المحيط الهادي و نقطة نيمو
قد يكون كوكب الأرض غامضاً أكثر مما نتصور |
قد يعتبر الكثير كلامي هذا و كأنه خيالات مستحيلة الحدوث ، ربما ! . و لكن هل تعلم عزيزي القارئ أن العلم في الحقيقة لم يكتشف حتى 5% مما يوجد على سطح الأرض ، فما هو المستحيل الذي تجزم بعدم وجوده ؟! . و قد لا يستحضرني إسم عالم الفضاء الذي سُئل مرةً في مؤتمر صحفي : كم إكتشفتم من الفضاء ؟ فأجاب ساخراً : نحن لم نكتشف الأرض التي نعيش عليها ، فكيف تسألني عما عرفناه في الفضاء ؟ .
قد يكون كوكب الأرض غامضاً أكثر مما تتصور عزيزي القارئ ، فمساحة اليابسة 148.9 مليون كيلومتر مربع لا يعيش البشر فعلياً إلا على 10% من هذه المساحة ، و تغطي المحيطات و البحار مساحة 510.1 مليون كيلومتر مربع ، و نسبة البحار على سطح الأرض 71% مقابل 29% لليابسة .
المحيط الهادي .. ليس اسما على مسمى دوما .. |
أعظم تلك المحيطات هو المحيط الهاديء الذي يشكل ثلث مساحة الأرض ، و قد أطلق عليه البحار فرديناند ماجلان هذا الإسم لهدوء رياحه و أمواجه ، غير أن هذا المحيط ليس هاديء تماماً ، إذ يمكن أن يثور ثورة شديدة جداً ، فتهب في أرجائه أكثر الأعاصير فتكاً و دماراً على سطح كوكبنا ، ألا و هي أعاصير التيفون التي يمكن أن تسوي مدناً بالأرض . كذلك تحدث في أعماقه أشد الزلازل و التي قد تؤدي إلى حدوث موجات عملاقة تصل إلى 30 متر إرتفاعاً .
في عام 1992م إكتشف مهندس مساحة يُدعى فرفاي لوكاتيلا بقعة تتوسط المحيط الهاديء و التي أسماها نقطة ( نيمو ) على اسم الكابتن نيمو ، وهو ذاك البطل الشهير الذي ابتكرته مخيلة الكاتب جول فيرن لربانٍ يجوب البحار ، ويتصف بسمات تختلف عن تلك التي يتسم بها الأبطال الروائيون عادة . ويبدو الإسم ملائماً لتلك البقعة التي لا تُزار إلا نادراً ، فـ ( نيمو ) تعني باللغة اللاتينية ( لا أحد ). وتبدو نقطة نيمو بقعة غريبة ومميزة بشكلٍ ما ، فلطالما تجادل الخبراء حول تلك الأحجية الجغرافية المتعلقة بإيجاد النقطة التي تتوسط المحيط ، لكن الأمر لم يُحل بشكل كامل سوى بإستخدام التقنيات الحديثة ، لتُكتشف منطقة ( قطب المحيط المتعذر الوصول إليه ) ، و هي أبعد نقطة عن أي يابسة ، و توجد في قلب مثلث متساوي الأضلاع تشكله ثلاث جزر نائية تبعد عن كل منها أكثر من 1600 كيلومتر . و لبعدها الكبير عن أي تجمع بشري فقد جعلتها وكالات الفضاء في العالم كمقبرة للسفن الفضائية و الأقمار الصناعية المنتهية مدة خدمتها ، ويُعتقد أن أكثر من مئة من المركبات الفضائية و التي خرجت من الخدمة تقبع حالياً في مقبرة المركبات الفضائية تلك ، بدءاً من أقمارٍ صناعية وسفن شحن فضائية وصولاً إلى المحطة الفضائية ( مير ) التي انتهت مدة خدمتها .
نقطة نيمو .. أبعد نقطة عن اليابسة |
وقبل إكتشاف هذه البقعة بستة وستين عاماً ، إختار كاتب الخيال العلمي هوارد فيليب لافكرافت منطقة قريبة بشكلٍ مخيف منها ، ليعتبرها ( رليّاه ) ذاك الموطن المفترض للكائن الأسطوري الخرافي ، الذي سماه كوثولُّو، وتصوّره على شكل مخلوقٍ يتألف وجهه من عدد من المجسات ويجمع في شكله ما بين الإنسان والأخطبوط والتنين .
في عام 1997م ، سجّل علماء المحيطات ضوضاء غامضة على بعد أقل من 1240 ميلاً ( نحو 2000 كيلومتر ) إلى الشرق من نقطة نيمو ، مما أحدث قدراً كبيراً من الإثارة وبعض الفزع والخوف كذلك . وكانت هذه الضوضاء ، التي أُطلق عليها اسم ( بلوب ) ، أعلى دوياً حتى من الأصوات التي يصدرها الحوت الأزرق ، مما أثار تكهنات بأنها قد تكون صادرة عن وحش بحري غير معروف .
و من نقطة نيمو إلى خندق ماريانا و الذي تعتبر أعمق نقطة تحت سطح المحيط الهادي ( يبلغ العمق 11 كم ) ، و الذي تفاجأ العلماء بوجود كائنات بأشكال غريبة في عمق يعتبر فيه الضغط هائل جداً و من المستحيل وجود كائنات تحت ضغط كهذا ( يكفي أن تعلم أن رئتي الإنسان قد تنفجر في عمق 100 متر نتيجة الضغط ) .
خندق ماريانا .. الكائن الظاهر في الصورة هو نوع غريب وجديد من القروش يعيش في تلك الاعماق السحيقة |
أعظم الجبال في العالم كذلك يوجد في المحيط الهادئ ، و هو جبل مايونا كيا العملاق في هاواي ويبلغ طوله من القاعدة للقمة 12 ألف متر ( تخيل ان تقف أمام ناطحة سحاب بطول 12 كيلومتر ) اي انه أطول من قمة ايفرست بحوالي 4000 قدم , ولكن حوالي 50 % من طول الجبل يقع تحت سطح المحيط ولذلك لم يكتشف طوله الفارع إلا قريباً .
المحيط الأطلسي لا يقل غرابة عن المحيط الهادئ ، و يكفي أن تعلم أن مثلث برمودا الملئ بقصص الغموض و الإختفاء في هذا المحيط . و حسب الدراسات الجيولوجية فإن أطراف المحيط ضاربة في القدم أي قبل 900 مليون عام ، بينما تشكلت المنطقة الوسطى في فترة حديثة نسبياً أي خلال ال500 ألف عام الأخيرة ، بمعنى أنها كانت يابسة ، و لهذا يظن بعض العلماء إحتمالية أن يكون ذلك دليل على وجود قارة إطلنطا الأسطورية و غرقها .
يزخر تاريخ المحيط بالكثير من القصص الغريبة عن مخلوقات مثل حورية البحر |
كذلك يزخر تاريخ المحيط بكثير من القصص الغريبة عن مخلوقات تتواجد في المياه مثل حوريات البحر ، ففي عام 1890م إدعى أحد الأشخاص في إسكتلندا و اسمه ( وليم مونرو ) أنه رأى امرأة عارية نصفها سمكة ذات شعر كستنائي طويل على شاطئ المحيط ، و كثرت بعدها قصص رؤية حوريات البحر بشكل كبير في تلك الفترة ، مما جعل جريدة التايمز اللندنية تبحث وراء حقيقة الأمر ، و ظلت القصص تتوارد لفترة 12 عام بعد ذلك التاريخ .
و كذلك ذكر مكتشف أمريكا البحار كريستوفر كولمبوس في مذكراته رؤيته لحوريات البحر أثناء سفره عبر المحيط الأطلسي .
و في الأخير أقول : أن الكلام في عجائب المخلوقات و البحار لا يكمُل ، و يحتاج إلى آلاف المجلدات ليحتويه ، و يكفي أن تعلم عزيزي القارئ أن أمام كل كائن مكتشف في المحيطات و البحار ، يوجد 3 كائنات غير مكتشفة حتى يومنا هذا.
تاريخ النشر : 2019-04-19