أدب الرعب والعام

بابل مانت لاري

بقلم : احمد علي – مصر

وقف بابل مانت لاري أمام وودي وخلفه انتصبت الشياطين وكلهم كانوا مبتسمين بشكل بشع

 

يظهر لنا المشهد من الأعلى طريقاً عمومياً طويلاً مرتصاً بالسيارات الزهيدة ذات الصوت المزعج ، متوقفة في مكانها في صفاً طويلاً بسبب الطريق المسدود ، وهنا اقترب المشهد من هذه السيارة الحمراء وقصدها وحدها من بين كل تلك السيارات الكثيرة ، والتي كانت تقبع على مقودها إمرأة سمينة قليلاً في العقد الثالث من العمر ، وفي المقعد الذي في الوراء قبع طفلاً صغيراً ذو شعراً بنياً بملابسه المدرسية الأنيقة وقد كان أبنها ، والذي كان بصحبة والدته في رحلة العودة من مدرسته الابتدائية بعد دوام طويل ، وقد كان رابطاً لحزام الأمان ويراقب من النافذة هذه الأجواء المملة والمشحونة بأصوات السائقين وهم يتشاجرون فيما بينهم ، وهنا كسر صمته وقال لأمه بعفوية شديدة :

" أمي متى ستتحركين ؟ أنني أتضور جوعاً ".

أدارت أمه وجهها للوراء وقالت بابتسامة..

" كلا أيها اللئيم ، أنت فقط تتشوق لمشاهدة السي دي الخاص ببابل مانت لاري والذي اشتريته لك لتوي من المرأة الشمطاء التي كانت تبيعه على الرصيف بنصف الثمن ، إنها عجوز طيبة و كريمة للغاية ".

نظر إليها الفتي نظرة بريئة قاطباً جبينه ، وهنا ضحكت وقالت :

"على العموم لا تقلق ، ها نحن نتحرك الآن ".

و فجأة تحركت السيارة التي كانت منتصبة أمام سيارة الأم معلنة تحرك الصف ، لفت الأم مقود سيارتها على الفور وتحركت في الطريق بسرعة قاصدة منزلها المصون ، وهنا وضع صاحبنا الصغير وجهه على زجاج السيارة وقد اجحظت ملامحه بسبب التصاق وجهه فيه ، وأخذ يحملق بعينيه ويتأمل الإعلانات المعلقة على ضفاف الطريق ، ولفت نظره إعلان منسق لرجل كرتوني ظريف بشعر أسود يرتدي بدلة قمحية اللون و جرافتة سوداء " بابل مانت لاري" وكان يشبه شخصية المسلسل البريطاني الشهير مستر بين تماماً ، وقد كان منتصباً أمام بطة شريرة تمتلك أنياباً مفزعة للغاية ، و أتضح من ملامحه أنه سيفر بجلده منها.

"شاهد بابل مانت لاري يدحر البط الشرير "

و هنا أشار الفتى بأصبعه نحو يافطة الإعلان وقال ببشاشة :

"أمي ، أمي انظري ؟ ها هو بابل يصارع البط المشاغب ؟ ".

توقفت الأم بالسيارة وأدارت رأسها نحو الصغير قائلة بضحكة علت ثغرها المنفوخ :

" و ها هو المنزل سيد وودي ؟ ".

و فجأة انتصبت بسيارتها أمام هذه الحديقة ذات الورود الحمراء الخلابة الذي انتصب بداخلها منزلهما المنشود ، خلعت الأم حزام الأمان وهبطت من سيارتها التي برق وميضها بسبب أشعة الشمس الحارقة التي سطت عليها ، وتوجهت للمقعد في الوراء وفتحت الباب لوودي الصغير الذي استند على مقبض الباب بسبب قصر قامته ، وهبط بحذائه الأحمر الصغير وقد كان قزماً صغيراً في المرحلة الابتدائية لا يقل ظرافة عن شخصيته الكرتونية المحببة بابل ، وعلى ما يبدو أن الصغير على موعد مرتقب مع السي دي الجديد المكتظ بحلقات الشخصية المفضلة له والمعروفة باسم بابل مانت لاري .

فتحت الأم باب المنزل و دخل الصغير منبثقاً راكضاً كالرعد نحو الداخل ، ودخلت الأم ورائه مباشرة وأغلقت الباب على الفور .

بعد أن استحم وودي وقضى يومه بعد دوام شاق و بعد فوات عدة ساعات تحديداً ، أتى الليل وألقى بحلكته السوداء الكئيبة على منزل الأم و صغيرها ، جلست الأم الودودة لتتناول العشاء مع صغيرها اللطيف ، الذي هبط من غرفته متوجهاً نحو الطاولة في الأسفل ، وقد كان يرتدي ملابس نومه الزرقاء ذات النجوم و فوق رأسه انتصب قرطاس نوم تتدلى منه كرة قطنية بيضاء ، بعد أن هبط الصغير رفعته الأم إلى الكرسي ، وهنا أخذ يتناول طعامه بنهم شديد ، وسأل أمه قائلاً وهو يقلّب الطعام في فمه :

" أمي ، متى يعود أبي ؟ ".

" بعد أسبوع تقريباً يا عزيزي ".

هو في رحلة عمل طويلة ، وأنت تعرف ، وقال لي أنه سيعاقبك لو تشاقيت وأتعبتني معك في غيابه ، وعليك أن تعرف أنه كان يرفض تماما أن أشتري لك سي دي بابل مانت لاري قبل أن تنهي امتحاناتك ، ولكن طالما أن الغد عطلتك سنشاهد السي دي معاً الليلة ، وغداً سأجبرك على إنهاء واجباتك المدرسية ، وأتمنى أن نكون متفقين على ذلك ؟ .

نظر لها الفتى نظرة غاضبة بدون أن ينطق وقد تناثرت أجزاء الطعام على شفتيه ، وهنا قالت له الأم بنبرة حادة :

وودي لا تنظر إلي هكذا ، نظرتك تخيفني حقاً !.

ثم رد الفتى قائلاً وقد خفض رأسه للأسفل :

" حاضر يا أمي".

وهنا ضحكت في وجهه قائلة :

" يا ترى بعد انتهاء العشاء ماذا سنفعل أنا وأنت الان ؟ ".

قهقه الفتى قائلاً :

" نشاهد بابل مانت لاري ! ".

وهنا صاحت الأم قائلة :

"هيا بنا أذن نحو الأريكة أيها المزعج ".

وهنا نهض وودي من على كرسيه و ركض بسرعة البرق نحو هذه الأريكة الكبيرة التي انتصبت أمامها شاشة تلفاز كبيرة للغاية ، وتوجهت الأم نحو السلم لتصعد للأعلى لكي تحضر السي دي الخاص بالسيد الكرتوني المبجل بابل مانت لاري.

وعلى الفور دخلت الأم غرفتها وفتحت دولابها الخاص وأخرجت السي دي الخاص بالمسلسل ، وقد كان مغلفاً ومطبوعاً عليه صوراً لعدد من حلقات المسلسل الكرتوني الشهير ، وكان الغلاف الرئيسي يظهر بابل مانت لاري وهو نائماً على أريكته والتلفاز مُضاء ، وكانت هناك سحابة كرتونية بيضاء فوق رأسه بداخلها شيطان جحيمي أحمر تشير أنه يحلم بكابوس ، قلبت الأم السي دي في يدها وأخذت تتفحصه بعناية ، و بدون أي تردد هرولت إلى الأسفل ومعها السي دي لتتفقد ابنها الصغير ، الذي قبع جالساً على أريكته في انتظارها أمام شاشة التلفاز الكبيرة.

وعلى الفور جلست الأم على الأريكة بجوار الصغير وانحنت بظهرها لتدخل القرص في المشغل ، وما هي إلا ثواني حتى اشتعلت الشاشة الهائلة وأضاءت المكان من حولهما ، لتنغمس رأس وودي المستديرة بداخل نورها الضارب ، وبعد أن ظهر عنوان الحلقة الأولى على الشاشة ارتسمت على الفور ابتسامة خفيفة على ثغر الصغير ، وأسدل رأسه براحة وهدوء على قدم أمه ، وتسطح على الأريكة وأخذ يشاهد التلفاز ، وكانت الأم بدورها جالسة و تتابع مع صغيرها الكرتون المثير والذي كان ثلاثي الأبعاد.

ظهر بابل مانت لاري داخل الشاشة  و قد كان نائماً أيضاً على أريكته داخل منزله المظلم بفانيلته ذات الحمالة البيضاء وقد ظهر شعر صدره بطريقة مضحكة ، وعلى حين غرة هجم على منزله وأنسدل من النوافذ شياطين كوميدية صغيرة ذات لون أحمر وأٌقدام ماعز وأذيل مستدقة كالنصل ، وبدأ بابل يفيق من غفوته على الأريكة وقد بدأ يصارعهم ويضربهم بطرق كوميدية ظريفة ، أو بالأحرى بمطرقة نجارة مطاطية ظريفة استعان بها من دولابه الكرتوني الخاص.

وهنا أخذ صديقنا الصغير يتابع ويتابع بشغف وهو متسطحاً على قدم أمه ، حتى حاول بالكاد أن يفتح عيناه المرهقتان ، لان هناك سلطاناً لا يتغلب عليه أحد يحاول أن يطغي عليه ويطرحه مكانه "النوم" ، وقد هجم عليه أخيراً مطبقاً أصابعه اللعينة على عين الصغير البريء ، ليغلقها ببطء شديد للغاية ، وبعدها استسلم وودي أخيراً لثقل جفونه ، وكان أخر مشهد لمحه قبل أن يغلق عيناه هي ساعة البومة المعلقة على الحائط ، والتي أشارت عقاربها إلى الثالثة بعد منتصف الليل تحديداً .

وبعد وقت ليس بالكثير أفاق وودي من غفوته واستعاد صحوته مرة أخرى ، وقد كان لا يزال مسدلاً راسه على قدم امه التي كانت لا تزال جالسة في مكانها ، و بابل يصارع الشياطين في منزله ، و قد كانت ساعة البومة المعلقة تشير إلى الثانية عشر بعد منتصف الليل !

وكأن كل شيء طبيعي ، مهلا ! هذا ليس طبيعياً أبداً ! ككاتب كنت أتذكر أنها كانت تشير إلى الثالثة قبل غفوته ! لا بأس لنكمل .

بالطبع كان الأمر عادي بالنسبة لطفل صغير لا يفهم و لا يفقه كيف تتوقف عقارب هذه الالة اللعينة التي لطالما قطعتنا بعقاربها الحادة ، كان الأمر أشبه بمزحة ، أفاق وودي و وجد نفس المشهد أمامه يتكرر ، بابل يصارع الشياطين بمطرقته الظريفة ! وقد كان بابل مانت لاري بجسده النحيف يرتدي نفس فانلته ذات الحمالة البيضاء ، وكان يضرب أحد الشياطين بالمطرقة ، وفجأة تبدل الحال أمام أعين الصغير واستبدل السيد بابل مطرقته الظريفة بمطرقة حديدية كبيرة ذات أشواك قاتلة ! وضرب الشيطان القزم ذو القرنين ضربة قاتلة أطاحت برأسه ونثرت الدماء على فانيلته البيضاء و جسده النحيف .

وهنا ارتعب وودي قليلاً واغلق عيناه من هول الصدمة

وأخذت المشاهد تخرج عن نطاق الكارتون وظرافة بابل المعهودة وتزداد دموية أكثر فأكثر ، حتى أن وجه بابل أصبح جاحظاً بشكل مرعب وقد تناول سيجارة كوبية ضخمة وضعها في فمه وأخذ ينفث الدخان بكل برود وهو يبرح الشياطين ضرباً ، وتعجبت الأم و زادت بحلقتها في التلفاز بعد هذا المشهد المريب ! حيث أخذ بابل يصول ويجول بمطرقته ذات الأبعاد العنيفة ضارباً كل الشياطين من حوله وأخذ يقطعهم لأشلاء متناثرة بمطرقته الكبيرة ، هنا تعجبت الأم وقالت بصوت خفيض :

ما هذا ؟ لم أشاهد هذا من قبل ! هل هذا كرتوناً للأطفال ؟.

وهنا انتهى كل شيء ، وقد كانت الجثث الحمراء لهؤلاء الأبالسة الصغار تغطى منزل بابل ، وعلت قرونهم وهم متمددين على الأرض وكانت كالأشواك ، وهنا تحرك بابل بشكل فوضوي فوق جثثهم داعساً إياهم بقدميه ، وقد غطت الدماء ملابسه بشكل سادي ، واخيراً انتصب هو في منتصفهم وأعطى ظهره النحيف للأم و أبنها ممسكاً بمطرقته وهنا بحلقت الأم للتلفاز بتعجب شديد والى ظهر بابل الذي التصق فيه الجلد باللحم تحديداً " تباً هل يفهمنا ؟ " ، وعلى الفور وعندما كان مسدلاً ظهره اليهم سمع بابل خطوات للمزيد من الشياطين ، وهنا لم يستدر بابل اليهم قبل أن يفعل أسوء شيء يمكن أن تفعله شخصية كرتونية لا تعقل ولا تفهم ، وبينما وهما ينظران إلى ظهره رفع بابل يده اليسرى الخالية من المطرقة وأخرج اصبع السبابة ليلوح به يميناً ويساراً إشارة منه على الرفض ، وهنا أدار رأسه اليهم وغمز للأم وابنها في مشهد مهول جعل عين الأم مبحلقة و شدقها يتدلى من هول الصدمة ، حتى وودي قد غمس ووجهه في قدم أمه خائفاً من إشارات بابل .

ثم بعدها ابتسم ابتسامة عريضة وهو ينظر اليهما من داخل التلفاز وذهب ليلتقي الفوج الأخر من الكائنات الشيطانية ! اطبق وودي يديه الصغيرتان ممسكاً بقدم امه بقوة والتي كانت بدورها مبحلقة بتعجب شديدة و مسدلة رأسها إلى الأمام تتابع الكارتون ، وقد كان بابل يضرب كل الشياطين ببراعة منقطعة النظير ، حتى القى أخيراً بمطرقته الملطخة بالدماء وفعل شيئاً أخر جعل وودي يبكي ! نعم ، يبكي ! اخرج بابل يده الصلبة النحيفة من عالمه الكارتوني خارج شاشة التلفاز مباشرة ، وتناول سكين الفاكهة الذي انتصب بجوار طبق التفاح الذي كان فوق الطاولة الخشبية ، وغمز لوودي وحده هذه المرة ، قبل أن يدخل إلى نطاق الشاشة مجدداً ليحضر مطرقته التي ألقاها أرضاً ، ويخرج يده مرة أخرى ليضعها بدلاً من السكين على الطاولة الخشبية بجوار الطبق ! هنا أخذت الأم بجوار ابنها الصغير تتمعن برعب إلى هذه المطرقة الكبيرة ذات الأشواك المدببة التي خرجت من التلفاز وانتصبت أمامها ، وتحولت أنظارها إلى بابل وهو يحمل سكين الفاكهة الذي أخذها من على الطاولة واصطحبها معه إلى عالمه الكرتوني.

وبعد صمت ليس بطويل لم يتحمل الصغير هذا الفيلم المرعب المنبثق من أعماق الجحيم و انفجر بصرخة عالية هزت أرجاء المكان …

" ااااامي ".

و هنا فزعت الأم وترنحت وأفاقت من ذهولها وكأنها كانت منومة مغناطيسياً ونفضت وودي من على قدمها لتدقق بشدة في هذه المطرقة الغريبة ، والأكثر إخافة من ذلك أن بابل مانت لاري والشياطين على ما يبدو أنهم عقدوا هدنة وتوقفوا عن قتال بعضهم البعض  و وقفوا منتصبين ينظرون للأم وصغيرها بنظرات مليئة بالحقد والكراهية ، يتقدمهم بابل بملامحه الجاحظة وهو داخل الشاشة ، وهنا هدأت الأم قليلاً واقتربت برأسها إلى الشاشة لتلاحظ ملامح بابل وهو يقف بفانيلته ذات الحمالة البيضاء وشورته الرياضي ، وفجأة ارتسمت ابتسامة مخيفة على ثغره وانطبعت الابتسامة على الشياطين من ورائه حيث ابتسموا هم أيضاً ، وقبل أن تنطق الأم ببنس شفة أطلق يده التي كانت تحمل السكين خارج الشاشة ليصيب وجه الأم وعينها تحديداً لتخترق السكين نظارتها وتنسدل الدماء منها لتسقط صريعة في نفس وضعيتها جالسة على الأريكة ! وهنا صرخ وودي وتقلب على الأريكة ضارباً بأقدامه جثة أمه الجالسة  حتى سقط طرطور نومه الصغير على الأرض و ركض باكياً متوجها نحو الأعلى قاصداً باب غرفته ، حيث يحاول الاختباء من هذا الكابوس اللعين .

اقتحم وودي باب غرفته المكتظة بالألعاب وأطفئ الأنوار بسرعة رهيبة ، وغمس جسده تحت السرير هرباً من هذا الشيء اللعين الذي لا يعرف من أين أتى ! وبعد أن استقر مكانه تحت سريره الصغير أخذ يراقب الوضع داخل الغرفة وتوجهت أنظاره تحديداً نحو الباب ، وما هي إلا ثواني حتى سمع صوت حفيف خطوات لاحداً ما في الخارج أمام الغرفة ، وبعدها ازداد الصوت أكثر وأكثر وتكاثرت أصوات هذه الخطوات داخل أذنه وكأن صاحبها يركض ! ولكن لا شيء ، كان الروق خالي تماماً ، لم يلمح ظلاً لشخصاً ما ينتصب أمام الباب ولا حتى لأحداً مر من أمامه ، توقف الصوت وهدأت الأمور ، وبعد ثواني قليلة استطاع وودي سماع صوت لشخص ما يناديه في الرواق أمام الغرفة ، كان صوتاً غير مألوفا بالنسبة لوودي ، نعم ، لقد كان هذا صوت أمه وقد كانت تناديه بحفيف غادر قائلة بتأجج :

"ىوودي ، وودددي ، أخرج أيها العاهر الصغير من مكمنك ، و إلا أتيت لدغدغتك حتى الموت !  ".

عندما سمع الطفل هذا النداء ظل يبكي وعلم بأن هناك خطباً ما في الأمر ، وتمنى بأن أمه لم تجلب هذا السي دي اللعين ، وعلى الفور لمح وودي من تحت سريره ظلاً لشخصاً ما توقف أمام باب الغرفة وظل متوقفاً لدقائق وكأنه يتسلى بشيء ما ، ومن شدة فزعه أخذ وودي يحرك أقدامه تحت السرير ليثبت وضعيته و يتوارى أكثر ، حتى اصطدمت قدماه فجأة بشيء ذو ملمس رطب جعله ينتفض مذعوراً ويلف رأسه للوراء ليعرف ما هذا و قد أحدث ضجة.

" صندوق اللعب ، لا بأس ".

أدار وجهه مجدداً وقد نظر أمامه وقد كان صاحب الظل منتصباً ثابتاً مكانه أمام الباب ! وحينها ظل صندوق اللعب الخاص به ملامساً لأقدامه الصغيرة من وراء منه ، ظل وودي ساكناً لدقائق وقد أجهش بالبكاء ، لم يكن يظن أن الليلة ستنتهي هكذا أبداً ! وفجأة تحرك صندوق اللعب من وراء منه حركة خفيفة بسبب تدافع أقدامه جعلته يستدير بسرعة رهيبة ويوجه أنظاره إليه ، كان الصندوق مكانه ساكناً وكان كل شيء بخير ، وبعد أن اطمأن أدار وجهه مجدداً لينظر أمامه نحو الباب ، و يا ليته لم يدر وجهه وظل ناظراً خلفه ، فقد تفاجئ وودي بمشهد بشعاً لا يتحمله أشجع الشجعان قد جعل بدنه الصغير يقشعر وينتفض من الخوف ! لقد كان هناك شيطاناً متدلياً من فوق السرير وقد تقابلت رأسه مع رأس وودي أثناء التفاته ! ولقد كان شيطاناً قزماً قصير القامة يمتلك قرون كبش كبير وذقناً إبليسية كبيرة مستدقة ، وقد كان منزلاً رأسه من فوق السرير وكان يضحك ضحكة شريرة كادت أن تفتك بخديه من وسعها ، وقد ظهرت أسنانه الحادة المهيبة ذات الصفار المبهم أثناء تلك الضحكة الحقيرة ، والأفظع من ذلك أنه كان يشهر بقبضة يده ورقة من كراسة الواجب الخاصة بوودي وقد كان مكتوباً عليها تحديداً بالقلم الرصاص

"رائحة أقدامك كادت تقتلني ، لا تعبث في صندوق اللعب من وراءك مجدداً ! ".

صرخ وودي في وجه هذا الشيطان مباشرةً صرخة رهيبة ، وقد كان الأخر ينظر اليه و يضحك ببرود ، واستدار وانتفض خارجاً من الجهة الأخرى أسفل السرير ، و ركض نحو الباب وفتحه ، ليتعثر فجأة و يسقط ليصطدم برجل نحيف يرتدي فانيلة ذات حمالة بيضاء ! وعندما رفع رأسه و أمعن النظر في وجهه وجده وجها نحيفاً ممسوخاً لرجل أمرد ، وقد كان يبتسم نفس ابتسامة الشياطن وظهرت أسنانه الصفراء "بابل مانت لاري " ليشهر بقبضة يده ورقة بيضاء كانت أيضاً من كراسة واجباته المدرسية مكتوب عليها .

" لما العجلة يا صديقي ؟ ".

نهض وودي من مكانه وأخذ يصرخ وهو يركض بعيداً في جهة أخرى قائلاً وهو يبكي :

" بابل ، دعني وشأني ".

وبعد أن وصل لأخر الردهة توجهت أقدامه نحو الحمام ، حيث اقتحم بابه و دخل بسرعة إلى أرضه الرطبة ، كان الحمام حالك الظلمة ولا يكاد وودي أن يرى حتى يداه هناك ، استدار بسرعة ليضغط على زر النور الذي صم مكانه ، وما كان أن أدار ظهره حتى تفاجئ بمشهد ماراثوني أخر قادماً من الجحيم ، لقد وجد أحد الشياطين الحمراء وقد كان جالساً على المرحاض وهو يقضي حاجته و بداخل فمه سيجارة مشتعلة ، بينما انتصب شيطاناً أخر أمام الحوض على كرسي قام بوضعه لتعلو قامته ليرى نفسه في المراة وهو يفرش أسنانه بفرشاة وودي الخاصة ! وهنا أدار وودي أنظاره نحو الشيطان المدخن و نظر اليه صامتاً نظرة رعب زهيد ، وبينما كان الأخر قابضا ً بأسنانه الحادة على السيجار حتى انتزعها وقام بنفث دخانها في وجه الطفل المسكين ، ليتطاير في الهواء وتتشكل هنا عبارة دخانية تقول :

" أهلاً وودي ؟ ".

صرخ وودي مجدداً ودوت صرخاته العاتية بداخل الحمام ، وخرج منه ليتفاجأ بقدم شيطانية حمراء تقوم بعرقلته ليعلو في الهواء ، وقبل أن يلمس الأرض  كان بابل مانت لاري متوقفاً بفانيلته البيضاء وشورته الأبيض وحذاء العمل البني ، وقام بدفع عربة ناقلة " لعبة " تجاه وودي وأسقطه بداخلها ، لتنغمس رأسه بداخلها وتلوح قدماه في الأعلى محاولاً التملص ، وهنا قهقه بابل واخرج ريموت ضخماً خاص بالعربة و أخذ يتحكم فيها و بداخلها وودي بكل براعة وحرفية ، اعتدل وودي بداخل العربة واخرج رأسه أخيراً و أخذ يصرخ ، وهنا وجهه بابل مانت لاري العربة و بداخلها وودي نحو الأريكة والتي كانت تنتصب عليها أمه وهى صريعة مطعونة بسكين الفاكهة والذي استقر في عينيها ، والأدهى من ذلك هذه السيجارة المشتعلة بداخل فمها ! وقبعة الكاوبوي التي استقرت فوق رأسها ، وهذا الشيطان الضاحك الذي استقر ورائها يحدق في وجه وودي ، وعلى صدرها كانت هناك ورقة ملتصقة من كراسته المدرسية مكتوب عليها :

" ما رأيك ؟  قمنا بتزيينها ! أليست جميلة ؟ ".

توقفت العربة أمام جثتها وبداخلها وودي يتمعنها وقد أخذ يصرخ بهستريا شديدة ، وقد كان منتصباً بالعربة أمام جثة أمه ولا يستطيع الحراك ، أخذ يصرخ ويصرخ طالباً النجدة من أي شخص في الجوار

، وهنا ظهر بابل مانت لاري من ورائه خلسةً  و أدار وودي رأسه ونظر اليه بخوف ، وهنا نظر بابل اليه أيضاً  وهو يضع أصبعه بشكل طولي على فمه في إشارة إلى إسكاته ، وبعدها وضع يده النحيفة على رأس وددي وأدارها تجاه الظلام ، تجاه هذا الكرسي الضخم الذي كان ينتصب عليه شخصاً أدمياً ضخم الجثة لم يتضح من هو بسبب الظلام الذي عم المكان ، وفجأة ضرب النور بعض الشيء جسد هذا الشخص ليظهر أخيراً مظهره المطموس ، وقد وجد وودي مشهداً أخر تقشعر له الأبدان ! كان هذا الجسد للعم واطسون جاره الحميم ، وقد كان فمه مشقوقاً بدرجة تثير التقزز ، ومن خلفه خرج شيطاناً أخر وبنفس ابتسامته الضاحكة ليضع ورقة من كراسة وودي بداخل فم العم مكتوب عليها :

"هذا الحقير حاول مساعدتك ، ولمعلوماتك .. رائحة أقدامه تشبه رائحة أقدامك تماماً ".

وبعدها وقف بابل مانت لاري أمام وودي وخلفه انتصبت الشياطين ، وكلهم كانوا مبتسمين بشكل بشع ، بابل بأسنانه البشرية الصفراء والشياطين بأسنانهم المستدقة ، وهنا رفع في وجهه ورقة أخرى مكتوب فيها :

" أظن أنك استمتعت ، دورك الأن وودي ".

اقترب المشهد من عين وودي وقد ارتسم فيها ظل بابل وهو يرفع مطرقته في الهواء محاولاً تهشي …..

"وودي ! ".

"وودي ؟ ".

" استيقظ الأن ".

وفجأة استيقظ وودي ونظر حوله ليجد نفسه في غرفته والشمس تخترق نوافذها الزجاجية، يا الهي لقد كان حلماً ، لا بل كابوساً ، كان حلما بشعاً للغاية ، إنها العصافير تغرد والشمس تشرق ، الحمد لله أنني استيقظت ، هكذا قال الصغير بداخل رأسه .

بعدها دخلت أمه الغرفة عليه مبتسمة وقالت ببشاشة :

" لقد غفوت بالأمس أثناء مشاهدتك لحلقات بابل مانت لاري فحملتك إلى هنا لكي تنام ".

انتفض وودي مفزوعاً عندما سمع هذا الاسم اللعين ، وهنا قالت له أمه بابتسامة :

" هيا إلى فطورك الأن ، لقد حضر والدك ويريدك أن تفطر معه ".

أفاق وودي وغسل وجهه وهبط إلى الأسفل مستخدماً الدرج وقد كان والده جالساً على المائدة بجوار أمه ، وعلى غير العادة جلس وودي و لم يحتضنه أو يصافحه وقد بدى مرهقاً مشتت الذهن ، وهنا تعجبت الأم وقال الأب بضحكة ساخرة :

" ماذا بك يا رأس اليقطينة ؟ هل كنا نلعب سوياً بالأمس ؟ وودي ماذا بك ؟ "

نظر له وودي و أخذ يتناول طعامه بدون أن يرد .

وهنا قالت الأم : دعه يا جاك ، إنه مرهقا للغاية بسبب بابل الذي شاهده بالأمس ".

وهنا لفظ وودي الطعام وقد انتفض مفزوعاً وقد قال له الأب بضيق :

" وودي ماذا بك ؟ ".

ثم بعدها ابتسم و أدار التلفاز على حلقات بابل مانت لاري ، وأخذ بابل يستعرض محتواه بداخل الشاشة ، وقد كان وودي شارداً ويحدق للتلفاز بضجر ، وهنا قال الأب بابتسامة :

"سأحضر لك عصير الليمون في المطبخ وسأكون عندك لنشاهد كرتونك سوياً ".

ذهب الأب نحو المطبخ وأخذ وودي يتمعن الكارتون منتظراً أي شيئاً مما شاهده في حلمه ، ولكن للأسف كان كل شيء بخير ، هدأ وودي وترك المائدة وذهب للمطبخ كي يتفحص أباه ، وهنا وجد مشهداً واقعياً لن يشاهده في أسوأ كوابيسه ،

لقد كان المطبخ فارغاً وعصير الليمون معداً على رف المطبخ و قد كانت هناك عبارة ضخمة مكتوبة بالدماء على الحائط تقول له :

" هل تظن أنك وحدك أيها العاهر الصغير ؟ ".

صرخ وودي وذابت صرخاته مجدداً ليوقظه صوتاً ناعماً للغاية قائلاً له :

" اهدأ .. اهدأ .. أنت بخير ".

استيقظ وودي من كابوس جديد ليجد نفسه بداخل عيادة طبية ، وقد نظر أمامه فوجد ممرضة ممشوقة القوام تتفحصه على الطاولة ، و خلفه وجد أباه وأمه ينظران إليه بشفقة ويقولان للممرضة :

" انه يهذي دوماً هكذا يا انسه ، لقد أُصيب بوعكة نفسية منذ يومان ولا نعرف السبب ، هو لا يريد أن يخبرنا بشيء ".

ضحكت الممرضة وقالت ببشاشة :

" لا بأس ، لا بأس ، سيكون على ما يرام ".

وهنا كان وودي متسطحاً على الطاولة وأخذت الممرضة تجس نبضه ، وتقترب من أذنه بكثرة حتى أنه ارتاب ، وفجأة اقتربت منه وهمست بداخلها قائلة بصوت غليظ شرير :

" أتحسب أننا لا نعرف من ماذا تشكو يا وودي ؟ ".

وبعدها نظر إلى وجهها فوجد وجه بابل مانت لاري بابتسامته المرعبة و قد حل محل وجهها في نفس جسدها ! وقبل أن يصرخ سمع صوتاً يقول له :

"وودي"

"وودي ، استيقظ "

" لنكمل غداً ، هيا ""

" كابوس أخر ، لا بأس ".

أفاق وودي وقد كان متسطحاً كما هو على قدم أمه على الأريكة والتلفاز كان يعمل على حلقات الكارتون ، وهنا قالت له أمه وهى تحمله :

" لنكمل غداً وودي ، أنت غفوت والوقت تأخر ".

وبعدها نظر وودي للتلفاز برعب وقد كان يتأمل بابل مانت لاري في احدى حلقاته ، وهنا حملته أمه وتوجهت به نحو السلم لتضعه في غرفته ، وبينما وهو محمول على أكتافها أخذ يتأمل في التلفاز وفي وجه بابل تحديداً ! حتى تنفس الصعداء قليلاً وأحنى وجهه على كتفها بعدما أطمأن ، وهنا اختفت الأم في الرواق واقترب المشهد بشدة من التلفاز الذي تركته يعمل ورائها ، وقد كان بابل يظهر فيه ، وفجأة وبدون أي مقدمات خرج من التلفاز وتناول الريموت وقام بإطفائه و تناول سكين الفاكهة وذهب في الظلام وراء الأم ، وقبل أن نختم قصتنا أقحم وجهه النحيف هنا ليغمز لنا ويختفي مجدداً هناك .

 

النهاية……

 

تاريخ النشر : 2019-10-21

guest
26 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى