أدب الرعب والعام

انتقام قطة

بقلم : Fatiyounes – أمريكا
للتواصل : [email protected]

انتقام قطة
عيون صفراء مضيئة في الظلام ، مخيفة و مرعبة ، أجل إنها نفسها ، عينا القطة تشتعل شراراً

في ليلة شتاء باردة ، كانت رندة تنام منكمشة فوق الأريكة قربة المدفأة و قطتها تحت قدميها ، كانت قطتها من نوع القط الروسي الأزرق ، المعروف بذكائه العالي ، و قد اعتادت أن تنام في فراشها بالقرب من المطبخ ، لكنها في هذا اليوم فضلت أن تنام تحت رجلي صاحبتها ؛ لعلها تنعم ببعض الحرارة بالقرب من المدفأة ، و قد كانت تصدر صوتاً مزعجاً وهي نائمة ، يسمى قرقرة القطط ، لطالما انزعجت رندة من هذا الصوت و لكن ، ما دامت تصدره بعيداً عنها فلا بأس بذلك .

لك هذه المرة غير سابقاتها ، كانت القطة ملتصقة بقدمي رندة ، فقامت بدفعها لعلها تذهب ، و لكنها كانت تعود في كل مرة تدفعها بها ، لم تشعر بنفسها إلا وهي تركلها و يا للهول ، ركلتها كانت قوية بما يكفي لتدفع بالقطة المسكينة إلى المدفأة ، إلى الحطب المشتعل ناراً ، صرخت القطة و صوتها ملأ أركان البيت ، اشتعل فروها و بدأت تتقلب وتقفز بعشوائية ، تستنجد ، هل من مغيث !!!!!

صعقت رندة ، كانت كمن انتزعت روحه ، شاحبة مستغربة ، تكاد عيناها تخرجان من مقلتيهما ، لم تفعل شيئا، بل لم تتحرك ، كانت كمن توقف به الزمن .

ركضت أختها من الحمام إلى الصالة ، و صرخت : يا الهخ !! .. انتزعت منشفة كبيرة كانت تلف بها شعرها المبلول ، وراحت تحاول إخماد النار المشتعلة بالقطة ، و لكن المسكينة لم تكن تدع أحد يقترب منها فكانت تقفز من شدة الألم ، و ما هي إلا ثواني و قد هدأت ، كان هدوءاً غريباً ، كان جلدها قد بدا واضحا من شدة الحروق ، بدأت أخت رندة تبكي وهي لا تدري ما يمكن فعله .

أما رندة فقد اختلطت عليها الأمور ، تمنّت أن يكون هذا حلماً ، و لكن هيهات ، فها هي القطة تلفظ أنفاسها الأخيرة ، كل ذلك و رندة تكاد أن تموت فزعاً.

الغريب في الأمر أن القطة رمقتها بنظرة مخيفة ، و قد فتحت عينيها بشدة ، مما أثار الرعب في قلب رندة ، ما لبثت إلا قليلاً و أغمضت عينيها إلى الأبد .

في نفس الليلة نُقلت رندة إلى المشفى ، والنتيجة ، أصبحت تعاني من داء السكري ، ليس بالضرورة أن الحادث سبب مباشر و لكن الخوف الشديد غذى العامل الوراثي لدى الفتاة فكانت القابلية أقوى .

مضى يومان على وفاة القطة ، أو بالأحرى على مقتل القطة ، و لكم إخواني أن تتصوروا العذاب النفسي و الأسى الذي كان يخنق رندة ، كان تأنيب الضمير يحرمها النوم والزاد ، و في صباح اليوم الثالث ، و تحديدا في الساعة السادسة ، غفت عينا رندة ، و ما هي إلا دقائق حتى شعرت بألم رهيب في قدميها ، فتحت عينيها و إذ بالقطة تأكل أصابع قدميها !!! صرخت صرخة مدوية ، هب كل من في البيت و المفاجأة !! كان الدم يسيل من أصابع قدميها لكن لا وجود للقطة ، ما تفسير ذلك؟! نظر الجميع لرندة بريبة ( الأم ، الأب و الأخت ) ما كان أحد ليصدق ما تقوله عن قطتها الميتة ، كان لسان حالهم يقول : ابنتنا المراهقة تحاول أن تثير الشفقة ، حتى لا يلومها احد بما حصل ، و لابد أنها جرحت رجليها ، حتى يرأف لحالها الآخرون ، كان داء السكري في أولى مراحله حينها .

في ليلة اليوم الموالي طلبت رندة من أختها الكبرى أن تنام بجانبها ، و لأن الجميع يقدر حالتها النفسية، لم تكن لترفض ذلك…

أطفأت الأخت المصباح ، وضعت على رندة اللحاف وهي تقول : نامي حبيبتي ، و انسي ، هيا نامي .

نامت فتاتنا من شدة الإرهاق ، نامت وهي مطمئنة لوجودها بجانب أختها طوال الليل ، و خلال نومها سمعت صوتاً ليس بغريب ” قرقرقرقر ” إنه نفس الصوت الذي أصدرته قطتها و الذي كان بسبب ركلتها القاتلة ، فتحت عينيها فزعة، ألقت ببصرها يميناً فشمالاً وفجأة ! عيون صفراء مضيئة في الظلام ، مخيفة و مرعبة ، أجل إنها نفسها ، عينا القطة تشتعل شراراً ، تشتعل انتقاماً ، تقترب العينين أكثر فأكثر ..

رندة ترتعش خوفاً ، فحقيقة ما تراه لا خيال ، مخدّرة هي أم ماذا ؟! لماذا لا تستطيع الصراخ ؟ ، وأحست بأنها النهاية ، لم تستطع حتى أن تحتمي بأختها أو توقظها ، شللٌ تامٌ أصابها ، حرارةٌ غريبةٌ تلامس قدميها كلما اقتربت العينان المرعبتان ، أذن الفجر ومعه تلاشت العينان في الظلام .

استيقظت الأخت على صوت الأذان، والتفت لتوقظ رندة ، إنه وقت الصلاة ، و لكنها رأت منظراً مخيفاً ، رندة صفراء الوجه ، بشفاهٍ مزرقةٍ ، تبدو متخشبة ، أمسكت يدها ، ولكنها باردة كالثلج ، ذهبت مسرعة إلى والديها لطلب المساعدة ، و بعد أن قاموا بتهدئة رندة ، و بعد أن عادت الدماء إلى وجهها، بدأت تحدثهم بكلمات متقطعة عما رأته .

أخبرتها أمها أنه مجرد حلم ، و أن قطتها ماتت ، وهي الآن في الجنة ، و أن عليها أن تكف عن التفكير بذلك ، فهي لم تقصد ما فعلته ، و أنه مجرد حادث .. ثم أمسكت بذراعها لتصطحبها إلى الحمام ” هلمّي معي حبيبتي ، سمي بالرحمن ، توضئي وصلي وسوف تشعرين بتحسن”.

ما إن وضعت قدميها على الأرض حتى أحست بحرقة في باطن قدميها ، وحرارة في ساقيها ، حاولت تجاهل الأمر و لكنه ازداد سوءاً ، و زاد معه قلق الوالدين اللذان سرعان ما اصطحباها إلى أقرب طبيب أعصاب مع أولى ساعات الصباح .

بعد تفحص وتمعن أخبرهم الطبيب أن ابنتهم تعاني من تلف الأعصاب في الساقين أو الاعتلال العصبي ، كان الأمر مربكاً حقاً ، و لكن ما السبب ؟ هل يمكن أن يكون الخوف الشديد والفزع الذي تعرضت له رندة ليلة وفاة قطتها والذي يعتقدون بأنه سبب في إصابتها بالسكري ، قد تطور وأصبح هذا الشيء ؟

إنها تشعر بأنها تدفع ثمن جرم اقترفته بدون أدنى قصد ، كوابيس يومياً ، نفسيتها كانت من سيء إلى أسوء ، كل هذا جعل والديها يضعان خطة علاج ؛ لإنقاذ ابنتيهما ، و لكن لعنة القطة تأبى أن تتركها بسلام .

كل العلاجات تبوء بالفشل ، حال الفتاة مستمر بالتراجع إنه انتقام القطة أو هكذا كانت تعتقد .

كانت لدى أخت رندة صديقة على دراية بما كل ما حصل مع أختها ، جاءتهم ذات يوم وقد شاهدت رندة فوق الكرسي بعد أن أصيبت بالشلل في قدميها ، كانت تحمل بين يديها ماء زمزم ، مقروء عليه القرآن ..

هذا الماء أحضرته جدتها معها خلال حجتها ، ولما علمت بما حصل لرندة لم تترد أن تبعث به لها ، متمنية من الله أن يعافيها .

شربت رندة الماء العجيب و أملها بالله كبير ، و دفع أبوها الكثير من الصدقات من باب التضرع إلى الله لشفاء الغالية على قلبه ، و خلال أيام فقط بدأت رندة تتماثل للشفاء بمعجزة من الله ، بعد أن فقدت الإحساس بالألم في قدميها ، أصبحت تشعر به عند كل وخزة يجربها الطبيب عليها ، و شعرت لأول مرة بنعمة الشعور بالألم .
و مثلما كان مرضها لغزا كان شفاؤها لغزا ، أما الدرس الذي تعلمته فهو الرفق بالحيوان ، وخاصة القطط ! و ما أدراك ما القطط و ليحذر كل شخص انتقام القطط !!

ولكن هل حقا ما حدث انتقام قطة ؟! أم انه شيء آخر ؟؟ .. المجال مفتوح لجزء ثانٍ ..

تاريخ النشر : 2016-03-21

Fatiyounes

أمريكا
guest
23 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى