللحية
يلبس نظارة و يرتدي قبعة و معطف طويل ، قرأ البرقية و دخل البيت معهما ، و بعد ذلك تحدث m و شرح للسيدالغامض ما حدث فلم ينطق بأي حرف ، أشار فقط إلى ورقة و قلم و كتب رسالة جاء فيها ما يلي :
أنا سأحل قضيتكما في حلول الغد
ناما بارتياح فقد عرفت نصف الحل
الليل لن يدوم طويلاً
رغم ذلك سأقابلكما في بيت الفاعل
ينبغي أن أكشف الغموض
وسأشرح الحل بالتفصيل
تأكدا من الحضور غدا في بيت ريوت.
و انصرف …

و في اليوم التالي حضر كل من m و x إلى بيت ريوت و قرعا الباب ففتح ريوت و حياهما و قال تفضلا ، لقد أخبرني ذلك السيد الشبح عنكما .
دخلا إلى البيت فأخذهما ريوت إلى غرفته و جلسا على كرسيين كان قد أحضرهما ريوت للتو ، والغريب أنه لم يكن في الغرفة سوى مقعد واحد و كرسيين و عندها قال ريوت :
آه تذكرت أمراً .. علي الذهاب ، رجاءً إذا حضر السيد الشبح فأدخلاه إلى الغرفة .

و بعد ذهاب ريوت بدقائق دق الباب و جاء الشبح ، أدخلاه إلى الفرغة و أجلساه على المقعد ، كانت عيناه تلمعان كما القط ، أخرج سيجارة من جيبه و عود كبريت ، و بعد أن أشعلها و نفث منها نفثتين أخذ قلماً و أخذ يكتب على الورقة :
لقد حققت بأمر ريوت فهو ليس سوى مخادع ، لا أدري ما هو دافعه وراء ذلك ، لكني عرفت خدعة الصور في تلك الليلة ، كانت حفلت عيد ميلاده فثمل والداه ، و دبر هو الخدعة بحيث أحضر الشراب المتبقي الذي كان أسمه “واين” و سكب بعضه على رقبتيهما ، و أخذ سكيناً من المطبخ و قطع نصفه و وضعه على رقبتيهما بحيث يظهر أن النصف داخل الرقبة و وجدتُ القطعة المقطوعة ، و قالت والدته بأنها كانت سليمة قبل الحفل و هكذا خدعكما بموت والديه ، أما بالنسبة لموته هو فلم تكن سوى خدعة أخرى حيث ربط كيساً صغيراً به نفس الشراب و أدخل السكين في الكيس فظهر للناظر بأنه طعن نفسه و سقط على وجهه ، لقد تعمد ذلك لأنه لو سقط على ظهره للاحظتما أنفاسه و لهذا سقط على وجهه ، و انتفاظته لم تكن سوى تمثيل لكي لا تتحققا من أمر موته و أنتما لم تلاحظا أي شيء لأنكما كنتما مرعوبين من قبل بسبب الصور .

و من ثم كتب : تمعنا في الورقة التي كتبتها أمس في بيت m
و رحل .
بعدها بدقائق عاد ريوت ، فقالا له : لقد رحل الشبح
رد ريوت : و ماذا قد قال لكما ؟
أجاباه : شرح لنا خدعتك أيها الماكر ، أطلق ريوت ضحكة قصيرة و قال :
في الحقيقة كنت أشعر بالملل فأحببت أن أمزح معكما قليلاً ، أرجوا ألا أكون قد ضايقتكما .. و عاد للضحك و سط غضب زميليه منه .

بعد أن رحلا جلس ريوت خلف الطاولة و سكب لنفسه كوباً من القهوة و أشعل سيجارة و أخذ يقول في نفسه .. يا لهما من أحمقين ، لم يدركا أن الشبح كان أنا ريوت متنكر ، مع أنني كتبتها في الورقة منذ أمس ، لو أخذا حرفاً من بداية كل سطر لفهما الرسالة و لعرفا اللعبة .

..النهاية..

تاريخ النشر : 2016-09-07

guest
16 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى