أدب الرعب والعام

بداخل الغرفة

بقلم : البراء – مصر

بداخل الغرفة
بداخل الغرفة يمكنك أن ترى الشياطين و يمكنك أن ترى الملائكة ..

“بداخل الغرفة يمكنك أن ترى الشياطين و يمكنك أن ترى الملائكة ، يمكنك أن تتكلم مع الموتى و يمكنك أن تصبح عبقرياً….”

أنزل “فتحي” الورقة من أمام عينه ثم نظر إلى “بسام “قائلا :
– ما هذا السخف ؟!
رد بسام و هو يشرب آخر ما تبقى من عصيره مصدراً صوت ال_فوش_ المحبب ذاك :
– ذلك هو آخر ما تبقى لنا من جثة المرحوم .. أو القتيل .. المهندس نادر.. _فوش_ أو لنقل ما وجدوه في خزنته _فوووووششش_ .. إننا ذاهبون لبيته الآن ، قريباً سنعرف كل شئ.
لم يفهم فتحي أبداً سر محبة بسام لفعل هذا.. لماذا يصمم على امتصاص آخر قطرة موجودة في علبة العصير.. إنه يعذبها !!
رد فتحي و قد بدا أنه تذكر شيئا ما :
– ذكرني مجدداً كيف حصلنا على هذه الورقة ..؟
كان بسام ينظر للعلبة بازدراء و كأنه يريد امتصاص المزيد منها.. رماها ثم قال :
– لقد أرسلتها لي زوجته آملة أن نصدق صعوبة القضية.. أنت تعرف أننا لا نقبل بأي قضية .
رد و هو ينظر نحو الورقة مجدداً :
– لكن ما أدراك أنها لا تكذب .. ربما هي من كتبت الورقة .
– هذا ليس خط يدها و لا خط يده و هذه الورقة كانت في خزنته بالتأكيد .
– حقا ؟!!
– لقد أكد لي خبير الخطوط ذلك هذا الصباح .. كما أن من فتح الخزنة كانت الشرطة و حسب كلامهم أول ما وجدوه كانت هذه الورقة هنا .

تنهد فتحي ثم قال :
– يوماً بعد يوم أنا أندم على تورطي معك في مكتب التحقيق الخاص هذا .
– و يوماً بعد يوم ستدرك أننا سنصبح أثرياء كلما أسرعنا و حللنا القضية بسرعة ، أنت تعلم هذا بالفعل ، كما تعلم أننا أشهر محققان في المدينة و الجميع يتهافت علينا بما فيهم الشرطة نفسها تريدنا معهم ، لماذا في رأيك نحن بهذه الشهرة ؟
– أولا نحن لسنا أشهر محققين في المدينة لأننا بالنسبة للقبعة السوداء لسنا إلا أطفالا ، و ثانياً لماذا لم ترسل له تلك المرأة بدلا منا ؟!
– أنت تعرف كما أعرف أنا أننا نحن زمرة المحققين لا نحسب و لا نعتبر القبعة السوداء ضمن هذه الزمرة ، لأن مستواه ليس بشرياً ، كما أن الوصول إليه صعب جدا ، كما أن من أطلق عليه هذا الإسم هو شخص تافه .
– لكنه متاحٌ دائماً.. أعني لمن يصل إليه.. لن يرفض أي قضية .
– بالطبع لا يرفض قضايا القتل.. إذا وجدوه.. دعك منه الأن و هيا بنا لنرى الشياطين و نتكلم مع الموتى .
– إن هذا غير منطقي بتاتاً ، تتكلم مع الموتى و تصبح قاتلاً لن يكتبهما في جملة واحدة إلا مجنون .
– نعم .. ربما هي شِفرة .
– حقا؟!!.. أي نوع من الشفرات هي؟
قالها فتحي ثم نظر في الورقة مجدداً و أكمل
“و هناك يمكنك أن تتعامل مع العظيم”
– حسناً لربما هو معقد قليلا .
-هذا أكيد.. هو مجنون .. و عندما نجد من كتب هذا الكلام سنضطر لوضعه في مشفى المجانين .

فتحي كان يظن أن كل هذا هو عبث على عكس بسام الذي كان يدرك أن هذا الكلام يعني شيئاً ما ، بالطبع لن يكتب هذا الكلام شخص يريد فقط بعض المرح .. قال فتحي و هو ينظر للمارة بتعجب ممسكاً بالورقة :
– دعنا نكون منطقيين هنا ، أي شخص عاقل سيقول أن من كتب هذا ليس في كامل قواه العقلية .
رد بسام متنهداً :
– لكن هناك الكثير من العقلاء توقعوا فوز ألمانيا بالحرب العالمية.. هم لم يتوقعوا أن الأمر أعقد من هذا بكثير .
نظر فتحي في الورقة للمرة الأخيرة
“في الغرفة ستعرف كل شيء.. في الغرفة ستجد كل شيء”

………

كان المطلوب منهما هو التحقيق في القضية و معرفة القاتل على أسرع وجه ، و أول وجهة لهما كانت مسرح الجريمة بالطبع ، و مسرح الجريمة لم يكن إلا منزل القتيل .

لم يكن منزلاً عادياً ، كان منزل شخصٍ غني ، و يمكننا القول بأن صاحبه كان يمكنه أن يشتري قصراً لو أراد -و هذا بالطبع سبب من أسباب قبولهما القضية – لابد من أنه رجل مهم .. كلمة غني هنا يجب أن تكون متبوعة بكلمة مهم.. إذا كنت غنياً فأنت مهم هذا هو قانون الحياة و من يظن غير هذا فهو مخطئ ، لكن الموت لا يعرف المهمين ، و للأسف صار هذا الرجل المهم ميتاً الآن ..أو بالأحرى مقتولا .

أول ما فعلاه كان ببساطة التحقيق مع من بالمنزل كما جرت العادة أو ربما كما هي التقاليد ، لم يكن الأمر صعباً بالنظر إلى عدد الأشخاص في المنزل ..
و بعد التحقيق مع جميع من بالمنزل_الذين جميعهم تقريباً خدم_ عرفا بعض الأشياء المهمة عن المهندس نادر ..القتيل .

هو متزوج و لديه ابناً واحداً في العاشرة مات بطلق ناري في رأسه ، كان في مكتبه حين حدثت الجريمة ، من الواضح أن هناك من دخل عليه و هو هناك ثم أودع رصاصة فى رأسه ، علامات الهلع مرسومة على وجهه.. في قضية مثل هذه لا يمكنك ان تتجاهل مثل هذا الوجه هنا ، و لم يكن هذا فقط هو من يصعب تجاهله .. عندما فحصوا مسرح الجريمة و الجثة وجدوا شيئين ..
الأول كان في الجثة نفسها .. يد المهندس نادر اليمنى كان مرسوم عليها دائرة .. فقط دائرة !! ربما هو قد رسمها بنفسه ، لا أحد يمكنه أن يجزم..
أما الشيء الثاني كان في مسرح الجريمة ، و بالتحديد على المكتب الذي كان يجلس المهندس نادر أمامه قبل أن يقتل.. كانت ورقة كتب فيها “لا تبحثوا في الغرفة عن أي شيء ” كان من الواضح أن هذا هو خط المهندس نادر .

و بعيداً عن مسرح الجريمة نأتي إلى المهندس نادر نفسه.. هناك شيء آخر عنه يستحق الذكر ، المهندس نادر كان لديه حالة غريبة و نادرة من البارانويا أو الفوبيا -أيا كان إسمها- الآن يوجد الكثير من الأشخاص لديهم فوبيا من أشياء محددة ، لكن الأمر مع المهندس نادر كان مختلفاً قليلاً.. و ربما كثيراً في الواقع ، فوبيته أو خوفه كان من البشر تحديداً ..

كان هذا أغرب من أن يكون حقيقياً ، المهندس نادر كانت تنتابه في بعض الأحيان نوبات من هذه الفوبيا العجيبة ، و لأنه يجب أن يختفي عن الناس في أوقات مثل هذه اشترى شقة أخرى يذهب إليها و يحتمى فيها لحين شعوره بتحسن ..
زوجته كانت تقول أنه صار يتردد على الشقة كثيراً في آخر أيامه ، و هذا بدوره له معنى واضح ، لابد من أن النوبات كانت تداهمه بكثرة ، بالطبع يوجد ما يسمى الرهاب الاجتماعي و لكننا نتحدث هنا عن رجل حينما يصل لهذه الحالة يمكنه أن يضرب الأشخاص الذين أمامه فقط كي لايراهم أمامه ، بمعنى آخر لا يطيق أن يرى وجه إنسان أمامه ..

أول ما لاحظه المحققان بفضل خبرتهما هو أنه كان يمكن للقاتل أن يقتله في الشقة الأخرى ، بما أنه يكون وحده دائماً هناك ، لكن القاتل فضل أن يقتله وسط منزله و عائلته و أيضاً لم يسرق أي شيء من الغرفة أو من المنزل ، هذا عزز نظريتهما حول أن القاتل هو شخص يكرهه حقاً ، و بالطبع كل أصابع الإتهام كانت تشير نحو الزوجة.. إنها دوماً الزوجة بالنسبة للمحققين.. لو شاهدوه بأعينهم يقتل نفسه فلسوف يقول أحدهم في ذكاء و هو يتحسس شاربه” لابد من أنها الزوجة التي أجبرته على فعل كل هذا”.. لكن و الحق يقال هنا إذا كان هناك شخص سيستفيد حقاً من قتله فلابد من أنها زوجته ، إنه الميراث و ما إلى ذلك..
لم يكونا متأكدين من شكوكهما في الزوجة و لو أنهما لطالما سعيا لتأكيد أي شكوك لهما ، و لذلك فقد تأكدا من أنهما سيذهبان للشقة الأخرى كي يعرفا المزيد .

و لم تمر سوى ساعة حتى كانا يقفان هناك على باب الشقة .. شقة طبيعية تماماً عدا أنها أشبه بشقة ثور – هذا بالطبع لو كان لدى الثيران شقق – كان من الوضح أن زوجته لا تأتي إلى هنا أبداً.. مكان غير مرتب على الإطلاق ، في الواقع هذا هو المتوقع من شقة رجل لا توجد بها امرأة..

قال فتحي حينما رأى الشقة :
– للنساء بعض الفوائد أحيانا .
و أكملا البحث.. توقعا أن يجدا بعضاً من الجماجم هنا أو هناك وسط هذه الفوضى ، و ربما بعض الدماء على الحائط ، فقط أي شيء مثير .. و لكنهما لم يجدا ما كانا يأملان إيجاده ، و قد خيب هذا ظنهما قليلاً..
لكنه و بالرغم من هذا كله كانت توجد غرفة واحدة مثيرة للشبهات ، غرفة على بابها ورقة مكتوب عليها “الغرفة” معلومة رائعة!!! ..

لم يحتاجا لكثيرٍ من التفكير كي يدركا أن هذه الغرفة هي نفسها التي يتحدث عنها المهندس نادر في ورقته .. “في الغرفة ستجد كل شيء” قالها فتحي و عيناه تلمعان بنظرة المحققين الشهيرة ، لكن الغرفة كانت طبيعية هي الأخرى ، سرير في ركن الغرفة هنا و مكتب خشبي هناك و مكتبة كبيرة تحتوي الكثير من الكتب التي تجدها دائماً في مثل هذا النوع من المكتبات ، لاشيء مريب هنا ، و حتى المكتب لا شيء عليه..
كان عليهما الوصول إلى شيء ما ، لذا أخرج فتحي الورقة من جيبه و هو يتمتم ببعض الكلمات ، ثم بدأ في القراءة في آخر سطر تركه و لم يقرأه ” إفتح على أي صفحة من أي كتاب و اقرأ أول سطر من الصفحة التي على اليمين.. و أنا أعدك أنك سترى دليلاً عليه مهما كان ما قرأته.. أعدك .. و هذا وعد مني أنا .. العظيم ”
أعاد فتحي الورقة إلى جيبه و هو ينظر نحو المكتبة بريبة..

قال بسام:
– حسنا لاشيء هنا لنذهب .. أنت تعرف أن وقتنا أثمن من هذا .
فرد عليه فتحي بهدوء و هو يحث الخطى نحو المكتبة :
– نعم نعم أعرف.. و أعرف أيضاً أن هذه هنا هي المصدر الوحيد للكتب .
قالها ثم مد يده نحو كتاب اختاره عشوائياً من المكتبة ، و فتح الكتاب على صفحة عشوائية كذلك و نظر فيها بهدوء.. أغلقه فجأة و هو يقول بسخرية :
– من السخيف الذي يكتب عن طرق موت الأسماك ؟! لا أحد يهتم إذا كانت السمكة ستطفو على جانبها الأيسر أم لا بعد موتها .
أتاه صوت باسم من ركن الغرفة البعيد :
– هممم .. يجب أن نأتي إلى هنا غداً مجدداً و بأسرع وقت.. لربما وجدت شيئاً مهماً.. هيا بنا يا رجل لقد تأخرنا .

و خرجا من البيت و هما يخططان لزيارة البيت في اليوم التالي …

لكن و قبل أن ننتهي من يومنا هذا ، و قبل أن ندخل في اليوم التالي ، علينا أن نذكر بعض الأشياء المهمة التي حدثت هنا .. في ذلك اليوم ..
حينما ذهب فتحي لبيته كان يوجد هناك شيئاً لم ينتبه له ، حين دخل للمنزل لم ينتبه لحوض الأسماك على يمينه ، لم ينتبه للسمك الذي يطفو على وجه المياه ، و قد كان واضحاً أن السمك قد مات .. لا يحتاج الشخص إلى ذكاء فوق العادة كي يدرك أن هذا السمك قد مات ، ولا لقدرة نظر خارقة كي ينتبه إلى أن السمك كله ميت على جانبه الأيسر !!

فتحي يومها لم يكن يفكر كثيراً ، هو فقط نام من فرط الإرهاق ، و قد كان هذا من حقه ، لكنه استيقظ في اليوم التالي على خبر غريب و مفاجئ .. “بسام مات !!!”..

هذا هو ما قاله له المتحدث في الهاتف بصوت حزين ، كان قد قرأ مرة في كتاب ما أن تصرف الشخص بعد تعرضه لصدمة كبيرة يكون أقرب لتصرفه الطبيعي قبل تلقيه الصدمة ، و هو الآن سيختبر صحة هذا الكلام فعلياً ، بالطبع لم يعرف ماذا يفعل ، أرتدى ما طالته يده و خرج مسرعاً نحو بيت بسام ، و للمرة الثانية لم ينتبه للسمك الميت .. كل ما كان يشغل باله هو أن بسام كان معه البارحة كيف لهذا أن يحدث ؟!!

و عندما وصل لمنزل بسام بدأت الأخبار تتوالى عليه ، مما لا شك فيه أن بسام مات مقتولاً ، هناك من أطلق عليه النار و هو نائم ، و وجدوا على كفه دائرة صغيرة.. دائرة كانت مألوفة لفتحي الذي عرف فوراً أن هذه الدائرة تعني أن موت بسام له علاقة بالقضية بالتأكيد..
لكنه لم يكن لديه وقت سوى للحزن على موت صديقه ، ليس من السهل أن يموت زميلك الذي كنت تتكلم معه قبل موته بساعات قليلة ، و لم يكن فتحي يتصور يوما أنه سوف يفتقد بسام بهذا الشكل.. و هكذا مرت الساعات ثقيلة في هذا اليوم .. و خصوصاً وقت الدفن .. في النهاية هو بشر و لديه مشاعر ..

المشكلة الحقيقية كانت في هوية القاتل ، بسام لم يكن لديه أعداء ، مر اليوم ببطئ شديد ، مراسم الدفن من هنا و تهدئة زوجته من هناك إلخ… لكن اليوم انتهى أخيراً .. كان لابد له من أن ينتهي ..

حين ذهب فتحي لبيته أخيراً رمى بنفسه على السرير رمياً ، ثم بدأ كعادته يصفي ذهنه في محاولةٍ لاسترجاع ما حدث في اليوم السابق لموت بسام و هو مغمض العينين.. و ما توصل إليه أو استنتجه كان أنه لابد له من زيارة أخرى لتلك الغرفة.. و توصل أيضاً إلى أن هناك رائحة كريهة في المنزل ، رائحة السمك الميت التي فرضت نفسها على جميع الروائح الأخرى ، و بعد البحث عن المصدر وجد نفسه واقفاً أمام الحوض يحدق للسمك الميت في ذهول ، بالطبع لم يكن مذهولا بسبب الرائحة ، بل بسبب السمك الميت و الطافي على جانبه الأيسر .. كان هذا هو ما قرأه و سخر منه ..

في هذه اللحظة كانت الأفكار تتدفق في عقله كقطيع هائج من الأفيال ، فلم يعرف بأي فكرة يهتم و أي شيء يصدق ، لكنه كان يعرف شيئاً واحداً .. لقد وفى العظيم هذا بوعده .. و بعيداً عن كيفية قيامه بكل هذا ، بداية من تخمينه للكتاب الذي سيختاره و الذي لابد من أنه ليس تخميناً بالتأكيد و مروراً بكيفية معرفته بما قرأ و انتهاءً بجعل السمك في مثل هذه الحالة ، كان عقل فتحي المشتت يعمل كالآلة ، فما يحدث حالياً لي وليد الصدفة ، و في عقله كان السؤال يتكرر .. سؤال ربما قد يبدو مضحكاً في ظروف أخرى ، و لكنه هنا كان منطقياً تماماً .. هل قاتل باسم هو نفسه قاتل السمك؟!! ..
و لأن فتحي الأحمق كان لا يزال مشغولاً بما يدور في عقله أمام الحوض ، لم ينتبه لذلك الخيال الذي يتحرك خلفه بهدوء ، و لأن جميع الحمقى أمثاله الذين يرتكبون نفس الأخطاء عليهم أن يدفعوا الثمن .. هو أيضا كان عليه أن يدفع الثمن ..

لكن ذلك الظل لم يكن يتحرك نحوه ، كان يتحرك نحو الشرفة.. شرفة منزل فتحي ، و فتحي الأحمق كان لا يزال واقفاً أمام حوض الأسماك يتأمله في انبهار كطفل صغير ، كان يفكر في طريقة تمكنه من دخول شقة القتيل الثانية في مثل هذا الوقت ، لكنه لم يجد طريقةً سوى اقتحامها..

لذا استسلم لهواجسه ، و حاول النوم شاعراً بالغضب على صديقه ، لكنه لم يغمض له جفن طوال الليل.. لقد ظل مستيقظاً ، لربما يكون في خطر هو الآخر ، سوف يذهب للغرفة مجدداً ، و هذه المرة سوف يحرق المكتبة و الورقة معا..
الورقة!!! .. أين ذهبت ؟!! ظل يبحث عن الورقة في كل مكان في شقته و كما توقع ، لم يجدها..
و كأنها اختفت من على سطح الأرض ، شيئاً ما في داخله كان يخبره بأنها هناك في الغرفة ، لكنه كان متأكداً من أنه قد وضعها في جيبه قبل أن يخرج من هناك ، لكن رغم هذا لم يصمت هذا الشيء بداخله و لو للحظة..

بعدها بساعات من الشرود و عدم القدرة على النوم بدأ يتنبه إلى الوقت و إلى الشمس التي كانت قد أشرقت منذ مدة لا بأس بها ، ارتدى ما يليق برجل مثله ثم خرج من المنزل متجهاً إلى زوجة المهندس نادر ، يجب عليها أن تعطيه المفتاح مجدداً كي يرى ما شأن هذه الشقة الملعونة..

لم يطل الأمر .. بدا أنها كانت تريد أن تنتهي من كل هذا بأسرع وقت ، لذا أخذ المفتاح ثم ذهب مباشرة نحو الشقة ، و الآن هو يقف في وسط الغرفة ينظر للمكتبة الكبيرة في غباء ، أخذ يبحث قليلاً حتى وجد الورقة التي كان يبحث عنها هذا الصباح ، الورقة التي جلبته إلى هنا ، الورقة التي كانت السبب في موت صديقه.. و وجدها بالفعل..

وجدها على المكتب ، انتشلها من مكانها ثم فتحها و بدأ يقرأ آخر سطر ، و كان هذا السطر هو آخر سطر تبقى له كي يكون قد قرأ الورقة بأكملها.. كُتب في السطر “و حين ترى العلامة فلتدرك أنك أنت الضحية التالية.. لذا إستعد ! “
من الواضح أن كلمة “أنت” هذه عائدة على قارئ الورقة بغض النظر عن اسمه أو شكله ، من كتب هذا الكلام كان محقاً في موضوع الكتب هذا ، لذا من غير المستبعد أن من يرى العلامة سوف يكون هو الضحية التالية.. لكن ما هي العلامة ؟؟

كل ما أراده فتحي هو معرفة علاقة هذا الأمر برمته بمقتل صديقه ، هذه القضية لم تعد مجرد قضية من أجل المال ، بل هي الآن قضية شخصية ، و ذلك السبب هو ما جعله ينزل ليكمل عمله بعد مرور يوم واحد فقط على موت صديقه ، و هذا أيضاً في حال لو كان هناك رابط بين مقتل المهندس نادر و مقتل بسام.. و بالطبع مقتل السمك !!..
الفكرة هنا هو أن طرق القتل متشابهة ، قتلاً بطلق ناري ، و من مسدس بنفس العيار ، أضف إلى الدائرة التي على كفه و التي توجد مثلها على يد المهندس نادر ، هذا و إن دل على شئ يجب أن يدل على أن القاتل هو نفسه..

ربما هو العظيم هذا… كان فتحي يتساءل عن هذا الاسم الغريب حين لاحظ أن المكتبة تقف هناك بانتظاره كي يلعب اللعبة نفسها مجدداً ، و ربما كي يفهم بعض من هذا العبث.. توجه نحو المكتبة ببطئ ، قبل أن يمد يده و يسحب كتاب ما من هناك في لقطة تصلح أن تكون نموذجاً رائعاً لظاهرة الديچافو..
قلب صفحات الكتاب ببطئ و هو مغمض العينين ، قبل أن يثبت على صفحة معينة و يفتح عينيه بادئاً قراءته الصامتة للسطر الأول..
الكتاب يتحدث عن الكوارث بشكل عام ، و في السطر المعني هنا يتحدث عن خطر الحرائق ، رفع عينيه من على الكتاب و نظر حوله في حركة تلقائية كي يتأكد من أنه لا تتم مراقبته من قبل شخص ما ، ثم أغلق الكتاب و خرج من الغرفة و هو لا يزال ممسكا به ، الآن لن يتمكن العظيم من معرفة ما قرأه.. أو على الأقل هذا هو ماظنه فتحي ، و خرج من الشقة مبتسماً بذكاء .. شاعراً أنه قد هزم العظيم صاحب الوعود الغريبة هذا !

بعدها بساعة كان جالساً على مكتبه يعبث في الأوراق المترامية هنا و هناك في حزن ، كان كمن ينتظر حدوث شيء ما.. سيطر عليه الملل و قرر أن يقرأ الكتاب كي ينفض عنه غبار الملل ذاك ، و مع أول صفحة فتحها رن جرس هاتفه بصوت بدا لفتحي أنه أعلى من صوت الهاتف الطبيعي..

الهاتف نفسه كان يرن بإصرار عجيب ، و المتصل هو جاره المتذمر ، كان غاضباً و مصراً على رفع صوته بطريقة يصعب معها فهم ما يريده حقا ، كان يتحدث عن مراعاة الجيران و عن انعدام الضمير هذه الأيام ، و عن مدى وقاحة فتحي ، و عن أنه كيف سولت له نفسه بأن يجعل كل هذا الدخان يخرج من تحت باب شقته ، و عن ضيقه من ذلك الدخان الذي أذاه هو و زوجته و أولاده ، لكن الأحمق لم يكن يعرف أن “الشقة تحترق!!!”..

هذا هو ما قاله فتحي قبل أن ينتفض و ينتشل نفسه من على الكرسي الذي كان يجلس عليه رامياً الهاتف بعيداً ، و تاركاً جاره يزبد و يكمل بغضب عن إحترام الكبير ، و عن أنه كيف سولت له نفسه برمي الهاتف و تركه هكذا بدون أن يرد عليه!!!..

ما حدث بعد ذلك يسهل توقعه ، رجال الإطفاء و تجمع الناس و الجيران تحت البناية ، دعونا لا ننسى دهشة فتحي بالطبع.. و مع نهاية اليوم كان فتحي يقف بداخل شقته التي لم تعد شقته بعد الآن.. بعد أن شوهتها النيران و تركت آثارها السوداء في كل بقعة من بقاعها ، لم تترك له شيئاً .. أكلت كل شيء ، حتى الحمّام لم يسلم منها .

لقد بذل رجال الإطفاء جهداً مهولاً في السيطرة على النيران ، كانوا يقولون بعد أن انتهى الأمر أن النار كانت تأبى الانطفاء ، و كلما كانوا ينتهون من جزء يبرز لهم جزءٌ جديد يحترق..
قالوا أيضا أن هذا الحريق كان أغرب حريق رأوه في حياتهم ، و لم يكن فتحي ليشكك في هذا الأمر ، إن هذا الحريق لهو أكبر دليل على أن الأمر ليس طبيعياً ، فتحي لم يكن يعرف إلا شيئاً واحداً فقط .. و هذا الشيء هو أنه سيبيت ليلته هذه في المكتب ، آملا ألا يندلع حريق آخر هناك ..

لكنه لم ينم في تلك الليلة ، كانت ليلة كئيبة بحق ، ظل الليل كله جالساً على كرسيه هو و أفكاره السوداء ، و ينظر بخوف للكتاب الموضوع على المكتب ، بدا له أن الكتاب يضحك عليه ساخراً مما حدث..
الفكرة لم تكن في الحريق نفسه بل في كيفية معرفة من أحرق الشقة بما قرأه فتحي بالذات ، فأي لص يحترم نفسه يمكنه إحراق أي شقة يريدها ، و هذا بالطبع لو كان هو سيستفيد من هذا.. و هذا بدوره شيء غريب ، لأنه لا يوجد مستفيد من هذا كله ، من الذي سيستفيد من تحقيق كلام سخيف مكتوب في صفحة ما في كتاب ما ؟! من الذي سيتعب نفسه من أجل كل هذا ؟!

و كلما تعمق فتحي في التفكير كلما زاد إيماناً بنظرية أن كل ما يحدث هو من الماورائيات ، نظرية لا بأس بها أبداً نظراً لكل ما حدث حتى الآن ، فتحي كان يريد أن يستجمع كل ماحدث مجدداً ، لذا بدأ يدون كل ماحدث منذ البداية و حتى النهاية في دفتر صغير ، و ترك هذا الدفتر على المكتب كي يكمل كتابته لاحقاً ..

في صباح اليوم التالي أول ما فعله فتحي كان الذهاب إلى الغرفة مجدداً – لم يكن قد أعطى المفتاح لصاحبته بعد – لذا ذهب مباشرة إلى هناك ، و دخل الغرفة متجاهلاً كل قوانين اللباقة ، ثم وقف أمام المكتبة و هو يفكر في طريقة تمكن شخصاً عادياً مثله من معرفة ما قرأه بسام ، نزع نفسه من أفكاره ، و توجه نحوها بخطىً ثابتة ، ثم بدأ يفحصها باهتمام معتقداً بأنه سيجد شيئاً سيساعده ، لكنه لم يجد أي شيء مثير للريبة !

لم يغامر و يسحب كتاباً من هناك ، من يعرف على ماذا سيفتح الصفحة هذه المرة ، لعله سيجد من يتحدث عن التنانين أو ما شابه ، قرر أنه سيغادر الغرفة حتى يقرر ما سيفعله بعد ذلك .
بعدها بنصف ساعة كان يجلس على كرسيه في بيته الجديد-المكتب- يفكر.. كانت الأفكار تتدفق في عقله البدائي الصغير.. تتدفق بطريقة جعلته يغمض عينيه.. أفكار كثيرة متناثرة هنا و هناك.. تنتظره لكي يجمعها و يخرج بشيءٍ مفيد منها ،
الكتب.. الصفحات.. العظيم.. العلامات.. الكتب.. العلامات.. العظيم.. السمك.. الحريق .

فجأة فتح عينيه عن آخرهما ، ثم انتفض من مكانه و أخذ يهرول للخارج ، لقد عرف كيف يمكن لأي شخص طبيعي معرفة ما عرفه العظيم..
بعد خمس دقائق كان يقف أمام المكتبة على بعد خطوات منها ، و مع كل خطوة يأخذها نحو المكتبة كان عقله يراجع جزء مما اكتشفه منذ خمس دقائق ، إن الكتب في تلك المكتبة ليست كتباً طبيعية.. كيف؟

كل كتاب من الكتب يحتوي صفحتين فقط ، صفحتين دائمتي التكرر.. كل الصفحات متكررة ، كتاب بمائة صفحة كل صفحتين متقابلتين بهما نفس الكتابة التي توجد في جميع الصفحات المتقابلة الأخرى ، و هذا يضمن للعظيم أنه مهما فعل الشخص فإنه سوف يقرأ نفس السطر الذي يعرفه العظيم و هذا سيسهل عليه تنفيذ علامته..

لكن فتحي قرأ أكثر من كتاب و لم يجد أي تشابه ! هذا لأن ليست كل الكتب لديها نفس الصفحات المتكررة ، كل كتاب يحتوي صفحة متكررة خاصة به ، و بالطبع يجب أن تكون متماشية مع العنوان..
و كيف عرف العظيم أي كتاب قد اختاره فتحي.. كاميرا صغيرة مخبأة بإتقان في مكان ما تمكنه من معرفة عنوان الكتاب و شكله ، و بالتالي معرفة الصفحات و بالتالي معرفة ما قرأه فتحي بالضبط..

يبقى الأن معرفة شخصية العظيم كي تنتهي هذه القضية..

أخذ فتحي الخطوة الأخيرة نحو المكتبة و مد يده ساحباً كتاباً من هناك شاعراً بنشوة النصر ، ثم فتحه و أخذ يقرأ في صفحاته.. و مع كل صفحة كان تمر من أمامه كانت عيناه تزداد اتساعاً .. لأنه مع كل صفحة كانت تمر من أمامه كان يجد أن الكتابة طبيعية تماماً ، ليست هناك صفحات مكررة ، و لا حتى كلمات مكررة ، و لا جمل ولا أي شىء !!
مجرد كتاب طبيعي.. جن جنون فتحي و بدأ يسحب الكتب واحداً تلو الآخر من المكتبة ليتفحصها ، ثم يرميها على الأرض بعصبية بعد أن يتأكد من أنها كتب طبيعية ، أي لعبة لعينة تقام هنا بالضبط ؟! أي مخلوق ملعون هو العظيم ؟؟

و مع مرور دقيقتين كانت هناك فجوة فارغة في المكتبة ، و الكتب التي كانت تملأ هذه الفجوة متناثرة على الأرض بجانب فتحي الذي كان يجلس بجانبها و هو يلهث ، غير مدرك بأن لحظته قد اقتربت..
وقف مجدداً و بدأ يبحث مجدداً في كل مكان في الغرفة عن أي كاميرا أو أي شيء ، لم يجد الكاميرا بالطبع ، و لكن وجد ماهو أكثر إثارة للإهتمام .. وجد في ركن الغرفة على الأرض علامة دائرة صغيرة و بداخلها توجد رسمة صغيرة تبدو كحرف أكثر منها لرسمة ، ربما باللغة اللاتينية أو شيء من هذا القبيل ، لم تزد هذه العلامة فتحي إلا حيرة فوق حيرته ..
* و حينما ترى العلامة فلتدرك أنك الضحية التالية.. لذا إستعد*

فتحي بالطبع لم يكن بذكائه المحدود ليربط بين هذه العلامة و بين ما قرأه من تحذيرات ، و لو كان قد فعل ما حذر منه المهندس نادر منذ البداية لم يكن ليكون قد دخل و لم يكن ليكون جالساً بجانب العلامة يحاول فحصها كالأحمق ، و لو كان متنبها حقاً ما كان قد أتى إلى هنا كي يتأكد من موضوع الصفحات المتشابهة ، هذا لأنه كان يمتلك كتاباً من المكتبة في مكتبه بالفعل ، كان يكفيه فقط فتح الكتاب كي يعرف أن نظريته خاطئة..

باختصار.. كان أحمقا.. مثله مثل المهندس نادر و مثل بسام.. و الحمقى لا يوجد لهم مكان في هذا العالم كما قلنا من قبل ، ماحدث في هذه الليلة لم يعلم أو لنقل لم يتوقع تفاصيلها إلا شخصاً واحداً فقط..
البداية كانت مع فتحي الذي كان يفحص العلامة بيده لكنه توقف فجأة عما كان يفعله ، كان عقله قد بدأ يعمل للمرة الأولى منذ فترة طويلة ، القاتل ليس بشراً و لم يكن من البشر يوماً .. ماهو إذا ؟ إنه حارس العلامة.. تلك العلامة المرسومة على الأرض ، العلامة التي حذر منها كاتب الورقة الأولى ، الذي هو بالطبع حارس العلامة..

العلامة نفسها غامضة.. لا يهم من أين أتت و من رسمها و من هو الحارس ، المهم هو ألا يراها بشر ، لأنهم لو رأوها و جلسوا في الغرفة لتمكنوا من رؤية الشياطين و لتمكنوا من رؤية الموتى إلخ…. لتمكنوا من الحصول على المعرفة التي ستمكنهم من فعل المستحيلات ، و لأن البشر لا يجب عليهم الحصول على هذه المعرفة ، فيجب أن يتم القضاء على من يحصل على هذه المعرفة ، تلك هي مهمة الحارس الذي لا نعرف كنهه ولا شكله حتى.. الحارس الذي هو ليس إلا العظيم نفسه..
و ما استفاده الحارس حينما كان يحقق ما يقرأه فتحي في الكتب هو المتعة بالطبع ، الحارس الملول الذي قرر التلاعب قليلا بالمهندس نادر عن طريق وضع تلك الورقة التي كتبها هو بنفسه في خزنته ، تلك الورقة التي أدت لكل هذا ، الرجل إندهش بالطبع ، لأنه لا يضع في خزنته إلا أوراقاً للعمل ، و قرر قراءتها ، و حينها انتهى به الأمر برؤية العلامة و بالتالي…..

الحارس الملول كان يقتل بأكثر الطرق تقليدية بين البشر ، طلقة في منتصف الرأس و ينتهي كل شيء ، لم يستخدم أكثر من هذا ، لم يستخدم قوته التي مكنته من معرفة ما قرأه فتحي..
بسام هو الآخر قد رأى العلامة.. الأمر فقط أن فتحي لم ينتبه له و أن بسام لم يقل أي شيء لفتحي.

كانت هذه هي الحقيقة الكاملة ، و فتحي الذي لم يكتشف إلا نصفها في لحظة معينة تمكن من ملاحظة شيئا غريبا على كف يده .. دائرة صغيرة مرسومة برعونة ، هو قد رآها من قبل.. نعم…. و لثواني وقف بوجه ممتقع يفكر ، كيف و متى و أين ؟!! أسئلة بديهية و طبيعية ، لم يكن يعرف أن تلك الدائرة تدل على أنه يعرف أكثر مما ينبغي ، تدل على أنه قد رأى العلامة التي على الحائط و قد توغل أكثر من اللازم ، تدل على حضور الحارس أو العظيم كي ينفذ مهمته ، و بينما هو يجلس هناك يفكر في مدى توغله في هذه القضية سمع صوت الكليك المميز للمسدس ، و بعدها لم يسمع شيئاً آخر.. لأن الطلقة كانت قد صنعت ثقبا لا بأس به في جمجمته بالفعل ، الحارس قرر إنهاء مهمته مبكراً هذه المرة ، على عكس ما فعله مع المهندس نادر و مع بسام.

*******

تلك الليلة كانت من أسوأ الليالي على رئيس الشرطة.. كان هائجاً كالثور يعربد في المكان كله و هو يصرخ :
– كيف يموت ثلاثة من أهم الرجال في المدينة كلها في أقل من خمسة أيام ؟! يقتلون و بنفس الطريقة ، أريد القاتل تحت حبل المشنقة فوراً ..
هنا يحاول أحد رجاله تهدئته :
– لكن يا سيدي كيف.. أعني.. هما كانا أشهر اثنين..
هاج الحاكم مرة أخرى و صرخ :
– بالضبط!!! أشهر اثنين.. بالإضافة للمهندس الغني هو الآخر.. الشخص الذي ينهي حياة ثلاثة مثل هؤلاء لا يجب أن يكون طليقاً .
– سنحاول بكل جهدنا يا سيدي .
– لا لا.. أنا لا أريدكم أن تحاولوا.. أنا أريدكم أن تحضروا لي القبعة السوداء .

*******

و بالفعل بعد يومٍ واحدٍ فقط كان القبعة السوداء يجلس أمام الحاكم يستمع له باهتمام..
لا أحد يعرف بالضبط من أين جاء القبعة السوداء ، ولا أين يذهب ، كل ما كانوا يعرفونه آنذاك هو أن ذلك الرجل هو شيطان طيب متنكر في هيئة بشري..
وُكلت إليه خمسين قضية قتل تمكن منها جميعها ، الرجل لم يكن يقبل إلا قضايا القتل ، ربما لسبب معين في نفسه ، و ربما لأنه لا يريد أن يضع عقله في قضايا أقل أهمية من القتل ، لكن القاعدة باقية ، قتل فقط..

في ذلك اليوم تمكن القبعة السوداء من فعل الشيء الصحيح ، لأنه لم يكن أحمقاً مثل الآخرين ، كان ينصت و يصدق و يفعل ، تمكن من الهرب من العظيم نفسه ، بل و ربما تمكن القضاء عليه أيضاً ..
لا أحد يعرف يقيناً و لكنه منذ ذلك اليوم لم يتم ارتكاب جرائم على طريقة العظيم المميزة..

حينما باشر القبعة السوداء في التحقيق كان لديه ثلاثة اوراق ، الورقة الأولى كانت تلك الورقة التي كتبها الحارس أو العظيم بنفسه ، التي قرأها كلا من فتحي و بسام و المهندس نادر ، تلك الورقة التي كانت السبب في كل شيء منذ البداية..
الورقة الثانية كانت هي التحذير الذي كتبه المهندس نادر بيده ، أما الورقة الثالثة فكانت هي الورقة التي تركها فتحي في مكتبه ظاناً أنه سيرجع ليكمل كتابتها..
و هكذا أصبح للقبعة السوداء نظرة لا بأس بها عن القضية ، و هذا بدوره قاده إلى معرفة مايجب فعله هنا..

كان يقف أمام المكتبة ناظراً لها بسخرية قبل أن يرمي عود الثقاب من يده عليها ، كان المشهد رهيباً ، الجاز الذي نثره على الكتب مفعوله ممتاز حقاً ، بعدها خرج من الغرفة و أغلق الباب خلفه ، و خرج من الشقة و هو على ثقة بأن كل هذا قد انتهى..
ما كان يميز القبعة السوداء عن الآخرين فعلا هو أنه كان ينظر للنتائج ، كان ينظر للورقة التي حذر فيها المهندس نادر الكل من البحث عن أي شيء في الغرفة ، و يرى أنه قد مات بسبب أنه بالطبع قد بحث هناك في الغرفة ، و رأى العلامة و بالتالي صار الضحية ، لابد من أنه حينما رأى العلامة فهم كل شيء .. و حينما فهم كل شيء كتب هذا التحذير ، و من الممكن أنه قد ترجى الحارس قليلاً كي يكتب هذا التحذير !

و كان ينظر لما كتبه فتحي عن الأشياء الغريبة التي حدثت له و يتأكد من أن ما يحدث ليس من فعل بشر ، و ينظر للورقة التي كتبها حارس العلامة و يعرف أن هؤلاء الثلاثة قد تمكنوا من رؤية العلامة و صاروا ضحايا بالفعل ، كان ينظر لهذا كله و يقرر تصديق المهندس نادر و تصديق الحارس ، صار يعرف أن من فعل هذا بهم هو ليس بشراً هلى الإطلاق .. يعرف أن هذا كله من الماورائيات ، يعرف أن الحل الوحيد هو فعل ما قاله المهندس نادر منذ البداية ، بالإضافة إلى بعض التوابل التي أضافها من عنده كي يحل القضية ، التوابل بالطبع لم تكن إلا إشعال النار في الغرفة كلها ، و هكذا خرج القبعة السوداء منتصراً بأقل مجهود.. هذا هو ما جعله على ما هو عليه من تميز و شهرة ..

بالطبع كان موضوع الغرفة التي احترقت بفعل مجهول مادة أكثر من دسمة بالنسبة للصحف ، منهم من كتب عن علاقة الغرفة بجرائم القتل الثلاثة ، و هذا لأن واحداً منهم كان يملكها ، و الآخر قد قتل هناك ..
و منهم من كتب عن الشخص الذي أراد أن يخفي جرائمه فأحرق الغرفة كلها ، و منهم من كتب عن المؤامرة و عن أن حاكم المدينة يعرف من أحرق الغرقة ، و يعرف من قتل الثلاثة ، و قد كانوا نصف محقين فعلاً… لأن الحاكم هو من سمح للقبعة السوداء بفعل هذا و هو من أخلى له الطريق..
بالطبع لم يقتنع الحاكم بنظريته ، لكنه رأى قدرات القبعة السوداء بالفعل ، و قرر أنه سيمشي وراءه آملاً ألا تعود جرائم القتل للظهور مرة أخرى ، و قد تحقق ما تمناه بالفعل .

تاريخ النشر : 2016-08-02

البراء

مصر - للتواصل: [email protected] \\ مدونة الكاتب https://baraashafee.blogspot.com/
guest
51 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى