أدب الرعب والعام

المحقق إدغار

بقلم : أحمد نوري ( L.A ) – المغرب

المحقق إدغار
أخذت أنا أتفحص الجثة الباردة التي كانت عارية تماماً

 – أتعلم يا إدغار؟ لقد رمينا بأفضل المناصب من أجل هذا الحلم ، وإن أردت الحقيقة إنه يستحق.

– ما فائدة الحياة إن لم نحقق فيها ما نريد ، إذاً هل من قضية ما ؟.

– مبتسماً بفخر: حصلنا على قضيتنا اﻷولى واحزر ما هي ؟.

– لا وقت لحماقاتك يا أمير!

– حسنا اهدأ، لدينا جريمة قتل بالنصف اﻷخر من الكرة الأرضية ، أتذكر المرأة الحسناء تلك التي بسببها أخذت أحضر دروس اللغة ؟ لغة المكان الذي سنسافر إليه ، باختصار وجهتنا الماما أفريكا.

لم أرد ، لكن صديقي أمير استشعر سعادتي بقضيتنا اﻷولى ، فهو يعلم أنني منذ الطفولة رغبت بأن أحقق العدالة ، لكنه لم يكن يعلم أن الفضل يعود إلى والدي مدمن مخدرات ، فقد كان يفعل كل شيء للحصول عليها لدرجة أنه حاول بيع جسد أمي ، طبعاً نشب شجار صغير انتهى بموتها بمنفضة سجائر بمؤخرة الرأس أمام طفل عمره عشرة سنوات ، و يا ليت الشرطة فعلت شيئاً فقد مزق الجثة ودفنها بالحديقة ، ولم يعلم أحد بشيء حتى يومنا هذا ولذلك قرر الطفل أن لا يحصل ما حصل له ﻷي شخص.

و بالرغم من كوني تخرجت من كلية الهندسة إلا أنني أردت اللحاق بشغفي واﻹرادة البشرية الفطرية لخوض غمار المخاطر، شاب طائش قايض سنوات الدراسة بمكتب للتحقيق، هذا ما رأه البشر العميان بما فعلت ، بينما أنا رأيت رغبتي الشريفة لتحقيق العدالة والقبض على المجرمين، أو لربما بصيغة أخرى رغبتي الدفينة للقبض على أمثال اللعين الذي دعوته يوما بأبي.

حصلنا على دعوة من الرئيس، وككل الكلاب مطيعة سارعنا لتلبية النداء ليتم إرسالنا للتحقيق بقضية قتل في النصف اﻷخر من العالم، إفريقيا و تحديداً غينيا الجديدة البلد الذي لا يزال بعض سكانه مؤمنين حد النخاع بخزعبلات السحر و الشعوذة إلى يومنا هذا.

بعد وصولنا أخيراً إلى أحد القرى النائية التي ملأتها مناظر اﻷطفال السمر العراة وهم يلعبون تحت الشمس الحارقة كنار الجحيم ، سمعناً صراخاً شديداً فركضنا بعدما أخرجت مسدسي لنجد عدة رجال ونساء متجمعين حول شيء ما ، قمت بتجاوزهم فوجدت جثة ، كانوا مجتمعين حولها كأنها قطعة فنية معروضة للبيع، سألت رجلاً بدا لي كأنه من بلدي:

– هل تتحدث لغتي؟

– وهو ينضر إلينا: أكيد ثم أولستما المحققين اللذان أرسلوهما؟

– أجل نحن هما ، ما الذي حدث هنا؟

– الحمد لله لقد استمعت الولايات المتحدة لاستنجادي، وأخيراً اهتمت البلد بمواطنيها ، لقد أخبرتهم أن لا يتكلوا على الشرطة هنا ، لكن لم يستمعوا لي و ها هم يستجيبون بعد موت زوجتي لتموت أيضاً الضحية الرابعة ! ما حدث هنا أيها المحقق هو الهدوء و الصراخ و امرأة أخرى ميتة ! لقد بدأ اﻷمر بموت امرأتين ثم ، صمت قليلاً ثم أكمل بانفعال أكبر ، زوجتي كانت الضحية الثالثة ! وهذه هنا رابع امرأة تُقتل، لماذا ؟ بل كيف يمكن لشخص فعل شيء كهذا؟!

– أمير مقاطعاً : اهدأ قليلاً سيد.

– وهو يهدأ: ريتشارد ، ريتشارد مانسون

– لا تقلق يا ريتشارد، أعدك بأننا سنمسك بالقاتل ، فقط تعاون معنا قليلاً واسأل هؤلاء عن ما رأوه؟

بينما أخذ يتحدث بلغتهم تلك ، أخذ أمير يتحقق من مسرح الجريمة وأخذت أنا أتفحص الجثة الباردة التي كانت عارية تماماً و مشوهة بشدة ، سبب وفاتها ، أنها ذبحت ومن الواضح من شكل القطع باللحم أن الجرح بدأ من اليمين لينتهي باليسار، مما يدل على أن القاتل أعسر، القلب أنتزع من الصدر بطريقة همجية بينما يديها قطعت وتمت خياطتها بقدميها والقدمين بيديها، جزء كبير من اللحم مفقود من كتفها ونقش على ظهرها أنه رقم أشبه بستة مصدره استلقائها فوق أرضية خشبية لمدة طويلة وهذا واضح بسبب النشارة و اﻷشواك ، من منظر الذبح وجروحها يبدو أنه تم تعذيبها قبل قتلها، بالمجمل بدت لي منحوتة فنية جميلة نحتها القاتل ببطء و راحة ، وسبب حديثي هكذا يعود لمقولة أن التفكير كالوحوش هو أفضل سبيل للإمساك بأحدها ، ولكن مهلاً هناك أثار بين أظافرها تبدو لي كشعر أسود ، يبدو بأنها قاومت قاتلها وكما يقول الفرنسيون ” فوالا ” إذ يكفي أن نحلل الحمض النووي لنكتشف القاتل ، يا حسرة على طول الرحلة.

أخذت العينات و وضعتها بكيس اﻷدلة ، ثم سألت شريكي الذي على خلافي لم يجد ما يذكر ، لذلك استمعنا ﻷجوبة زوج الضحية الثالثة:

– حسنا ماذا قالوا؟

– يقولون أنهم سمعوا صراخاً وأتوا ليجدوها هكذا ، أحدهم قال بأنه رأى شخص يركض لكنه لم يره جيداً.

تركت أمير معه و ابتعدت صامتاً ، تناولت أحد أعواد السرطان التي نادراً ما تفارق شفتي للتفريغ عن بعض خيبتي فدائماً لا أحد يرى شيء مفيداً ، خيبتي لم تكن ﻷجل اللغز التافه الذي سيحل بسهولة بعد تحليل الحمض النووي ولكن ﻷجل الشيطانية باﻷمر، فعلاً ! لماذا دائماً يجب أن لا يرى أحد شيئاً ؟ هل هو قانون الحياة أو ما شابه ؟ ولكن لحظة واحدة ! غفلت دليلاً مهما وكيف أغفلته ؟ الضحية مضى وقت على موتها إذا فمن صرخ ؟ هل القاتل مجنون ليضعها ويصرخ ؟ ثم رغم الوحشية بالقتل والتنكيل بالجثة أستبعد كون الجريمة انتقاماً بسبب كثرة الضحايا ، إذاً فما الغرض من حملها إلى مكان عام والصراخ ؟ لا يهم فالجواب سأعرفه بعد فحص الحمض النووي.

أرسلت عينة الشعر مع شريكي كما أرسلت بطلب مختصين لتشريح الجثة و اضطررت للانتظار مدة ثلاثة أيام بسبب بعد المسافة بين هذه القرية وأي شيء يتعلق بالحضارة الحديثة ، بعد وصوله أخيراً من قسم الفحص جرت بيننا محادثة كادت تدفع وعيي اﻷسود لغياهب الجنون:

– إدغار، قال فئران المختبر بأن الدليل الذي أرسلته لم يتم تحديد صاحبه بسبب عدم وجود قشرة على حافة الشعرة باختصار الشعر لم يقتلع من الجدور لذا فهو بلا فائدة ولكن بنفس الوقت يستحيل أن يعود إلى القاتل.

رددت ببرود بعدما تناولت أحد سجائري ﻷنفث دخانها محاولا إراحة أعصابي : لماذا أنت متأكد من أنه لا يعود إلى القاتل؟

– في حالة أن الماعز لا يمكنها الوقوف واﻹمساك بسكاكين فهم ليسو مشتبه بهم ، دليلك مجرد شعر جدي أسود.

صمتت وأنا أتساءل كيف بحق ظلمات الجحيم وصل شعر ماعز إلى يدي الضحية ؟! تباً ، على ما يبدو سأضطر لتشغيل دماغي أخيراً لحل هذا اللغز:

– شريكي مقاطعاً أفكاري: إدغار هنالك أيضاً ما هو أغرب فالجروح ، حسناً الجروح قطعت بسكاكين صغيرة من العظام لا يستخدمها إلا القدماء هنا لتحنيط جثثهم ، لا أعرف أساساً من قد يملكها فحتى لو كانت تبدو لك هذه القرية قديمة فقد أقسم الخبراء بأنك لن تجدها أبداً ﻷنها نادرة وقلما تستخدم.

– بعدما نفثت دخان سيجارتي: جيد.

ختمت محادثتنا بتلك الكلمة ﻷعود لمسرح الجريمة ، مرت ساعات حتى ضرب الوقت منتصف الليل وأنا واقف أتفحص بناظري اﻷرض والمنازل القريبة ، كل شيء طبيعي بل لا يوجد أي دليل عن كيفية وصول الجثة هنا ! ربما هذا يعود لقاتل متسلسل خبير فلو كان سفاح مختل لما ، قاطع حبل أفكاري عدم وجود أراضي منازل من الخشب هنا ، فكل المنازل إما حجرية أو من القش والخشبية منها أرضها حجرية ، مما يأخذني لسؤال نفسي كيف طُبعت على ظهر الضحية أثار الخشب ؟ هل ربطت بشجرة ؟! لا أظن ، فإن ربطت بها كان لا بد من وجود تسلخات من الطحالب ، بل حتى أن ذراعيها خالية من علامات الحبال ثم النشارة؟ إنها أرضية وأنا متأكد من ذلك ، بحث بكل القرية على هذا اﻷساس حتى عثرت على ضالتي التي كانت منزل طبيبة أمريكية ، الطبيبة التي كانت السبب اﻷساسي وراء إرسالنا إلى هنا ، فهي الضحية التي قسمت ظهر بلدي ﻹهتمامه بمواطنيه أينما كانوا ، أو بصيغة أخرى هي الضحية التي دفعت السلطات اﻷمنية ﻹرسال محققين غير معروفين بثمن بخس ، نحن نحصل على البقشيش بينما هم يحصلون على المال الوفير من حب الشعب، يا لها من لعبة جميلة نلعبها جميعاً بإرادتنا !  بعد حصولي على المفتاح من زوجها أصر شريكي على مرافقتي ، جهزنا مسدسينا ودخلنا فلا يعلم أحد ما قد نصادفه هنا ، بحكم أن الزوج هجر هذا البيت عقب موت زوجته بما يقارب الشهر، وهذه فترة كافية لأخذ الحيطة .

كان المنزل بحالة مرعبة من الفوضى كأنما كان هناك قطيع من الغيلان يتشاجرون هذا لو أنه يتسع لها طبعاً ، فهو منزل صغير من طابقين ، لم يثر اهتمامي شيء بالطابق اﻷول غير اﻷواني الملقاة على اﻷرض والتي يبدو لي بأنها لم تستخدم منذ عصور ، فلا شيء بها غير شباك العناكب و براز الفئران ، لذلك صعدت للطابق الثاني و يا لهول الصدمة ! فهناك وجدت خطاً من الدماء اليابسة وعدة قناني ، الغبار على هذا النبيذ يدل على أنه ترك منذ أن قتلت أخر ضحية ، تتبعت لاحقاً خط الدماء إلى غرفة يبدو بأنها غرفة النوم ﻷجد ما أذهلني ، فهناك كرسي موضوع فوق السرير بشكل غريب ومخالف للعادة كأنما الكرسي وضع لينام ! ما هذا الجنون ؟! ولو افترضنا جزافاً بأن الضحية كانت مقيدة على الكرسي فهذا مستحيل ، ﻷن الجثة التي فحصتها كان معصماها خاليان من أثار الحبال كما أن أذرع الكرسي نفسها نظيفة ، نظرت حولي فوجدت صندوقاً قديماً ، و من العلامات التي على اﻷرض يبدو بأن هذا الصندوق قد دُفع عن مكانه مؤخراً ، حسناً لماذا دُفع ؟ هذا السؤال إجابته ستكون بداخل مربع الخشب اللعين ، أطلقت طلقة على القفل ﻷفتحه وأجد عدة أوراق مكدسة كلها متشابهة من حيث المحتوى إذ كتب فيها :

” القاتل الذي يجوب طرقات قرية أساموا

الطفولة الحزينة تخرج أسوأ ما في الشخص لتجعله وحشاً والظلم يحفز ذلك الوحش للانقضاض ، لا تصبح الضحية القادمة ، يُرجى زيارة الطبيبة كارلا سامسون في حالة رؤية أي شيء مثير للريبة “

شريكي مقاطعاً بحثي : كارلا سامسون ، أوليست هذه ابنة الملياردير المتوفي منذ أشهر؟

– أعلم بما تفكر يا أمير، لكن لا زلنا لا نملك اﻷدلة الكافية لرمي أصابع الاتهام ، ناهيك عن أن هناك شيء خطأ في استنتاجك.

– مبتسماً : أعلم ، ولكنه يبقى وارداً إن أخذنا بعين اﻹعتبار الدافع الأهم.

وأنا أبحث تحت السرير: أجل يبقى وارداً ،

ما وجدته لم يكن كافيا لذلك توجهت إلى المكان الذي تركته للنهاية ، والذي دائماً ما يجب أن يكون الدليل بداخله أجل ! فتحته لتأخذني الصدمة ، كانت خزنة الملابس فارغة تماماً ، ولكن فضولي دفعني لتفحصها ﻷلحظ قدم ، الخزانة فالتراب الذي يغطيها كثيف بخلاف خط رفيع ، بينغو ! نقرت على الخشب ﻷسمع الصدى ، تماماً كما توقعت الخط سببه الهواء الصادر من فراغ خلف الخزانة ، و في حالة وجود فراغ وخط سيوجد باب يفتح ممراً خلف هذه الخزانة ، لذلك بدأت بدفعها ولكن عبثاً فقد كانت ملتصقة بالجدار، عدت وبدأت بتفحصها لكن عبثاً فلم أجد شيئاً ، تباً ! فاجأني شريكي اﻷحمق الذي يبحث بالخزنة وهو يأكل تفاحة ، وفجأة فُتحت ولكن كيف ؟ هل دائماً المستهترون يجدون ما لم يجده اﻷذكياء؟ هل هذا العالم مجرد قصة كلاسيكية ؟ أنا أبحث وأخفق فيأتي بتفاحته ويجده ؟ جيد بأنه في صفي.

ظهرت أمامي غرفة مرعبة مشبعة برائحة كريهة، مليئة بالعظام وأواني بها بعض اﻷعضاء الداخلية ، بدا جلياً أن القاتل يمارس أكل لحوم البشر، ولكن أكثر ما جذبني هو صولجان عجيب يعتليه إناء كبير ملأته القلوب والعناكب ، بجانبه كانت هناك ورقة :

” سيدي لوسيفر أنا عبدك إبن اﻷخوية السوداء، أتوسلك أن تجعلني من خدمك العظماء، وفي المقابل وﻷجل كرمك سأسفك الدماء، ﻷقوم بالطقوس اللازمة لجعلك تظهر من البوابة الحمراء ، فقط حولني من سانغوما إلى أحد جنودك اﻷوفياء “

خرجت من ذلك البيت ﻷستنشق الهواء الطلق ، أشعلت سيجارة ثم بدأت أستعيد أفكاري واﻷدلة ، الجثة بيديها شعر ماعز وعلى ظهرها علامات خشبية ونشارة قاداني إلى البيت الخشبي هنا ، بيت الضحية الثالثة حيث وجدت الصولجان و الورقة، ، بما أنني بمنطقة لا يزال سكانها يؤمنون بالسحر إيماناً أعمى فلماذا لا يكون ساحراً ما ؟ ولكن كيف لساحر أن يدخل لبيت الطبيبة ويضع هكذا أشياء ؟ بل كيف تمكن من بناء غرفة سرية فيه ؟ ناهيك عن كونها أحد الضحايا، تباً ! ازدادت القضية صعوبة لهذا قررت الذهاب إلى خبير، فبدأت بالبحث ليقودني السكان المحليون إلى ” سيسارو ” رجل متعلم وخبير بالتحف القديمة، دخلت متحفه الغريب المليء بأدوات وكتب التاريخ نفسه نسيها :

– سيد سيسارو هل تتحدث لغتي؟

– أجل طبعاً ، سيد.

– معك المحقق إدغار وذلك هناك المحقق أمير، جئنا نسألك عن ماهية هذا الشيء

– بنبرة فزعة: أين وجدت هذا الصولجان؟!

– وجدته ببيت الضحية الثالثة ، الطبيبة كارلا سامسون.

– بحزن : الطبيبة كارلا ، لقد كانت الشخص الذي علمني لغتكم ، لقد أنقذت حياتي عندما أصبت بتسمم خطير ، أدعو لها أن تجد السلام الذي أنعمته علي.

– نعتذر عن ما أصابها ، ولكننا هنا للقبض على الفاعل لذلك أخبرني كل ما تعرفه عن هذا الشيء ، تعاون معنا لنسلم القاتل لقبضة العدالة

– هذا “الشيء” يدعى بالنكانكا وهو صولجان يستخدمه السحرة للتحكم بالحظ والتواصل مع اﻷرواح وهو يحتاج للتضحية بين الحين والآخر.

– إذاً أنت تقول بأننا نتعامل مع ساحر هنا ؟ يعني قد يكون أي شخص ، تباً لحظنا اﻷسود!.

– لا ، أبداً فالشخص الوحيد الذي يمكنه التعرف على النكانكا من السحرة هو ” الباعث ” أي من يتواصل مع الموتى وهكذا ، الباعث الوحيد في القرية هو باعث قائد القبيلة السيد غيمبو.

– قال أمير مقاطعاً حديثنا: صاحبنا، ما دافعه بنظرك؟ أعني بدلالة الصولجان وما إلى هنالك.

– لربما يريد حكم القبيلة ، فهذا ما كان يصرخ به دائماً خلف ظهر الزعيم، لكن بيني وبينكما لقد ماتت على يديه مئات النساء حرقاً فقد كان يدعي بأنهن ساحرات.

– كيف يدعي بلا دليل؟

– بهذا النصف من العالم لا أحد يهتم باﻷدلة فيما يتعلق بالساحرات لذلك يحرقونهن مباشرة بعد ابتعاد رجال القانون أمثالكما .

بعدما سمعت كلامه قررت التوجه مع شريكي إلى زعيم القبيلة ﻷحقق مع الباعث المزعوم والمشتبه به الرئيسي ، جلسنا في الهواء الطلق نتحدث أو باﻷحرى رفيقي يتحدث بينما أنا أراقب من حولي ، وما أن أتى الباعث حتى تيقنت أنه هو القاتل ، فقد كان عارياً لا يلبس غير جلد ماعز أسود وجبيرة بيده ، طبعاً كيف لم أفكر باﻷمر قبلاً ؟ لابد أنه كان مريضاً لدى الطبيبة واستغل زيارته لها ليقتلها ويستخدم بيتها كمضجع لخرافاته ، لم يكتشف أحد اﻷمر ﻷنهم لا يؤمنون بالطب كما يفعلون مع السحر ، وبما أنه أصيب بذراعه اليمنى وفقد سحره فقد غدى مضطراً ﻹعطاء الطب فرصة ، ولكن لا زلت لا أملك دليلاً على إستنتاجاتي، تباً كم أشعر بالعجز فرغم وجود شعر الماعز، و كونه أعسر تقنياً إلا أن هذا غير كافي للتدخل والقبض عليه.

اقترب وأخذ يتحدث بلغته الغريبة مع أمير وقائد القبيلة ، إنه القاتل ! صرخت قائلاً بعدما لمحت ورقة كالتي بمنزل الطبيبة على خصره، حاول الهرب فهجمت عليه وكبلته باﻷصفاد بينما أخد رفيقي يهدأ الزعيم الغاضب ويخبره باﻷدلة ، توجهنا به إلى أقرب مدينة متحضرة ﻷزجه بالسجن جاعلاً إياه ينتظر محاكمته ، نظرة عيناه الباردة ومحاولة هربه بل وشكله الملون كالهيكل العظمي ، باﻹضافة إلى اﻷدلة ، شعر الماعز و الصولجان الذي ادعى بأنه سُرق منه ، ثم أنه أخر من زار الطبيبة قبل موتها وأكثر ما جعلني أدرك أنه المذنب هو الورقة التي كتب فيها تماماً ما كتب بالسابقات ، كما أنه أعسر:

– بابتسامته المعهودة: إدغار لقد حللنا أول قضية قتل لنا بل وقبضنا على قاتل متسلسل أو ربما ساحر متسلسل لا فرق.

ابتسمت له مهنياً إكمالنا لقضيتنا اﻷولى ، لكن أخذ انتباهي عبارة مجنونة :

” الحياة كوحش ثم الموت كإنسان “

هذه الجملة الحمقاء المتناقضة كانت مكتوبة على جدار زنزانة القاتل ، جملة غبية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، من عاش وحشاً سيموت وحشاً ولا شك بذلك ، هذه الجملة كتبها مجنون تائب حكم عليه باﻹعدام على اﻷغلب ، ذهبنا وقد أنهينا أول قضية تحقيق لنا إلى المطار المتهالك الذي هو عبارة عن خط فارغ من التراب ، حيث أخيراً سنعود إلى الديار، أو هكذا ظننا ، فقد تم تأجيل رحلتنا بسبب التغير الغريب بالمناخ، و ﻷن عوامل الطبيعة متعاكسة اضطررنا للبقاء مدة أطول في هذه القرية ، ولكن بعد يومان أذهلني هجوم أحد الرجال:

– ألم تقل بأنك قبضت على القاتل ؟!

قال الرجل وهو يلهث من التعب كأنما ركض أميالاً ، فأجابه أمير: القاتل بالسجن اﻷن ، يأكل عصيدة الله أعلم مما هي مصنوعة.

– لا ، هذا مستحيل فقد وقعت جريمة أخرى ، وهذه المرة أيضاً الضحية امرأة أمريكية عاملة بجمعية حقوق الإنسان.

ذهل شريكي كما ذهلت أنا فاﻷدلة كلها والدافع القوي لحكم القبيلة و محاولة الهرب ، كل هذا يشير إلى أن القاتل هو الباعث ، إذاً فكيف حدثت جريمة أخرى ؟! ذهبنا إلى مسرح الجريمة ﻷذهل مجدداً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، لقد كانت الجثة مشوهة كالسابقة تماماً بكل شيء ، حتى أن سبب الوفاة هو نفسه الذبح بعد التعذيب ، إن من نتعامل معه هنا إما قاتل متسلسل أو ساحر مختل ، وفي الحالة اﻷقرب إلى المنطق وإن أخذنا بعين اﻹعتبار منشأ هذا القاتل فأنا أرجح إلى أنه ساحر، ففعلاً عندما يختفي العلم ويعم الجهل يصبح المرء مستعداً لتقبل أي فكرة عوجاء، ، ولكن ما الذي يجنيه ساحر من هذا ؟ وما الذي يستفيده من قتل النساء و رميهن هكذا على الملأ ، ﻷجل إجابات على هذه اﻷسئلة ذهبنا إلى السجن حيث يقبع الباعث ، طلبت من أمير ترجمة ما يقوله وما أقوله أنا لنحصل على محادثة بشكل ما:

– أمير اسأله : لماذا حاول الهرب وكيف حصل على الورقة من بيت الطبيبة؟

– يقول بأنه هرب ﻷنك لحقته مشيراً بمسدسك ، ويقول أيضاً بأنه لم يحصل على الورقة من هناك بل من الشوارع فقد كانت توزعها على الجميع.

– بعدما فهمت اللعبة : طبيبة تلعب دور المحقق إذاً ، ولكن لماذا ؟ قل له لماذا كانت اﻷوراق ببيت الطبيبة؟

– يقول بأنه جمعها بنفسه وأعطاها لها ﻷنها كانت تدس أنفها بما لا يخصها و يقول بأنها حصلت على عقاب التدخل الذي حذرها منه ، فقد كانت تبحث عن هذه السانغوما بدون اﻹكتراث لتحذيراته.

تذكرت كلمة ” السانغوما ” من الورقة بلحظة مرت علي كالديجافو لذلك قلت:

– اسأله ما هي السانغوما؟

– يقول أنها بحسب معتقدات شعب غينيا الجديدة أنها روح شريرة تتلبس اﻷشخص لتحولهم إلى سحرة والطريقة الوحيدة لطرد هذه الروح هي التعذيب أو القتل حرقاً ،  بيني وبينك يبدو بأنه دماغ جوزة ، لوكو ، مجنون مخه يقطر الزيت.

– بعدما أريته صولجانه : اسأله كيف يستخدم القاتل هذا؟

– يقول بأن هذا هو النكانكا المسروق خاصته ، ويقول بأن هناك ضحية بيضاء أخرى ماتت أليس كذلك ؟ لقد قرر السانغوما أن يغدو قوياً بقلوب الجنس و اللون المعاكس التي لها ثمن كبير لتحويل روح السانغوما إلى أحد جنود الشيطان ، يبدو بأنه قتل الخامسة ولم يبقى غير القلب اﻷخير ، ألم أقل لك يا إدغار أن عقله ذائب ؟

هنا علمت ما يصبو إليه القاتل أجل ! ثم فعلاً الورقة ذُكر فيها شيء عن خدمة لوسيفر ، تمكنا من تحرير الباعث رغم ثبوت اﻷدلة بسبب حدوث جريمة أخرى وهو بالسجن مما يثبت براءته ، وبعدها ذهبنا إلى القرية للبحث عن هذه الضحية ” البيضاء ” المزعومة لنجد شخصاً واحدا فقط بتلك المواصفات، إنها ابنة رجل دين مسيحي بالمنطقة ، وﻷننا لم نرغب بإثارة الشكوك حول معرفتنا هدف القاتل بل وﻷننا مسافران بنظره لم نتحدث ، فقط بقيت أراقبها كالصقر على مدار الساعة لمدة أسبوع ، فاكتشفت أنها تذهب كل يوم إلى خلف الغابة لتتأمل وتكتب ، الله أعلم ماذا ، بتلك اللحظة أقسمت بروح والدي الخالدة الهائمة بنيران الجحيم اﻷبدية أن القاتل سيقتلها هنا ، ولكنني لم أستطع اﻹختباء هنا منتظراً أن أسمع بموتها في مكان أخر، لذلك بقيت أتي قبلها بينما أمير يلاحقها متخفياً لحراستها ، بقيت الحال هكذا أسبوعاً حتى قطعها شريكي باكتشافه شيئاً مهماً ﻷول مرة :

– إدي، أظنني عرفت القاتل.

– أمير في حالة وجود عقل برأسك الفارع ستفهم بأن الوقت ليس مناسباً لمزاحك.

– أنا لا أمزح ، إنه مومياء المتحف سيسارو ، أتعلم ؟ لن أكثر معك الكلام أكثر خذ الدليل.

ناولني ورقة قديمة كتب فيها:

” لم تأتي لدرس الليلة لقد بدأت أقلق عليك فعلاً ، أرجو أن لا تعيد التحدث عن موضوع كونك سانغوما وإلا أمروا بتعذيبك أو قتلك فهذه محض أوهام ، أنت رجل طبيعي وحتى لو شك بك الجميع أنا أعلم بأنك لست القاتل ، اعتني بنفسك جيداً يا سيسارو ، المرسل.. كارلا سامسون “

لم أصدق ما رأيته لهذا كانت تلعب دور المحققة ! أرادت حمايته ، ولكن لماذا ؟ ثم هذا الدليل ذا حدين.

– أمير كيف حصلت على هذا الدليل ؟!

– مبتسماً ابتسامة النصر السخيفة : لقد سرقته من جيبه باﻷمس عندما كنت أسأله حول موضوع القتل والطقوس علنا نسبق القاتل بشيء ، واﻷن قد سبقناه تقريباً.

بالرغم من كونه مستهتراً في بعض اﻷحيان إلا أنه يفكر، يفكر تماماً مثلي، إذ كيف لم نفطن للأمر؟ فهو وحده من يستطيع الحصول على أدوات التحنيط القديمة بحكم معرضه اﻷثري ، ثم الطبيبة نفسها وزعت اﻷوراق لحمايته ، كما كان يتعلم اللغة عندها ، مما مكنه من الدخول ليفعل ما يشاء في بيتها ، بل ضللنا بمعلومات النكانكا وقادنا إلى باعث القبيلة ، و لولا أن رحلتنا تأجلت لعدنا للوطن بحل مزيف لنظهر كاﻷطفال أمام أقراننا ، لكن هناك ما هو ناقص ، ما الدافع؟ فلا ورث ولا سيرث من اللذين قتلهم ، هل دافعه ورقته ؟ دافعه هو خدمة الشيطان ، ولو أن هذا غير منطقي إلا أنه وارد برغم أني أستشعر دافعاً أخر، كما أن هذه اﻷدلة نفسها تثبت قصة أن الطبيبة كانت تدرسه اللغة مما يثبت براءته ، إن أنكر صلته بالجرائم ، تباً ! تبقى هذه محض استنتاجات عقيمة بدون دليل ملموس، لذلك استسلمت ﻷفكاري وأنا ألحق متخفياً بالضحية المزعومة، فقط أخذت أنظر إليها بصمت محاولاً أن أفهم ما الذي تتأمله ، فهي فقط تجلس بمكانها المعتاد ، تقرأ الكتاب المقدس ثم تبدأ بالنقش على الشجرة ، ماذا تكتب ؟ أمعنت النظر ﻷجدها قد كتبت إلى جانب عشرات الخواطر جملة تضرب عصب الروح:

” السماح صفة إلهية أنزلها الله على قلوبنا فأهملناها “

بقيت أتأملها حتى لمحت ضلاً يقترب ، لحظة إنه القاتل ! صدمت إلى أن كدت أفقد عقلي فالقاتل شديد الضخامة بل طوله ضرب المترين والنصف ! هل هذا فعلاً المشتبه به الرئيسي؟ هل هذا سيسارو؟

خرجت من مخبئي بين اﻷجمة مشيراً بمسدسي إلى القاتل المسلح بسكين : توقف مكانك ! قلت لك توقف!.

طعن الفتاة فلم أجد حلاً غير اطلاق النار عليه لتصيبني صدمة كادت توقف قلبي بمكانه ، ليس ﻷنه لم يسقط صريعاً فقط ، بل ﻷنه كان بجسد إنسان و رأس ماعز أسود، استمر باﻹقتراب مني ، فحاولت إطلاق النار لكن جسدي تجمد من الصدمة الممزوجة بالخوف، ولم أشعر إلا برصاصتين أصابتا كتفه وقدمه لتسقطاه ، مصدرها مسدس شريكي :

– إدغار! هل أنت بخير؟!

أجبته ثم ركضت بسرعة إلى الفتاة ﻷتفحص جرحها ، الحمد لله لقد طعنت بكتفها ليس باﻷمر الخطير ستعيش ، نهضت وذهبت للشيطان وقلبته ﻷشعر بكل جزء من جسدي وقد هدأ فقد كان قناعاً ، قناع من رأس ماعز حقيقي تم استئصال جمجمته ، عندما أطلقت عليه اخترقت الرصاصة القناع الطويل ولم تصبه لهذا لم يمت ، أخيرا حانت لحظة الحقيقة لنعلم من القاتل خلف هذا القناع ، قيدته باﻷصفاد ثم خلعت عنه القناع المتعفن ، فأصابتني الدهشة كما لو أني رأيت الشيطان نفسه ، لقد كانت كل استنتاجاتي خاطئة فالقاتل هو:

– أمير مقاطعا : الطبيبة كارلا ، اﻹبنة والوريثة الوحيدة لمايكل سام سامسون، رجل اﻷعمال اﻷكبر بكل أمريكا ، لقد ورثت كماً هائلاً من النفوذ عقب موت والدها ، شركاته وملايينه وأملاكه غدت ملكها وﻷنها لا تملك أقرباء قررت قتلها للحصول على الورث فأنت وريثها الوحيد ، لكن ما لم أفهمه لماذا قتلت اﻷربع نساء اﻷخريات وأرادت قتل الخامسة ؟ يا سيد تشارلز مانسون.

لقد كانت شكوكي المدفونة بمحلها ، فلا توجد جريمة مهما كانت بلا دافع منطقي وإن كان ضعيفاً ، ولو أني اشتبهت بأخرين فالسبب يعود للأدلة التي تأتي أهميتها قبل الدافع بالتحقيق ، لا أستغرب كون أمير لم يندهش فهو دائماً ما يفكر خارج الصندوق ، تماماً مثلما أفعل :

– المجرم : لا فائدة من التمثيل بعدما أمسكتماني متلبساً ، فعلا لقد ورثت زوجتي العاهرة مبلغاً يكفيها للخروج من حفرة الجحيم هذه ، لكن لو كانت على اﻷقل استمعت إلى مطالبي ، لو فقط عدنا للوطن ، لكن لا ! وبرغم من صبري إلا أن للصبر حدود، باﻷخص بعدما تجد زوجتك تخونك مع عامل متحف لعين ! لذلك خططت لقتلها وأخذ المال ، ولكي لا يشك بي أحد قتلت اثنتين ثم أرديتها بعدهما ﻷطلب إرسالكما لتشهدا موت الرابعة ويشك الجميع بالساحر! فقد سرقت عصاه و وضعتها هي و الورقة المزيفة بالخزنة مع اللحم والقلوب ! ونحرت الضحايا بيدي اليسرى، ﻷن الساحر أعسر ! و استغللت كون العاهرة عالجت يده اليمنى المحطمة ، كما سرقت بعض أدوات التحنيط من عشيقها عله يصبح متهماً ويدخل السجن ، كل شيء كان جيداً ! بل كان مثالياً .

– لماذا نكلت الجثث بطريقة تعتفها حتى الوحوش البرية ؟ وإن فرضنا جزافاً بأن المال أعماك لفعل ذلك و قد ضمت أن نصدق محور قصتك ، إذاً لماذا استمريت بالقتل وقد حصلت على مرادك؟ هل أردت أن تسخر من اﻷمن ؟

– بفخر شديد : لا أبداً اﻷمر وما فيه هو أن طعم القتل كان ألذ من أن أعتزله ، حاولت لكنني لم أستطع ، فتعذيب النساء ، بل صراخهن قبل الموت لمتعة لا تقدر بثمن ! لا أجمل من رؤية لون دماء وأنت تشاهد الغروب في المساء ، عذبها حتى توشك على الموت ، فقط عندها ستحصل على النشوة القصوى وأنت تنحرها محققاً رغبتها الكاملة بالموت ، هذا يعد فعل خير وليس جريمة.

– ما هو دافعك من خلف ارتكاب كل هذه الجرائم؟

– ساخراً بعدما ضحك كالمجنون: سيستغرق اﻷمر شهراً كاملاً من الشرح ، فقط ﻷجعلك تفهم أن سؤالك هذا غير منطقي ، أنا فقط أقتل ﻷقتل.

من طريقة كلامه اتضح لي بأنه مجنون أو قد جن تواً ، لذلك لم أرغب بسماع المزيد ، فقط اتصلنا بالشرطة وقدناه إلى السجن ، حيث طلبت الولايات المتحدة الأمريكية نقله إلى ترابها لمحاكمته على جرائمه ، ﻷن جميع ضحاياه مواطنون أمريكيون ، وعند وصولنا للوطن فكرت وقد ملأت الثغرات برأسي أخيراً، إذاً لماذا رماها بالشارع وصرخ ؟ كان هذا لتجنب الشبهة ، وكيف وصل شعر الماعز إلى الضحية ؟ كانت رغبة من القاتل بإلصاق التهمة بالباعث أو لربما كان قناعه ، أما عن الكرسي الذي وضع فوق السرير بطريقة غريبة ؟ أراد تضليلنا بجعلنا نظن أن طقساً ما أقيم لنتأكد من أن المجرم هو الباعث ، وبالنسبة لكيف وصل القاتل إلى بيت الطبيبة ؟ لقد كان البيت بيته ، القليل من العمل أثناء خروجها كفيل لبناء حجرته تلك ، هذا في حالة أنه لم يبنها بعد قتله لزوجته ، كانت أجوبة هذه الأسئلة أهم اﻷسباب التي جعلته يُحاكم بكل جرائمه على أنها قتل من الدرجة الأولى ، ولا أعلم هل لسوء أم لحسن حظه أنه حوكم بولايته اﻷم تكساس ، فرغم استغلال وإظهار محامي الدفاع لوعي موكله المختل بالمحكمة إلا أنه حكم عليه باﻹعدام ، وعلى خلاف كل أسس المنطق والصحة كان المطلب اﻷخير للسفاح أن يعدم بقطع رأسه ، وفعلاً تم تهيئة مقصلة كما طلب ، استلقى برأسه عليها ناطقاً بكلمات لجنونها تداولتها جميع الصحف حول كل الولايات الأمريكية وأجزم بأنها كلمات لن تنسى :

” ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ أيها الجلاد ، ﺃﺻﺤﻴﺢ ﺃﻧﻨﻲ ﺑﻌﺪ ﻗﻄﻊ ﺭﺃﺳﻲ ﺳﺄﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﺳﻤﻊ ؟ ﻋﻠﻰ

ﺍﻷﻗﻞ ﻟﻤﺪﺓ ﻭﺟﻴﺰﺓ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺃﻣﻮﺕ؟ ﺇﻥ ﺻﻮﺕ ﺩﻣﺎﺋﻲ ﻭﻫﻲ ﺗﻨﻔﺠﺮ ﻣﻦ ﻣﺆﺧﺮﺓ ﻋﻨﻘﻲ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺘﻌﺔ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻹﻧﻬﺎﺀ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺘﻊ القليلة التي ﺣﻈﻴﺖ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ إفريقيا “

قُطع رأسه لتغلق القضية ، قضية حياته التي أغلقت بعد ثلاثة أشهر من قضية جريمته ، لكن كلماته الخالدة تلك التي قرأتها بصحيفة الصباح ، كانت كافية لتدفعني للبحث بماضيه وأكتشف ما أخرس أعماق شخصي ، اكتشفت أن أمه قتلت والده أمامه بطفولته مستخدمتةً بندقية صيد وأخفت جريمتها متهمةً عشيقها ، أضطر ليعيش مثلي بكنف اختلال العدل والمنطق ، يعيش وهو يتوقع بكل لحظة أنه شاهد مهدد بالقتل ، يخاف النوم والباب غير موصد ، أصابه وسواس جعله يكره كل من يشبهها ويخطط للانتقام ، أو ربما فقط ينتظر اللحظة التي يبتعد فيها عن البيت ، لقد قام بكبت الجنون الذي لحقه بطفولته كحالنا جميعاً نحن البشر، نسيه أو ربما تناساه ليستيقظ مرضه بعد ارتكابه جريمته اﻷولى، قتل ﻷجل المال فتلبسته ذكرياته ومرضه ليقتل ﻷجل القتل ، قتل الجنس اﻷقرب ﻷمه ، طفولته المريضة تشبه طفولتي ولكن بخلافي هو فقد عقله بينما أنا ، أخرجت سيجارة ﻷدخن وأنا أراجع كل ما مررت به:

– إدي، هل تعلم أن معظم السفاحين لا يعلمون بأنهم سفاحون إلا عند ارتكابهم ﻷول جريمة ، القتل كالتدخين تماماً ، منا من يدمنه بعد أول شفطة ومنا من يكرهه منها ، أولم تقلع عن هذه العادة يا إدغار؟ التدخين مضر للصحة.

– أمير؟ متى وصلت إلى هنا؟

– بعدما ضرب ظهري حتى وقعت سيجارتي أرضاً : وهل هذا يهم يا رجل ؟! المهم أننا قد حصلنا على شهرة لا بأس بها ، والقضايا تتدفق على مكتبنا كالشوكولا بمصنع ويلي وانكا في سويسرا

– جيد، كل شيء جميل إلى اﻷن.

– مبتسماً : صديقي القضية القادمة أكثر تعقيداً من هذه ، هل زرت يوماً فندق سيسل بلوس أنجلوس؟

ابتسمت ليفهمني ، و لو أنها من أول القضايا التي حللناها، إلا أنها ستكون أكثرها إثارة للجدل بكل أرجاء نفسي ، ما رأيته بهذه الرحلة كأنما كان موجهاً إلى عقلي إلى واعي ﻷدرك شيء لم أدركه ، المهم أنني أدركت ما يرغبه كل فاني بهذه الدنيا ، أدركت بعض الشهرة والمال وقضية جديدة ربما تكون أغرب من سابقتها.

النهاية …

ملاحظة :

– السانغوما: بحسب المعتقدات القديمة بغينيا هو أسم يُطلق على روح شريرة تتلبس النساء فقط وتحولهن إلى ساحرات ، تم استخدام الكثير من المحارق لتلقى ألاف النساء حتفهن، وإلى يومنا تُقام تلك المحارق ببعض بقاع غينيا المؤمنة بالسحر.

– نكانكا ‏( nganga ‏): وعاء معدني كبير توضع فيه بعض التربة المقدسة مع العصي المقدسة كما يحتوي على عظام بشرية وأشياء أخرى يعتقدون أن اﻷرواح المعبودة تسكن في هذا الوعاء ، وكذلك أرواح الموتى و تحتاج النكانكا إلى اﻷضحية البشرية من الحين إلى اﻷخر ، لقد ذُكرت هذه اﻷداة بمقال للأستاذ إياد العطار بعنوان ( ﻛﻮﻧﺴﺘﺎﻧﺰﻭ ﺷﻴﻄﺎﻥ ﻻ ﻳﺸﺒﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻡ ﻭ ﺍﻷﺷﻼﺀ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ) وتم إظهار هذه اﻷداة بقصتي كصولجان لخدمة القصة .

 

تاريخ النشر : 2018-06-05

guest
76 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى