أدب الرعب والعام

النظرات الرمادية

بقلم : نورسين –  الأردن

النظرات الرمادية
ظلت تنظر بعينيه الرماديتين حتى لم يسمح عنقها لرأسها بالالتفاف

المنبه يشير إلى الساعة الخامسة والنصف ، ” آه يا له من منبه مزعج ” ، نهضت ملاك متثاقلة من سريرها وهي تفكر في امتحان الفيزياء ، ذهبت للحمام ورتبت نفسها لتخرج إلى الحديقة العامة لبدئ مذاكره الفيزياء قبل ذهابها للمدرسة ، خرجت من البيت والكل نائم والجو ربيعي والشمس لم تبث ضوئها على أرجاء المكان بعد ، ملاك فتاة في الثامنة عشر من عمرها ، جميله جدا ، اهتماماتها لا تتعدى حدود دراستها ، دائما ما كانت المتفوقة بمدرستها .

” آه المكان يبدو مريباُ ، فلا أحد هنا ” ، أخرجت ملاك كتبها في الحديقة وبدأت المذاكرة بعد استغرابها من خلو المكان ، ” حسنا لماذا قيمة س لا تجوز أن تساوي صفراً !! يا لها من ماده يشيب لها الرأس ” ، قالتها ملاك وهي منهمكة في حل المعادلات ، ”  لقد تعبت سآخذ استراحة و أتجول في أرجاء الحديقة . “

بدأت ملاك بالتجول في الحديقة التي تزورها لأول مره بعد انتقالها وعائلتها إلى لندن ، مر الوقت  سريعاً وهي تفكر في حياتها وانعزالها عن الناس منذ انتقالها و تركها أصدقائها بسبب وظيفة أبيها ، و أثناء تفكرها تجد نفسها تعمقت في الحديقة من الداخل وتحيط بها أشجار كثيفة ، تابعت المشي فجذبها المكان خاصة مع الضباب الذي يعج بالمكان ، فهي تحب كل شئ غريب ..

 لمحت شاباً يجلس على المقاعد المركونة على جانب الطريق ، طويل القامة يرتدي السواد ورأسه مختبئ داخل قبعة السترة ، دبّ شعورٌ غريبٌ في نفس ملاك بسبب منظر الشاب المنهمك في التفكير ، لكنها تابعت المشي وعند مرورها بجانب الشاب انتبه لمرور ملاك فنظرت إليه ونظر إليها فأحست كأن عينيها اخترقت روحه ، ظلت تنظر بعينيه الرماديتين حتى لم يسمح عنقها لرأسها بالالتفاف أكثر ،  و تابعت المشي حتى وصلت لطريق مؤدي لبوابة الحديقة فنظرت لهاتفها و رأت الساعة تشير للسابعة ..

حان وقت ذهابها للمدرسة ، فخرجت مسرعه ومر اليوم ثقيلا عليها ، عادت لبيتها و أخذت قيلولة وبدأت بالمذاكرة لكن لحظه ، لماذا يقاطع هذا الشاب دراستها كل حين ؟! حقا شئ غريب للتفكير به ..
” يا إلهي إنها العاشرة وعلي النوم حالا ” ، ذهبت ملاك واستغرقت في النوم واستيقظت على صوت منبه الخامسة والنصف كالعادة ، فجهزت نفسها وخرجت للركض في أرجاء منطقتها لحين وقت المدرسة ، وبدأت بالجري ومرت بجانب الحديقة العامة فوجدت الشاب نفسه يجلس بالقرب من البوابة داخل الحديقة و كأنه يعلم بمرورها مسبقاً ، فنظر إليها نظرة كلام ، ودت ملاك أن تفهمه فاستغربت ما الذي يجري ، هل من المعقول أن نظرات الشاب تعني شيئاً ؟؟

 تناست الموضوع وتابعت الجري ثم ذهبت للمدرسة وقضت يومها ، و في طريقها العودة لبيتها رأت الشاب نفسه واقفاًُ بجانب مدخل بيتها فاستغربت جدا ووقفت أمامه : مرحباُ  .. الشاب لم يرد السلام  ، ملاك : هل تريدُ شيئا ؟ هذا باب منزلنا فأعتقد انك تريد شيئا .. ضحك الشاب وتابع مسيره .. ملاك تكلم نفسها : لحظه ما الذي يجري لما هو غريب هكذا ! لكن ضحكته آه حقاً جذابة ، هييه ملاك ما الذي تفكرين به أنت أكبر من تلك الترهات .

دخلت منزلها وذهبت لغرفتها وتصفحت الانترنت ، حل الظلام وقررت أن تذاكر قليلا وتنام ، لكن فجأة سمعت صوت شئ ارتطم بنافذة غرفتها فألقت نظرة و لكنها لم تجد شيئا  فعادت لسريرها ، إذ بنفس الصوت يتكرر فذهبت مسرعه لكنها لم تجد شيئاً أيضاً ، ” لقد طفح الكيل سأخرج وأرى ما ذاك الشيء ” ، فخرجت وذهبت إلى الناحية المطلة على نافذة غرفتها لتجد ذلك الشاب نفسه ففقدت أعصابها : هيه أنت ما الذي تريده مني ؟؟ لما أراك في كل مكان أجبني ؟!

 نظر إليها نظره غريبة جعلتها تصمت و أحست بشعور غريب واقتربت منه و تبادلوا النظرات ، غرقت ملاك في رماد عيونه و كأنه يقصد أن يسحرها ، ما لبثت حتى وجدت نفسها بين ذراعي الشاب فابتعدت عنه وغضبت لفعلته ، سألته عن الذي يحاول الوصول إليه فلم يجبها وذهب في طريقه ، دخلت ملاك إلى بيتها غارقة في تفكيرها ثم نامت .

مرت الأيام و ملاك على نفس روتينها اليومي ، لكن كانت تفتقد ذلك الشاب الغريب الذي لم تره منذ آخر موقف حدث ، و كانت تنتظر رؤيته في أي مكان رغم استغرابها سماحها لنفسها التفكير بالشاب ، وبعد عدة أيام أخرى في الصباح وهي ذاهبة للمشي رأته واقفا على بعد مسافة قصيرة من بيتها كأنه يعلم بخروجها في هذا الوقت ، لم تتمالك نفسها و لم تشعر بأفعالها لتجد نفسها تركض إليه وتعانقه كأنها مسحورة ، وسألته معاتبه : لماذا لم تأتِ طول هذه المدة ؟ ماذا فعلت بي أجبني ؟! ما أنت ها ؟

نظر إليها نظره حب وشد يدها  ، سارا معاً و كأنه يريد أن يريها شيئاً ، ذهب إلى مكان خالٍ فيه منزل كبير ، قديم و مهجور ، دبّ الخوف في قلبها فوقفا أمام المنزل و نظر إليها كأنه يقرأ أفكارها وقال لها : لا تخافي لن أؤذيكِ .. دخلا المنزل وترك معصمها ووقف أمامها وقال : هذا بيتي و أنا لست من الأنس لكني مسلم ، و منذ أول مره رأيتك  و نظرت بعينيك أحسست بصرك قد اخترق روحي وعرفت كل شئ عنك ، وأحيانا كنت أزورك دون علمك عندما أشتاق لك ،  والله لا أريد إيذائك ، أنا أحببتك جداً فأحببت أن أكشف لك حقيقتي قبل اعترافي لك .

وقفت ملاك مصدومة ”  هل الذي يحدث حقيقة أم خيال ؟؟ ” ،  وقفت محاوله استيعاب الواقع لكن ما إن أدركت كلام الشاب حتى فرت مسرعه لبيتها وهي مصدومة من الذي حدث ، أخذت تبكي لأن الشاب الذي أحبته لم يكن إنسان ففكرت بالذي ستفعله و قررت نسيان الأمر ومتابعة حياتها ، مرت الأيام والشهور وملاك لم تَرَ الشاب ولكن اشتاقت له كثيرا وفي كل مره تشتاق له تحاول منع نفسها من التفكير به لكن دون جدوى ..

قررت في يوم من الأيام أن تراه ، لكن كيف وهي لا تعرف أي شيء عنه إلا بيته ، ” آاه فلا بد من الذهاب إلى هناك ” ، ذهبت إلى بيته وهي قلقه وخائفة بعض الشيء وبدأت بالبحث داخل البيت لكن لم تجده .

جلست على إحدى الكراسي القديمة الموجودة داخل المنزل و بدأت تتفقد أرجاءه فالمكان موحش وقديم ، وما هي إلا لحظات حتى سمعت خطوات آتيه من خلفها ، التفتت فإذ به الشاب نفسه ، فذهبت إليه غير مبالية بالذي حدث و عانقته بشوق يغمرها ، نظر إليها بعيونه الرمادية التي سحرتها وعلم ما شعورها ، فعرض عليها الزواج ووافقت دون تردد ، هل الحب يفعل كل هذا ؟! تزوجوا وأصبح يزورها في بيتها وأحيانا في أحلامها ، تغيرت حياة ملاك ، و تغيرت اهتماماتها التي كانت لا تتعدى حدود دراستها .

هل الحب مجنون هكذا ؟! نعم أعزائي و يفعل أكثر من هذا ، ها أنا اكتب لكم قصتي الغريبة التي حدثت قبل ٥ سنين وأتمـ… ، ماماااا ماااما !! نعم يا ابنتي من أين ظهرتِ ؟! لقد كنت مع أبي في الحديقة العامة ..  ااه وماذا كُنتُم تفعلون ؟ كنّا نمشي خفية و نتجسس على بعض الناس .

تاريخ النشر : 2016-04-25

نورسين

الأردن
guest
33 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى