أدب الرعب والعام

الكوخ

بقلم : البراء – مصر

وسط هذه المساحة كان يوجد كوخ قديم صغير

في يوم من أيام الشتاء الباردة ، و ليلة من لياليه المقيتة كان هناك كوخ ، و كنت أنا  بداخل الكوخ أسير فيه كاللصوص ، و كان هناك رعد و برق في الخارج ، من النوع الذي يجعلك تشعر بقيمة البيوت حقا في أيام مثل هذه ، و كان هناك فأس في يدي و مصباح في اليد الأخرى ، كما كان هناك أزيز لعين يصدر من مكان ما ، و كان هناك أيضا دماء .. الكثير منها .. في كل مكان ، على السجادة و على الحائط و على الباب و حتى على السقف ، دعونا ممن كانوا هناك يقفون خلفي و من تلك العين التي تلمع هناك في ركن الكوخ و أتركوني أقول لكم سبب وجودي هنا و الآن .

******

من أين أبدأ إذاً  ..  دعوني أولا أعرفكم بنفسي  ..  أنا " ن " .. لابد من أكون " ن " بعد كل ما فعلته .. عمري ٢٠ سنة .. أدرس في كلية مقيتة في مدينة لعينة و أعيش حياة بائسة ، حسنا كان هذا قبل أن أرى " س " و هو هو الشخص الثاني الرئيسي الذي يجب علي تقديمه ، نحن الاثنان هما من يجب عليكم أن تعرفوهما ..  الباقي سيأتي مع الوقت ، و  الآن من أين أبدأ مجددا .. " س " شخصية غريبة حقا ..  كان غريبا من البداية .. منذ تلك اللحظة التي رأيناه فيها ..

حين وصل متأخرا إلى المحاضرة ، منظره كان خاطئا .. كل شئ فيه خاطئ ..  بداية من شعره و  انتهاء بملابسه .. وبخه الأستاذ قليلا ثم تركه ، و من بين كل الأماكن المتاحة و الخالية وجدته يجلس بجانبي ، و أنا لن أكذب هنا قد شعرت بالنفور اتجاهه ، أحسست أن شيئاً مخيفاً يجلس بجانبي .. كان هذا أول لقاء بيننا ، تكرر الأمر كثيرا بعد ذلك .. يجلس دوما بجانبي و يترك جميع الأماكن فارغة ، أنا ليس لدي أصدقاء تقريبا لذا تجدني أجلس وحيدا في مكان ما ..

و هو كان يستغل هذا الأمر و يجلس بجانبي دوما ، قررت حينها أنه و بما أن " س " يجلس دوما بجانبي فلابد من أنه يريد شيئا ما ..  لذا سألته ذات مرة  عن سبب جلوسه بجانبي دوما لكنه لم يجب .. نظر إلي ببرود ثم أشاح بوجهه  .. شعرت بالحرج و قررت أن هذا اللعين قد صار عدواً لي ، لكنه رغم هذا لم يتوقف أبدا عن المجيء و الجلوس بجانبي ، بعدها بأيام لا أذكر عددها عرفت أول شئ عن " س " بعد أسمه ..

 يومها كانت لدينا محاضرة مملة من دكتور ممل و أنا كنت أكره الملل حقا .. كنت واضعا يدي على خدي و أقاوم النعاس بشدة لا يعلمها إلا الله  .. نظري كان معلقا بالأسفل حيث كانت قدم " س " ، يبدو أنه هو الآخر كان يشعر بالملل فغير من وضعية قدمه و حينها رأيت جزء من قدمه .. لم تكن قدما عادية .. كانت غريبة و  سوداء ..  لم أتبين الأمر جيدا بسبب الظلام تحت الدرج و لكني أقسم أنها ليست قدماً لبشري عادي ..

 ربما كنت نصف نائم و ربما كان للظلام تأثير لكني أعرف تماما ما رأيت ، انعقد حاجبي و خرجت تماما من تحت تأثير الملل الذي كنت فيه .. ثم عدلت من جلستي و بدأت أتابع قدمه باهتمام كي أعرف المزيد ، لكن لم يحدث ما أردته أن يحدث ..  كانت هذه نقطة البداية ، بعدها بدأت أحس بأنني أتابعه أكثر من اللازم ، و بعد أيام قرر أحد المشاغبين معنا أن يسخر قليلا من " س " ، كنت هناك حين بدأ يلقي بكلمات من المفترض أن تكون مشينة ..

قال أول جملة فبدأ البعض يضحك بسخرية من " س " ، هدأ التعيس قليلا حتى يتسنى للآخرين إكمال ضحكهم ثم بدأ من جديد ..  لكن هذه المرة كان كل ما سمعناه هو صوت حشرجة غريبة تصدر من فمه  ..  بدا و كأنه يختنق أو شيء كهذا ، في حين كان " س " يقف أمامه و هو يرمقه بنظرة باردة و إن لم تخف ابتسامته الجانبية و الخفيفة عني ، أما الغبي الآخر فكان بعض الفتيان مجتمعين حوله يسألونه عن حالته حيث كان راقدا على الأرض يحاول و بكل طاقته أن يتنفس الهواء بعد أن ذهبت حشرجته ..

 لم يكن لديه الطاقة الكافية التي تجعله يرد عليهم و لكنني أجزم بأنه لو رد فسيشتمهم جميعا متهما إياهم بالغباء .. لقد كان واضحا أنه يختنق و لكن هذه هي عادة البشر  .. أسئلة خاطئة في أوقات خاطئة ، عرفنا منه فيما بعد أنه أحس فجأة بأنه غير قادر على التنفس ، حسنا هذا هو جزاء من يعبث مع " س " ، " س " كان يأتي من لا مكان .. ليس بالمعنى الحرفي بالطبع و لكن لم يحدث يوما أن وجدناه يأتي من نفس الطريق الذي سلكه أو الذي أتى منه سابقا ..

 الفتى كالخفاش يظهر و يختفي من أي مكان ، كان هذا حتى قررت أنا إتباعه في مرة من المرات ، لا أذكر كم مشينا بالضبط و لكننا – أو هو – توقف عند حدود الغابة ، مدينتنا تقع على حدود غابة غريبة أو الغابة هي التي تقع على حدود المدينة .. المهم هو أنه كانت هناك غابة .. و بالطبع لا داعي أن أذكر نوعية الحكايات و الأساطير المحاطة بهذه الغابة و سمعتها السيئة بين أهالي المدينة ..

 توقف هناك على الحدود و كان من الواضح أنه يخطط لدخولها بالنظر إلى اتجاه جسده  ..  و صدقا أنا لا أعرف متى تمكن هو من ملاحظة أنني أسير خلفه لأنني لم أره ينظر خلفه ولا مرة ، استدار ثم نظر إلي و قال بنبرة مخيفة  :

–  أنت لا تفكر بالدخول ورائي  .. أليس كذلك ؟
إذا كان هناك شيء ما يجب أن تعرفوه عني فيجب أن تعرفوا أنني كنت أعشق التحديات و نادرا ما يتملكني الخوف ، لذلك تقدمت نحوه و قلت بنبرة ساخرة  :
–  لا .. لا أفكر بهذا بالطبع  .. سندخل سويا .. هيا بنا.

ابتسم ثم استدار و أكمل طريقه و أنا وراءه ، بعدها حدث شئ غريب لم أفهمه أبدا .. على الأقل حينها ، حين دخل الغابة و اختفى خلف أول شجرة مشيت خلفه و أنا أعدل من وضعية رأسي كي لا يغيب عن ناظري .. لكنه كان قد اختفى بالفعل ..  حرفيا اختفى في تلك الثانية التي غاب فيها عن نظري .. لم أجده لا هو ولا آثار أقدامه حتى ، هنا تملكني الغضب ثم دخلت أهرول بداخل الغابة و لكنني أدركت أنني كنت أتعمق أكثر من اللازم لهذا توقفت عن الهرولة كالأحمق و رجعت ..

 في اليوم التالي رأيت شبح ابتسامته حين رآني و كنت أعرف لماذا يبتسم ، لم أعر للأمر اهتماما كبيرا و قلت ربما حدث شئ ما لم أتبينه هناك .. لكنني و في أعماقي كنت أدرك أن هناك شيء  خاطئ ، هو لن يختفي من أمامي هكذا إلا لو لم يكن طبيعيا ، الآن أنا لست من ذلك النوع المتشكك الذي يرى كل ما حوله بمنظور يملؤه الشك لكن هذا الفتى ليس طبيعيا.. في تلك الفترة كانت تنتابني بعض الكوابيس المزعجة..  

كانت عن رجل ما يريد الانتقام من أبي .. أنا لم أكن أعرف ماهية تلك الأحلام و لكن ما كنت أعرفه أن أبي قد مات منذ زمن طويل لذا كان من الطبيعي أن أفكر في أن كل هذه الأحلام هي مجرد هراء ..  و بالعودة إلى " س ".. عندما كنت أفكر في الأمر كان عقلي الباطن يقول بخوف أنه ليس إلا شيطان ، لابد من أن يكون كذلك ، ربما هو الرجل الذي يريد الانتقام من أبي الميت ، لكن عقلي العلمي و المنطقي كان يقول إنه ليس إلا شخص عادي و إن ما يحدث مجرد صدف عابرة ..

 لكنني وسط هذه الأفكار قررت أن قصته هذه لم تعد تهمني و أنني يجب علي أن أبتعد عنه ما دمت أستطيع ، و كان هذا سيكون خير ما فعلت لولا أنني لم أفعله ، لأنه و في اليوم التالي حدث ما لم أكن أتوقعه ، أنتم تعرفون جميعا أنه حينما تكون في هذا العمر فلابد لك من أن تهتم لأمر فتاة ما جميلة أو ما شابه ، و أنا لم أكن استثناء .. فقد كانت هناك من أهتم لأمرها بالفعل و هذا بالطبع طريقة مهذبة للقول أني أعشق هذه الفتاة ..  

 دعوكم من الأسباب التي جعلتني أحبها لأنها كثيرة و لأنها لن تهمكم أبدا .. حتى الآن هي مجرد فتاة بريئة ليس لها أي دخل بالموضوع .. و كان هذا بالطبع قبل أن تقابله .. من ؟ حسنا هو بالتأكيد  .. " س " .. و هذا هو ما جعلني أعدل عن قراري بالابتعاد عنه ، ليس لأنهما صارا لا يفارقان بعضهما البعض و ليس لأنهما كانا يأتيان معا للكلية في كل صباح و ليس لأنهما كانا يغادران معا من الكلية و ليس لأنهما الاثنين صارا يجلسان بجانبي دوما ..

لا ليس لأي سبب من هذه الأسباب .. بل لأنها صارت مثله تماما .. كانت تتحول ببطئ  .. يمكنك أن تراه في ملامحها و تصرفاتها ..  صارت مخيفة و غريبة مثله و هذا ما لم أعتده منها أبدا ، بدأت بعدها أفكر كثيرا في طريقة لسحبها من بين براثن هذا اللعين و لكني لم أجد ..  ربما كانت توجد هناك بعض الحلول و لكنني ببساطة تجاهلتها و كان هذا إما لصعوبتها و إما لسخافتها ..

كل ما أمكنني فعله هو الجلوس بجانبهما طوال اليوم مصغيا لأحاديثهما أو بالأحرى همسهما .. لم أجد بينها ما يثير الريبة ..  مجرد أحاديث عادية ..  و  في يوم ما ممل قررت أني سأنام قليلا و سأحاول الاستمتاع لما يقولانه  بهدوء بينما يشرح لنا الدكتور عن " الإكستريموفيلات " و حقيقة انتمائها إلى الآركيات ..

  يمكنكم رؤية ما أقصده هنا ، كنت متعبا بالفعل لذا أغمضت عيناي بهدوء و حاولت النوم و يمكنني أن أقول أنني بالفعل و بعد مرور نصف ساعة كنت نصف نائم و لكنني كنت مازلت قادرا على الاستماع لما يدور بينهما .. كانا يتحدثان عن سرعة الرياح أو شئ من هذا القبيل قبل أن يصمتا فجأة و تتكلم هي  :
–  هل نام؟

أدركت هنا أنها تتكلم عني لذا بدأت أعير انتباهي للأمر و إن كنت لازلت نصف نائم و مشوش .. رد عليها هو :
–  غالبا نعم .. لقد قال لي أنه لم ينم جيدا ليلة أمس .
هنا بدأت أشعر أن هناك شيء ما خاطئ هنا .. أنا أصلا لم أتبادل معه كلمة واحدة منذ أسبوع كامل .. كيف عرف أني لم أنم جيدا ليلة أمس .. و هكذا وجدت نفسي أصغي لمحادثتهما باهتمام شديد .. ردت هي عليه  :
–  إذاً هل سيكون معنا.
قال بصوت خافت :
–  أنا لا أعلم .. نحن ننفذ فقط.
ردت بصوت يلفه خيبة الأمل  :
–  إذاً لماذا نجلس بجانبه دائما.
رد بنفس الصوت الخافت :
–  هو قد قال لنا أن نفعل هذا.. ألم تسميعه؟!

هنا كدت أفقد أعصابي و أهب من مكاني كي أوجه له لكمتين أو ثلاث تجعله يذكر ما إن كنت أنا قد قلت هذا بالفعل أم لا.. لكنني سمعتها تقول :
–  نعم سمعته و لكن .. هذا ليس منطقيا.

و مجددا تمكنت بالكاد من كتم صرختي .. فقط كي أعرف المزيد ، لكنهما كانا قد توقفا بالفعل .. عشرات من علامات الاستفهام كانت تدور فوق رأسي حينها ..  يبدو أنهما لا يكذبان و يبدو أنني قد قلت لهما هذا بالفعل .. هناك احتمال لا بأس به و هو أنني قد أصبت أخيرا بانفصام مذهل في الشخصية وأنني الآن رسميا مريض عقليا ، أما الاحتمال الآخر المقبول هو أن هناك اتفاق بينهما على كل هذا..  

لكن لو كان هذا صحيح فكيف عرفا أنني لم أنم جيدا ليلة البارحة .. مجرد معرفتهما بهذا الأمر يعني أنهما قد دخلا عقلي بالفعل .. و هذا غير منطقي و غير مقبول مما يعيدنا إلى احتمال أنني مصاب بانفصام الشخصية و هذا بدوره غير مقبول أيضاً .. انتهى بي الأمر في نهاية المطاف إلى دوامة كبيرة من الشك، و بغض النظر عن ذلك كان هناك شيء ما يحيرني أكثر من هذا كله .. إلى أين يذهبان و من أين يأتيان ..

في تلك الليلة جهزت مصباحي و انطلقت .. إلى أين؟! إلى الغابة بالطبع .. إذا كانت هناك إجابة لكل هذا فيجب أن تكون موجودة هناك ..   لذا تجدني أمام مدخل الغابة و في يدي المصباح .. أنرت الكشاف و وجهته نحو الغابة .. و كل ما وجدته هو الأشجار و الظلام .. كدت أن أدخل و لكنني أدركت أنني أتحامق ، لن أدخل هناك هكذا سأعود و لكن مع بعض التجهيزات غير هذا المصباح المثير للشفقة..

 و في اليوم التالي كنت قد جهزت كل شئ و وضعت بعض القواعد التي من المفترض أنها منطقية.. القاعدة الأولى هي أن  لا أدخل الغابة ليلا .. القاعدة الثانية هي أن لا أسير في الغابة بدون سلاح .. القاعدة الثالثة أن لا أضيع هناك..  هكذا و بتلك القواعد دخلت الغابة .. نهارا كما توقعتم و معي سلاحي العتيد الفأس .. دخلت من نفس المكان الذي دخل منه " س " و حرصت على أن أمشي في خط مستقيم و ألا أستدير و أغير وجهتي حتى إذا أردت العودة  استدرت و مشيت في خط مستقيم حتى أصل للمدينة مجددا ..

تبدو طريقة بدائية و لكن لا بأس بها حاليا .. كما أنني مازلت أحتفظ ببعض الحيل في جعبتي .. لا أذكر كم مشيت بالضبط و لكن يمكنني القول أني مشيت مسافة لا بأس بها .. و انتهى بي الأمر وسط مساحة خالية من الأشجار عليها اللعنة.. و وسط هذه المساحة كان يوجد كوخ قديم صغير .. جميعنا نعرف ماذا سيحدث حين يدخل بطل فيلم الرعب هذا الكوخ في الليل .. لكننا لسنا في فيلم رعب هنا .. كما أننا لسنا في الليل ..  تقدمت نحو الكوخ ببطئ ،  كان الكوخ غريبا بحق ..
 يقف وحيدا  وسط الغابة..  كان أول ما لاحظته حين وقفت على باب الكوخ آثار الأقدام تلك ..  لم أكن أحتاج لخبرة واسعة في علم الأثر كي أدرك أن هذه الآثار حديثة مما يعني أنه كان هناك أشخاص هنا.. نعم الآثار كانت كثيرة .. دفعت الباب المتهالك ، تجاوب معي فدخلت بحذر ..

 

أول ما استشعرته كان تلك الرائحة ، لابد من أنكم تعرفونها .. إنها رائحة الموت المقيتة .. و كان تلك النجمة الخماسية .. و قد وجدت لإحدى السببين : أن أحدهم قد أخذه الحماس فرسمها .. الثاني و كما يجب أن تكونوا قد خمنتم ، هي أن تكون رمزاً للسحر أو  الشيطان .. كان هذا يفسر بعض الأشياء كما كان هذا كل ما هو موجود هناك .. بمعنى آخر لقد أضعت وقتي الثمين ..

 خرجت من الكوخ و أنا ألعن هذه الرائحة الكريهة .. رائحة الموت مميزة بالفعل .. كنت متأكدا من أن هناك دماء تمت إراقتها هنا .. عدت إلى المدينة و أنا عازم على إجراء زيارة أخرى ..حتما ستكون في الليل .. لأنه يبدو أن الأشخاص الذين كانت آثار أقدامهم هناك يزورون المكان في الليل .. غالبا هم عبّادٌ للشياطين  يعبثون ليلا في هذا الكوخ .. سنرى بشأن هذا قريبا..

هكذا عدت لمنزلي و أنا أفكر فيها .. تلك التي أنا معجب بها .. أنا لم أسميها لكم بعد.. لنقل أن اسمها " م "  كنت أفكر كيف أخرجها من مجموعة الحمقى هذه .. أنا لم أخبركم بما كان يدور في عقلي و لكن أعتقد بعضكم قد خمن الأمر.. يبدو أن " س " هو من عبدة الشياطين .. هذا يفسر ملابسه الغريبة و نظرته السوداء .. و يبدو كذلك أنه ليس وحده و ربما هم مجموعة تتوسع .. و "م" كما أعتقد هي آخر المنضمين لها..  

يأتون إلى هنا في الليل و يقومون بطقوسهم الغريبة.. ربما يكون كل هذا مجرد تخمينات خاطئة.. و لن أتفاجئ إذا كانت خاطئة بالفعل .. فكل هذا خمنته من علامة النجمة الخماسية فقط .. كل ما عرفته آنذاك هو أنني سأذهب إلى هناك ليلا .. في اليوم التالي كنت أقف على حدود الغابة في الساعة الحادية عشر ممسكا بزجاجتي و بمصباحي و واضعا فأسي خلف ظهري .. أنا الآن مستعد لفعل بعض الأشياء اللعينة ..

أخذت نفسا عميقا ثم دخلت الغابة .. الجو كان باردا بشكل لا يصدق .. حتى إنها بدأت تنذر بقدوم المطر ببعض البرق و الرعد .. و مجددا وجدت الكوخ على مرمى نظري .. رأيته بصعوبة على ضوء القمر .. في البداية لم يكن هناك أي ضوء ينبعث من داخله لذا ظننت أنه لم يأتي أحد و أصبت بخيبة أمل كبيرة  لكنني بمجرد أن اقتربت قليلا سمعت بعض الأصوات المنبعثة من الداخل..  لا أعرف كيف يمكنني أن أصفها .. كانت أقرب للهمهمة الجماعية..

لا أعرف كيف يمكنهم إخراج هذه الأصوات و لكن بالتأكيد لن يصدر هذه الأصوات إلا بشرا..  توجهت نحو الباب بحماقة كبيرة ثم فتحته بحذر و ببطئ معتقدا أن لا أحد منهم يسمعني .. لكنني فوجئت مجرد أن فتحت الباب بصوت مخيف و مرعب  قال :
–  مرحبا بضيفنا.. هيه.. أفسحوا له الطريق .. تحركوا.. هيا تعال.

فوجدت المهمهمين يتراجعون بعد أن كانوا يقفون حول الدائرة و النجمة الخماسية المرسومة على الأرض .. عددهم كان يتراوح بين العشرة و الثمانية ..  لم أتمكن من العد جيداً بسبب الظلام ، تراجعوا حتى فتحوا ما يشبه الممر نحو الدائرة .. حسنا الاحتمال الأول هنا هو الهرب بأقصى سرعة لي .. لكن بالنظر إلي عددهم هذا مستحيل .. سيمسكونني بالتأكيد .. الأجواء هنا تبدو جنونية تماما و أنا أعرف أنهم لو أمسكوني و أنا أهرب فلسوف يذبحونني و يتناوبون على شرب دمائي ..

هؤلاء القوم لا يمزحون هنا.. و هذا يلغي الاحتمال الأول .. الاحتمال الثاني : القتال بضراوة للخروج و مجددا هذا مستحيل .. مع هذا العدد مستحيل..  مما يتركني مع الاحتمال الثالث.. المشي في هذا الممر نحو الدائرة للتحدث مع زعيمهم الذي لم أره حتى الآن .. كنت قد أطفأت الكشاف و أنا على مقربة من الكوخ حتى لا يكتشفوا أمري .. و لكن بعد أن انكشف أمري فلا بأس .. أضأت الكشاف و أول ما فعلته كان توجيهه نحو وجوه الذين يصنعون الممر .. فوجدتهم يضعون أيديهم على أعينهم بخوف و كأنهم يعانون من ضوئه ..

انبعث ذلك الصوت مجددا و لكن هذه المرة بنبرة غاضبة و بصوت أعلى  :
–  أطفئ الكشاف!!!
كنت أحتاج إلى فعل هذا.. أردت معرفة ما إذا كانت "م" هنا أم لا.
أطفأته بتوجس ثم قلت  :
–  حسنا من أنت و من هؤلاء و ماذا تريد.
سمعت ضحكته تنتشر في المكان قبل أن يقول :
–  أنت تريد أجوبة..  سأعطيها لك .. كآخر طلب لك ، لكن أولا أضيئوا لنا شمعة كي يتمكن ضيفنا من الرؤية جيدا.

تحرك واحد ممن هم بالخلف و أضاء شمعة أخرجها من مكان ما بطريقة ما.. ثم وقف مكانه و هو يمسكها، و على ضوئها تمكنت من رؤيته .. و صفه باختصار كائن مرعب بعين حمراء تلمع في الظلام و بقرني ماعز و رأس قطة في حجم كلب .. هذا هو شكله باختصار شديد.. وخلفه رأيت تلك الحيوانات المرمية  بإهمال و التي هي غالبا مذبوحة .. دماؤها كانت تملأ المكان مضيفة رائحة غريبة على الرائحة الغريبة التي توجد في الكوخ .. لابد من أنها القرابين .. أردف الكائن العجيب :

–  و الآن دعني أجيبك .. أنا الشيطان .. و هؤلاء هم أتباعي .. و أنا أريدك .. أي أسئلة أخرى ؟

و كان هذا هو الموقف الذي تركتموني به.. موقف لا يتمنى أي أحد أن يكون به.. و الآن لنكمل .. تمالكت نفسي ثم قلت له :
–  لماذا تريديني و ما علاقتك بـ "س"  و بـ " م " ؟
–  " س " هو تابعي و " م"  انضمت لنا بعد أن رأت قدرتي على إعطاء أتباعي القوى الخارقة .. أنت بنفسك قد رأيت علامات على هذا.
–  إذاً أنت تقول أنك أنت من جعلت " س"  يختفي من أمامي و أنت من جعلته يخنق الفتى المسكين.
–  نعم أنا.
–  و لماذا أرسلت لي "س".
–  أنا أرسلت " س"  كي يتابعك و يأتي لي بأخبارك .. كما أرسلت " م"  معه كي يتابعاك كلاهما و أخبرتهما أن يجلسا بجانبك .

إذاً كانا يتحدثان عنه هو و ليس عني .. هو الذي أخبرهما بالجلوس بجانبي و أخبرهما بأني لم أنم جيدا.. ما حدث كان سوء فهم مني .. حتى الآن منطقي .. قلت و أنا أتحسس فأسي :
–  و لماذا أرسلتهما كي يفعلا هذا، ماذا تريد مني ؟
–  الآن هذا هو السؤال الحقيقي .. السؤال الذي كان يجب أن تسأله منذ البداية .. الآن قل لي .. ماذا تعرف عن والدك ؟
–  إذاً كان أنت.
–  نعم أنا من كان يظهر لك .. دعك من هذا و قل لي ماذا تعرف عن والدك ؟
–  والدي .. لا أعرف ..  مات قبل أن أعرفه.
–  سأخبرك أنا.. والدك كان ساحرا.. والدك فعل الكثير .. و من ضمن الأشياء الكثيرة التي فعلها كان حبسي هنا .. في هذا الكوخ القذر .. فقط لأنني آذيت بعض الأشخاص ..  و الآن برأيك كيف تمكنت من الخروج من هنا.
–  لا أعرف كيف تمكنت من الخروج .. هل تمكنت من الخروج أصلا.
–  أوه أنت ذكي .. ليتك كنت فكرت بنفس هذا الذكاء قبل أن تأتي هنا .. فعلا أنا لم أخرج من هنا.. أنا حبست هنا للأبد .. بسبب والدك.
–  ماذا تعني؟!!
–  أعني أنني قد راهنت على قدومك إلى هنا.. و أنت بالفعل قد أتيت .. كل ما فعلاه " س"  و " م"   كان استدراجك إلي هنا .. بالإضافة لشخص آخر أعتقد أنك تعرفه .. إنه يمسك بالشمعة .. أنظر خلفك.

نظرت خلفي ببطئ و وجدته لقد كان يمسك الشمعة بالفعل .. من هو؟.. أتذكرون الفتى الذي كان يختنق بسبب " س" .. هاهو يقف أمامي يمسك الشمعة .. لقد تم خداعي .. كل هذا كان جزءا من الخطة .. نظرت نحو الذي من المفترض أنه الشيطان و قلت بخوف :
–  ماذا تريد مني إذاً.
–  الانتقام يا فتى .. الانتقام.
و لأن صوت مثل هذا لا يليق به المزاح .. أيقنت أنني ميت لا محالة إن لم أفعل شيئا .. قلت له :
–  لكن كيف تمكن والدي من حبسك.. هنا.
–  أنت تماطل يا فتى .

كان يجب علي أن أفعل شيئا .. مددت يدي نحو فأسي ثم أخرجتها و أنا أرتجف.. بعدها سمعت أصوات ضحكاته تملأ المكان قبل أن يقول :
–  أنت تريد قتلي .. هيا تعال و حاول أعدك أني سأتركك.

فجأة و بدون مقدمات تقدمت نحوه بسرعة ثم هويت بالفأس فوق رأسه لتطير من على عنقه و بينما مازالت رأسه تطير في الهواء كنت قد سحبت فأسي و غرزتها في رأس أول شخص خلفي .. ما لم يعرفه هذا الشيء هو أن هذه الفأس مميزة .. هذه الفأس كانت لوالدي و من الواضح أنها ليست عادية .. في النهاية كل ما يتعلق بساحر ليس عاديا .. بعدها انطلقت من بينهم مستغلا دهشتهم .. مررت من أمام " م"  في لحظة و في اللحظة الثانية كنت أسحبها من يدي كي تجري معي .. هي لا تريد أن تكون هنا الآن ..

 الغريب أنها لم تقاوم أي مقاومة تذكر .. فقط انطلقت تجري معي .. و بمجرد أن خرجنا من الباب حتى كنت قد أخرجت قنبلتي الصغيرة من جيبي .. الزجاجة التي ملأتها بالبنزين .. و بولاعتي أشعلت قطعة القماش التي حشرتها في رأسها .. ثم رميتها على الكوخ و سحبت " م"  مجددا من يدها و انطلقنا أنا وهي .. الليلة سيكون هناك حريق مروع في الغابة لكن الآن علينا أن نهرب ..

انطلقنا نحو المكان الذي أتيت منه .. كنت قد رسمت بعض العلامات على الأشجار في المرة السابقة كي أعرف طريق الكوخ و الآن هذا هو الوقت المناسب لاستخدامها.. جرينا حتى ابتعدنا نسبيا عن الكوخ .. حينها ظننت أننا قد أضعناهم و حينها أيضا أحسست بشيء ساخن ينساب على ظهري .. فنظرت خلفي لأرى "م" و قد تبدل شكلها و احمرت عيناها تضع يدها على ذلك السكين الذي كان مغروزا في ظهري حتى مقبضه ..

سقطت على الأرض فورا و أنا أشعر بألم رهيب يأكل خلاياي أكلا .. و من بين أنيني سمعتها تضحك و تقول بصوت لم أعهده منها :
–  أيها الأحمق .. لقد ساعدتني على التحرر من سجن والدك .. لقد كان الشرط الوحيد كي أخرج من الكوخ هو أن يخرجني من حبسني بنفسه أو أي شخص من ذريته..  لقد عرفت أنك لن تترك من تحب في هذا المكان لذا دخلت جسدها .. و سأعيش فيه حتى يفني و أغيره بجسد آخر .. كل ما علي فعله هو إيجاد جسد آخر .. هل اعتقدت حقا أنه يمكنك قتلي بفأس أيها الأحمق .

مد يده ثم سحب السكين من ظهري .. و هذه المرة وجدت السكين في عنقي .. بعدها بدأت أسعل شيئا ما لم أتبينه و لكن يبدو أنه كان دما.. بدأ جسدي بعدها يتراخى ببطئ استعدادا للمرحلة الأخيرة .. و آخر ما سمعته كان صوته و هو يقول :
–  هذا هو جزاء من يعبث معي.

قالها ثم رحل و تركني مع دمائي و بقعة الظلام التي بدأت تتسع شيئا فشيئا بسرعة لم أدرك معها كم كنت أحمقا .. استسلمت لمصيري و أغلقت عيناي شاعرا بالغباء و الندم في نفس الوقت.. من أنا كي أقتل شيطانا.. يا لي من أحمق كبير.

 

تاريخ النشر : 2016-07-04

البراء

مصر - للتواصل: [email protected] \\ مدونة الكاتب https://baraashafee.blogspot.com/
guest
36 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى