أدب الرعب والعام

الملجأ

بقلم : مالك محمد – مصر
للتواصل : [email protected]

حاولت اختلاس النظر لأرى من في الرواق ، و لم أتوقع أن تكون هي !

دقت الساعة الثانية عشر ظهراً ، إنها بداية يوم آخر ولكنه ليس بجديد عل الإطلاق ,فمثله مثل الأمس وسوف يكون مثل الغد . أصارع جسدي كي أستطيع النهوض من على السرير ,أجلس على السرير محاولاً استيعاب ما يحدث حولي ,انهض من على السرير وأمشي نحو الباب في خطوات متثاقلة وغير مستقيمة محاولاً الوصول إلى المطبخ كي أعد القهوة . أعد القهوة و أنا أمسح عيني وأتثاءب وأسمع أمي وهي تلومني بصوتٍ عالٍ كأنها تلومني لأول مرة !, فأنا ابلغ من العمر 30عاماً بلا عمل وبلا زوجة أعيش مع والدتي التي مازالت توبخني وتلومني على عدم السعي للحصول على وظيفة منذ يوم التخرج إلي الآن . إني أشعر بأن حياتي قد تحولت إلى جحيم ، يمر اليوم تلو اليوم ولا يتغير شي .

أخذت قهوتي وجلست في الشرفة أقرأ الجريدة و إذا بعنوان وظيفة يظهر أمامي (مطلوب أخصائي نفسي للعمل في ملجأ النور ).
وظيفة خالية ….جيد .وفي مجالي فقد كنت أدرس علم النفس في الجامعة لابد أن أذهب وأقدم لهذه الوظيفة على الأقل إرضاءً لأمي .

**

ذهبت في الميعاد المحدد للتقديم ، جلست في غرفة الاستقبال مع خمسة أشخاص آخرين يبدو عليهم التفوق العلمي ، حينها بدأت اشعر بالقلق فأنا كنت من الطلاب الذين لا يعرفون شيئاً عن المناهج الدراسية سوى أسمائها ، فكرت لبرهة في الخروج والعودة للمنزل ولكن كان قد فات الأوان,فقد جاء دوري للمقابلة . 

كان من يجري المقابلة رجل في الخمسين من العمر ، كانت أزرار قميصه تكاد تنفجر مبتعدة من مكانها بسبب بطنه الممتلئ ,كانت ربطة عنقه كأنها حبل مشنقة ، يبدو أنه لا يجيد ربطها . كان هنالك حفلة من البقع علي قميصه يبدو أنه لم يكن هنالك أحد ليرعاه ، من المؤكد أنه لم يذق طعم الزواج فلو كان متزوج وتوفيت زوجته كانت لتركت فيه شيئاً من حب النظافة وانتقاء الملابس . رجل أعزب في الخمسين من العمر يبدو أنه لو سألني السؤال التقليدي أين أجد نفسي بعد عشرة أعوام لأخبرته بكل طمأنينة أني سوف أصبح مثله ، فلا يوجد فرق بيننا سوى العمر .

أنهيت المقابلة وعدت إلى المنزل دون أن أتحدث مع والدتي في شيء . مرت ثلاثة أيام أجلس أشرب قهوتي كالعادة . رن الهاتف , سمعت صوت سيدة على الجهة الأخرى من الهاتف
_مرحبا سيد تميم محمود حسن
_نعم من معي
_سيدي لقد تم قبولك في وظيفة الأخصائي النفسي في ملجأ النور
_(أنا في نفسي) يبدو أن الحظ قد حالفني مرة وحيدة في حياتي التعيسة
_ أردفت . ننتظرك غدا لمقابلة مديرة الملجأ

**

صباح اليوم التالي في الملجأ

دخلت إلى مكتب المديرة ، كان المكتب مستطيل الشكل (يميل إلى الطول أكثر) كان يوجد على الجانب الأيسر شباك يطل على الخارج ، وعلى الناحية اليمنى أريكة من الجلد الأسود ، وكان يوجد مكتب في آخر الغرفة تجلس خلفه امرأة في الأربعين من عمرها ، يبدو على وجهها ملامح الجدية ، كانت ترتدي زي رسمي ، كنت اعتقد أن هذا لباس رجل لولا هذا الشعر البني متوسط الطول .

_مرحبا سيدتي
_المديرة : مرحباً يا سيد تميم, في بادئ الأمر أحب أن أرحب بك معنا في الملجأ بالطبع أنت تعلم أن الملجأ هو ملك للسيد فوزي علام الطبيب المشهور
_بالطبع يا سيدتي
_المديرة : حسناً خذ هذه الأوراق وسوف تجد فيها كل شيء يتعلق بالوظيفة

تناولت الأوراق وأخذت أقلب فيها حتى وقع نظري على خانة الراتب ؛ كل هذا المبلغ مقابل خدماتي كأخصائي نفسي توجهت للمديرة بالسؤال ؟
_سيد تميم أنت تعلم أن السيد فوزي علام هو رجل سخي وأعماله الخيرية كثيرة ، لذلك فهو يحب أن يغدق بكرمه على الذين يعملون معه . اذهب الآن إلى المنزل وسوف تبدأ العمل من الغد عدت إلى المنزل وأنا أفكر في هذه الوظيفة الغريبة أولاً يختاروني من بين خمسة هم بالطبع أفضل مني ، ثم يعطونني هذا الراتب . بالرغم من أنني اقتنعت بما قالته مديرة الملجأ . ولكن ما اعرفه عن وظيفة الأخصائي النفسي هي أنها مجرد وظيفة صورية كي يستوفي الملجأ الشروط اللازمة للاستمرار في العمل

**

في صباح اليوم التالي ذهبت إلى الملجأ ، كانت الراحة تبدو على جميع العاملين .
بدأت في مباشرة عملي الذي كان يتلخص في أن أعطي للأطفال دروس لأساعدهم على التكيف مع فكرة التبني .
مع مرور الوقت بدأت ألاحظ بعض الأشياء الغريبة التي تحدث في الملجأ مثل ذلك الطبيب الذي يدعى ماهر الذي كان دائماً ملاصقاً للمديرة , وأيضا القسم (ب) المحظور على العاملين الذهاب إليه ما عدا الطبيب ماهر وبعض الموظفين الآخرين ، كان هنالك العديد من الحراس يحرسون هذا القسم , كانت الأحاديث تدور بين الموظفين وأنفسهم عما يدور في القسم (ب) أو قسم الأشباح كما كانوا يسمونه , ولكن على الجانب الآخر كانت نسبة التبني في هذا الملجأ مرتفعة وكانت المديرة تعزي هذه الزيادة إلى أنهم طوروا طريقة جديدة للتبني عن طريق الانترنت .

**

كنت أجلس على الأريكة في منزلي ، تجلس بجواري والدتي تريني صور بنات صديقاتها آملةً بأن تجعلني أرتبط بإحداهن ,حقاً عجباً للأمهات يحددن بأنفسهن ما تحتاج ومتى سوف تحتاج لما تحتاج ! متى تشعر بالجوع وماذا يجب عليك أن تأكل ، متى تشعر بالنعاس ومتى يجب عليك أن تنام ، متى يبدأ موسم الزواج الخاص بك ومن هي سعيدة الحظ التي يجب أن تشاركك تلك الطقوس .كنت أحاول قدر المستطاع أن أبدي لها كم أنا مهتم .

وفجأة قطعت حديثها وأخبرتني بخبر وفاة جارتنا وزوجها ، كانت تدعى سحر حسن ، كانت ربة منزل في الأربعين من عمرها ، سيدة حميدة الشمائل وزوجها يسري توفيق كان يعمل مدرس للمرحلة الثانوية ، كان رجل أشيب الشعر طيب النفس يحبه كل من يراه ، أخبرتني بأنهما توفيا أمس في حادث سيارة . كم هو محزن سماع هكذا أخبار.

**

_ تميم تميم ……….. 
_ آه معذرة لم أسمعك يا أحمد هل أستطيع أن أساعدك في شيء ؟
_نعم …… أريد منك أن تبقي كشوفات التبني هذه معك ريثما أعود من مكتب المديرة ، يبدو أنها تريدني في أمر هام
_ بالطبع

تناولت منه هذه الكشوف وأخذت أقلب فيها لأرى من قد تم تبنيهم من الأطفال
اسم الطفل المتبني : عامر
اسم المتبني السيد : يسري توفيق علي
المهنة : معلم للمرحلة الثانوية
السيدة : سهير محمود حسن
المهنة : ربة منزل
العنوان: (خمسة شارع …..)
إن الأسماء تشبه أسماء جيراننا كما أن العنوان كأنه العنوان الذي أقطن فيه ، لا بل إنه هو ، كما أن تاريخ التبني هو تاريخ اليوم اللاحق لخبر الوفاة

أخذت أقلب في الكشوف عن أسماء الآباء والأمهات باحثاً أيضا في شبكة الانترنت عن اسمائهم ، الخبر الجيد أني كنت أجدها أما الخبر السيئ إني كنت أجدها في أخبار الحوادث أو في صفحات الوفيات !!!!

عاد أحمد ، لم أشأ أن أخبره بما لاحظت فأنا بالطبع لا أريد أن أتصادم مع مالك هذا الملجأ وأنا لا أملك دليلاً قويا فالكشوف يمكن محوها في أقل من ثانية
وبالطبع لا أريد أن أفقد هذه الوظيفة .. فلينم ضميري قليلاً ما دمت أتقاضى أجراً لهذا.

مر خمسة عشر يوم ، كان التبني في قمة أوجه , كما أن اليوم هو عيد ميلاد والدتي لذلك قمت بشراء هدية قيمة لها ووضعتها في درج المكتب , جاء وقت الانصراف سريعاً فخرجت وسلمت علي رفقائي في العمل ، جلست في السيارة وانطلقت وفي منتصف الطريق كنت أشعر بأني نسيت شيئاً .. يا الهي إنها الهدية ! 

عدت أدراجي إلى الملجأ ، لم أرد الذهاب إلى المنزل بدون الهدية كي لا تحزن والدتي . بحثت عن عم ضياء حارس البوابة ولكني لم أجده ، لابد أنه كان كالعادة يغط في واد عميق من النوم .. جاءت لي فكرة كانت تبدو جيدة حينذاك ، قررت أن أتسلل إلى الملجأ . ذهبت إلى المكتب و أخرجت المفاتيح ، دخلت إلى المكتب وأخرجت الهدية ، أطفأت الأنوار وهممت بالخروج وقبل أن أفتح الباب لكي اخرج سمعت صوت أقدام قادمة من الناحية الأخرى من الرواق فلم أفتح الباب ولكني حاولت اختلاس النظر لأرى من هذا فلربما كان لصاً ، ويا ليته كان لصاً ، إنها مديرة الملجأ مع الطبيب ماهر ويمشي خلفهم أربعة حراس يبدو أنهم كانوا ذاهبين للقسم باء ، راودني الفضول كي أتبعهم لعلي أعرف حقيقة هذا الملجأ وحقيقة القسم باء ، شغلت كاميرا هاتفي و بدأت بالتسلل خلفهم .
دخلت إلى القسم باء ، كان القسم أشبه بغرف عمليات ، كان مليئاً بمعدات الجراحة ،واقتربت أكثر منهم محاولاً أن أسجل ما يقولون
_ المديرة : حسناً أيها الطبيب كم عضواً مطلوب لهذا الأسبوع ؟
_الطبيب ماهر : هنالك ثلاثة اعضاء يا سيدتي وكلها أعضاء مختلفة ، أعتقد أنه يكفي طفل واحد لهذا الأسبوع كي نرسل أعضاءه للسيد فوزي علام ليقوم ببيعها .

يبدو أن الامور قد وضحت هذا الملجأ ، هو ساتر لتجارة الأعضاء ، أما أنا وباقي العاملين ما نحن سوي ساتر لهذه الجريمة كي يبدو الأمر أنه مجرد ملجأ شرعي, لم أشعر حينها بالندم والحزن على الأطفال مثلما شعرت بالخوف .
أطفأت الكاميرا وهممت بالخروج وأنا في طريق للخروج رآني أحد الحراس الذين كانو يقفون خلف الطبيب والمديرة

-أنت توقف مكانك
– المديرة.- إنه تميم أحد العاملين في الملجأ لا تدعوه يهرب

أخذت أركض في القسم (ب) حتى وجدت غرفة فاختبأت بها ، حينما دخلت رأيت عدد كبير من الثلاجات حاولت فتح واحدة منها فرأيت العديد من جثث الأطفال المخاطة من الرقبة حتي اسفل البطن ومفرغة العينين
لم يسعني إلا أن أرى نفسي مكان هؤلاء الأطفال إذا ما أمسك بي الحراس ، نظرت لأعلى فوجدت أجهزة إنذار الحريق ، قربت قداحتي من احداها فعملت جميع أحهزة الأنذار في الملجأ ، فتحت باب الغرفة ولم أشعر بما يحدث حولي إلا وأنا على الطريق السريع أقود السيارة بأقصى سرعة

والدتي …… والدتي يجب أن أعود إلى المنزل
رن هاتفي الخلوي وظهر على الشاشة رقم والدتي
_ مرحبا
_ مرحبا يا تميم كيف لك أن تهرب وتترك والدتك في المنزل
كانت هذه مديرة الملجأ يبدو أنهم ذهبوا إلى المنزل فلم يجدوا سوى والدتي, في هذه اللحظة فقط شعرت كم كنت حقيراً حينما لم أبلغ الشرطة عما يحدث في الملجأ
_ هل مازلت معي يا تميم
_ إياك وأن تمسيها بسوء وإلا …
_ وإلا ماذا أيها البطل ؟
_ و إلا سوف أذهب إلى الشرطة
_ وماذا سوف تخبرهم أن والدتي سقطت فارتطم رأسها بحافة المكتب فماتت ؟ . لا يمكنك أن تديننا بشيء عد إلى هنا يا تميم لكي نتحدث عما حدث ، صدقني نحن لا نريد أن نضر والدتك

أقفلت الهاتف

ماذا أفعل الآن ؟ إني أستحق هذا ولكن والدتي فلا
إذا ذهبت إلى الشرطة فسوف يقتلون والدتي وإذا عدت إلى المنزل فسوف يقتلوننا نحن الاثنين ، يا إلهي ماذا أفعل ؟؟

بعد مرور نصف ساعة في المنزل
-المديرة: أحسنت يا تميم إنك لم تذهب إلى الشرطة وعدت إلينا
_ أنا أعلم أنكم سوف تقتلوننا
-المديرة : آه آسفة ولكني مضرة وأشارت إلى أحد الحراس الذي بدوره أشهر مسدسه في وجهي
_ انتظري ولكنك لا تعلمين ما أملك

نظرت إلى الحارس لكي يخفض مسدسه ونظرت إلى نظرة استغراب
_ وماذا تملك لتساومني به
فقلت لها : حينما كنت في الملجأ قمت بتسجيل ما دار بينك وبين الطبيب ماهر
_ أعطني الشريط وأعدك أني لن أمسك أنت او والدك بأي سوء
_ إنه ليس معي
_ماذا تقصد أنت لا تعلم مع من تتعامل لا مجال للمزاح
_حينما اتصلت بي علمت إني لو عدت فسوف تقتلونني أنا ووالدتي وإن ذهبت للشرطة فسوف تقتلونها لذلك أعطيت الشريط لأحد أصدقائي وأخبرته بأني إذا لم أتصل به خلال خمسة عشر دقيقة فعليه أن يبلغ الشرطة
-المديرة : هيا اتصل به

رفعت هاتفي وقمت بالاتصال
– الآن يا صديقي
وإذا برجال الشرطة يقتحمون المنزل من كل اتجاه
_ ايها المخادع لقد اخبرتني بأنك لم تخبر الشرطة وأعطيت الشريط لصديقك
_ اعذريني ولكني نسيت أن أخبرك بأن صديقي هذا هو رجل شرطة

قامت الشرطة بالقبض على فوزي علام والمديرة والطبيب ماهر وكل من كان متورط في هذا العمل ، ونقل الأطفال إلى ملاجأ تحت إشراف الدولة ، وتم اغلاق الملجأ إلى الأبد .

وعدت أنا إلى حياتي القديمة ، أستيقظ من النوم أعد القهوة ولكني لم أعد أسمع لوم أمي لي ، يبدو أنها لم تعد ترغب في أن أبحث عمل

 

تاريخ النشر : 2018-10-21

guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى