أدب الرعب والعام

انا و الجن

بقلم : قلم حمره – الاردن

كنت أسرّح شعري أمام المرآة عندما ظهرت ورائي امرأة

يسألني الجميع كيف بدأت قصتي مع العالم الآخر و لمَ اختاروني من ضمن البشر ، سألت نفسي هذا السؤال مليار مره ، و  في كل مره كنت أختبئ فيها من أحدهم بحضن أمي أو تحت غطائي و لكن لم أجد الجواب ،  كيف بدأت قصتي ؟؟

 حسناً لا أذكر التاريخ أو كم كان عمري عندما كنت أرى أجساماً سوداء بلا ملامح تشبه الظل تسير أمامي ، لم تكن تختفي عندما أنظر إليها ، كانت تمشي بهدوء و لم تنظر إلي حتى ، أخبرت أختي ذات مرة ولكنها سخرت مني ..  قلّت رؤيتي لتلك الأجسام السوداء بمرور الوقت ، و لكن ظهرت أشياء أخرى لا تقل غرابة عنها ..

عندما كنت وحدي في المنزل أغسل الأواني سمعت من يناديني بصوتٍ مرتفع .. تركت ما بيدي و ذهبت لأرد على المنادي ولكني توقفت عندما تذكرت أنه لا أحد في المنزل سواي .. تكررت قصة سماعي لأصوات تناديني و لكنني لم أخبر أحداً بذلك ؛ لأنهم لن يصدقوني فقد كنت صغيرة حينها ..

 انتهت مرحلة الأصوات و بدأت المخلوقات الأخرى تزورني بشكل أوضح في الأحلام ، أول كابوس كان مرعباً ، كانوا يظهرون أمامي و أنا أحاول أن أقرأ أي سورة من القرآن  لكن لساني كان ثقيلاً و عندما أحوال القراءة أشعر كأني أحمل صخرة ثقيلة على كتفيّ .. و بعدها استيقظت من الحلم ..

 ثاني حلم كان أغرب من سابقه حيث حلمت أن هنالك شيخ يرقيني ، حسنا أريدكم أن تتخيلوا أن جسدكم ثابت ولكن من الداخل هناك جسد آخر يتخبط يمينا و يسارا ، هكذا كنت أنا في الحلم ، وكنت أشتم الشخص الذي يقرأ علي ، و عندما حاولت أن أستيقظ شعرت أن هناك أحد يجذبني حتى لا أستيقظ أو أن أرفع جسدي و لكني استيقظت في النهاية .

هنا انتهت الهجمة الأولى – كما أحب أن أطلق عليها – و بدأت الهجمة الثانية ” الجاثوم ” ، لمن لا يعرف ما هو الجاثوم : هو عندما تستيقظ فجأة لتجد نفسك غير قادر على الحركة أو التحدث و تتنفس بصعوبة بالغة و تكون مدركا لما حولك و لكن من حولك لا يعلمون أنك تعاني من الجاثوم في هذه اللحظة.

 في إحدى ليالي الصيف الحارة كنت في سبات عميق و فجأة فتحت عيناني ولكنني كنت عاجزة عن الحركة تماماً ،  خفت و  ارتعبت ، اعتقدت أنني شللت فجأة ، و لم أستطع أن أتنفس ، شعرت بأن أحدهم يجلس فوقي ، و فجأة بدأت أسمع أصواتاً مختلفة ، ضحكات و همهمات و أنا أصرخ بداخلي و أحاول أن أتحرك ..

قرأت بعض السور الصغيرة و أخيرا تحررت من الجاثوم و لكن لم أستطع النوم أبدا بعدها ، أخبرت أمي ولكنها لم تهتم للأمر ، اعتقدت أني كنت أحلم .. جاء الجاثوم الثاني والثالث و بنفس الأسطوانة ، أصوات ضحكات و همهمات تختفي عندما أستيقظ ، انتهت الهجمة الثانية أخيرا و بدأت الثالثة و هي المواجهة الصريحة بيني وبين العالم الآخر ..

أنا أعيش في بيت يضم خمس أخوات ، أربعة من الأخوات ينمن سوية في نفس الغرفة – و من ضمنهم أنا –  ، لذلك عندما أذهب للنوم أمشي في الظلام الدامس وأنا أستند على خزانة الملابس حتى أصل إلى سريري ، و في إحدى المرات و أنا ألتمس الطريق إلى سريري و أضع يدي على الخزانة أمسكت بشيء ما ، كان شخصا أمسكت بثوبه و كنت أشعر بنفسه و بقلبه وهو يتحرك و بسخونة جسده ..

في هذه اللحظة شللت تماما و لم أعرف ماذا أفعل فبقيت ممسكة بثوب ذلك الشخص لا أدري إلى متى ، إلى أن قررت تجاهل كل شيء و أسير إلى سريري و أجعله يعتقد أنني لم أشعر به ، كنت قد بللت نفسي من الرعب في تلك اللحظة و لكني جلست في سريري و بدأت أقرأ كل ما أحفظه من سور حتى غفوت ..

استيقظت في اليوم التالي و أنا أشعر بالتعب الشديد في جميع أنحاء جسدي كأنني كنت أحارب ، كانت هناك كدمات على جسدي  لم اعرف من أين أصبت بها إلا بعدها .. في إحدى المرات كنت أسرّح شعري أمام المرآة عندما ظهرت ورائي امرأة سمراء جدا و عيناها بيضاء ، اقتربت مني ووضعت يدها على راسي و بدأت تتلو كلمات لم أفهمها ، و أنا لم أستطع أن أتحرك حتى أبعدها ..

فجأة سحبتني من شعري و ألقتني على الحائط  ففقدت الوعي ، وعندما استيقظت وجدت أمي و أخواتي حولي ، أخبرت أمي بكل شيء و حينها قررت أن تأخذني إلى قارئ حتى يخرج ما بداخلي ، و هنا بدأت الأحداث تزداد خطورةً ، قبل موعدي مع الشيخ بيوم جاء رجل و امرأة من لا مكان و وقفا أمامي وهدداني أني إذا ذهبت إلى الشيخ سيحرقان المنزل بمن فيه ، و فعلا أحدثا حريقا في زاوية غرفتي و لكن أنا و أخواتي استطعنا إخماده بسرعة ولله الحمد ..

أخبرت أمي الشيخ بما حصل فقرر أن يأتي هو بنفسه إلى البيت ، اتصل الشيخ بأمي وهذا ما دار بينهم و في تلك اللحظة – كنت أنا بالغرفة المقابلة أرتبها –

– الشيخ : أهلا يا أم (…) أين البيت إني لا أراه ، لقد وصلت إلى المكان الذي أخبرتني به و لكن الأرض فارغة !!
– أمي : إني أراك ، أنت أمام بيتي بالضبط ..
– الشيخ : هل أنتِ متأكدة ؟ لا يوجد أمامي شيء والله !!

في تلك اللحظات جاء الرجل و المرأة اللذان أحرقا الغرفة سابقاً من لا مكان و هما يضحكان ، فجأة صمتا ونزل شيء أسود من الكحل الموضوع على أعينيهما و بدأا بالصراخ  ففقدت أنا الوعي .
أخبرتي أمي أن الشيخ علم أنه مخطط من الجن حتى لا يصل إلينا ، قاموا بحجب البيت عن عينه و ما إن قرأ بعض الآيات حتى ظهر البيت أمامه ،كان الشيخ يحاول أن يخفي خوفه فهذه كما قال أول مره تمر به حالة مثلي و على ما يبدو أن الجن الذي يسكنني قوي جدا.

بدا الشيخ بقراءة بعض الآيات علي ، شعرت بنعاس شديد فغفوت ، و عندما فتحت عيني وجدت نفسي أحلّق في الغرفة و أنا أرى جسدي و الشيخ و أمي ، و أرى نفسي أقوم بأعمال جنونية ، لقد ضربته بشدة و حاولت خنقه و ضربت أمي بيدي و كسرت الكراسي و الطاولة ، تحطمت الغرفة بأكملها ، حاولت أن أعود إلى جسدي لكني لم استطع ..

كان هناك شيء يمنعني من العودة  و فجأة رُفع رأسي إلى فوق و رأيت نفسي و لكن لم يكن هذا وجهي ،  كان وجه شيطان بشع ، صرخت من الفزع و عندها استيقظت لأجد الغرفة قد أصبحت حطاماً ، و الشيخ يتنفس بصعوبة أما أمي فقد أغشي عليها من الرعب.

ذهب الشيخ بعد أن وعدني بان يعود ومعه ثلة من الشيوخ ؛ لأنه على ما يبدو لن يستطيع وحده أن يخرج الجن من داخلي ولكنه لم يعد أبدا .. لقد مات وهو في الطريق بحادث سيارة .

كنت تعبة جدا بعد تلك الجلسة فغفوت سريعا و حلمت بهم يصرخون في وجهي مهددين إياي بالقتل و التعذيب والموت البطيء و موت الأحبة ، كنت أبكي بشده فأنا خائفة و قليلة الحيلة و هم مرعبون و أقوياء يستطيعون قتلي بلحظة .

كنت أمشي في الشارع و أراهم حولي يتحركون و  يصطدمون بالبشر و يدخلون أجسدهم و يخرجون كأنها لعبة ، و في قاعة الدرس كانوا هناك أيضا ، في كل مكان أجدهم حولي ، كنت خائفة جدا ، أمضي كل وقتي مختبئة ، لم أخرج من بيتي أو من سريري لأشهر ، فقدت معظم وزني و سقط شعري و زادت الكدمات حتى غطت جسدي بأكمله ..

 جاء شيخ يدعى ” العم جلال ” و عندما دخل إلى منزلي سمعت صوت صراخ مرتفع و كانت الأرض تتزلزل من تحتي ، صرخت به وأخبرته بما شعرت و سمعت فابتسم وقال : لقد خافوا . و بدأ يقرأ القرآن بصوت مرتفع جدا كأنه صراخ و طلب منا تشغيل القران على هواتفنا لنجعل البيت كله مليء بصوت القران العذب.

 ظهر لي الرجل أولا ، كان مرعبا بحق ، بدأ يصرخ بوجهي و حاول أن يقترب مني و لكن ” عم جلال ” –  لا ادري كيف علم – وقف أمامي و بدأ يقرأ بعض السور ، ضعف الرجل شيئا فشيئا حتى اختفى و لكن صوت صراخه المرعب لم يختفي من أذني إلى اليوم ..

جاءت المرأة تبكي و تتوعد بأشد العقاب ؛ لأنني قتلت زوجها ، و لكن العم جلال فعل بها كما فعل بزوجها و ماتت هي الأخرى ، في تلك اللحظات كنت أشعر بالسياط تلسعني و لكنني كنت متمسكة بعباءة العم جلال ، لم أكن خائفة منهم لأول مره ، كان العم جلال يحميني منهم وفعلا بعد خمس ساعات متواصلة من القرآن هدأ البيت وعم السكون ..

كان جسدي مليئا بالدم ، لقد ضربني نفر من الجن أثناء القراءة فأثار مخالبهم على جميع أنحاء جسدي ، عدا عن الكدمات والعضات . مرت أشهر تحسنت صحتي بها و أصبحت عادتي أن أذهب إلى الشيخ جلال ليقرأ علي حتى يحميني منهم ، سألته مره ” كيف عرفت أن الرجل حاول مهاجمتي ؟ ”

ابتسم وقال : ربي منحني نعمه ، لو كنت سيئا لاستغللتها أسوأ استغلال و أصبحت أشهر السحرة ، و لكن ربي أرادني أن أكون من جنوده و أن أحمي عباده من الجن المؤذي الذي يعيث فسادا في الأرض ، لقد رأيتك في حلمي أيتها الصغيرة و ربي أرشدني إليك لأحميكِ و لقد استطعت بفضله أن افعل ذلك .

– ولكن لمَ اختاروني أنا ؟
– لا أعلم ، لعلكِ فعلتِ شيئاً آذاهم فأرادوا الانتقام منك بهذه الطريقة !! صغيرتي هل لي أن أسألك سؤالا ؟
– تفضل يا شيخي ..
– ماذا قالت لك تلك المرأة عندما كنت تسرحي شعرك أمام المرآة ؟
– ممم لا أذكر ، لكن كيف علمت ذلك ؟ لم أخبرك أبدا بتلك القصة !!

وقف العم جلال و أمسكني من رقبتي وقد تحول وجهه غلى وجه شيطاني وقال : قولي لي يا غبية ماذا قالت لك ؟

– لا أذكر أقسم لك ، لم أفهم ماذا قالت حتى ..

و حينها بدأ بالصراخ و الضرب و هو يقول: تلك اللعينة ، تلك اللعينة

أما أنا كنت أرتجف و أنظر إلى قدميه اللتان تحولتا إلى قدمي حيوان و صوته يتغير إلى نبره تشبه فحيح الأفعى ، نظر إلي وقال : سنطلق سراحك الآن و لكن لعنتنا ستلاحقك أينما ذهبتِ ، ستجلبين الخراب والدمار أينما حللتِ و أينما وضعتي قدمك ..

حاولت أن أسأله كيف رتل القرآن و هو ما هو ابتسم وقال : أعلم ما بخاطرك ، كل شيء سمعته وهم ، أنا أوهمتك أني أقرأ القرآن و لكني حقا قتلتهم فنحن في حالة حرب معهم ، قبيلتنا ضدهم و استغللتك كوسيلة للقضاء عليهم ، و الآن انتهيت منك و منهم .

اختفى العم جلال فجأة ووجدت نفسي داخل منزلي و هو محترق ، أخبروني بأن أمي و أبي و أخواتي ماتوا محترقين ، تحطمت نفسيتي ، لم آكل أو أشرب شيء طوال تلك الفترة ، و بعد مده انتقلت إلى بيت عمي  فبدأت المصائب تحل عليهم ، مات عمي و مرضت زوجته و رسب ابنه وسرح ابنه الآخر من العمل واتهمت ابنته بشرفها ، لقد حلت لعنتي عليهم ..

قررت السفر فذهبت إلى مدينة أخرى و ما إن مضيت أسبوعا هناك  حتى أعلنت حالة الحرب فيها ، حلت لعنتي حتى على البلد الذي هربت إليه لذلك قررت و أنا بكامل قواي العقلية أن أقتل نفسي حتى لا أسبب لأي أحد أي ألم و لأنني لعنت من قبل أقوى دجال في العالم ، رجل باع روحه للشيطان منذ عقود مضت إلى أن أصبح واحدا منهم .

هذه قصتي و هذه نهايتي لعلي أجد مكانا أفضل لي في العالم الآخر .

تاريخ النشر : 2016-04-23

قلم حمرا

الأردن
guest
35 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى