ألغاز علمية

الكثافة العجيبة : المجرات والثقوب السوداء

بقلم : محمد عبد الله قوبعة – تونس

المجرات هي عبارة عن جزر كونية سابحة في الفضاء حيث تحتوي المجرة الواحدة على مئات الملايين او المليارات من النجوم و تحتوي ايضا على الكواكب و النيازك و الثقوب السوداء و الغبار الكوني و الغازات الضرورية لتكون وولادة النجوم ..
في اواسط القرن الماضي قام العلماء بتصنيف المجرات الى ثلاثة مجموعات رئيسية حسب شكلها وهي :

blank

1- المجرات الحلزونية : التي تظهر لها اذرع حيث لاحظ العلماء وجود حوصلة شديدة اللمعان في مركز معظم المجرات الحلزونية و تنشأ تلك الحوصلة من تجمع النجوم في مدارات قريبة من المنطقة المحيطة بالثقب الاسود القابع في مركز المجرة و تمتد من هذه الحوصلة اذرع مكتظة بالنجوم تلتف بشكل لولبي وتشكل المجرات الحلزونية ما نسبته 78% تقريبا من مجموع المجرات المعروفة في الكون

2- المجرات الاهليجية : و تظهر باشكال بيضوية مفلطحة قريبة من شكل العدسة مع اختلاف في الاستطالة وفي مركز كل مجرة بيضوية يوجد ثقب اسود كما هو الحال في المجرات الحلزونية و تشكل المجرات الاهليجية ما نسبته 18% تقريبا من مجموع المجرات المعروفة

3- المجرات غير المنتظمة : التي تبدو على هيئة مجموعات ضخمة من النجوم و الغازات و الاتربة الكونية دون ان يكون لها شكل محدد اما عن اسباب ظهورها بتلك الاشكال الشاذة فراجع بالاساس الى عمليات احتكاك مع مجرات اخرى ولا تشكل المجرات غير المنتظمة سوى ما نسبته 4% تقريبا من مجموع المجرات المعروفة

تمكن العلماء ايضا من رصد مجرات نادرة ذات اشكال غريبة مختلفة عن الاصناف الرئيسية السابقة من بينها المجرات الخاتمية التي تظهر على شكل خاتم وعادة ما يلفت هذا النوع من المجرات انتباه الباحثين لندرتها ولغرابة شكلها
ومن المجرات النادرة ايضا نوع يعرف بالمجرات المظلمة تحتوي على اعداد قليلة جدا من النجوم لذلك يجد العلماء صعوبة كبيرة في رصدها

التقطت عدسات التلسكوبات ايضا صورا لمجرات ذات اشكال بديعة لافتة للانظار مثل مجرة سومبريرو الرائعة والتي تبعد عنا نحو 31 مليون سنة ضوئية وتتميز مجرة بنواة شديدة اللمعان محاطة بحزام من الغبار الكوني الساطع حيث اعتقد العلماء في البداية انها مجرة حلزونية ضلعية لكن الصور الملتقطة من تلسكوب سبيتزر الفضائي اثبت ان حلقة الغبار حول نواة المجرة اكبر بكثير مما كان يعتقد مما يدل على انها مجرة اهليجية

blank
الى اليسار صورة لما يقول العلماء انه ثقب اسود .. حتى الضوء لا يستطيع الهرب من الثقب الاسود

وعلى العموم فان الحديث عن المجرات يجرنا للحديث عن الثقوب السوداء باعتبارها احد اهم المكونات الرئيسية لاي مجرة ولعل اول ما يتبادر للاذهان عند التطرق لهذا الموضوع هو مدى دقة المعلومات التي توصل اليها الباحثون بخصوص كثافة هذه الاجرام اذ لا يخفى على المتابعين لاخبار الفضاء ان العلماء يتحدثون عن مستويات عالية من الكثافة قد لا تستوعبها العقول حيث ذكر الباحثون في بعض الدراسات ان القبضة الواحدة من مادة الثقب الاسود يعادل وزنها عشرة اضعاف وزن الارض (1) بل جاء في بعض المصنفات العلمية (2) المخصصة لدراسة الاجرام السماوية ما معناه : ( ان النجم النيوتروني برغم كثافته وثقله الخرافي حيث يبلغ وزن السنتيمتر المكعب الواحد منه حوالي مئة مليون طن كل هذا لا يقاس بالثقب الاسود فالثقب الاسود اكثر كثافة و اثقل وزنا و اعظم انضغاطا )

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو كيف توصل الباحثون الى كل هذه التفاصيل وعلى اي اساس بنوا دراساتهم و استنتاجاتهم وكلنا نعلم ان مراصدهم العملاقة عجزت عن رصد اى ثقب اسود فضلا عن معرفة مادته او اي شيء من مكوناته

blank
كثافة الثقب الاسود اكبر من ان يستوعبها العقل (2 * 1019 كغم على المتر المربع)

في الحقيقة يدرك علماء الفلك ان قوة جاذبية اي جرم تعتمد على حجمه و كثافته و كي يستطيع جرم بحجم الثقب الاسود ان يأسر بجاذبيته اكثر من مئتي مليار نجم بعضها يبعد عنه نحو خمسين الف سنة ضوءية (3) و يجعلها تدور في فلكه يجب ان تكون درجة كثافته عالية جدا و بعملية حسابية تأخذ في الاعتبار حجم و بعد تلك النجوم يستطيع العلماء معرفة درجة و مستوى كثافة الثقب الاسود
ويجب الا ننسى هنا ان من بين النجوم الواقعة في اسر الثقب الاسود و التي تدور في فلكه توجد نجوم عملاقة بعضها اكبر من شمسنا بملايين او بمليارات المرات

اسئلة اخرى قد تحوم في ذهن القارئ منها كيف يمكن للمادة ان تكون بمثل تلك الكثافة؟

الجواب يكمن في الذرة كلنا نعلم ان نسبة الفراغ في تركيبة الذرة يبلغ نحو99,999999999999% (4) ، يعني ان الاشياء المادية التي نشاهدها على هذه البسيطة معظمها فراغ ، هذه هي القوانين الفيزيائية الموجودة على كوكب الارض لكن داخل الثقب الاسود و بسبب الجاذبية الهائلة تتغير جميع القوانين الفيزيائية حيث تنسحق جميع الذرات و تتحد البروتونات مع الالكترونات مشكلة مادة يصعب على العقل البشري تخيل مدى كثافتها.

blank
النجوم النيترونية ذات كتلة عظيمة وحجم صغير

محطتنا التالية في هذا المقال سنتحدث فيها عن النجوم النيترونية باعتبارها من اشد الاجرام كثافة في هذا الكون حيث ذكر الباحثون في هذا المجال ان مقدار ملعقة شاي واحدة من مادتها تزن ما يعدل تقريبا وزن جبل افريست
ورغم صغر حجم هذا النوع من الاجرام اذ يتراوح قطرها في المتوسط بين العشرين الى الثلاثين كيلومترا تقريبا الا ان كثافتها العالية و سرعة دورانها حول نفسها قد شكلا لغزا بالنسبة للعلماء
يذكر ان بعض النجوم النيترونية خاصة تلك المعروفة لدى العلماء بالنجوم النباضة (pulsating star ) تستطيع الدوران حول نفسها مئات المرات في الثانية الواحدة وتصدر النجوم النيترونية عند دورانها حول نفسها اصواتا شبيهة بالطرق لذلك يسميها العلماء بالمطارق الكونية
طبعا لم يستمع الباحثون لتلك الاصوات بسبب خلو الفضاء من الهواء الناقل للصوت و لكن تمكن العلماء من تحويل الموجات الراديوية الصادرة عن تلك النجوم الى موجات صوتية ويستعصي على العلماء في العادة الاستماع مباشرة للاصوات القادمة من الفضاء لذلك يستعملون المقارب الراديوية التي تلتقط الاصوات من الفضاء و تبثها على شكل موجات راديوية ثم يتم تحويل تلك الذبذبات الى موجات صوتية و يوجد ضمن فروع علوم الفلك المتعددة فرع يعرف بعلم الفلك الراديوي

هوامش ومصادر :

1 – عن مقال الثقوب السوداء حقاءق والغاز الجزيرة نت .وجاء في مقال بعنوان ما يجب ان تعرفه عن الثقوب السوداء في موقع الباحثون السوريون وفي مواقع اخرى ان الارض لو تحولت الى ثقب اسود لاصبح نصف قطرها 9 مليمتر تقريبا.
2 – كتاب الكون و الثقوب السوداء لرؤوف وصفي ص 178 – كتاب الكتروني
3 – باعتبار ان قطر مجرة درب التبانة يبلغ تقريبا 100 الف سنة ضوءية
4 – عن مقال كم تزن ملعقة شاي من النجم النيتروني؟ .الجزيرة نت

guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى