أدب الرعب والعام

المدرسة الداخلية

بقلم : nadir14 – الجزائر
للتواصل : [email protected]

المدرسة الداخلية
لاحظت لمحت حزن على وجوههم ، ولكنها عادت جامدة مجدداً

لم أتصور يوماً أن أهلي سيرسلونني إلى مدرسة داخلية ، فأنا ابنهم المدلل الوحيد الذي لا يرفض له طلب كما إنني متميز بالدراسة والجميع يشهد بحسن أخلاقي ، لقد نزل الخبر علي كالصاعقة .
كل أقراني يعرفون بأن تلك المؤسسة الملعونة مسكونة و نقضي أوقات فراغنا برواية القصص المرعبة عنها أمام الأطفال فيهرعون إلى أمهاتهم  يبكون ولا يكف أولياءهم عن لعننا طوال اليوم ، والغريب أن أبناء الحي الذين ارتادوها مرعبين جداً ، فهم يشكلون جماعة عند أسفل إحدى العمارات ولا يتكلمون أبداً بل يكتفون بالنظر إلى السماء ..

 نناديهم بمجموعة الزومبي ،  عند مروري عليهم في احد الأيام ألقيت السلام ، ولكن لم يرد علي أحد بل اكتفوا بالنظر إلى السماء ، لوهلة لاحظت لمحت حزن على وجوههم ، ولكنها عادت جامدة مجدداً ، توقفت وقلت : مرحبا هل يمكنني أن أحصل على بضع معلومات عن المدرسة التي ارتدتموها ؟ اقصد المتوسطة الداخلية .

لحسن الحظ حركوا رؤوسهم و نظروا إلي مطولاً ثم التفتوا إلى بعضهم وأخيراً عادت نظراتهم إلى السماء بدون إضافة أي تعبير، ما أتعسهم قلتها في نفسي .
رجعت إلى البيت وجدت حقائبي عند الباب استحممت و لبست ثيابي ، لم أودع أمي ولا أبي ليس لأنني غاضب ، لكن لعدم توفرهما ، هما منشغلان دوماً خاصة هذان العامان الأخيران ، فأبي مع عمله يطمح دائماً للأفضل وأحياناً ينسى انه ذو عائلة وأظن انه نسي وجهي ولن يستطيع التعرف علي في الطريق ..

 أما أمي فأنا لا اعرف حقاً ما تفعله ، فهي تعاني من اكتئاب حاد بعد خسارتها أخي الصغير و أثر على تعاملها معي وأصبحت تكرهني ولا تطيقني وأظن أنهما اتخذا القرار الأمثل لإرسالي للمدرسة الداخلية ، عند ركوبي نظر إلي السائق وضحك و أقسم أنني كنت سأقتله ..

 نظرت إلى الزجاج الخلفي و شاهدت أصدقائي يودعونني و الزومبي لا يزالون ينظرون إلى السماء – تباً لهم – ، عند الابتعاد عن المنطقة بدأت أقنع نفسي أنني السبب فلولا طيشي وإهمالي ، لكان أخي يلعب مع أبناء الجيران لا اعرف كيف غفلت عنه لحظات فدهسته سيارة متراجعة للخلف .

المهم يجب أن أبدا صفحة جديدة و سأحرص على التفوق ولا شيء سيمنعني عن ذلك .
هل مازلت أمامنا طريق طويلة ؟ سالت السائق فأجاب : قليلا فهي بالريف كما تعلم ..
 ماذا لم يخبرني احد أنها بالريف أنها كارثة أخرى لا إرسال هاتفي و لا  انترنت ، سأكون بعيداً كل البعد عن العالم الحديث .

بدأت الأمطار تهطل فأضفت جواً مرعباً إلى المنظر وفي تلك الإثناء بدأت أتخيل كيف ستكون المدرسة ؟ أحياناً أرى قصراً مثل قصر دراكولا وأحياناً بناء عالياً كئيباً خاليا من الألوان ، عندها قال السائق : لقد وصلنا .. صدق حدسي إنها اقرب إلى قصر دراكولا و مع السحاب الأسود والأمطار ، نظرت إلى يدي فوجدتها ترجف ، مشيت في الممر الموجود وسط المرج الأخضر من العشب الطويل و كانت خطواتي سريعة لكي لا أتبلل ..

 رفعت رأسي فقرأت عبارة مكتوبة على اللوحة – احترم أستاذك ووالديك – ، ودخلت أخيراً فجدت رجلاً حازماً ذو لحية بنية ونظارات غريبة لا تمت لعصرنا بصلة أبداً ، فقال : اتبعني هذا مكتبي بجانبه المكتبة البناء رقم 1 و هذا المرقد رقم2 و ذاك المطعم رقم 3 و قاعات الدرس ، فقلت : ماذا عن 4رقم هناك ؟ لم يعرني أي انتباه ..

 ثم دخلنا المرقد فأراني غرفتي وقال : الأهم احترم أستاذك ووالديك . أردت الاستفسار عن شيء أخر ، لكنه كان قد اختفى ، دخلت الغرفة فوجدتها مرتبة جداً و تحوي 3 أسرة فتحت الخزانة فوجدت ملابسي مرتبة بعناية ، من رتبها بهذه السرعة ؟ هذا غريب جداً حتى أني كرهتها فانا لا أحب هذا الترتيب المثالي ، بعدها خرجت لأتجول فلم أجد أي احد أظن أنني أول الواصلين فلا يبدأ الموسم الدراسي إلا بعد أسبوعين ، فذهبت لأنام ..

استيقظت في الصباح باكراً ومع الملل تذكرت المكتبة فانا اعشق القراءة إنها الشيء الوحيد الذي يسعدني ، وعندما دخلتها  فتحت فمي تلقائياً ما أكبرها ! سأجد كل ما أريد من كتب ، ظللت اقرأ كل اليوم وبعدها صعدت إلى غرفتي  ، حالياً لا ألاحظ أي شيء غريب ..

 عند الصباح سمعت صوت سيارات فنظرت من النافذة متفقداً ، مهلا هل هذان خليل واحمد ؟ نعم هما بكل تأكيد إنهما يرجوان أبويهما للعودة ، خرجت بسرعة كالبرق احتضنهما فهما صديقاي المقربان منذ الطفولة وأبناء حيي أيضاً و كنا نمضي كل الوقت معاً ، عند رؤيتهما لي أول شيء قالاه هو :

ألم تصبح زومبي بعد ؟ طمأنتهما قائلا : لا شيء غريب هنا أنها مجرد إشاعات وقصص طفولية .. واكتملت فرحتنا حين اخبرنا المدير أننا معاً في نفس الغرفة ، أسرعنا إليها فوجدنا أغراضهما مرتبة أيضاً ، لكننا تجاوزنا الموضوع وأمضينا أمتع الأوقات معاً .

في اليوم الدراسي الأول دخلنا حجرة الدراسة فوجدنا حوالي 15 تلميذ عاديين تماماً مثل كل المراهقين بدأنا بالتعرف ، دخل احد الأساتذة وقفنا له ، فنظر إلينا بنظرة جامدة ثم أخد طبشور وكتب أنا أستاذ كل المواد لقسمكم وفي الأسفل كتب احترم أستاذك ووالديك ، حينها قال احمد : أظن أن هذا مؤسس شلة الزومبي بحد ذاته ..

 فأطلقنا ضحكات منخفضة وبمجرد أن نظر إلينا سكتنا تلقائيا فكتب و أحب عقاب أمثال احمد ، ماذا كيف عرف اسمه ؟ هذه أول مرة يرانا ، احمد يشعر بالرعب لكنه يخفي ذلك بابتسامته البلهاء .
اليوم الثاني كان تلاميذ الأمس هادئين على غير عادتهم ، ماعدا تلك الطالبة هناك تبدو حائرة بعض الشيء ، ثم أنني ظننتها مدرسة خاصة للأولاد ، سألت صديقي متعجباً
–  فأجاب خليل : لا أنهم عاديين جداً ،ها قد جاء الأستاذ .-

اليوم الثالث :
– احمد هل أنت بخير ، احمد اجب : خليل انظر .
– أنت تعرف احمد انه يقلد الزومبي الموجودون معنا في القسم .
– احمد : هههههه يبدو انك تصدق فعلاً ، أنا ممثل بارع جداً ، أظن أنني سأتوقف عن الدراسة والتحق بمجال السينما .
– اااااه منك أنت أبله ، قتلتني رعباً .
 – لكن جدياً انظروا من حولكم ، التلاميذ متفاعلين مع الأستاذ ، لكنهم كالأشباح  سأذهب لأتحدث إلى تلك الفتاة تبدو مريبة .
– أنا : مرحبا ما اسمك ؟
– هي : أهلا أنا سيرين .
 – أنا : هل أنت بخير ؟ هل تلاحظين أي شيء غير عادي ؟
 – هي : لا ليس فعلاً كل شيء بخير .
دق الجرس فخرجنا إلى فسحة الغداء ، وإذا بشيء ما يسحبني ويضع يده على فمي اهدأ أنا سيرين سأخبرك شيء ، لكن عدني ألا تخبر أي احد .
هززت راسي بسرعة  موافقاً ، ثم أخبرتني بشيء فقالت :

حسنا العام الماضي وصلتني رسالة من أخي الذي درس هنا بحد ذاته اخبرني فيها أن أتي بسرعة إلى هنا لأساعده وأن لا اخبر أبي لأنه سيظنه يريد الهروب ، ظننت انه يمزح فلم اعره أي اهتمام ، والمهم انه كتب المبنى رقم 4 في نهاية الورقة وبعدها بمدة عاد إلى المنزل و لا اعلم ماذا حدث له ..

 أصبح لا يتكلم معي ولا مع أي شخص وحين اسأله عن الرسالة لا يجيب ، ولكنه يتصرف مع أبي وأمي كأنه شخص مختلف كلياً فهو لا يعصي لهما أمر ويتكلم معهما بطريقة مهذبة للغاية و لا يأكل ألا أذا طُلب منه ، كذلك لا يخرج بل يظل عند نافذته ويضل يدرس ليلاً وأحياناً ينظر إلي بحزن شديد وعندما اسأله لا يجيب ويتحول إلى للنظر في السماء ..

 لذلك فقد أعدت قراءة رسالته وقررت الذهاب إلى المدرسة الداخلية وقد تفاجأ أبي عند إخباري إياه ورفض ، لكنني أصررت بحجة أني أريد أن أصبح جادة مثل أخي وان لم يرسلني فسوف أتوقف عن الدراسة ولان له معارف فقد قبلت فوراً، ولقد حاولت الكثير من المرات خلال اليومين السابقين دخول المبنى 4 لكن هذا شبه مستحيل

فهنالك 4 كلاب حراسة
الباب مغلق بسلسلة حديدي
اشعر أنني دائماً مراقبة خاصة من طرف المدير وحتى التلاميذ يبدون أحياناً كالعبيد الذين ينصاعون لأوامره

– فقالت لي : هل ستساعدني ؟
 – قلت لها : أنا ، ولكن لماذا أنا تحديداً ؟ لماذا لم تختاري احد أخر ؟
– قالت : هذا لأنك الوحيد الذي تبدى الشكوك ، لكن إياك أن تخبر صديقيك .
– قلت لها : اتفقنا .
– فأجابت : لقاؤنا غداً .

اليوم الرابع ، كان الطقس كئيبا كالعادة ، عرفت هذا من خلال النظر من النافذة ،  لكن لماذا الجميع يمارس الرياضة خارجاً ؟ التفت فلم أجد خليل ولا احمد ، أظنهم استيقظوا قبلي.
 الباب ينفتح ببطء فسمعتها تقول : أنا سيرين
 
استيقظ لقد وجدت حلا للكلاب .
–  ماذا ، الم تري صديقي في الأسفل ؟
– أظن أنهم الآن منهم .
– أتقصدين الزومبي .
–  الزومبي !!
– نعم  ، لقد كنا نناديهم بهذا الاسم في الحي .
– أذن من الآن اسمهم الزومبي .
– ما هو الحل مع الكلاب ؟
 – لقد حصلت على بعض السم .
– وكيف نفتح الباب .
– يجب أن نتسلل إلى مكتب المدير لنجلب المفاتيح .
 المدير مرعب جداً ، لكن لا باس سأحول معك أنا فضولي جداً لمعرفة سر المبنى رقم 4-
– هيا نلتحق بالدرس الآن .
مساء اليوم الرابع سألت خليل احمد : هل أنتما بخير ؟ لا يمكن أن تتحولا إلى زومبي الآن لا تدعاني وحيداً هيا أجيبا .
– لا فائدة منهم ، ألتفت بسرعة فإذا هي سيرين خلفي .
– سيرين ، لقد أرعبتني .
 – لقد رأيت المدير يستقل سيارته ، أظن انه مسافر .
و في الطريق إلى المكتب كانت سيرين تمشي بخطوات واثقة بينما كنت انظر في كل الاتجاهات .
– ها قد وصلنا الباب مفتوح
– أين المفاتيح ؟
– لقد وجدتهم .
– هذا سهل جداً .
– أصمت أصمت .
للأسف لا شيء سهل هنا ، أظنه الحارس وهو يحمل سكينه أيضاً ، أنا الآن تحت المكتب مع سيرين لا اعلم كيف وصلت إلى هنا.
– انهض لقد خرج ، المفاتيح لنا الآن ، لكن لا يمكن أن نذهب الحارس مستيقظ طوال الليل أذهب لتنام الآن .
اليوم الخامس كان مصيريا و حاسما .
دخلت سيرين غرفتي و كانت تصرخ : استيقظ بسرعة الجميع يطاردنا يجب أن نخرج من النافذة.
– ماذا حصل ؟
– أنهم فعلا زومبي يجب أن نهرب .
– أنا لا افهم .
– لقد دخلت المبنى 4 وعرفت كل شيء .
– كيف دخلت ؟
– سأشرح لك كل شيء في الطريق .
– و ماذا عن خليل واحمد ؟
 – مهما فعلت لهم أنهم لن يستيقظوا ، هؤلاء ليسوا أصدقائك هيا .
– اقفزي أنتِ أولاً .
– هيا اجري .
– لماذا الجميع مجتمعون عند البوابة وهم ينظرون ألينا ؟ … أنهم يركضون في اتجاهنا .
– هيا ادخل إلى المبنى 4 وسألحقك .
– إلى أين تذهبين ؟
– هيا ادخل بسرعة .
– يا للهول ما هذه الجثث المعلقة ؟ لحظة هي ليست جثث أنهم يتنفسون …ااااه هل ذلك خليل وبجانبه احمد أيضاً .
– هل فهمت الآن ؟
– من هناك ؟
– أنا المدير .
– لماذا تفعل هكذا بالطلاب ؟
– لقد سئمت منكم ، انتم هذا الجيل لا تكترثون لأي شيء و لا تحترمون إي احد ، عليكم أن تكونوا مثلنا بطريقة أو بأخرى ، وقد طورت هذا الاختراع ليحدث نسخة عنكم ، نسخة أفضل.
– أنت مجنون .
– الآن عليك أن تدعني احدث نسخة منك  .
– لا تدعه يفعل ذلك – صرخت نسرين – .
صرخت بأعلى صوتي سيريييين .
فضحك المدير و قال : أن لم تدعني افعل ذلك فسأقتلها ، لسوء الحظ هذه الآلة لا تستطيع تحويل الفتيات.
هربت إلى داخل غرفة التحكم  و سمعت سيرين تصرخ و تقول لي : لا تستمع له اقطع الحبال.
بدأت بقطع الحبال عندها سمعت طلق ناري فعرفت أن سرين فارقت الحياة و كانت أخر كلمات قالتها : حررهم جميعاً .

 

 

 

تاريخ النشر : 2016-07-03

nadir14

الجزائر
guest
42 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى