تجارب ومواقف غريبة

المرآة المسكونة

بقلم : محمد الشريف العلاوي – الجزائر
للتواصل : zatrra@yahoo;fr

لاحظت تلك المرأة المدللة مرآة طويلة ذات أطار خشبي مستطيل لونه بني قاتم
لاحظت تلك المرأة المدللة مرآة طويلة ذات أطار خشبي مستطيل لونه بني قاتم

 
في إحدى العمارات الراقية التي تقطن فيها العائلات الموسرة ، كانت هناك شقة شاغرة لعدة سنوات ثم اشترها أحد الموسرين ، وبعدها بأيام قلائل بدأ في التعرف على جيرانه الجدد سواء في الطابق الذي يسكن فيه أو باقي العمارة ، كما تعرفت زوجته وكانت مدللة على التعرف بالنسوة وكانت تلتقي بهن في المصعد فتثرثر معهن في مواضيع شتى ، وحدث في يوم من الأيام أن دعت احدى النساء اللواتي كن يسكن في الطابق السفلي إلى شرب القهوة في أحد الأمسيات فوافقت ، وبعد أن فرغن من الحديث والثرثرة طلبت من جارتها الجديدة أن تستضيفها في بيتها فوافقت الزوجة المدللة.
 
وجاءت بعد يومين حاملة باقة من الورود و “طارطة” لذيذة ، فأدخلتها جارتها بيتها و أخذن في تجاذب أطراف الحديث وكانت أمسية لطيفة ، ثم استأذنتها بالانصراف وقمن يثرثرن في بهو المنزل الكبير ، و عندما وصلن عند الباب لاحظت تلك المرأة المدللة مرآة  طويلة ذات أطار خشبي مستطيل لونه بني قاتم عن يمين وأخرى عن الشمال ، فأعجبت المرأة  بهذه المرآة  فقالت لها بدلال وغطرسة زائدة “يا عزيزتي إنها مرآة  جميلة جداً وقد أعجبتني ، فيا ليتك تبعيها لي” .
 
فشعرت صاحبة بالحرج الشديد فقالت ” إنها مرآة  أثريه قديمة وهي عندي منذ زمن بعيد ” فقالت الجارة بتبجح ” أعرف إنها من الطراز القديم ولكنها جميلة و أنا احب القطع الأثاث القديم ، فأرجوك كم تطلبين ؟ ” فقالت “حسناً سأعطيك المرآة  التي على اليسار هدية ” فطارت الجارة فرحاً وسلمت عليها ثم قالت لها ” غداً صبحاً سأبعث لك الخادمة كي تأخذها “فابتسمت الجارة وهي تحاول أن تخفي مضضها.
 
وفي الصباح جاءت الخادمة وأخذت المرآة  الطويلة بحذر شديد ثم وضعتها في المصعد ودقت جرس البيت ففتحت الزوجة المدللة الباب فرحة ، وقالت للخادمة : ضعيها هنا عند يمين الباب ، ثم ضعي على الاطار مزيل الغبار وامسحي الزجاج.
 
وكانت الزوجة المدللة تهوى أن تقوم بالتمثيل أدوار فنانات المسلسلات المصرية أو التركية بأن تقف أمام المرآة  الدولاب وتلعب الأدوار ، لهذا السبب أصرت على أخذ هذه المرآة  من جارتها لأنها تناسبها من حيث الطول بأداء التمثيل.
 
وفي تلك الليلة قفز إلى ذهنها فكرة أن تقوم بتقليد دور المرأة القوية المشاغبة فقامت من فراشها وأعصبت رأسها بشال خفيف ثم سارت في البهو و وقفت أمام المرآة  تنظر إلى نفسها جيداً ثم بدأت تمثل الدور على اكمل وجه ، وكانت تتكلم بلهجة قوية كأنها تتخاصم مع زوجها الذي يخونها ، وانغمست في الدور والتمثيل وسرعان ما لاحظت أن حركات يديها و إيماءت وتعابير وجهها قد تحمدت في المرآة ،  فتوقفت عن التمثيل فشعرت بالخوف والرعب الشديدين ثم قامت بتحريك يديها غير أن صورتها المعكوسة في المرآة  كانت جامدة و عندما حدقت ملياً في وجهها رأت وجهاً جامداً مخيفاً كأنها ميتة ، فهربت مسرعة ودخلت في فرشها وباتت تلك الليلة خائفة مذعورة.
 
وفي الصباح استيقظت منهارة كئيبة و رأت المرآة  من بعيد كأنها ترى شبحاً ، ثم استجمعت قوتها الخائرة و سارت نحوها و وقفت أمام المرآة  مرتعشة وخافت بأن تتحرك قيد أنملة ، ثم حركت يديها غير أن الصورة كانت دائماً جامدة فصرخت وسقطت مغشياً عليها.
 
وبعدها جاء زوجها بأحد الرقاة وقرأ عليها القران فشعرت ببعض التحسن ولم تبرح غرفتها ، وفي اليوم الموالي طلبت من الخادمة بأن تحمل المرآة  وتعيدها إلى جارتها.
 
وبعد أيام فقط من تلك الليلة المشؤومة خرجت من بيتها لتزور أهلها فركبت سيارتها واتجهت صوب وجهتها و عندما توقفت عند الضوء الأحمر تذكرت تلك الليلة وسهت قليلاً فاشتعل الضوء الأخضر ولم تابه به فأسمعت سائق السيارة التي من ورائها يصرخ قائلاً “هيا اقلعي ، إنه الضوء الأخضر ” فانتبهت من غفلتها ، و عندما أرادت أن ترى السيارة في اطار زجاجها الصغير الأيسر رأت بأن تعابير وجهها جامدة كأنها تنظر إلى لا شيء وكانت نظرات رهيبة ومخيفة ، وبقيت شهوراً على تلك الحالة.
 

تاريخ النشر : 2020-05-20

guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى