أدب الرعب والعام

انتقام – الجزء الأول

بقلم : مالك محمد – مصر
للتواصل : [email protected]

هل حقا عاد مجدي من الجحيم ليأخذ منا ما سلبناه ؟
هل حقا عاد مجدي من الجحيم ليأخذ منا ما سلبناه ؟

 

يقف حازم رجل في الخامسة والثلاثين من العمر ، أسود الشعر ، طويل القامة ، حليق الذقن ، في مكان واسع يكسوه بساط أخضر يوجد فيه بعض الأشجار تلقي بظلالها على شواهد وضعت لتكون المثوى الأخير لأصحابها . كان الوقت يوافق منتصف النهار إلا أن السماء تأبي تصديق هذه الحقيقة بسحبها الملبدة ، كانت الشمس تحاول على استحياء أن ترسل أشعتها بين هذه السحب ، فكانت تنجح بين الحين والآخر عندما تأذن لها السماء لتبعد سحبها قليلاً ليسقط شعاعها على مجموعة من الناس يرتدون اللون الأسود ، لتعطيه بريقا يدوم لثواني ثم يعود هذا اللون لما كان عليه من كآبة قبل هذه المنحة القصيرة . 

كان الصمت يسود المكان إلا من بعض صيحات النساء أو من بعض الغربان التي تنعق مرحبة بالضيف الجديد ، كانت هذه الأصوات تتداخل إلى رأس حازم فتقطع تفكيره في من هو متوارٍ أسفل أقدامهم ، وفي هذين الشيخين الذين يقفان على قبره يذرفان الدموع ، فتخرج من مقلتيهما لتسقط على قبره كأنها مياه مطهرة أرسلاها إليه لتكفر عنه خطاياه . تقدم حازم إلى والدي هذا الشاب 
حازم : مرحباً أنا المحقق حازم علي ، المكلف بتولي قضية ابنيكما … اسمحا لي أن أعبر عن أسفي لفقدكما مجدي 

لم يجب أحد من الوالدين حازم كأنهما لا يسمعان ما يقوله فقط ينظران إلي القبر ابنهما وعلامات الحزن لا تفارق عينيهما 
حازم: اعذراني ولكني فقط أردت أن أبلغكما مدى أسفي ، وإني أشعر بما تشعران به .
أخذت والدة مجدي في البكاء بينما نظر له والد مجدي نظرة خالية من التعبير كأنه يقول له بأنه لا يصدقه .. وربما كان على حق فقد أصبح قلب حازم من كثرة ما يرى من هذه الجرائم مثل الصخرة لا يشعر بالآسى على أحد ، فما مجدي بالنسبة للمقدم حازم سوي قضية يريد الانتهاء منها مثلما انتهي من التي قبلها ومثلما سيفعل مع التي تليها 

والد مجدي : تشعر بنا …… الجميع يشعر بنا ولكن لم يفقد أحدا منكم جزأ منه 
نظر حازم إلى والد مجدي كمن عقد لسانه عن الكلام 
أكمل والد مجدي وهو يحاول أن يمنع دموعه : كل ما أريده الآن هو أن أعرف من فعل هذا بابني ومن ألقاه في هذا المكان الموحش 
جاء من خلف المحقق حازم المحقق منصور رجل في الثامنة والعشرين من عمره متوسط الطول حليق الذقن أبيض البشرة ذو شعر أسود ، له شارب صغير مقارنة برأسه الضخم .. همس في أذن المحقق حازم ببضع كلمات بلهجته السريعة “جرعة زائدة من مخدر المورفين ” 

**

مركز الشرطة – مكتب المحقق حازم 

يجلس حازم على كرسي من الجلد أمامه مكتب صغير وكرسيين من الخشب علي الناحية الأخري من المكتب يجلس عليهما المحقق منصور ، ويوجد خلف حازم العديد من الشهادات المعلقة علي الحائط يتوسطها لفظ الجلالة ، وفي الجهة اليمني من المكتب يوجد نافذة عريضة تطل علي الخارج ، ويوجد أسفلها دولاب صغير واجهته من الزجاج يوجد به بعض النياشين وبعض الشهادات التي لم تجد مكانها علي الحائط . وفوق رأسيهما تدور مروحة ببطء شديد رأفة علي السقف الذي سقط معظم طلائه نتيجة تسرب المياه من المواسير الصدئة …

يمسك حازم في يده ملف كتب عليه مجدي علام أبو الفتوح الطب الشرعي 
يقرأ حازم تقرير الطب الشرعي 
الاسم :مجدي علام أبو الفتوح 
السن 19عام 
النوع. ذكر 
فصيلة الدم A+ 
سبب الوفاة : جرعة زائدة من مخدر المورفين محقون في وريد اليد اليسري

يشعل منصور سيجارة وينظر ناحية المحقق حازم : لقد وجدته الشرطة ملقي في أحد الخرائب و قد مر علي وفاته 48 ساعة 
حازم : من الذي بلغ بوجوده 
منصور : أحد عاملي النظافة … أعتقد أنها قضية انتحار 
حازم : ما الذي جعلك تعتقد هذا الاعتقاد 
منصور: طريقة موته والمكان الذي وجد به ، لابد أنه كان يتعاطي سموما تنسيه مشاكله لبعض الوقت ليستفيق فيما بعد علي واقع أسوأ مما هرب منه . 

**

أحد الطرقات العامة – الساعة.. السابعة مساءً  

يمشي شخصان متقاربان في السن . أحدهما قصير القامة نحيف الوجه أسمر البشرة تحيط بعينيه بعض الهالات السوداء نتيجة لقلة النوم . له شعر كثيف فوق رأسه والذي يعطيه بعض سنتيمترات من الطول ربما لكي لا يشعر أنه أقصر من قرنائه ، يمشي بجواره شاب آخر أكثر منه طولا . كما أنه ليس بسمين إلا من نتوء صغير بارز من بطنه تملأ وجهه البثور ..
فأما الفتى الأول هو رامي والفتي الآخر يدعي رؤوف 
رامي: هل تعلم أي مستجدات في قضية مجدي 
رؤوف: لا …لا أعلم 
رامي: مازلت أذكر وجهه وكيف كان ينظر إلينا حينها 
رؤوف: إما نحن وإما هو 

تصل رسالة علي هاتفيهما في نفس الوقت
يخرج رامي ورؤوف هاتفيهما من جيبيهما ليجدا رسالة من مجهول 
“سوف تلعنكم السماء لما فعلتم.. موعدكم في الجحيم قد اقترب….. مجدي” 
نظر الصديقان إلى بعضهما البعض والذهول يملأ وجهيهما 
رامي : من الذي أرسل إلي هاتفك 
رؤوف : مجدي !!!؟ 
رامي : مستحيل لنتصل بالبقية 

يجلس رامي ورؤوف علي منضدة مع اثنين آخرين 
كان أحدهما كريم أكثر قوة بدنية من الآخرين ، كان دائما منقبض السحنة حليق الرأس يبدو أنه المسيطر علي هذه الجماعة ، والآخر هو عماد . متوسط الطول أبيض البشرة بالرغم من أنه في العشرين من العمر إلا أن ظهره المنحني يشبه ظهر رجل كهل
رؤوف : ما هذه الرسالة 
عماد : من غيرنا يعلم بما حدث 
رامي : مجدي .. كيف ….كيف لقد حضرنا جنازته ورأينا عملنا وهو يدفن أسفل التراب ما الذي يحدث 

بدأ كريم في التحدث فصمت الجميع 
كريم :لا أحد غيرنا يعلم بما حدث ، لا بد أنه أحدنا ولكنه أراد فقط أن يرعبنا ، ولكني سأجعل رعبه ينقلب عليه و سوف أرسله ليؤنس مجدي في وحدته 
عماد : وماذا إذا لم يكن أحدنا .. هل حقا عاد مجدي ليأخذ منا ما سلبناه 
كريم : هذا يكفي ، عودوا إلي منازلكم وأنا سوف أهتم بهذا الأمر

**

شقة والد مجدي

يجلس المحقق حازم على الأريكة أمامه قدح من القهوة ويجلس أمامه والد مجدي 
والد مجدي : هل عرفتم من الفاعل ؟
حازم: سيد علام هل كنت مقرب من مجدي ؟
والد مجدي : بالطبع كنت مقربا منه ، أنا لا املك من هذه الدنيا سوي مجدي وآخيه يحيى ، هما أبنائي وأحبائي هما وطني . وأشار إلي صورة معلقة علي الحائط يوجد بها مجدي ويقف بجواره شاب مقارب له في الطول 
حازم: هل هذا هو يحيى 
والد مجدي : اجل 
حازم ولكني لم أره في الجنازة 
والد مجدي : نعم فهو يدرس بالخارج ولم يستطع العودة حينها 
حازم : حسنا … سيد علام هل كان لمجدي أي صداقات في الجامعة 
والد مجدي : لا ، كان له صديقين ولكنهما سافرا مع عائلتيهما ولم يعودا منذ زمن 
حازم : هل أنت متأكد ؟
والد مجدي : لماذا كل هذه الاسئلة ؟ هل عرفتم من فعل ذلك بابني أم لا 
حازم : في الحقيقة إن سبب الوفاة هو جرعة زائدة من مخدر المورفين .. وكنت فقط أريد أن أعلم إذا كان هنالك أحد معه في هذا الوقت 
والد مجدي : لا بد أنك تتحدث عن أحد آخر ، هذا ليس ابني 
حازم : أنا لم أقل شيء عن مجدي ، الأمر لم ينتهي بعد 

يرن هاتف المحقق حازم 
حازم : مرحبا دكتور محمود 
محمود : أريد منك أن تمر بي في المعمل الجنائي هنالك مستجدات في قضية الفتي مجدي 
نظر حازم إلى والد مجدي واستأذن منه للمغادرة مطمئناً إياه ببعض الكلمات .

**

المكان : منزل رامي

يجلس رامي في منزله ينظر إلي أبويه وهما يستعدان للمغادرة 
رامي: كم من الوقت سوف تغيبان هذه المرة 
والد رامي : ثلاثة أيام ولكن لا تقلق سوف يأتي أخي بعد بضعة ساعات ليجلس معك هذه المدة 
رامي : ومن قال لك أني أحتاج إلى مربي 
والد رامي :حسناً أولا هو ليس مربي ، هو عمك . ثانيا هو ليس هنا للاعتناء بك ، هو هنا لكي لا تقوم بأي عمل متهور كالعادة ، أنا ووالدتك سئمنا من تصرفاتك الصبيانية والغير مسؤولة .

خرج والدي رامي من المنزل وذهب رامي ليجلس أمام التلفاز وهو يتمتم ببضع كلمات حانقا 
كان رامي يشاهد احد البرامج على التلفاز وفجأة انقطع التيار الكهربائي 
ذهب رامي ليحضر بعض عيدان الثقاب وبعض الشموع ليكسو بها الظلام ، وأثناء سيره سمع صوت قادم من غرفته أشعل الشمعة متجها إليها. 
قال وهو يفتح باب الغرفة : من هنالك ؟
لم يجد رد فاطمأن قلبه قليلا ، ولكنه حينما نظر إلي آخر الغرفة وجد هنالك شخصا يجلس علي كرسي في أحد زوايا الغرفة ، حاول رامي أن يقرب الشمعة ويداه ترتعشان ليري من يجلس هناك ، ولكن ضوء الشمعة لم يكن كافي ليري وجهه كاملا 

رامي بصوت متقطع كمن لا يستطيع التقاط أنفاسه : من أنت ؟
الشخص المجهول : هل شعرت بالندم يوما علي ما فعلت 
رامي : أبواي سوف يعودان بعد قليل ، أنا أنصحك بالرحيل الآن .. وإلا 
الشخص المجهول قال وهو يقترب من الشمعة في يد رامي : وإلا ماذا سوف تقتلني ؟ يسعدني أن أخبرك أني ميت بالفعل ..واقترب من الشمعة حتى ظهرت ملامحه ..

**

يخرج كريم هاتفه ليجيب عليه وهو جالس في أحد المقاهي 
كريم: ماذا تريد يا رؤوف 
رؤوف : رامي .. لقد وجدوه مقتولا في غرفته بالأمس 
كريم : أين أنت 
رءوف : أنا أمام منزل رامي الناس يتحدثون عما حدث بالأمس ، يقولون أن عمه جاء لزيارته بالأمس فوجده مثبت علي كرسي في غرفته وهنالك علامات تعذيب علي جسده كمان أنه .. 
كريم : أكمل 
رؤوف : قد قطع لسانه 
كريم : أي كان ما يحدث فلا بد أننا جميعا مراقبون الآن يجب أن نتخذ حيطتنا 
رؤوف :انتبه إلي أين تسير 
كريم: ماذا هنالك 
رؤوف : لا شىء لقد اصطدمت بأحدهم .
كريم : اذهب الآن إلى العنوان الذي سوف أعطيك إياه وسوف يعطونك سلاح وخذ حيطتك جيدا 
رؤوف : هل تعتقد بأن السيد هو من أمر بذلك 
كريم : لو كان السيد هو من أمر بذلك لكنت أنا من قام بالتنفيذ…

**

المعمل الجنائي 

يقف المحقق حازم والدكتور محمود رجل في الخمسين من عمره سمين يرتدي نظارة قد تساقط معظم شعره 
حازم: ما هو الاكتشاف الذي اكتشفته 
محمود: هذه ليست عملية انتحار 
حازم :وبعد 
محمود كما ذكرت في التقرير الذي قدمته لك كان هذا الفتي أعسر ، ولكن المكان الذي أعطي فيه جرعة المورفين هو يده اليسري 
حازم :ربما حالفه الحظ 
محمود: أو ربما انه لم يكن وحيدا . وأخرج من يده ميدالية وألقاها إلى المحقق حازم 
حازم : أليست هذه ضمن متعلقات مجدي 
محمود : هذا ما ظننته أنا ايضا قبل أن أكشف عن بصماتها 
حازم: ولمن تعود البصمات التي وجدتها عليها 
رامي محسن محمود .. قالها المحقق منصور من خلف حازم 
واكمل : كان زميل مجدي في الجامعة كما أنه آخر شخص تحدث مع مجدي علي الهاتف 
حازم : ولكن والد مجدي أخبرني بأنه ليس لديه أصدقاء 
منصور: لم أقل لك صديقه ، بل قلت زميله . فمجدي كما قلت أنت لم يكن له أصدقاء ، ولكنه شوهد وهو يتحدث معه قبل الحادثة بثلاثة أيام 
حازم : إذاً فلنذهب لنحقق معه ..

يتبـــــــع

تاريخ النشر : 2019-03-25

guest
12 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى