أدب الرعب والعام

الكتاب العجيب 1

بقلم : الجنية الصغيرة – الجزائر
للتواصل : [email protected]
المهم أن الكتاب صار ملكي ، و رحت أقرأ فيه بنهم ، فرأيت فيه العجب العجاب

لا أدري كيف سارت الأمور عندما وقع ذلك الكتاب في يدي و لا كيف جرت لي الحوادث التي سأرويها لكم عندما حاولت تجربة ما قرأته في ذلك الكتاب .

كنت في بداية المراهقة يومها – في الصف الأول أو الثاني إعدادي – ، لم أعد أذكر بسبب طول المدة ، و ما أذكره أيضاً أنني لم أكن طالباً مجداً ، و كنت أخدع والدي متظاهراً بالاجتهاد ، مع أنه كان يشقى و يتعب ليؤمن لي و لإخوتي ما نحتاجه ، إنني أخجل من نفسي الآن ،  أتذكر أنني كنت أخدعه و أبرر رسوبي بكره المعلم لي ،  كان المسكين يصدقني لأنه كان صادقاً و كان يريدنا أن نكون مثله ..

ذات يوم  كنت في زيارة قريبٍ لنا ، و لأني كنت فضولياً بطبعي رحت أقلب في خزانة عتيقة عندهم ، فوجدت كتاباً قديماً ممزق الجلد و الأطراف ، دفعني حب الاستطلاع لتصفحه و ما كدت أن أقرأ بعض السطور حتى أخذتني الدهشة و غبت عما حولي و لم أشعر إلا و صاحبة البيت تهزني من كتفي و تسألني و هي تتأملني :
– هل أنت بخير يا بني؟
– نعم يا خالتي .. ماذا حدث؟
– لقد شاهدتك فاغر الفم و جاحظ العين ، منتصباً كعمود حجري و الكتاب مفتوح بين يدك ، ناديتك و كررت النداء فلم تجبني ، خفت أن سوءً قد أصابك .
– ليس هناك ما يسوء يا خالتي، كنت أطالع هذا الكتاب ، إنه كتاب يتحدث عن التاريخ ، هل تسمحين لي بأخذه ؟
–  بارك الله فيك ، خذه عني و لك الشكر ، إنه قديم و ممزق و كنت سألقي به من النافذة.

ضحكت في سري و أسرعت إلى البيت فرحاً ، و أنا أرثي جهل قريبتنا التي لو عرفت قيمته لما قبلت بوزنه ذهباً ، حمدت في سري جهلها ، المهم أن الكتاب صار ملكي ، و رحت أقرأ فيه بنهم ، فرأيت فيه العجب العجاب ، فهذه الصفحة تقول أن ما فيها يستطيع أن يعمي البصر، و صفحة أخرى تقول أنها تجعل من تشاء قويا خارق القوة ، و صفحة ثالثة تقول أنها تستطيع الاهتداء إلى الكنوز المخبأة في باطن الأرض ، و هكذا أشياء و أقوال كثيرة أخرى ، ما يهم الآن أنني قمت بتجربة بعضها وإليكم ما حدث معي  .

الحكاية الأولى :

قرأت في صفحة من صفحات الكتاب ما معناه: إذا أردت أن تخفي نفسك عن أنظار شخص معين فاقرأ الكلمات التالية عشر مرات و أنفخ في وجهه فإنه لا يستطيع رؤيتك بعدها .

سررت كثيراً بما قرأت و  تذكرت موعدي غداً في امتحان الرياضيات ، لقد أصبح الأمر سهلاً الآن ، هذا ما قلته لنفسي و سرحت في خيالي ،  تخيلت نفسي و أنا أفتح الكتاب أثناء الامتحان و أكتب ما يحلو لي و المدرس يمر بجانبي دون أن يراني ، و قد تماديت في الخيال و نلت العلامة التامة بين دهشة زملائي جميعهم .

أفقت من تخيلاتي  و قد جاء المساء ، و بدلا من مراجعة دروسي و التحضير للامتحان رحت أحفظ كلمات تلك الصفحة دون أي فهم .. رددت الكلمات التي حفظتها تماماً و كان الليل في منتصفه و والدي المسكين ينظر إلي فرحاً ظناً منه أني أراجع دروسي ، حتى رأف بحالتي و خاطبني قائلاً : ألن تنام يا بني ؟

كان النعاس قد غلبني فقمت إلى الفراش و أجبت والدي متصنعاً الاجتهاد :  ماذا أفعل يا أبي؟ غدا لدينا امتحان و يجب أن أستعد .
– عافاك الله و وفقك يا ولدي .. هكذا سمعت والدي يقول و أنا بين اليقظة و النوم في الفراش .

استيقظت باكراً في صباح اليوم التالي و راجعت ما حفظته من الكتاب ، ثم ذهبت للمدرسة متباهياً أنتظر بفارغ الصبر موعد امتحان الرياضيات لأبرهن لهؤلاء الجهلة من أنا .

جاء المدرس في موعده ، و بسرعة ردد كلماته المعروفة : ارفعوا كل ما أمامكم ، انتبهوا جيداً ، كل من يحاول الغش أو يساعد عليه يعطى صفراً أو يخرج من قاعة الامتحان و قد أعذر من أنذر ، هل فهمتم ؟
ثم وزع علينا أوراق الإجابة البيضاء و أردف : هيا ليكتب كل منكم اسمه و رقمه .. هيا أسرعوا .

ثم التفت إلى السبورة و راح يكتب الأسئلة عليها  ، لم أكن أبالي بما يكتب ، بل كنت أردد الكلمات التي حفظتها  و عندما أكملت قراءتها عشر مرات كان المدرس قد أنهى كتابة الأسئلة و التفت نحونا ، فنفخت في وجهه كأنني أنفخ عنه غبار السبورة ، نظر الأستاذ إلي فحسبته لم يرني و كان هذا كافياً لكي أتصور نفسي و قد حققت ما أريد ، قال المدرس بعد قراءة الأسئلة وتوضيحها :هيا ابدؤوا الإجابة .. أمسك زملائي بأقلامهم و راحوا يكتبون  .

مددت يدي إلى درج المقعد و أخرجت الكتاب و بسرعة كان الكتاب مفتوحاً أمامي أنقل ما أريد بحرية تامة و كأني أكتب واجباً في بيتي .

مرت فترة قصيرة و أنا أنقل ما أريد  ، لم أكن أدري أن المدرس قد رآني ، و لكنه أحضر موجه الصف .و لم أشعر إلا بيد قوية تهبط على كتفي  ، قفزت عن المقعد مذعوراً ، بينما قهقه المدرس و الموجه قال ساخرا :كيف درس القراءة ؟ ، عفواً ، عفواً ، هل هذا درس المطالعة الحرة !؟

قال الموجه هذا ثم جرني خارج قاعة الدرس ، و شدني بقوة إلى غرفته و هناك انهالت مسطرته على يدي في أربع ضربات قوية ، ثم طردني خارج الغرفة و هو يقول : يكفيك هذا هذه المرة  و إذا كررتها فسأريك كيف تغش أيها الكسول .

كنت متفاجئاً لا أكاد أشعر بما يجري و كأني في حلم ، عندما انتبهت أحسست أن أصابعي تتقطع من الألم أما عيناي فتغمرهما  الدموع و أنا أحبسها مكابرة  .
بعد ساعات هدأت جيدا و رحت أفكر بما جرى ، ففسرت انكشافي لسببين :

الأول أن يكون أحد الطلبة قد أشار للمدرس أو للموجه و كان هذا معقولاً جداً بالنسبة إلي إذ كنت أتصور أنهم يغارون مني لأني سأنال العلامة التامة.
أما السبب الثاني هو أني لم أجد قراءة الكلمات بالشكل الصحيح لذلك لم تعطي مفعولها .
غير أن السبب الحقيقي لم يخطر أبداً ببالي .. يتبع

تاريخ النشر : 2016-08-21

guest
41 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى