أدب الرعب والعام

المخطوفة

بقلم : مؤنس نورالدين بدرالدين – لبنان

لقد خسرت معركة لا تعوّضها أي معركة وأخلفت بوعدي له
لقد خسرت معركة لا تعوّضها أي معركة وأخلفت بوعدي له

بعد أن واجه عضو الأنتربول الدولي” إيليا ” الذي هو والدي مجموعة من العصابات واستطاع تفكيكها والقضاء على العديد من رؤسائها وضرب الكثير من صفقاتها ، اجتمع من كان قد تشتت من العصابات واتفقوا على محاربته مجتمعين ، تمكنوا خلال كمين مُحكم من القضاء عليه بعد أن كان قد قضى على الكثيرين منهم ، بعد أن كان قد علّمني كل ما يعرفه ، كان لا بد لي من أن أتابع طريقه مُزوداً بطاقة لا تنفذ ، طاقة الانتقام.

كُنت أعرف عنهم بعض الأشياء ، لكن عناوينهم كانت تتغير باستمرار ، استطعت الوصول إلى منزل أول واحد منهم ، استعملت سلّم الطوارئ للدخول إلى شقته من الشباك ، كان يشرب البيرة ويشاهد التلفزيون ، وضعت مسدسي على رأسه من الخلف قائلاً : لا تتحرّك ، أطفئ الجهاز ، بعد أن أطفئه طلبت منه عناوين من أشترك بعملية قتل والدي واعداً إياه بأن لا أقتله في حال تعاونه ، أعطاني العناوين ، قلت له : وعدتك أن لا أقتلك ، وعدي للمجرمين دائماً هو وعد كاذب ، أطلقت الرصاص على رأسه و خرجت كما أتيت من الشبّاك.

ذهبت إلى العنوان الأول ، المبنى قديم ، هادئ نسبياً ، فتحت الباب بحذر ، كانت موسيقى الجاز تصدح في الغرفة ، لم يكن هو في الغرفة ، كان باب الدوش مفتوحاً ، كان متسطحاً في البانيو مستمتعاً بالمياه الساخنة ، يحرّك يديه مع الموسيقى بانسجام وكأنه قائد أوركسترا ، طلبت منه أن يلتفت إلى ناحيتي ، ألتفت مضطرباً ، قلت له : كان بإمكاني ببساطة أن أطلق عليك النار من الخلف ، لكن أردتك أن ترى وجه من سيرسلك إلى الجحيم ، ثم أطلقت النار عليه و رحلت.

تابعت البحث عن الآخرين ، كنت أنتظر الفرصة المناسبة ، أي عندما يكونون لوحدهم ، أردت أن أتفادى الأضرار الجانبية ، أي إصابة أبرياء عند الاشتباك ، كل مجرم لديه نقطة ضعف ، كل ما عليّ كان أن أستغلها ، عالم الإجرام عالم معقّد ، لكن المجرمين وقت الشِدّة يتحدون في مواجهة الأخيار ،

قبل مهاجمة أي شخص كان عليّ أن أدرس أدق التفاصيل داخل شقته وخارجها ، لكن المجرمين كانوا أيضاً يترصّدونني ، أرادوا ضرب ضربتهم في مكان عام حيث انتباهي وتركيزي يكونان أقل لعدم توقعي هجومهم ، وأنا سائر في الشارع يفاجئني شخص بلكمة قوية على معدتي ، شخص آخر يجذبني في ذات الوقت إلى داخل عربة مغلقة حيث المُسدّسات كانت مصوبة إلي ، فتشوني ولم يجدوا معي سلاحاً ، قالوا لي : يريد الزعيم استجوابك .

وصلوا إلى داخل مبنى مصنع مهجور ، كان عليّ أن أركّز أقصى انتباهي على التفاصيل التي قد تساعدني في التخلّص من المأزق ، أدخلوني إلى غرفة ، أجلسوني على كرسي مقابل زعيمهم الذي بدأ الكلام قائلاً : لدي مجموعة أسئلة سوف أطرحها عليك ، عليك الإجابة بصدق ، بعدها يمكنك الذهاب ببساطة ، السؤال الأول : من الذي قتل الرجلين ؟ هل أنت ؟ هل أحد تعرفه ؟ هل أنت بمساعدة أحد ما ؟ أجبت : لا أعلم شيئاً عن الموضوع ،

أجاب : أُريد اسماً أو عنواناً واحداً لتنقذ نفسك ، لا تجعل صبري ينفذ ، هناك من اتصل به ، غادر الغرفة لتلقّي المكالمة ، بقي معي في الغرفة ثلاثة رجال ، في زاوية الغرفة على الطاولة كان يوجد عبوة ماء بلاستيكية ، تظاهرت بأني أريد أن أصل إليها ، لكن صوت أحد الرجال أمرني بالجلوس وهذا ما كنت أريده ، فتوزيع الرجال في الغرفة لم يكن مناسباً لأي هجوم من قِبلي عليهم ، قلت : أريد أن أشرب ، قال الرجل الأول للرجل القريب من العبوة : أعطه العبوة ، تقدّم الرجل ليناولني العبوة ، جذبته من يده ، أخذت مسدسه و وقفت وراءه ، رصاص رفيقه أصابه ، لكن رصاصي أصاب رفيقيه ، خرجت من الغرفة ، كان زعيمهم يحاول الهرب ، تبعته حتى تعثّر بعارضة خشبية ، قلت له قبل أن أطلق رصاصتي عليه : أنا من قتل الرجلين وقتل رجالك ومن سيقتلك.

عند محاولتي الوصول إلى هدفي التالي كنت قد فقدت زمام المبادرة ، كان ينتظرني على باب المصعد ، لا شك بأنه كان يراقب الشارع ، قبل أن يطلق النار ، ابتعدت قليلاً و لويت ذراعه فأصاب الحائط برصاصته ، التحمنا لكنه لم يترك المسدس ، استطعت أن أقلب اتجاه المسدس ليواجهه ، ثم انطلقت رصاصة قتلته.

عثرت على هدفٍ جديد كان مع أحد رجاله داخل منشرته ، أطلقت النار عليهم ، قتلت الرجُل ، لكن رئيسه كان يرتدي درعاً واقياً للرصاص ، كان يجب أن أصوّب مباشرة إلى رأسه ، احتميت وراء كومة من الخشب واحتمى هو بدوره وراء كومة أخرى ، كان محترفاً يتوقع مني أي حركة ، تبادلنا إطلاق النار ، لم أستطع إصابته في بادئ الأمر إلى أن قمت بأقدم خدعة ألا وهي رمي خشبة في الاتجاه المضاد للمكان الذي كنت أقف فيه ، شتتت تفكيره وجعلته يطلق الرصاص في الاتجاه المعاكس ، فاستغليت الفرصة لكي أطلق عليه النار وأقتله.

الهدف الأخير على لائحتي ، دخلت إلى منزله ولم أجده ، وضعت رصاصة على طاولته ، عندما جاء و رأى الرصاصة فقد صوابه و خرج من منزله حاملاً مسدسه باحثاً عني .
كان بأماكني أن أقتله فوراً ، لكن كنت أحب أن أقول لكل ضحية : لماذا قُتِلت ومن قتلها ، لاعبته لعبة القط والفأر إلى أن استطعت إصابته بذراعه فأوقع المسدّس من يده ، قلت له : لقد لعِبت مع الرجل الخطأ ، وأطلقت عليه النار.

فترة من الراحة تلت مهمتي الأخيرة ، كنت أحتفظ بهاتف والدي على الرف إلى جانب هاتفي ، في بادئ الأمر كان يرن فأجيب الطالب وأخبره بالوفاة ، بعد أشهرٍ لم يعد يرن ، لكنّ شحن بطاريته أصبح عادة لدي ، مر وقت سمعت بعده رنين هاتف ، حملت هاتفي لأجيب ، فوجدت أنه لا يرن إنّما الرنين قادم من هاتف أبي ، بعد مرور هذا الوقت هناك من يتّصل ، قد يكون رقماً خاطئاً ، ترددت في الإجابة في بادئ الأمر ، لكن إلحاح المتصل دفعني إلى الإجابة على اتصاله ،

الصوت المرتبك القادم من الهاتف قال لي : هل أستطيع التكلم مع السيّد إيليا لو سمحت ؟ أجبته : يؤسفني أن أخبرك بأن السيّد إيليا مات ، قال : مات ؟ أيمتى مات ؟ أجبته : منذ عام ، ولكن من أنت ؟ أجاب : أنا أبنه ، قلت : أبنه ؟ هناك خطأ ما ، ليس لديه أبن ، أجاب : بالتأكيد لديه ابن ، لكن قد يكون لم يذكر لك الموضوع ، من تكون بالنسبة له لكي تحتفظ بهاتفه ؟ قلت : لقد كنت صديقاً مُقرّباً جداً منه .

قال : هل أستطيع الحصول على مساعدتك بالرغم من عدم معرفتي بك ؟ أجبته : طبعاً ما دُمت أبن أعز صديق كان لدي .
سألني : أين أنا ؟ فأجبته : في لوكسمبورغ ، قال : أنا في بلجيكا ولست بعيداً عن لوكسمبورغ ، أحتاج إلى ساعة واحدة لكي أصل إليك .
أعطيته عنوان مقهى رصيف ، لم أكن لأقابل قاتلاً محتملاً في مكانٍ منعزل ، من يدري قد أكون قد تسرّعت في قبول مقابلته ، لكن قد يكون شخصاً محتاجاً بالفعل إلى مساعدتي.

انتظرت وصوله ، كانت العلامة هي ملابسه ، جينز أزرق ، قميص أبيض ، حذاء رياضة أبيض ، شاهدته قادماً فوقفت لكي يعلم بأنّي المقصود باللقاء ، اقترب وهو يرتعش ، كان يفرك كوعيه بيديه استجداءً للدفء ، لم يكن الطقس بارداً كثيراً ، لكن قد يكون عدم شعوره بالارتياح أشعره بالبرد . طلبت منه الجلوس ، جلس على الكرسي المقابل لكرسيّ ، كان مُجرّد فتى لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر، بدا مؤدباً في حركاته ، مظهره لا يشي أبداً بكونه قاتل ، كان شكله يوحي وكأنه تلميذ أحدى المدارس القسم الداخلي ،

مع ذلك سألته : أنت أبنه ؟ أجاب : أجل ، قلت : ما نوع اللعبة التي تلعبها معي وإلى أين تريد أن تصل بها ؟ أجاب : ولما لا تصدقّني ؟ قلت : لأنك كاذب ، قال : لماذا تظنّ بأني كاذب ؟ أجبت : لأنني أبنه أيّها الحذق ، إلى ماذا ترمي من هذا الادعاء ؟ نهضت مريداً إنهاء الحديث لكنه قال : أستطيع إثبات ذلك ، فتح محفظته ، أراني صورة برفقته ، ثم فتح هاتفه ، دخل إلى صفحته على الفيس بوك وأراني المزيد من الصور برفقته.

قلت له : لماذا الآن ؟ لماذا لم أعلم بوجودك سابقاً ؟ أجاب : أنا أيضا لم أكن أعلم بوجودك ، يبدو بأن والدنا لم يرغب بأن تعلم والدتك بوجودي و وجود والدتي ، أما لماذا اتصلت ، لأنني الآن محتاج له ، لقد خطفوا والدتي .

 سألته : هل عندك شكّ بأحد ما ؟ أجاب : لا ، ليس لدينا أعداء على الإطلاق ، هل تعلم وظيفة والدنا ؟ أجاب : أجل ، سمسار عقارات .

 قلتُ في نفسي : ألآن فهمت ، لقد أخفى وجودهما لكي يحميهما من أعدائه ، لا شكّ بأنّ الخاطف أو القاتل اكتشف بطريقة ما وجودهما وأراد الانتقام من عائلة والدي .

قلت له : والدنا هو شرطي دولي ، بل كان من أنشطهم ، بالرغم من إخفائكما حتى عني وعن والدتي فقد عثرت عليكما عصابة ما بطريقتها الخاصة وتريد الانتقام منكما ، لكي أفعل شيئاً عليّ أولاً مشاهدة مكان الاختطاف ، صعدنا إلى سيّارتي وانطلقنا نحو بلجيكا ، فحصت الشقة جيداً ،

لا أثر للخلع أو العنف ، لا بد بأنهم خدروها ثم نقلوها بعد أن كانوا قد فتحوا الباب بمفتاح ماستر من صنعهم ، رششت سائلاً لكشف البصمات ، لم أجد في الشقة سوى بصمات مايكل وبصمات والدته ، سألني مايكل : إن كنت حقيقةً مهندس ؟ لأن تفتيشي للشقة كان أكثر مهارة من تفتيش البوليس الذي أتى قبلي ، فأجبته : والدك كان بوليس دولي وأنا كذلك ، أستطيع مصارحتك الآن لأننا أشقاء و لأننا الوحيدين المتبقّين من العائلة ، سأفتّش عن والدتك وأرجو أن أجدها.

أثناء خروجنا شاهدت سيدة تنظر إلينا من نافذة المبنى المجاور ، صعدت وطرقت بابها ، قالت بعد أن فتحت الباب : لم أر شيئاً ، لقد أخبرت البوليس بذلك ، أجبتها : أنا لست بوليس ولن يعلم أحد بما ستقولينه لي ، ترددت ثم قالت : كانوا ثلاثة رجال ، دخلوا شقتها وحقنوها بحقنة مخدرة ثم حملوها و ذهبوا.

سألت المرأة : هل من شيء تريدين إضافته ؟ قالت : أجل ، لقد التقطت صورة لأحدهم ، وأعطتني الصورة من هاتفها .

ذهبت إلى حانة يتواجد فيها مخبرون للشرطة ، عرضت الصورة على أحدهم ، سألته إن كان قد شاهد صاحب هذه الصورة ؟ فأجاب : لا أذكر ، عندما أعطيته مالاً ، قال : الآن لقد تذكرت : عليك أن تذهب إلى مقهى ماكس وتسأل عن آلن وهو سيفيدك.

ذهبنا إلى مقهى ماكس ، سألت الساقي عن آلن ، ؟ ركض شاب مسرِعاً خارِجاً من المقهى ، علمت بأنه آلن ، ركضت خلفه ، تابع ركضه كالمجنون ظاناً بأني بوليس وأريد أن ألقي القبض عليه ، اجتاز الشارع السريع راكضاً ، صدمته سيارة بقوّة و قتلته على الفور ، خسرت الخيط الأول .

فتّشت عن مكان تُباع فيه المخدّرات ، المخدّرات هي تجارتهم الرئيسية ، وصلت إلى تاجر مُفرّق كان يقف في زاوية الشارع ، تظاهرت بالاصطدام به وألصقت زراً للإرسال داخل حافة سترته ، سمعت الكثير من محادثاتهم العقيمة ، إلى أن بدأوا الحديث عن بضاعة و مشاكل في تسليمها ، علمت بأنّي اقتربت من الهدف ، جهاز الإرسال يبثّ إشارة أقوى عند الاقتراب ، ركنت سيارتي بعيداً عن المخزن المذكور ، التففت متسللاً من الخلف حيث الحراسة تكون أقل ، حاولت الدخول متظاهراً بأني فرد من أفراد العصابة ، لكن

الحارس تنبه لي ، ناداني فاستدرت بصورة خاطفة ولكمته على وجهه فسقط أرضاً ، جررته إلى زاوية مقفلة وأطلقت النار عليه ، تقدمت فإذا برجل يأتي من خلفي ، كان يصوّب مسدسه إلي ، رأيت انعكاس صورته على شاشة حاسوب مطفئ ، استدارة سريعة مني مع ضربة على يده التي كانت تمسك بالمسدّس كانتا كافيتان لإيقاع المسدس من يده ، ضربته بمسدسي على رأسه ، جررته بعيداً ثم أطلقت عليه النار ، لم أرد أن أترك أي أثر لدماء تكشف وجودي ، لكن عند تفقدهم للحارس وجدوا الجثتين ، أطلقوا الإنذار ، تمكّنت من الإفلات بصعوبة.

عدت إلى شقّة مايكل بعد أن كنت قد اشتريت له مسدساً ، لم يرد في بادئ الأمر أن يحمل سلاحاً ، لكني قلت له : أمنك من مسؤوليتي ، لن أدع أحداً يؤذيك ، لكن قد أغيب عنك و لو لدقائق ، عندها عليك أن تدافع عن نفسك بنفسك ، وافق معي فعلّمته طريقة استخدام المسدس ، جمع ملابسه في حقيبة وذهبنا إلى منزل جديد استأجرته ، قلت لمايكل : نحن نتعامل مع قتله ، عندما يطرق أيّ شخص الباب لا تفتح ،

عندما يحاول الدخول عنوة عليك بأن تطلق النار فوراً ، ألتردد سوف يكلفك حياتك ، أنا سوف أفتح الباب بمفتاحي ومع ذلك سأكلّمك بواسطة الهاتف معلناً وصولي لكي لا أترك مجالاً للخطأ ، قال لي : عندما كنت صغيراً كانت والدتي لكي تجعلني أطمئن وأنام بهدوء تنتظرني في الغرفة حتى أتحقق من عدم وجود وحش أسفل سريري ، الآن أنا أرى الوحش يتربص بي خارجاً وليس تحت السرير ، قلت له : وأنا من سيفتش في خزانتك وتحت سريرك عن الوحش.

قلت : لم يخطئ والدي حين أسماك مايكل فأنت فعلاً تتصرّف كملاك ، أجاب : لربما أرادني أن أكون ملاكاً ، دراستي كانت في مدرسة كاثوليكيّة حيث المُحرّمات فيها أكثر من الأشياء المباحة ، ثمّ أراني صورة يرتدي فيها ملابس ملاك وقال : لقد اشترى لي هذه الملابس لحفلة المدرسة بنفسه و بدا فخوراً برؤيتي أشارك في المسرحية .

 أجبته : أتى لرؤيتك تشارك في المسرحية ؟ أجاب : أجل ، و في كل عام كان يأتي لمشاهدة مسرحيتي ، ألم يفعل معك ذلك ؟ أجبته : لم يكن ليتذكّر أسم مدرستي ، وقد علّمني الرماية عندما كنت في الثانية عشرة من العمر ، لا شك بأنه أراد تصحيح خطأه من خلالك ، تربيتي كانت عسكرية وتربيتك مدرسية .

( شعرت قليلاً بالغيرة منه ، هو عومِل كملاك وأنا عوملت كجندي في معركة ).
قلت لمايكل : عليك أن تتعلم بعض فنون القتال ، أهجم عليّ لكي أريك ما يجب أن تفعل ، تقدم مايكل باتجاهي ، كان أمامي طاولة صغيرة رفستها باتجاهه فأصبته ، غضِب منّي وأدار ظهره لي قائلاً : هذا ليس بعدل ، لقد استخدمت الطاولة ، أجبته : عدل ؟ لم تحدث معركة واحدة رابحة في التاريخ وكانت عادلة ، القتال ليس لعبة لكي نضع شروطاً للمقاتلين تضمن قواعد النزاهة لكي نحدد الرابح والخاسر ، القوي هو من يبقى على قيد الحياة ، هل استعمال القنبلة الذرية في هيروشيما والتي غيّرت مسار الحرب كان عملاً عادلاً ، هل احتلال فلسطين وطرد أهلها هي لعبة عادلة ؟ ماذا عن حرب العراق ؟

العدل هي كلمة اخترعها الضعفاء لأنهم لا يستطيعون هزيمة الأقوياء ، أجاب : وماذا عن شرف المواجهة ؟ أجبته : لقد لمحت في منزلك قصة ل “فوراسك” و كنت قد قرأتها سابقاً ، شرف المواجهة هو جزء من قصة لا أكثر ، البقاء في الواقع هو للأقوى وعليك أن تستعمل كل الأسلحة لكي تربح المعركة ، غريمك لن يتردد باستعمال كل ما يقع تحت يده لكي يفوز عليك ، عليك أن تكون دائماً مستعداً ، أجاب : و كيف أكون مستعداً لشيء لا أستطيع أن أتوقعه ؟ أجبته : عليك أن تتوقع كل شيء عندها لن يفاجئك أي شيء.

أراد أن يأتي معي قائلاً : أن والدته هي المخطوفة وعليه المشاركة في تحريرها ، أجبته : أنا البوليس وأنا من سيقوم بالمهمة ، لا أريد أن أعدك بالكثير ولكن لا أعتقد بأن والدتك لا تزل على قيد الحياة ، ما أقوم به هو لحمايتك ومن أجل أن أقوم بواجبي كرجل شرطة ومن أجل الثأر لوالدنا ، ثم تركته و خرجت.

ذهبت إلى عنوان جديد ، لقد كانوا يتوقعون قدومي ، ما أن دخلت من الباب أتى من ورائي رجل يحمل مسدساً ، شاهدت انعكاس صورته على زجاج صورة أمامي ، استدرت بسرعة وضربته ضربة قوية على رقبته من الأمام ، اتخذته ترساً وأطلقت النار من ورائه على الرجل الذي قدم من خلفه ، مِن شقّ الباب شاهدت رجلين مسلّحين يتحركان بحذر باتجاه الغرفة التي كنت فيها ، الحائط ما بين الغرفتين لم يكن سميكاً ، أطلقت النار من خلاله على الرجل الأول فقتلته ، الثاني كان خلف الكنبة ، تبادلنا إطلاق النار حتى قتلته.

لم يبقى سوى رجل واحد على لائحتي ، ذهبت إليه ، عبرت حديقة عامة حيث الناس يتنزهون والأطفال يلعبون ، كم يختلف مشهد الحياة عن مشهد الموت ! كان الرجل الأخير هو خبيرهم الكيميائي ، يعمل على المتفجرات والمخدرات ، نظرت من طاقة تُشرف على مختبره ، كنت أريد أن أعلم ماذا يفعل ، كان يحمل أنبوباً صغيراً فيه سائل كيميائي ، سحب القليل منه بواسطة إبرة وأطلقه في داخل قفص زجاجي يوجد فيه فئران ، ماتت الفئران فوراً ، إذاً لقد كان يخطط لعمل إرهابي ، أو بيعه لمن يدفع من الإرهابيين

، دفعت الباب بقوة ، كسرته و دخلت ، صوّبت مسدسي نحوه قائلاً : ارفع يديك ، سألته عن أم مايكل ؟ فأجاب : كان المستهدف الأكبر مايكل ومن ثُم والدته ، عندما لم نجده في المنزل لم نقتل والدته هناك لئلاّ يختفي أو يصبح تحت حماية البوليس ، لذلك خدرناها ونقلناها إلى قرب البحيرة حيث قتلناها و ربطنا بجثّتها ثقلاً و رميناها في البحيرة . بعد سماع ما عنده أطلقت رصاصة على رأسه ، أخذت المادة القاتلة لأتلفها ، وغادرت .

 أصعب مهمة كانت إخبار مايكل بوفاة والدته ، بالنسبة له فقد خسر في أيام قليلة والده ثم والدته فتملكه الحزن تماماً عندما علِم ذلك فاستند إلى كتفي بطريقة وكأنه يقول : لم يبق لي سوى كتفك أستند إليه.

ظننت بأن كل شيء انتهى ، جمعنا أغراضنا وتوجهنا إلى سيارتي ، ذهبت ناحية باب السائق ، تقدم مايكل ناحية الباب الآخر ، فجأة ظهر رجل كان يختبئ خلف شجرة قريبة ، أمسك بمايكل من الخلف ، شهرت مسدسي بسرعة ، قال لي الرجل بطريقة آمرة : أرمي مسدسك أو سأقتله ؟ في لحظة نسيت كل شيء ، الحذر ، الخبرة ، التفكير المُركّز ، لم يعد في رأسي سوى فكرة أن مايكل في خطر ، نسيت القاعدة الأولى التي تقول : عندما يطلب منك قاتل ما أن ترمي سلاحك وهو يحتجز رهينة ، لا ترمه لأنه سيقتلك ويقتل الرهينة ، رميت سلاحي خوفاً على مايكل ، صوّب الرجل مسدّسه إلى ناحيتي و أراد إطلاق النار علي ، رميت بنفسي أرضاً ، التقطت مسدّسي ، لكنه أطلق النار على مايكل فأصابه.

لقد نسيت القاعدة الذهبية ، العميل لا يملك منزلاً دائماً ، لا يقع في الحب ، ليس لديه عائلة ، مايكل كان كل ما تبقّى من عائلتي ، أتى إلي لكي أحميه ، وجوده إلى جانبي عطّل قُدراتي ، بدأت أخاف عليه ، بدأت أفكّر بتردد ، قبله كنت آلة تتقن فنون القتال والقتل ، معه أصبحت إنساناً يشعر و يخاف ويقلق ، هذا المزيج من المشاعر جعل العصابة تُسجّل في مرماي هدفاً قاتلاً ، لقد خسرت معركة لا تعوّضها أي معركة ، لقد وعدت ” مايكل ” بالأمان وأخلفت بوعدي ، تذكرت كيف استند إلى كتفي طلباً للأمان الذي لم أستطع تأمينه له ،

من تحت السيارة أطلقت النار على قدم المجرم الأولى ثم الثانية فسقط أرضاً ، اقتربت منه وأطلقت النار على كتفه الأيمن ثم الأيسر ، صوبت مسدسي إلى رأسه وقلت له : لن أريحك من آلامك ، ستموت بعد أن تنزف دمك ، عدت إلى مايكل كالمجنون ، طلبت منه أن ينظر إليّ ، أن يتنفّس ، أن لا يُغمِض عينيه ، بدأت أدلّك له صدره ، بدأت أصرخ قائلاً : لن تموت وأنت تحت رعايتي وأنا أنظر إليك ، لكن مايكل كان أضعف من الموت فأغمض عينيه واستسلم له.

خلعت سترتي و وضعتها على القسم العلوي من جسد مايكل تاركاً في جيبها أوراق قبوله في الجامعة ، فرغم الضغط الذي كان ينجم عن المواجهات لقد وجدت الوقت الكافي لتسجيله في الفرع الذي أراده .

في الدفن كنت أقف إلى جانب جدّته ، هي كل من تبقى من عائلته ، لم أكن أعلم من منا كان يستند إلى كتف الآخر ، كلانا كان بحاجة إلى كتف يستند عليه ، بعد الدفن ذهبت إلى شقتي ، وضعت حقيبتي وحقيبته في سيارتي ، ذهبت إلى منزل مايكل ، أنزلت حقيبته ، أخترت من أغراضه بعضها ، حملت صوره و صور والدي التي كانت في المنزل ، جدته كانت تقف صامتة تنتظر الجمعية التي ستأتي لتأخذ أغراضه ، اقترحت عليها ذلك لكي لا تحزنها أشياؤه ، وصلت الجمعية ، وقفنا نشاهد الأغراض توظب في صناديق ، قالت لهم الجدّة : خذوا جميع أغراض الشقّة فأنا لا أريدها ، كانت الشقة ومع خروج كل صندوق تبدو وكأنها تفقد شيئاً من حياتها إلى أن ماتت تماماً .

 سألت الجدّة : هل أنتِ بحاجة لأية مساعدة في أي شيء ؟ أجابت : لا ، أشكرك ، كل ما أريده منك عندما تمر ببلجيكا أن تأتي لزيارتي ، فشقيق حفيدي هو أيضاً حفيدي وأنت آخر من بقي لدي من العائلة .

وعدتها بالزيارة وخرجت صعدت إلى سيارتي وذهبت إلى المكتب حيث أعمل و قلت للرئيس : أنا أقدّم استقالتي ، ما فائدة عملي إن لم أستطع إنقاذ أقرب الناس لي ؟ أجاب : لكنك أنقذت الكثيرين ، ما من إنسان خارق لكنك عميل مدهش ، أجبت : ستبقى دائماً صوره تقف حاجزاً بيني وبين المجرمين ، هذه بطاقتي وهذا مسدس العمل وشكراً ، أجاب : ستبقى عضواً فخرياً ، احتفظ بمسدّسك وبطاقتك ، إن أردت العودة يوماً ما سنكون بانتظارك.

في المطعم حيث كنت أجلس كان رجلان يتدافعان قليلاً وعلى وشك البدء بشجار، قلت لهما : لا داعي لذلك ، أجلسا ، أجابني أحدهما : لا تتدخل ، لا شأن لك بالأمر ، جلست مبتسماً ، لم لا فليتشاجرا وسأتفرّج ، فعلاً لا دخل لي بالموضوع .

النهاية …….

 

تاريخ النشر : 2020-08-04

guest
64 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى