تجارب ومواقف غريبة

القناع

بقلم : جيجي عادل – مصر

القناع
إلا هذا القناع فهو لم يتذكر من أي دوله اشتراه أو متى ..

كان والدي رحمه الله دائم الأسفار , كثير التنقل , يعشق السفر و يقول إن للسفر سبع فوائد لا اعلمها بالطبع , لكن ما أحببته بالتأكيد هو عودته محملا بالهدايا و التذكارات التي كان يعشق جمعها , فهذا الفيل من تركيا .. و جمل رائع من المملكة العربية السعودية .. وأطباق من الخزف و مسابح .. و الكثير من التذكارات النادرة التي يتذكرها والدي و يسرد لنا قصه كل تذكار منها بدقه مذهله , إلا هذا القناع فهو لم يتذكر من أي دوله اشتراه أو متى , كل ما نذكره إننا وجدناه معلق على صدر حائط ضخم في بهو المنزل , وكان القناع غريب الشكل , فهو قناع لامرأة إفريقيه ذات عيون بنيه اقرب إلى الاحمرار و شفتين غليظتين و ابتسامه باهته … والأمر المثير في هذا القناع هو انك تحس انك أمام وجه حقيقي بكل تفاصيله حتى انك لتستطيع رؤية بعض التجاعيد البسيطة حول العينين و الفم , وكأن القناع هو قالب لوجه حقيقي , و كانت نظره العينين قويه جريئة ثاقبة ؛ و لكنى لم أعطي أي اهتمام لهذا القناع وتعودت رؤيته و لم يثر في نفسي أي قدر من الخوف أو الاهتمام إلا بعد هذا الحادث .

 فلقد كان شقيقي الأصغر مصابا بمرض التبول اللاإرادي عافاكم الله , لكن الشيء الذي لم نلحظه انه لم يكن يبلل فراشه إلا في منزلنا فقط , فعندما كان يذهب للمبيت عند جدتي أو أي من أقاربنا يكون طبيعيا للغاية ولا يبلل فراشه و لو لمرة واحده . وفي إحدى الليالي استيقظت من النوم لأجد شقيقي واقفا بجوار باب الحجرة مبللا كعادته , وعندها صحت به و عنفته لما لم تذهب إلى دوره المياه ما دمت مستيقظا ؟ .. عندها بكى شقيقي , فاعتذرت له و احتضنته و هدأت من روعه لما رأيت على وجهه من خوف و فزع , و هنا قال لي انه سيخبرني بسر .

فشجعته و أنا أحثه على الكلام حثا , حتى قال لي انه يرى ما لم نرى جميعا فعندما كان يخرج من حجره نومه إلى دوره المياه كان يمر على بهو المنزل , و عندها كان يرى القناع ينظر إليه بل يحملق فيه بعينين حمراوتين تبرقان في الظلام كأنهما جمرتين متقدتين , وقال لي إن العينين تتبعانه و تتحركان في محجريهما يمينا و يسارا و يبدو الوجه كأنه دبت فيه الحياة .

بالطبع اعتقدت أنها مخاوف طفل صغير و أنها تخيلات و أوهام , لكنى لا أنكر إني بدأت اهتم بأمر هذا القناع ولأول مره أحسست بالانزعاج من وجوده , ووعدت أخي أن استيقظ معه كلما أراد الذهاب إلى دوره المياه  حتى أبين له انه لا يوجد شيء وانه مجرد رأس حجريه غبية معلقه على الحائط و أن مخاوفه لا أساس لها من الصحة , لكنه أصبح هاجسا مزعجا بالنسبة لي , و أصبحت أقضي الوقت و أنا انظر إليه و أحس أن به سر غامض .

و ذات صباح استيقظنا فوجدنا القناع محطما على ارض البهو على الرغم من وجود الخيط الممسك به سليما و قويا و غير ممزق . وعلى الرغم من مرور سنوات طويلة على هذه الحادثة إلا أن شقيقي الذي أصبح شابا يافعا الآن ما زال يتذكر هذا القناع و يقسم أن ما قاله كان صدقا , فلقد كان القناع لغزا غامضا , فلم يتذكر والدي رحمه الله من أين حصل عليه , و لم يتذكر قصته , و لم نعرف حتى الآن كيف سقط و تحطم و تحول إلى شظايا صغيره , لكن الأهم هو أنه قد سرى شعور عام بالارتياح لتحطم هذا القناع .

تاريخ النشر 26 / 04 /2014

guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى