أدب الرعب والعام

بغلة المقبرة

بقلم : أحمد محمود شرقاوي – مصر
للتواصل : [email protected]

كان جسداً ضخماً لامرأة ، كانت قدميها مقيدة بأصفاد تجعلها تتحرك ببطء شديد
كان جسداً ضخماً لامرأة ، كانت قدميها مقيدة بأصفاد تجعلها تتحرك ببطء شديد

 
ما أجمل الليلة !.
فحينما يأتي الليل ويختفي البشر أظهر أنا.
لست خفاشاً ولست بعفريت.

أنا منكم ، أو تكويني يقول أنني من البشر، ولكني لا أنتمي إلى حياتكم أبداً ، دائماً ما أراني اختلف عنكم كثيراً ، أختلف في كل شيء وأي شيء ، لا أحب البشر، ولم أحبهم يوماً ، حتى أقرب الناس لي ، كنت اقضي أيام الطفولة كلها مع الحيوانات ، خاصةً القطط والكلاب ، لم أكوّن صداقات ولم أتحدث ، بقيت صامتاً لا أتكلم لمدة عشرة أعوام ، ذهبوا بي إلى كل الأطباء ولكن لا جديد ، حتى يئس مني والديّ وظنوا أنني سأبقى صامتاً للأبد ، العجيب أنني كنت أعي ما يحدث ، وكنت أعرف أنني قادراً على الحديث ، ولكني لم أكن أتحدث إلا للحيوانات فقط.
 
و وصلت للعشرين من العمر و رأيت ميول كل الأصدقاء تذهب ناحية الفتيات ، أما أنا فقد كرهت كل فتيات الأرض ، فقط لأنهن ينتمين لجنس البشر ، أكره كل ما هو بشري ، حتى الأطفال والعجائز. و قد كان الشيء الذي غيّر كل موازين الحياة عندي ، الشيء الذي جعلني أتقبل البشر بقبحهم ومساوئهم ، إنها المخدرات.

كانت مجرد صدفة قادتني إلى هذا العالم الممتع ، العالم الذي يجعلك تحيا وحدك بعيداً عن تفاهة البشر، حيث عالم الخيال ، الخيال لك وحدك ، لا قيود ، لا أغلال ، فقط تخيل ما تريد وستجده يحدث أمام عينيك.

حتى أنني أحببت فتاة في خيالي لمدة عامين وكنت أنوي الزواج بها.
 
ها أنا أنتظر صديقي الذي سيجلب لنا المخدرات الليلة ، لم أحبه يوماً ولكني تقبلته في عالمي لأنه وسيلة الحصول على المخدرات ، وسمعت رنين الهاتف ، كان هذا خالد ، و هذا يعني أنه ينتظرني أسفل البناية ، خرجت من الشقة وسط نظرات أمي الغاضبة ، ولكنها لم تكن تقدر لتمنعني بعد ما حدث منذ أيام بيننا ، لا تهتم بما حدث.
 
نزلت من البناية فوجدت خالد يبتسم كعادته ، هذا الأخرق الذي يبتسم للجماد قبل الأحياء ، نظر لي نظرة عميقة بعدها وقال:
– مساء الجمال.
– هل أحضرت شيئاً ؟.
– حشيش فاخر، صنف لم تعرفه من قبل مخلوط ببعض الكيمياء بطريقة غريبة ستجعلك تسافر إلى الفضاء.
رغما عني ابتسمت له وأنا أتخيل كم المتعة التي سأحصل عليها ، فأنا أحصل على متعة مضاعفة من المخدرات ، المخدر يساعدني على الاسترخاء وخيالي ينطلق بي ناحية عوالم الخيال ، شيء شبيه بالإسقاط النجمي إن كنت قد سمعت عنه ، وبالطبع انطلقنا ناحية المقابر لتكون الليلة.
 
نعم ، لا تتعجب فهناك لا يؤرق مضجعنا أحد ، فرفقة الأموات أفضل من رفقة الأحياء إن كنت لا تعرف ، دقائق قليلة وكنا نقف أمام مدخل القبور.
هنا حيث عالم الظلام.
الصمت.
الموت.
الظلال.
هنا لا رائحة سوى رائحة الموت ، لا صوت إلا صوت الرياح ، لا ضوء سوى ضوء القمر.
دلفنا إلى المقابر وسرنا بين شواهد القبور حتى وصلنا إلى المقبرة الصغيرة ، هكذا كنا نسميها لأن من دُفن بها كان طفلاً صغيراً.
 
 
جلسنا بجوار المقبرة ، ونظرت له في شغف كبير، أراه ينظر لي و يبتسم ، هو يعرف ما يدور بذهني ، يتعمد هذا الأحمق التباطء في إخراج الحشيش ، ينظر لي ثم يبحث عن القداحة من جديد ، أفكر جدياً في قتله و دفنه هنا ثم الاستيلاء على المخدرات ، هذا سيكون أسرع حتماً.
 
ها هو قد أخرج الحشيش و ببراعة يُحسد عليها بدأ يجهز لفافات الحشيش ، ثم أشعل واحدة وأعطاني إياها مبتسماً كالأبله.

أخذتها منه و أنا في غاية الاستمتاع ، فأجمل لحظة هي لحظة النظر إلى الدخان الخارج من طرف السيجارة المحشوة ، أخذت نفسا من السيجارة وكتمته بداخلي ، واشتعل نوراً بداخلي ، نور أبيض نقي ، و بدأ المخدر يسري في أوصالي وعقلي من قبل ، و رأيت تلك الفتاة في خيالي.
 
كانت تقف أسفل الشلال ، شلال من المياه النقية التي لم أرى مثلها في حياتي ، ألوان قوس قزح تزين الشفق في مشهد غاية في الجمال ، لا صوت سوى صوتها وهي تغني بصوتٍ ساحر.
كانت تقول :
 
” هلم يا فارسي “.
” هلم تحت الشلال “.
” هلم حتى نترك هذا العالم “.
” هذا العالم القبيح “.
” تعالى اليّ “.
 
وكالمسحور ذهبت اليها وأمسكت يديها و رحنا نرقص تحت الشلال ، كنت أذوب عشقاً ، أموت حباً ، أقطر شغفا.ً
وشعرت بها تقبض على عنقي بقوة غريبة ، نظرت لها في دهشة وهي لا زالت تقبض على عنقي بقوة ثم راحت تهزني في عنف ، دفعتها عني بقوة و أفقت لأرى خالد يمسكني بقوة وهو يرتجف.

صحت فيه غاضباً :
– ما بك أيها الأحمق ؟ لقد أضعت مفعول الحشيش بفعلتك تلك.
و لكنه وضع يده بقوة على فمي وقال لي بهمس مضطرب :
– استمع أيها الأحمق.

و أرهفت السمع قليلاً حتى سمعت ، كان صوتاً معدنياً ، وكأن هناك سلسلة معدنية تهتز بعنف ، أو أن هناك من هو مقيداً بالأصفاد و يحاول أن يتحرر ، انتصب شعر رأسي وقتها واضطرب قلبي بشدة ، نحن في قلب الظلام و في المقابر ، فمن أين يأتي هذا الصوت ؟.
 
كان الصوت يقترب منا وتتضح معالمه أكثر، هناك احتكاك معدن ببعضه ، انكمشنا على أنفسنا ونحن نراقب تلك الحارة المقابلة ، فمن هناك يقترب الصوت ، وظهر هذا الظل الضخم ، كان ظلاً عملاقاً يظهر تحت أشعة القمر وكأنه لمستذئب سيفتك بنا بعد قليل.
 
لحظات من الفزع والذهول حتى ظهر الجسد ، كان جسداً ضخماً لامرأة ، كانت قدميها مقيدة بأصفاد تجعلها تتحرك ببطء شديد ، ولكن المرعب أن قدميها كانت تشبه أقدام البغال ، كانت تصدر صوت رنين مع تحركها يمزق القلوب من الخوف. وكتمنا أنفاسنا تماماً ، ننظر اليها ونحن في الظلام ننزوي في ركن المقبرة نراقبها وهي تقف شامخة ، تزوم كالضباع المفترسة ، تسير خطوة ثم الثانية ثم تشم الهواء وتتسع عينيها المشقوقة طولياً كأعين الثعابين ، ثم تسير خطوة جديدة وتشم الهواء، ثم نظرت قليلاً ناحيتنا فجعلتني انتفض مرتين على الأقل قبل أن تستدير وتبتعد.

وهنا تنهدت في عمق و…
صرخ خالد صرخة مكتومة حينما لسعته السيجارة في أصبعه بعد أن كادت أن تنتهي تقريباً ، ومع تلك الصرخة المكتومة التفتت لنا ، وصرخت ، صرخت كالنواحة في المآتم ، ثم ركضت ناحيتنا وصوت المعدن يكاد يصم الآذان.
 
وانتفضنا و ركضنا في عشوائية ، نصرخ ونطلب النجاة من كيان ضخم ، مخيف يركض خلفنا في إصرار، وانطلقت أعدو في أحد الحارات وأنا أصرخ والهث في فزع ، وتواريت خلف أحد الأضرحة ، لا أعرف أين أنا ، أشعر أنني تائه وسط متاهة لا تنتهي ، نظرت يمنة ويسرة ، لا شيء ، مجرد ظلام و صمت رهيب.
 
ولكن الصمت لم يطول وإذ فجأة يشق سكون الليل صرخة رهيبة ، كانت صرخة رجولية ، لا أدري لماذا تيقنت أنها صرخة خالد صديقي ، تقدمت بأقدام من الهلام ناحية الحارة التالية حتى شهقت حينما رأيتها تحمل خالد على ظهرها وتركض به ، كان مقيداً بسلاسل على ظهرها ، لا أعرف كيف ، ولكن صوت اصطدام السلاسل ببعضها يصم الآذان ، تتبعتهما في صمت وقلبي يكاد يخرج من صدري.

 و رأيتها تفتح قبراً ثم تقفز بداخله ، ومن داخل القبر ارتفعت ألف ألف صرخة ، وكأن هذا القبر هو بوابة من بوابات جهنم ، وقتها لم أفعل سوى أن ركضت كما لم أفعل من قبل حتى خرجت من المكان كله.
 
لا يهم .. أنا ندل .. أنا جبان.. قل ما شئت .. ولكن الأهم أنني نجوت ، وعلى ما يبدو أنني سوف أحاول أن أنتمي للبشر من اليوم ، فهم أفضل من الشياطين على ما يبدو..
……………………………………………
بغلة المقابر :
 
تدعى بالأمازيغية ” تاكمارت نيسمضال “، أي بغلة القبور، وهي إحدى الحكايات المتداولة بين سكان المناطق الأمازيغية.
وتقول الأسطورة أنه ما إن يُسدل الليل سِتاره حتى تخرج امرأة بجسد بغلة تصول وتجول في القرية وتختفي مع سماع أذان صلاة الفجر.
 وهي حكاية استوطنت خيال سكان عدد من المناطق حتى أن البعض أدعى سماعه صوتها بالليل ومنهم من قال أنه شاهدها.

وتضيف الأسطورة أن صوت الأغلال المحيطة بحوافر بغلة القبور معروف ويُسمع على بعد مئات الأميال ، وهي تجول بالليل بحثاً عن الرجال ، وما إن يقع أحدهم في قبضتها حتى تقوم بحمله على ظهرها وتأخذه إلى المقبرة لدفنه حياً.

و وفقاً للمتداول ، فإن بغلة القبور هي أرملة لم تحترم المدة التي فرضها الدين الإسلامي ولم تلتزم باللباس الأبيض ، الذي تلبسه الأرامل خلال عدتهن لـ 4 أشهر و10 أيام ، بالإضافة إلى وقوعها في الزنا ، فمسخها الله عقاباً على أفعالها المحرمة، حسب اعتقادهم…
 
……………………………………………..
 
أعمالي الورقية متاحة الأن..
 
رواية إن الله سيبطله ، تتحدث عن إبطال كل شهوات الجسد من خلال رحلة مميتة
و رواية حتى زرتم المقابر ، تتحدث عن زيارة القبور و حدوث كوارث بسبب هذا الأمر.
 
 
رواية إني رأيت ، تتحدث عن عالم الأحلام وأسراره.
 
……………………………..
 
سلسلة نساء مخيفات متاحة الأن..
فقط اكتب على جوجل ” تحميل رواية نساء مخيفات “
 
 

تاريخ النشر : 2020-07-23

guest
13 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى