نساء مخيفات

امهات قاتلات (2) : الصبي تواني والأم "الغولة "!

بقلم : اياد العطار
للتواصل : [email protected]

الصبي الذي تحول إلى قديس وشبح!
الصبي الذي تحول إلى قديس وشبح!

في مقال لي قبل عدة أعوام، كتبت عن امهات قتلن أطفالهن بسبب معاناتهن من مشاكل واضطرابات نفسية ، أما اليوم فسأضعكم أمام أمهات قاتلات من نوع آخر ، المفروض أنهن في كامل قواهن العقلية ، مع أن ما أقدمن عليه من فعل شنيع لا يدل بأي حال من الاحوال على سلامة العقل والضمير.أن يولد المرء طفلا غير شرعيا لا يعرف أباه فتلك مصيبة ، وأن يعيش في كنف أم قاسية وزوج أم متوحش .. فالمصيبة أعظم والرزية أكبر .. هذه هي بأختصار مأساة الطفل “تواني” الذي زلزلت قضيته جزيرة مالطا بأسرها ونسجت جرحا داميا في وجدان سكانها. ورغم تعاطفي الشديد مع الصبي المسكين ، لكني أرى بأن رحيله عن هذا العالم البائس كان أفضل من بقائه.. فحاله أشبه بحال انسان أبتلاه الله بداء خبيث عضال ، طال مرضه حتى عجز الطب عن تخفيف آلامه ، فأصبح الموت بالنسبة له راحة ما بعدها راحة ، يتوسل قدومه ، ويطلبه عن طيب خاطر. و بطلنا أتى لهذه الدنيا وهو يرزح تحت وطأة مرض خبيث عضال تجسد في صورة أم تجردت من كل معاني وصفات الأمومة. ولعمري أن يموت الإنسان طفلا ويتذكره الناس كقديس خير من أن يمضي أيامه في بؤس ومرارة وعذاب ، يشب ناقما على المجتمع ، وربما أصبح لصا أو قاتلا .. أو انسانا انطوائيا يعيش حياته كراهب ويمضي أيامه في إدارة موقع لترويع الناس وتكدير خواطرهم.

أبصر “انطوني أكويلاني” النور عام 1952 ، آنذاك كانت مالطا واقعة تحت الانتداب البريطاني ، لكنها اليوم دولة مستقلة وعضو في الاتحاد الاوربي ، وأكثر ما يميزها انها الدولة الاوربية الوحيدة التي يتكلم سكانها لغة سامية ذات جذور عربية.

blank
انطوني أكويلاني “تواني”

انطوني ، أو “تواني” كما اعتادوا على تسميته ، وشقيقته الصغرى كارمن ، كانا طفلان غير شرعيان لأم تدعى جيجا كالميري ، امرأة ذات جسد ممتليء و ملامح خشنة منفرة. لم ير تواني أباه الحقيقي أبدا ولا عرف هويته ، الرجل الوحيد الذي عرفه في حياته الأسرية كان زوج أمه المدعو “ليلي” ، الذي يعمل في البحرية ، وهو رجل خال المشاعر لا يكن أي عاطفة تجاه تواني وشقيقته، كل مشاعره تصب تجاه أبنته الوحيدة التي أنجبها من جيجا وتدعى مارتيز.

كانت الأسرة فقيرة وتسكن شقة صغيرة من حجرتان بمنزل متهالك في أحد الأحياء الشعبية القديمة في العاصمة فاليتا.

مظهر تواني وهيئته كانا انعكاس لبؤس حياته، كان طفلا نحيلا ، ذو شعر داكن يميل للبني، عيناه سوداوان تكسوهما غلالة من حزن وانكسار ، ملامحه عموما تعكس خوفا متجذرا في أعماقه ، ونظراته الحزينة تكاد تنطق بكلمة واحدة : “أنقذوني!” .. منذ نعومة أظفاره تعرض لشتى أنواع الترهيب والتعذيب والاضطهاد على يد أمه وزوجها ، لقد نجحا بأمتياز في أن يزرعا في نفس الصبي شعورا راسخا بأنه غير مرغوب فيه ، طفل غلطة ، وصمة عار ، كم تمنوا لو يمحونها من حياتهم ، وكأن الصبي أقترف جرما بقدومه إلى الدنيا ، مع أنه لم يطلب ذلك ، ولم يجبر أمه البليدة على خوض غمار علاقة غير شرعية من أجل أنجابه ..  بأختصار كان تواني يدفع ثمن وجوده وكينونته ، ويالها من مصيبة أن يعيش الطفل مكروها منبوذا من أسرته ، يتعرض للضرب المبرح لأتفه الأمور ، يعمل كالخادم ، يمسح البلاط ويغسل الأطباق.. لا عجب بعد ذلك أن ينعكس هذا القهر والظلم على نفسيته، فيصبح مهزوز الشخصية ، مرعوبا من خياله ، لا يرفع عينياه عن الأرض ، وبالكاد يتكلم مع أحد.

تتذكر معلمته موقفا أحزنها كثيرا ، فخلال الفترة المخصصة لتناول الطعام في المدرسة ، كان جميع التلاميذ في الفصل يخرجون ما لذ وطاب من طعام دسه اهلهم في حقائبهم صباحا ، ما عدا تواني ، لم يفتح حقيبته يوما ، كان يكتفي بالجلوس منكس الرأس يحدق إلى طرف حذائه وأنامله الصغيرة تداعب طرف قميصه بتوتر. ذات يوم ، سألته المعلمة : “لماذا لا تتناول طعامك مثل بقية التلاميذ؟” ، فأجابها بأنه غير جائع ، لكن المعلمة أرتابت في كلامه وسألته : “هل أرسل اهلك طعاما معك؟” ، سكت الصبي لبرهة ، فكررت المعلمة السؤال عليه ، فلم يتمالك نفسه ، غطى وجهه بذراعه واستغرق في البكاء ، فأخذت المعلمة حقيبته وفتحتها ، وإذا فيها رغيف يابس أزرق اللون من شدة العفونة ، لو رميته لحيوان جائع ما أكله .. فتأثرت المعلمة لحال الصبي أيما تأثر ، وعلمت أن أمه كانت تضع له بقايا الخبز المتعفن كل صباح ، وهكذا تراه يجلس بصمت وزملائه من حوله يتناولون اطايب الطعام بينما يزدرد هو ريقه متحسرا .. هذا الموقف الحزين أثر حتى في نفوس التلاميذ الصغار من زملاء تواني ، فراحوا يقتطعون من أرغفتهم يضعونها أمامه ليأكل.

الام جيجا كالميري
 الام جيجا كالميري

احد هؤلاء الزملاء يتذكر كيف كان تواني يأتي صباحا الى المدرسة وهو مغطى بالكدمات والحروق ، عبثا يحاول أن يخفيها خلف ثيابه المهلهة. الجيران بدورهم يتذكرون كيف كانوا يسمعون صراخ الصبي ونحيبه وهو يتعرض للضرب والتعذيب اليومي ، وكيف أن أمه وزوجها كانوا يتناوبون عليه ، تضربه هي حتى تتعب ، فيستلمه هو جلدا بالحزام ، وقد يربطه بالسرير ، وربما أطفأ اعقاب السجائر في جسده الغض النحيل. كان صراخ الصبي مؤلما للجيران ، وقد يفيض بهم الكيل أحيانا فيصرخون في جيجا وزوجها كي يتوقفوا عن ضربه.

برغم كل آلامه، تقول معلمة تواني بأنه كان تلميذا ذكيا نجيبا مجتهدا في دروسه ، لم يأتي يوما إلى الصف إلا وقد انجز واجباته على أكمل وجه ، ولم تسأله يوما إلا واجاب بشكل صحيح. كان طالبا مثاليا، هادئا معظم الوقت ، احيانا يضحك ، وعندما يضحك فأنه يضحك من صميم قلبه ولا يتوقف بسهولة ، كان محبوبا من قبل الجميع .. ما عدا أهله!.

رحلة تواني مع الحياة لم تستمر طويلا ، في يوم 23 آب / أغسطس عام 1960 ، أرتفع صراخ حاد من داخل عطفة صغيرة في شارع القديس دومينيك بالعاصة فاليتا ، فهرع الناس يتبينون الأمر ، وإذا بالسيدة جيجا تفترش الأرض تندب وتلطم قائلة بأن شخصا ما دخل إلى منزلها وذبح أبنها “تواني”.

تم أبلاغ السلطات بسرعة ، وجاء رجال الشرطة ودخلوا شقة السيدة جيجا ليجدوا أنفسهم أمام منظر في غاية البشاعة، الصبي تواني ، ذو الثمانية أعوام ، ممددا على أرضية المطبخ ، منحورا وسط بركة دماء.

منزل تواني في العاصمة فاليتا
شرفة الشقة التي عاش فيها تواني

جيجا أخبرت المحققين بأنها لم تكن بالمنزل ، بل كانت في مكان قريب مع أبنتها كارمين تأكلان المرطبات وتلعبان لعبة البينغو الورقية. وأنها أرسلت أبنتها لتتبين سبب تأخر تواني باللحاق بهما ، فإذا بالطفلة تعود مذعورة لتخبرتها بأنها لم تستطع دخول المنزل وأن شخصا اخبرها بأن ثمة دماء في المبنى. عندما سمعت جيجا ذلك هرعت إلى المنزل ، كان مصباح المطبخ مضاء في شقتها ، وحين دفعت الباب وجدت ابنها خلفه مضرجا بدماءه ورقبته منحورة ، فهرعت إلى الشارع تستغيث وتصرخ.

الزوج ليلي ، قال هو الآخر بأنه لم يكن متواجدا في المنزل ، وأنه كان في السوق لشراء بعض القرطاسية ، وعند عودته سمع ضجة ورأى أناس مجتمعين ، فذهب ليلقي نظرة فإذا به يرى زوجته تصرخ وتلطم وتقول بأن أحدهم ذبح أبنها ، فركض إلى الشقة ودخل المطبخ ليجد تواني ممدا على الأرض مذبوحا.

الزوجان أصرا على هذه الرواية ، أي أنهما لم يكونا في المنزل ساعة وقوع الجريمة ، وأن احدا ما دخل إلى المنزل ونحر أبنهما.. لكن هذه الرواية لم تجد قبولا لدى الشرطة ، فالزوجان فقيران لا يطمع فيهما لص، ولم يفقد شيء من المنزل، وحتى لو فرضنا أن لصا دخل للسرقة ، وأنه قتل الصبي فعلا خشية أن يشي به ، فهذا اللص لم يكن أبلها لدرجة ان يترك سلاح الجريمة ، وهو سكين تقطيع الخبز، في أحد دواليب المطبخ حيث عثرت الشرطة عليه متضمخا بالدم.

مما زاد في هزال رواية الزوجان ظهور بعض الشهود في القضية ، فأبنة الجيران كارمن كوشي – 8 أعوام – قالت بأنها سمعت عصر يوم الجريمة صراخا حادا مصدره منزل السيدة جيجا ، وحينما اطلت برأسها من الشباك رأت تواني يتدحرج من على السلم ويسقط ارضا بلا حراك ، وبعدها ببرهة نزلت جيجا وخطت من فوق جسد الصبي المسجى على الارض من دون ان تعيره اي اهتمام.

الشرطة تحقق في الجريمة
الزقاق الذي يقع فيه المنزل

الفريد فتزباتريك ، 14 عاما ، الساكن في شقة بالطابق العلوي، قال بأنه عاد للمنزل ليتناول غداءه فشاهد جيجا ترفع جسد تواني الهامد عند عتبة السلم وتحمله إلى شقتها ، وأنه توقف عند باب الشقة ينصت ، متوقعا ظهور جيجا لطلب النجدة، لكن شيئا من هذا لم يحدث ، فغادر صاعدا الى شقته حيث تناول طعامه وخرج مجددا، لكنه عاد مرة اخرى عند الغروب ، وبينما هو يرتقي السلم شاهد باب المطبخ الملحق بشقة جيجا مفتوحا ، فتملكه الفضول لمعرفة ما يجري ، وعندما دفع الباب شاهد تواني ممدا على ارضية المطبخ، لكن لم يكن هناك دم ولم يكن الصبي مذبوحا ، وعندما هزه بيده لم يتحرك ، فتملكه خوف شديد ونهض مسرعا فغسل يده وغادر المطبخ.

هذه الروايات من قبل الشهود تدل على أن تواني تعرض لضرب مبرح وسقط من على السلم مغشيا عليه ساعة العصر ، وأنه لم يكن منحورا وقت الغروب ، أي قبيل اكتشاف الجثة بساعة واحدة. وقد بينت فحوصات الطبيب الشرعي ان الصبي تعرض لثلاث ضربات على رأسه بأداة صلبة، وأن هذه الاصابات تسببت بكسر في جمجمته وفقدانه للوعي. الأمر الذي ترك المحققين أمام معضلة .. فإذا كان الصبي مغشيا عليه وفاقد للوعي أصلا .. فما الداعي لذبحه من قبل اللص أو أيا من كان؟!.

حل هذه المعضلة كان عند كارمن ، الشقيقة الصغرى لتواني ، فعندما انفرد بها المحققون وسألوها عما جرى لشقيقها ، أفصحت عن كل شيء ، قالت بأن شقيقها كان يمسح ارضية الشقة ، أثناء ذلك قام بفتح صندوق العدة الخاص بزوج امه لكي يصلح حذائه الممزق ، وحين  علمت جيجا بذلك جن جنونها ، فصرخت فيه وصارت تضربه بالحزام ، فحاول أن يهرب منها إلى الشارع ، لكنها أمسكت به عند باب الشقة وراحت تخبط رأسه بقوة على مقبض الباب الحديدي، فسقط مغميا عليه وتدحرج من على السلم. وبعد قليل شاهدت كارمن أمها تعود إلى الشقة وهي تحمل جسد تواني ، وكان لا يتحرك ، فأخذته ومددته على السرير ، ثم طلبت منها ان تذهب وتستدعي ليلي الذي كان متواجدا ساعتئذ في مرآب احد اصدقاءه. وعندما أتى اخبرته جيجا بما حصل ، فتناقشا في المسألة لفترة ، بعدها حملا جسد تواني ومدداه على أرضية المطبخ ثم رأت كارمن أمها تجلب سكين الخبز وتنحني فوق جسد تواني.

كارمن كانت مرعوبة ، وسمعت أمها تنادي عليها وتطلب منها أن تذهب لتلعب في الشارع ، لكنها لم تذهب فورا ، بل بقيت قليلا تختلس النظر ، وشاهدت امها وليلي ينزعان ملابسهما المضرجة بالدماء فيغسلانها ويرتديان ملابس جديدة.

شهادة كارمن فضحت الزوجين وكشفت لغز موت الصبي ، أمه هي التي ذبحته ، الظاهر أنها ظنت بأنه ميت ، فقررت وزوجها أن ينحراه من باب التمويه ، على أساس أن لصا دخل المنزل وذبحه.

ساعة القاء القبض على جيجا
الزقاق الذي يقع فيه المنزل

تم القاء القبض على جيجا وزوجها بتهمة القتل العمد. وسرعان ما انتشرت تفاصيل الجريمة المروعة في الصحف فأثارت غضبا عارما وهزت الرأي العام في مالطا ، خصوصا بعدما توالت اخبار العنف الممنهج الذي تعرض له الصبي على يد عائلته خلال سنوات حياته القصيرة.

خلال المحاكمة انكرت جيجا أن يكون لها يد في مقتل أبنها وأصرت على أن شخصا ما دخل الشقة في غيابها وذبحه ، أما بالنسبة لشهادة أبنتها فقالت بأنها مجرد طفلة ، وأنها تعرضت حتما لضغط من قبل الشرطة وتم تلقينها أقوالها من أجل حل القضية بأي شكل وتهدئة الرأي العام الغاضب ، نفس الكلام قاله زوجها ليلي ، لكن كلامهما لم يقنع أحدا ، خصوصا وأن لهما تاريخا طويلا وحافلا بأذية الصبي وتعذيبه. الادعاء العام بدوره طالب بإيقاع اقصى عقوبة في الزوجين ، وجاء الحكم على جيجا بالإعدام شنقا حتى الموت ، فيما نال ليلي حكما بالسجن لمدة 20 عاما. لكن بعد اسبوعين تم تخفيف الحكم على جيجا إلى السجن المؤبد ، وأطلق سراحها بعد 10 اعوام فقط.

كارمن شقيقة تواني
صورة كارمن شقيقة تواني .. وهي طفلة .. وهي امرأة بالغة اثناء زيارتها لمنزل الطفولة

جيجا ظلت مصرة على أنها لم تقتل ابنها. ورغم أنها نجت من عقوبة الاعدام ، إلا أن السنوات التي تلت اطلاق سراحها لم تكن سهلة، إذ توارت عن الانظار في شقة صغيرة بعدما قاطعها الجميع ، ولم يسمع احد عنها مجددا إلا في منتصف التسعينات عندما اجرت مقابلة نادرة مع إحدى الصحفيات. وكان مما قالته في تلك المقابلة :

“لقد عانيت كثيرا منذ خروجي من السجن وعشت حياة العزلة والفقر” .. وأردفت بصوت متهدج وهي ترنو إلى صورة أبنها تواني المعلقة على الجدار والمحاطة بالزهور : “أبني شهيد .. أبني قديس .. صلي من أجله لكي تحصلي على البركة”.

الصحفية الشابة حاولت أن تتعاطف مع جيجا ، وأن تقنع نفسها بأنها جالسة حقا أمام أم عظيمة ، لكنها لم تستطع تجاوز شكوكها ولا التغافل عن حيثيات القضية ، فقررت أن تطرح السؤال الذي أتت أصلا لتطرحه : ” لكن سيدتي .. من قتل أبنك ؟ .. ألستِ انت التي فعلتي ذلك؟”.

فأنتفضت جيجا وردت مستنكرة : ” كيف لأم أن تقتل أبنها؟ ” ..

الصحفية : “من قتله إذن؟” ..

جيجا :  ” لا علم لي .. ولو كنت أعلم هويته لغفرت له ، لأن عدم مسامحتي له لن تعيد لي ابني.

blank
صورة قبر تواني

عجيب أمر هذه المرأة ، ومثيلتها من بعض الأمهات اللواتي أذقن ابنائهن الويل وجرعنهم غصص البلاء ، واللائي تراهن في الجلسات الخاصة والعامة يتقمصن دور الأم المضحية المحبة العظيمة ، متناسيات حقيقة مهمة ، وهي أن الطفل لا ينسى ، وأن الظلم والإهمال والتجويع والضرب التي يتلقاه في طفولته قد يظل عالقا في ذهنه لسنوات طويلة ، وربما أثر في نفسه إلى يوم مماته. دليل ذلك أنك قد ترى أناس طاعنين بالسن ومازالوا يتذكرون صفعة من والد أو تقريع من والدة أو تفريط وإفراط وظلم من كليهما. وأنا هنا لا أقصد تعامل الوالدين اليومي الروتيني مع أولادهما والذي يحتاج أحيانا إلى بعض الشدة والغلظة ، لكني أعني القسوة المفرطة الغير مبررة ، والإهمال والتقصير المتعمد في واجبات الأبوة والأمومة التي قد ينتج عنه شرخ بائن أو مستتر في العلاقة ما بين الأبناء والأهل. أن من واجب كل زوجين توفير الحد الأدنى من متطلبات أبنائهم عاطفيا وبدنيا وروحيا ، وأن يتذكرا بأن الطفل هو مسئوليتهما أمام الله والمجتمع ، وأن العبرة ليست في عدد ما ينجبانه ، بل في نوعية الإنسان الذي يرعيانه ويشذبانه ليشب شخصا صالحا مفيدا لأهله ومجتمعه.

بالعودة إلى جيجا ، فلقد حاولت أن أعرف مصيرها ومآلها حاليا لكني لم أعثر على مصدر ، لعلها ماتت ، لكن منزل الجريمة مازال قائما ، ويعد من أشهر الأماكن المسكونة في العاصمة فاليتا ، يقال بأن شبح الطفل تواني مازال يرتع في جنباته ، وأن صدى سقوطه من على السلم مازال يتردد في أرجاء المنزل. ويزعم السكان أنهم يسمعون في بعض الليالي صوت طفل صغير ينتحب ، لكنهم لا يجدون مصدر الصوت أبدأ .. طبعا هذا الكلام ليس من عندي ، ولا أقصد منه أضفاء بعض التشويق على المقال ، بل وجدته في المصادر ، لكني غير مقتنع به ، لأن من بين جميع أكاذيب جيجا ، أجدني أتفق معها في شيء واحد ، وهو أن أبنها شهيد ، وأن العزاء الوحيد في قصته هو أنه ترك هذا العالم البائس المفعم بالظلم إلى مكان خلاب ساحر لا يظلم فيه أحد ولا يضام .. والله أعلم.

المصادر :

The murder of the century: 58 years since the murder of Twannie Aquilina
Murder of the boy in the First Holy Communion suit
7 Most Haunted Locations In Valletta

تاريخ النشر : 2019-03-05

guest
141 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى