أدب الرعب والعام

النرجس الأسود

بقلم : سامي عمر النجار – jordan
للتواصل : [email protected]

النرجس الأسود
أخَذتني الأفكار والأوهام حتى أغرقتني وسيطرت علي

 

1

شَغلت الدكتورة “ماريا” جهاز التشغيل وقالت :
اذن أَنتَ جئتني للتحدث فقط ! تُريد مني الاستماع، حسناً تفضل، تكلم بما شئت !

كان “جمال” ممدد على الأريكة، يَنظرُ إلى سقف العيادة ، يُحدق به وكأنه لوحة فنية، أخذ نفساً عميقاً وقال :

عندما كنتُ في العاشرة من عمري، سافر أبي مع أصدقائه في رحلة سياحية استمرت ثلاثة أيام ، كنا وحدنا أنا وأمي، كانت أمي دائماً تطلب مني أن لا أُغادر سريري بعد الحادية عشر ليلاً، وأن لا أفتح باب غرفة نومها.
– جمال ، إياك أن تفتح باب غرفتي في الليل، لا تفتح الباب .
كانت تقول لي أن الأشباح تنام معها، وأن هناك مخلوقات مرعبة تستيقظ في الليل وتسهر معها، كانت تُحاول إخافتي حتى لا أُغادر السرير في الليل، لم تكن تعلم أن كلامها هذا أَشعلَ الفضول في نفسي..!
كُنتُ أريد أن أرى هذه المخلوقات المرعبة التي تَسهر مع أمي ليلاً.

عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل بدأت أسمع  صوت همسات تخرج من غرفتها ، كنت قررت في تلك الليلة أن أغامر وأروي فضولي، توجهت متردداً وخائفاً إلى غرفة أمي، وضعت يدي على مقبض الباب، ما زال صوتها يتردد في أُذني :
– جمال ، لا تفتح الباب ، لاااا تفتح الباب.
“غلب فضولي خوفي”
فتحت باب غرفتها بكل هدوء ، وأخذت أنظر للداخل.
كان ذلك المخلوق المرعب جارنا “طارق”، كانت أمي في أحضانه عارية !

أَغلقتُ الباب بكل هدوء وعدت إلى غرفتي، لم أفهم وقتها خطورة الذي رأيته، ولكني عندما كبرت فهمت، كانت أمي خائنة لعينة.
لم أُخبر أحداً بما رأيت ، حتى أبي لم أُخبره بشيء، كنت أعلم أن هذا الأمر يجب أن يبقى سري الصغير.
أصبحت أكره أمي، كرهتها جداً وما زلت أكرهها.

2

ارتشفت الدكتورة ماريا من قهوتها الباردة لتخفف من ذهولها ثم قالت :
– أستاذ جمال ، لا أريد الدفاع عن أمك ، ذنبها عظيم جداً ولكن هناك أسباب تفتح أبواب الرذيلة أمام المرأة، مثل : إهمال الزوج، خيانة الزوج لزوجته، شعور المرأة بالوحدة، عدم الرضا بالعلاقة الزوجية، وأسباب كثيرة أخرى..
ما أُريد قوله أنه ربما كانت هناك أسباب جعلتها ترتكب هذا الذنب العظيم، لذلك لا تحملها  الذنب وحدها..

اعتدل جمال وجلس على الأريكة، تناول سيجارة من علبته وقال :
كان بإمكانها طلب الطلاق ! ولكنها لم تفعل، إنها لعينة عااه..، حسناً، ليس هذا ما يشغلني! هذه الحادثة سببت لي عُقدةً نفسية، أصبحت أشك بكل النساء!  دعيني أكمل حديثي من فضلك وأرجو أن تستمعي لي دون مقاطعة.

شَعرت الدكتورة ماريا بالإهانة ولكنها أخفت ذلك بابتسامة مصطنعة..
– تفضل لن أقاطعك، ولكن، لماذا لم توصد أمك باب غرفتها بالمفتاح ؟
قال جمال وهو يشعل السيجارة :
– مفاتيح جميع غرف البيت ضائعة، كُنتُ ألعب بها وأنا صغير وضيعتها.

أَخذَ جمال نفساً من سيجارته وتابع :
– كانت هذه الحادثة بداية تغير حياتي، صرت أتجاهل أمي كثيراً، وفي بعض الأحيان كنت أدعوها بالعاهرة، أذكر أول مرة قلت لها ذلك، أخذت تبكي، تبكي بحرقة، لربما شعرت بأني أعرف سرها ومع ذلك لم تواجهني، كانت أجبن من أن تواجهني، في كل يوم يزداد كرهي لها ، مع أنها حاولتْ كثيراً أن تُرضيني وأن تُكَفِّرَ عن ذنبها، حتى أبي لاحظ تغير سلوكها ، لم تعد تشكي الفقر، لم تعد تختلق المشاكل مع أبي، هي لم تخنه سوى مرة واحدة، أعلم ذلك، أعلم أن ضميرها يؤنبها كل يوم ، لذلك كانت تكثر من الصلاة والصيام، كانت تحاول إصلاح نفسها وبيتها…كانت تحاول تَطهير نفسها،  لربما يَغفرُ الله لها ولكني لم أستطع أن أغفر لها، حتى بعد رحيل اللعين طارق من بيته، لم تهدأ ناري ولم تتغير نظرتي لها، هي خائنة لعينة أتمنى قتلها ولكني كنت عاجزاً عن ذلك.
كَبرتُ وكَبُرَ حقدي عليها.

3

– عندما دخلت الجامعة اخترتُ دراسة الهندسة، تعرفتُ على صديقي العزيز “احسان”، جَمعَ بيننا حُب الهندسة المعمارية ولُعبة الشطرنج، كنت أقضي أغلب الوقت معه، تشاركنا في كل شيء، حتى عندما تخرجنا من الجامعة، توظفنا في ذات الشركة.
وهناك تعرفت على عاشقة النرجس.
كانت تعمل معنا فتاة تُدعى “ياسمين” ، كانت جميلة وذكية للغاية، ذكية جداً جداً، مُبدعة وطيبة القلب وبسيطة للغاية، فتاة كاملة الأوصاف تُحب القراءة كثيراً.
أَخبرتُ احسان بمدى إعجابي بهذه الفتاة، فأخذ يضحك وقال لي أنه هو أيضاً مُعجبٌ بها وينوي الزواج بها.
صحيح أنني أشترك مع احسان بصفات كثيرة ولكن ما يميزني عنه أنني عنيدٌ للغاية وجريءٌ أكثر منه، احسان خجول كالعذراء وساذج، لذلك كذبت عليه وقلت له أن يصرف النظر عنها لأنني أحببتها قبله ولأنها تبادلني الشعور ذاته.

وفي ذلك اليوم قُلتُ لياسمين أنني أُحبها وأُريد الزواج منها، ما زلت أذكر ابتسامتها واحمرار وجهها، كانت بالفعل تبادلني شعور الحب، تقدمت لخطبتها وبعد ثلاثة شهور تزوجنا.
علاقتي باحسان لم تتأثر ، ما زلنا أصدقاء، تقبل هزيمته بكل روح رياضية، بعد زواجي بسنة واحدة وَجدَ احسان فتاة مناسبة له وخطبها، رغم ذلك أَلححتُ على زوجتي ياسمين ترك العمل وعدم الاختلاط بأحد خصوصاً احسان، لم تكن تعلم أن احسان كان في يوم من الأيام يُحبها!
أطاعتني زوجتي دون نقاش، كانت تحبني جداً وتسعى دائماً لإسعادي.
تَركتْ ياسمين العمل وأصبحت تقضي معظم وقتها في القراءة.

4

أطفأ جمال سيجارته وتمدد على الأريكة وتابع حديثه :
– بعد سنة من زواجي بياسمين تدهورت العلاقة بيني وبينها قليلاً! صارت أكثر عصبية، خصوصاً عندما علمت أنها عاقر، لم يكن هناك أي فرصة للإنجاب، أصابها اكتئاب حاد، لم يكن يهمني إنجاب الأطفال، كل ما يهمني هو حبيبتي ياسمين، لذلك حاولتُ قدر الإمكان مساعدتها للتخلص من حزنها واكتئابها، قلت لها أنه بإمكاننا تبني أي طفل !

تجاوزنا هذه المشكلة بسلام وعادت ياسمين بعد ستة شهور من العلاج كما كانت.
لم نتبنى أي طفل! فحالتي المادية كانت سيئة بعض الشيء. وهنا ظهرت مشكلة جديدة! صارت ياسمين تتكلم أثناء نومها! وفي بعض الأحيان تبكي أو تضحك بصوت عالٍ جداً.

تَنهدتْ الدكتورة ماريا وقالت :
– لكل شخص موسيقاه الخاصة أَثناء النوم، فالبعض يتكلم أثناء نومه والبعض الآخر يمشي وهو نائم والبعض الآخر يصدر ذلك الصوت الذي يُسمى “الشخير”، وهناك من ينام بهدوء كالأموات. هذا أمر طبيعي وليس مشكلة كما تقول.

أَدارَ جمال وجهه باتجاه السقف وقال :
أعلم ذلك، ولكن حديثها أثناء نومها تسبب في قَتْلِها.

أخذت الدكتورة ماريا رشفةً أُخرى من قهوتها الباردة، كان الذهول والفضول يعلوا وجهها، أخذت تنصت لحديث جمال بكل انتباه.
– مضى ثلاثُ سنوات على زواجي بياسمين، كنا متفاهمين حد السماء، أتعلمين يا دكتورة ماريا ! في كل يوم يزداد حبي لياسمين، تزداد لهفتي للقائها، كلامها متعة لا تنتهي، صوتها عالمٌ آخر، قُبلاتُها تحييني من جديد، ياسمين كانت النور الذي يسكن جسدي.

في أحد الأيام قالت لي :
– جمال ، لدي فكرة ستجعلنا أثرياء خلال فترة قصيرة. سنبيع الوهم للناس! أصبح معظم الناس يشترون أي شيء من “الانترنت” دون التأكد من صحة المنتج، يمكننا صُنعُ منتج لمعالجة الصلع وتساقط الشعر ،سننشئ صفحة خاصة بالمنتج على مواقع التواصل الاجتماعي، سنضع بعض الصور الجميلة لرجال لديهم شعر طويل ولحية متناسقة وسنضع صور بعض النساء اللاتي يملكن الشعر الناعم الطويل، “الناس ينجذبون إلى الجمال” ، ثم سننشئ حسابات وهمية للتعليق على قوة منتجنا وفاعليته الممتازة، والبيع سيكون بتوصيل المنتج إلى البيوت.
يمكننا صُنع زجاجة سعة 50 مل نعبئها زيت وماء مع اضافة معطر الليمون لأنه رخيص، وسنبيعها بسعر مرتفع، حتى تتأكد مصداقيتنا
” الكثير من الناس يَظْنُ أن المنتج الغالي هو منتج فَعَّالْ للغاية”.
سَنجني الكثير من المال، قرأتُ و بحثتُ كثيراً، خلال فترة قصيرة سنصبح من الأثرياء.
ما رأيك ؟

رُبما أرادت ياسمين أن تُكمل ما يَنقُصنا بالمال، حياتنا التي ينقصها الأولاد، كانت بحاجة لطفل يُشعرها بأنها أنثى كاملة.
قُلتُ لها دعيني أفكر بهذا الأمر..
ولكنها كانت قد جَهزت كل شيء، خلال أسبوعٍ كُنا أنا وياسمين واحسان وآخرون فريق واحد، المال مني، زوجتي تولت تسويق المنتج، احسان تولى الاشراف على تعبئة المنتج وايجاد مخزن له، وهناك سائق لتوصيل المنتج، وهناك شخص آخر كان يجلب لنا الزجاجات والملصق الخاص بالمنتج.
حسنا أيتها الدكتورة، لن أذكر لك اسم المنتج ولن أذكر لك أسماء الأشخاص الذين شاركونا، هذا ليس مهم، فالمشروع أغلقناه بعد سنة ونصف، بعد أن جَنينا الكثير من المال، تخلصنا من كل شيء يمكن أن يُديننا، كل شيء كان محسوباً بدقة متناهية،
رجع كل شخص إلى حياته السابقة..
اشتريتُ منزلاً كبيراً يَحوي حديقة وكتبته باسم زوجتي الغالية ياسمين.

5

أمسكت الدكتورة ماريا جهاز التشغيل، أخرجت الشريط وقلبته للوجه الآخر ، ضغظت زر التشغيل وقالت :
– يمكنك المتابعة يا جمال.
اعتدلَ جمال في جلسته وقال :
– مرت تسع سنوات وما زال الحب بيني وبين ياسمين مشتعلاً ، لم تنطفئ ناره، كانت سعيدة جداً بالبيت الجديد والحديقة، كانت تقضي أغلب وقتها في القراءة وسط النرجس الذي زَرَعَتْه، كانت تعشق زهور النرجس.
كُنتُ قد اعتدُ على طباعها في النوم، فـي بعض الليالي أستيقظ على صوتها ، أوقظها وأسقيها بعض الماء، تهدأ ثم تعود للنوم كالملاك الصغير.

استيقظتُ كالعادة على صوت ضِحكتها، وعندما هَممتُ لأوقظها سمعتها وهي تقول :
– أنت تدغدغني يا احسان ، ههههه ، اقترب مني وعانقني.

كانت هذه الكلمات الشرارة التي أيقظت النار في روحي، تذكرت أمي وخيانتها لأبي، الوحش الذي في صدري استيقظ.
-ماذا تقصد بالوحش يا جمال. سألته الدكتورة.
– الشك، الشك يا دكتورة ! الشك الذي طالما كنت أُحاربه حتى نام في صدري.
الشك وحش لا يرحم، يعمي الـأبصار والقلوب، الشك هو الارتياب أو الوهم. نعم هو الوهم.
تَركتُ ياسمين نائمة وتوجهت إلى الصالة، أخذت أفكر وأقول لنفسي :
متى تقابلا ؟ ، هل يعقل أن يخونني صديقي وأخي احسان ؟، هل تعلم زوجته أنه خائن ؟
لماذا خانتني ياسمين ؟ ، لا ، لا يمكن لياسمين أن تخونني ! هذا مجرد حلم .
كيف تقابلا ؟ ، أنا واحسان نعمل في ذات الشركة! هل يعقل أنه كان يأخذ إجازاته ويأتي لينام مع زوجتي !!! لا ، لا يمكن ذلك ، كانت ستشعر زوجته بذلك ، وكنت سأعلم أنا بذلك.
أُقْسمُ لك أنها كانت ليلة من الجحيم، أَخَذتني الأفكار والأوهام حتى أغرقتني وسيطرت علي.

في الليلة التالية سمعتها تنطق باسمه مرةً أُخرى، كانت تقول وهي نائمة :
– حبيبي احسان ، أعطني قُبْلةً طويلة، آه كم أحبك يا روحي.
– ولكن يا جمال هذا مجرد حلم، الشخص لا يُمكنهُ أن يُسيطر على أحلامه. قالت الدكتورة.
-لا تقولي لي أنها مجرد أحلام، زوجتي كانت تُفكر باحسان لذلك كانت تحلم به.
تَأكدتُ في هذه الليلة أن زوجتي خانتني مع احسان ! لذلك قَررتُ قتلها والتخلص منها.

بعد أسبوع من التخطيط والتفكير..
خَدْرتُ زوجتي وهي نائمة وحملتها إلى الحديقة، وضعتها في برميل بلاستيكي ، وأخذت أصب الأسيد عليها، ذوبتها ، لم يبقى منها شيء، رجعت إلى البيت وأحضرت بعض ملابسها وبطاقتها الشخصية وجواز سفرها وتخلصتُ منهم أيضاً.

صَرَخَتْ الدكتورة قائلة :
سيد جمال ، هل تعي ما تقوله ؟، أنت تعترف بقتل زوجتك ؟

تناول جمال سيجارة وأشعلها وهو يقول :
حينما انتهيت، أَفرغتُ السائل الموجود داخل البرميل في المصرف الصحي ثم نظفته جيداً، ثم أَخذتُ البرميل وتَخلصتُ منه في “مكب النفايات”.
سأقول لك شيئاً يا دكتورة! في تِلكَ الليلة كُنتُ في غاية السعادة، شَعرتُ بارتياحٍ كبير ولا أعلم سبب ذلك.

قالت الدكتورة بعصبية :
– ربما لأنك شعرت بأنك تخلصت من أمك، لقد قلت لي أنك كنت تتمنى قتلها.
نفث جمال الدخان في الهواء وقال :
– ربما. في الصباح ، بعدما حزمت حقائبي ، أَغلقتُ باب بيتي وسافرت أسبوعاً كاملاً خارجَ البلاد، كُنتُ قد خَططتُ لكل شيء مُسبقاً.
وحينما عُدتُ من سفري أَبْلغتُ الشُرطةَ باختفاء زوجتي. استمرت التحقيقات لأشهر دون جدوى، نَشرتُ صُورها بالصُحُفْ ” خرجت ولم تعد”،  تظاهرتُ بالحزن أمام الناس والشرطة وعائلتي وعائلتها وأمام احسان أيضا.
بسبب اختفاء ملابسها وجواز سفرها وبطاقتها الشخصية ظَنَّ الناس والشرطةَ أيضاً أنها هربت مع عشيق لها.
مرت ستة شهور على اختفائها ، تم كل شيء كما خَططتُ له.

أطفأ جمال السيجارة بينما تناولت الدكتورة ماريا سيجارة من علبة جمال وأشعلتها، كانت تُريد إخفاء توترها من هذا القاتل الذي يَجلس أمامها، سَحَبتْ نفساً عميقاً مما جعلها تَسعُلْ..
قالت وهي تنظر بغضب لجمال :
– نحن نتحدث عن جريمة كاملة !! ، لماذا جئت لي يا جمال ؟ هذا أمر لا أستطيع الاحتفاظ به! سأخبر الشرطة بكل شيء..

6

ضحك جمال وهو يتمدد على الأريكة وقال لها :
قبل أسبوع، ذَبُلتْ أزهار النرجس في الحديقة، كُنتُ قد قَررتُ بيع البيت والحديقة، حتى الكتب والروايات التي كانت ياسمين تقرأها، كنتُ أُريدُ التَخلُصَ منها، كنت أقف أمام مكتبة ياسمين وأنظر للكتب، أمسك كتاباً وأتصفحه قليلاً وأُرجعه، وقعت يداي على رواية اسمها “النرجس الأسود”، جذبني اسمها الغريب ! وعند أول صفحة قرأت ما خطته يدی زوجتي ياسمين :

– “أَحببتك أيها الطفل الصغير، أَحببتُ طفولتك وبراءتك، أَحببتُ ذكاءك، أُشفق عليك كثيراً، أَكرهُ زَوجةَ أبيك التي تُعامِلُكَ بقسوة، ليتك كُنتَ ابني، كُنتُ سأرعاك وأحنو عليك، كُنتُ سأجلب لك الألعاب والحلوى، على كل حال أنا أراك كل يوم في أحلامي، دعنا نلتقي كل يوم، أنت بحاجة إلى أم ترعاك وأنا بحاجة إلى طفل يُشعرني بأمومتي”.

دمعت عيناي عندما قرأت كلامها، أعدت قراءته أكثر من مرة حتی حفظته، وكلما قرأته بكيت، شَعرتُ بأن روحي خَرجتْ من جسدي، شَعرتُ بالظلام وكَأَّنَ النور غاب، جَلستُ في الصالة وأَخذتُ أتصفح هذه الرواية الصغيرة، كان بطلها طفل صغير يُدعى احسان.

وقفت الدكتورة ماريا واقتربت من جمال وصرخت :
– أيها الأحمق، إذن زوجتك بريئة، قتلت زوجتك البريئة، احسان مجرد شخصية خيالية في رواية أحبتها زوجتك.

وقف جمال على قدميه واقترب من جهاز التسجيل حمله ووضعه في يد الطبيبة، كان يبكي كالأطفال، قال لها :
– فَكرتُ بالانتحار ولكني لم أَجرؤ على فعلها ثم فَكرتُ بتسليم نفسي لأنال عقابي ولكني ترددت، لا يُمكنكِ لومي أيتها الطبيبة! هل تتخيلين طفلاً يرى أُمهُ وهي نائمة في أحضان عشيقها، هل فعلاً أنا من يستحق العقاب ؟
ستكونين القاضي أيتها الطبيبة، لديك معلوماتي الشخصية كلها ولديك شريط مسجل عليه اعترافي، سأخرج الآن، ولديك حرية الاختيار!  إما أن تتلفي كل شيء يَخُصُني وأستمرُ بحياتي أو أن تتصلي بالشرطة وتسلميني لأنال عقابي وأُعدم، فَكِري جيداً وقَرري.
أنا أعتذر لأنني وضَعتُك في هذا الموقف، حَكَماً لحياتي، ولكني لم أستطع تقرير مصيري بنفسي ، لذلك لَجأتُ إليك وقد سَمعتُ أَنكِ طبيبة بارعة جداً.
أَنتِ تَملُكينَ الخبرةَ والحكمة لذلك أرجو أن تتخذي القرار السليم..

خَرَجَ جمال وهو يشعر ببعض الارتياح لأنه استطاع الاعتراف بجريمته، استطاع البوح لشخص ما ، ولكنهُ ترك الدكتورة ماريا وسط دوامة من نار الحيرة واتخاذ القرار.
إما أن تتركه حياً وإما أن تُسلمه للعدالة ويُعدم.

تاريخ النشر : 2018-10-18

guest
29 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى