ألغاز تاريخية

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

بقلم : منال عبد الحميد

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟
من هو يا ترى القاتل الحقيقي للأميرين ؟

ليس هناك أكثر من الأسرار التي تم دفنها تحت التراب .. والتاريخ الوسيط بالذات يبدو تربة خصبة للغاية للعجائب والغرائب والألغاز غير المحلولة .. فإن كان بقاء الملكة ” إليزابيث الأولى عذراء ، حتى نهاية حياتها، لا يزال لغزا كبيرا حتى اليوم ، فقد كان جد هذه الملكة ” هنري تيودور ” طرفا في نسج لغز آخر لا يقل عن لغز الملكة العذراء غموضا .. لكنه يختلف في أنه أكثر وحشية وشرا وتلطخا بالدماء !

” هنري تيودور ” متهم في تلك الواقعة الشهيرة ، أحد المتهمين في الحقيقة .. فهناك في تلك القضية ثلاثة متهمين .. أحدهم فقط عوقب وتلطخت سمعته ، وتحمل باللعنات ، وشوهت صورته ، وتولي أديب عملاق ، هو شكسبير ، مهمة تسوئ صورته وتصويره في أبشع شكل ممكن .. لقد قال شكسبير أن هذا المتهم ، الذي ليس ماثلا أمامنا اليوم ، قد عقد النية على أن يكون شريرا !

ليس شريرا فقط بل خائن لأخيه ، وقاتل لولديه اللذين كانا في رعايته .. ” ريتشارد الثالث ” هو المتهم الأول في قضية اختفاء ” إدوارد ” و” ريتشارد ” ابني أخيه الأكبر الملك ” إدوارد الرابع ” ، المتهم الوحيد الذي تمت إدانته .. لكن ماذا عن المتهمين الآخرين .. ” هنري تيودور ” و” دوق باكينجهام ” ؟!

أحد الثلاثة هو القاتل .. وإذا كان الولدين لم يقتلا فعلا .. فهل يكون الفتى المدعو ” بيركن واربيك ” هو وريث عرش إنجلترا الشرعي .. هل يكون هو ” ريتشارد الرابع ” الحقيقي ، ويكون ” هنري ” وسلالته مغتصبين للعرش ؟!

إنها قصة ملتبسة مليئة بالألغاز والخيوط المتشابكة .. سنحاول فك التشابك اليوم والعثور على نقطة نور تضيء لنا الطريق .. لنرى الحقيقة التي أخفيت ، وتآمر الكثيرين على تحريفها ، لقرون وقرون !

الملك الشرير لا يرعي الوصية !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

أول صفحة من مسرحية ” ريتشارد الثالث ” التي كتبها ” شكسبير ” ، وفقا لمعظم التكهنات عام 1591 ، وتم إدراجها ضمن سجلات ” ورشيبفول ” للطباعة في أكتوبر من عام 1597 ، لكن يعقد أنها نُشرت قبل ذلك التاريخ بعدة سنوات

في التاسع من إبريل من عام 1483 توفي ملك إنجلترا ” إدوارد الرابع ” ، الذي ينتمي لأسرة ( يورك بلانتاجنت الحاكمة ) ، وترك خلفه سبعة أولاد ، هم من تبقوا من العشرة أطفال الذين أنجبتهم له زوجته الملكة ” إليزابيث وودفيل ” ، منهم خمس فتيات وولدان ، أكبرهما هو الأمير ” إدوارد ” ، والذي كان بعمر الثانية عشرة في تلك السنة ، ومع ذلك ، ولكونه الولد الأكبر للملك المتوفى ، فقد تقرر أن يتم  تتويجه ملكا ، تحت الوصاية ، باسم ” إدوارد الخامس Edward v ” ..

وقد كانت هناك تطلعات لتتويج الملك الصغير عقب وفاة أبيه ليصبح ملكا خلفا لأبيه على العرش بدلا من الرضوخ لوصاية عمه الأمير ” ريتشارد دوق  جلوستر ” .

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

إدوارد الخامس ( إدوارد الغافل ) وحلم التتويج الذي لم يتم

لكن الفتى لم يكن ليهنأ بحلمه طويلا ، فثمة من يضع عينيه على العرش .. هناك طامع في الصولجان ، وهو قريب جدا من الملك الصبي ومن لحمه ودمه ، إنه عمه ” ريتشارد الثالث ” .. كان الشقيق الأصغر لـ ” إدوارد الرابع ” هو خير الإخوة لأخيه ، وخير الأعمام للأميرين اليتيمين الصغيرين ، وكان يٌتوقع منه أن يقوم بدور الوصي على العرش ، إلى حين بلوغ الملك الصغير سن الفطام السياسي وتحمل مسئولياته ، لكن فيما يبدو أن شهوة السلطة وبريق التاج قد أدارا رأس الأخ المخلص ، فأخذ يدبر ويخطط لإزاحة ابن أخيه ، والحلول محله ،  فوق عرش مملكة إنجلترا !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

رموز عسكرية وشعارات نبالة ترجع إلي عهد الحكم المفترض للملك ” إدوارد الخامس “

لكن ما السبيل لتحقيق هذا الهدف الضخم ؟!

إن إنجلترا كانت تتبع الكنيسة الكاثوليكية في تلك الفترة ، قبل الانقلاب البروتستانتي ، الذي بدأه الملك ” هنري الثامن ” ، وأكملته من بعده ابنته ” إليزابيث الأولى ” ، وكان للبابا سلطة غير منكورة على رعايا إنجلترا ، بما فيهم حكامها من أسرة ” يورك ” أنفسهم .. ووفقا لعقائد الكنيسة الكاثوليكية ، فإنه لا يحق للرجل المخطوب أن يتزوج بامرأة غير خطيبته ، ما لم يتم إنهاء الخطبة الأولى أولا ، وقد تزوج الملك ” إدوارد الرابع ” من أرملة السير ” جون جراي ” ، التي أضحت فيما بعد الملكة ” إليزابيث وودفيل ” ، وهو يخطط لخطبة أميرة فرنسية ..

فقد كان ” إدوارد ” قد تفاوض مع ملك فرنسا ” لويس الحادي عشر ” ليعقد زواجه بابنته الصغرى ” آن ” ، أو بشقيقة زوجته الأميرة ” بونا ” أوف سافوي ، وعندما عقد زواجه بـ ” إليزابيث ” ، لم يكن قد تنصل من وعده بالزواج بشكل رسمي .. تلك النقطة أتخذها الأخ ” ريتشارد ” نقطة انطلاق له للوصول إلى العرش ، عن طريق الطعن في زواج شقيقه الراحل و” إليزابيث وودفيل ” ، والحكم بعدم شرعيته ، مما ينسحب على أولادهما العشرة بأنهم أولاد زنا ، وبالتالي عدم أحقية أي منهم في الجلوس ، كوريث شرعي ، على عرش المملكة .. كان القرار جريئا ، والطريقة خسيسة إلى حد كبير ، لكن ” ريتشارد ” نجح في مسعاه .. وفي يوم 22 يونيو عرض أحد أعضاء مجلس اللوردات ، ويسمي ” رالف شا ” ، مستندا يؤكد أن الملك ” إدوارد الرابع ” قد أتفق رسميا على الزواج بالليدي ” إليانور بتلر ” قبيل زواجه بأم أبنائه ، مما يجعل في تاريخ المرحوم شبهة خطبة ، وخطبة مؤكدة ، ويصم زواجه بالبطلان ، وأولاده بعدم الشرعية !

وهكذا فقد الملك الصغير ” إدوارد الخامس ” عرشه، بعد حوالي سبعين يوما من وفاة أبيه ، وأضحى عرش المملكة شاغرا .. والبديل ؟!

العم الشاب ” ريتشارد ” الذي تُوج ملكا باسم ” ريتشارد الثالث ” ، بعد تدعيم مجلس مشترك من اللوردات والعامة لمطالبه ، في السادس والعشرين من نفس الشهر .. لينهض ملكا على حساب ذكرى أخيه الراحل ، وسمعة أولاده وزوجته ، وحقوق أبناءه المهدورة المسلوبة !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

ريتشارد الثالث المزهو برياشه وشاراته الملكية

وهكذا توج ملك جديد لإنجلترا .. أما الملك الطفل المخلوع فقد تم أخذه ، هو وشقيقه الأصغر ” ريتشارد ” ، ليقيما ، فيما يشبه الإقامة الجبرية في برج لندن !

ومن هنا بدأت قصتهما الغامضة المخيفة تأخذ منحني آخر تماما !

الأميرين في البرج

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

لوحة مرسومة للاميرين في البرج

وُضع الملك الصغير السابق ، وأخيه الأصغر ” ريتشارد ” ، من المفارقة أنه يحمل اسم عمه ! ، في برج لندن .. كطائرين صغيرين يتيمين في قبضة طائر جارح شرس .. ولكن مهلا هل الأمر سيء إلى هذا الحد ؟!

هل وضع الولدين في البرج أمر يشير إلى سوء نية عمهما نحوهما ، وتدبيره لأمره كريه ضدهما ؟!

في الحقيقة فإن جميع من ربطوا بين أمر ” ريتشارد الثالث ” بوضع ابني أخيه في برج لندن ، وبين ضغينة وتدبير سوء منه نحوهما ، قد بنوا تلك التخمينات على ما أشتهر به البرج من سمعة سيئة ، وحكايات عن حالات تعذيب وإعدامات فيه ، ولكن الحقيقة إن كل تلك الأحداث لاحقة على فترة وجود الأميرين هناك .. إن برج لندن قد أكتسب سمعته المخيفة بداية من عصر الملك ” هنري الثامن ” ، بينما لم يكن في عصر ” ريتشارد الثالث ” سوي قصر ملكي منيف .. بل كان له وضع خاص كنقطة انطلاق لمواكب التتويج الملكية ، والمفارقة الحقيقية في ذلك الدليل الأول أن الملك نفسه قد أتخذ من البرج مقرا لإقامته !

فلم يكن للبرج ساعتها أي سمعة خاصة تخالف سمعة بقية القصور الملكية الأخرى .. وهكذا نرى أن أول دليل إدانة قُدم ضد ” ريتشارد ” في تلك القضية هو دليل واهي في الأصل ، ومبني على الخلط وعدم توفر المعلومات الدقيقة !

إذن فها هما الأميران في البرج .. ولندعهما يمرحان ويلهوان ، كأي طفلين ، في ذلك المكان حتى تحين ساعتهما .. ولنهتم قليلا بمليكنا ” ريتشارد الثالث ” ، فماذا كان يفعل في عاميه القصيرين المليئين بالأحداث يا ترى ؟!

الملك المكروه : تمردات لا تنتهي

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

الصورة النمطية لريتشارد الثالث : الشيطان الغادر الشرير !

كان ” ريتشارد ” ملك لديه الكثير من الأعداء ومكروه من الكثيرين ، تلك حقيقة لا يجدر بأحد أن ينكرها .. فطريقته في الوصول إلى العرش ، وحقيقة أنه أستعمل  الغش والخديعة في إبعاد ابن أخيه ، الذي أستأمن عليه وعلى شقيقه ، واستخدامه حيلة دنيئة في الإطاحة بهما ، قد عززت من كراهية أنصار ” إدوارد الرابع ” له .. كان هناك الكثيرين يرون أن ما فعله ” ريتشارد ” أمر غير شرعي ولا مقبول ، إضافة إلى نقطة هامة جدا .. وهي أن البعض رأى نفسه أحق بالعرش ، بعد الإطاحة بالملك الصغير ، من ” ريتشارد ” الثالث !

كان للملك الجديد منافسين رئيسين ، أحدهما يعتبر من ضمن مساعديه وأتباعه هو الدوق ” باكينجهام ” .. والأخر منافس وعدو شرس صريح له هو ” هنري تيودور ” الذي سيعتلي العرش ، فيما بعد ، باسم ” هنري السابع ” !

المنافس الأول هو ” هنري ستامفورد ” النبيل الملقب بـ ( دوق باكينجهام ) ، وهو مولود في عام 1454 ( أي أنه يصغر ” ريتشارد الثالث ” بعامين ) ، وقد ورث لقب ( إيرل ستامفورد ) وهو بعمر الرابعة ، ثم منحه الملك ” إدوارد الرابع ” لقب ( دوق باكينجهام ) ، وكانا عديلين ، فقد كان ” هنري ” متزوجا من ” كاثرين وودفيل ” ، شقيقة زوجة الملك ، وهذا يعني أن الدوق كان زوج خالة الأميرين ” إدوارد وريتشارد ” .. وقد كان من رجال ” إدوارد الرابع ” المعدودين ، ويبدو أنه لم يكن راضيا عن تتويج ” ريتشارد الثالث ” ، مما حدا به إلى تدبير مؤامرة للتمرد على ” ريتشارد ” .. المذهل في الأمر أن ” باكينجهام ” كان واحدا ممن ساعدوا ” ريتشارد ” في الوصول إلى العرش !

وتلك نقطة ملتبسة سنعمل على شرحها في مرحلة لاحقة ..

متحالفا مع ” هنري تيودور ” ، ووالدته ” مارجريت بيوفورت ” ، أعلن ” باكينجهام ” العصيان ضد الملك ” ريتشارد ” في أكتوبر 1483م ، ودارت معارك بين جيوش ” ريتشارد ” والمتآمرين عليه ، انتهت بنجاح الملك في قمع التمرد ، وتم القبض على الدوق .. ثم جرى إعدامه بتهمة الخيانة في الثاني من نوفمبر من عام 1483 ( كان عمره حينئذ ثمانية وعشرون 28 عاما فقط ! ) وطار رأس ( باكينجهام ) في مدينة سالزبري !

ولكن ” ريتشارد ” لم يقُدر له أن يستريح بعد تلك المؤامرة الخطيرة .. فلا زال أشرس أعدائه وأشدهم مراسا حرا طليقا .. إنه ” هنري تيودور ” !

” تيودور ” .. المؤسس الذي لا يهدأ!

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

الملك ” هنري السابع ” مؤسس سلالة ” تيودور ” متهم رئيسي في واقعة اختفاء الأميرين

ولد ” هنري تيودر ” في الثامن والعشرين من شهر يناير عام 1457، كابن لإيرل ريتشموند ” إدموند تيودور ” والليدي ” مارجريت بيوفورت ” ، والأخيرة كانت كونتيسة لريتشموند وديربي ، وكانت شخصية محورية مهمة ، ولها أعمال خيرية ومساهمات في إنشاء مؤسسات تعليمية ، كما كانت حفيدة من جهة الأب للملك ” إدوارد الثالث ” ( 1327-1377) ، وهي الوريثة الوحيدة لإقطاعية والدها ” جون بيوفورت ” دوق ( سومرست ) ، أي أنها كانت من النسل الملكي من أسرة بلانتاجنت .. لكن هذا النسب الملكي الذي يستند عليه ” هنري ” لم يكن يعطيه أي حق في خلافة العرش ، فمن جهة فهو ليس وريث سلالي مباشر لملوك ” بلانتاجنت  ” ، وعضو في بيت ” لانكستر ” ، ومن ناحية أخري فهو ينتمي لأسرة معادية للعائلة الحاكمة ” أسرة يورك ” ، التي أنتزع مؤسسها ” إدوارد الرابع ” العرش من أسرة ” لانكستر ” ، بعد سلسلة حروب طاحنة عُرفت بحرب الوردتين ، تكللت بانتصاره في معركة ( توكسبوري ) ، عام 1471 .. ونستنتج من تلك الحلقة المتصلة أن كلا من ” هنري تيودور ” و” ريتشارد الثالث ” كان على علاقة عداء كامل .. فكلا منهما ينتمي لأسرة معادية لعائلة الآخر ، كما أن ” ريتشارد ” يجلس على العرش الذي يطمع فيه ” هنري ” ،ويتوق إلى امتلاكه .. وقد كان والد الطفلين المقيمين في البرج هو ” إدوارد الرابع ” ، وشقيق ” ريتشارد ” ، الرجل الذي أنهي حكم السلالة التي ينتمي إليها ” هنري ” !

كان طمع ” هنري ” في العرش واضحا منذ البداية ، ولكن وضعه الوراثي لم يكن يسمح له بالتقدم أمام الشعب وأمام البرلمان مطالبا بالتاج .. فما هو البديل إذن ؟!

لا خيار أمامه سوي استخدام نفس الوسيلة التي كانت ، ولا تزال ، معتمدة لانتزاع العروش والتيجان ، وهي قوة السيف والجيوش الجرارة .. بيد أن ” ريتشارد ” ليس سهلا أو ضعيفا ، كما أنه محبوب من الشعب !

نعم ، بعكس الفرية التي أشاعها أعداء ” ريتشارد الثالث ” ضده ، فقد كان هذا الرجل ، برغم وسيلته غير النظيفة لانتزاع العرش من ابن أخيه ، محبوبا لدى قطاع عريض من الشعب الإنجليزي ، خاصة في الشمال ، حيث كانت توجد ضياع ” ريتشارد ” وإقطاعياته !

وحتى وسيلته لانتزاع العرش لم تكن منافية لروح العصر النفعي المتميز بالبطش والتجبر الذي عاش فيه ، ولعل المعاصرين كانوا يرون فيما فعله ” ريتشارد ” أمرا شرعيا لا غبار عليه ، وهو متوافق مع عقائدهم ومثلهم الدينية والسياسية .

وبكلمة أخرى فإن وسيلة ” ريتشارد ” لم تكن تجيز لـ ” هنري تيودور ” ، أو لغيره ، المطالبة بالعرش بديلا عن الملك المستحوذ الحالي ..

رقعة لعب مغلقة والحل الوحيد لفتحها هو إسقاط الملك ، لكن لابد من حجة عظيمة تبرر الإطاحة بـ ” ريتشارد ” وتحفز الناس للوقوف ضده !

هل صارت أولى الخيوط واضحة ؟!

إذن لننتقل إلى الخيط الثاني !

ما الذي حدث بالضبط .. النسخة المشوهة من القصة !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

هكذا تخيلوا عملية اغتيال الأميرين .. خنقا بالوسادة

قيل أن الأحدب الشرير ( كما وصفه شكسبير ) ” ريتشارد الثالث ” أستولى على عرش ابن أخيه بالحيلة والتشكيك في طهر نسبه ، ثم قرر ، بعد توليه العرش بشهر واحد ، أن يذهب لزيارة ضياعه وأراضيه في شمال المملكة .. وأثناء غيابه أختفى الأميرين  !
ظل أمر ذلك الاختفاء  لغزا ، ولم يكن المتسبب في تلك الواقعة الغامضة محددا على نحو دقيق ، أو مصير الولدين معروف بشكل واضح .. فقط انطلقت تكهنات ربطت اختفاء الأمير ” إدوارد الخامس ” وشقيقه الأصغر ” ريتشارد شروزبري” بعمهما ” ريتشارد الثالث ” ، أو بدوق باكينجهام ” هنري ستامفورد ” ، أو بـ ” هنري تيودور ” الذي أصبح فيما بعد ” هنري السابع ” ملك إنجلترا .

واضح أنه كانت هناك شكوك متعددة في القصة منذ اشتهارها ، ولم يكن ” ريتشارد ” المتهم الوحيد في تلك الواقعة  .. ولكن في عام 1513/1518م وجه السير ” توماس مور ” Sir Thomas More   الاتهام إلى ريتشارد الثالث رسميا في كتابه ( تاريخ الملك ريتشارد الثالث )

The History of King Richard the Third

 حيث روي كيف استعان ” ريتشارد ” بأحد مساعديه وهو السير ” جيمس تيريل ” Sir James Tyrell ، الذي قام بعض مساعديه بخنق الطفلين وهما نائمين في سريرهما ، ثم قاموا بسحب الجثث عارية خارج الفراش بعد أن أحضروا السير ” جيمس ” ليراها بنفسه ، وبعدها قاموا بنقل الجثتين إلى أسفل  ، ودفنهما تحت قاعدة  سلم حجري ، نبشوه في تلك الليلة ليدفنوا الجثتين ، ووضعوهما تحت كومة من الحجارة .. ثم أعادوا ترتيب المكان وأُخفي كل شيء !

وأضاف ” مور ” معلومة هامة حيث قال أنهم يقولون أن هناك كاهن يسمي سير ” روبرت براكنبوري ” Robert Brakenbury قام بأخذ الجثتين ودفنهما في مكان مجهول ، لم يعلم به أحد حتى وفاة الكاهن وضياع المكان النهائي لجثتي الأميرين تماما !

قصة محكمة مقبولة لكن عند مناقشتها تتكشف لنا عن هراء كامل :

أولا : لماذا يأمر ” ريتشارد ” بقتل الغلامين ؟!
هل له مصلحة في قتلهما ؟!
مطلقا !

بالعكس فإن وجودهما أفضل له ، إذ أن وضعهما كأبناء زنا يجعل من المستحيل عليهما المطالبة بالعرش ، إضافة إلى صغر سنهما ، وعدم وجود داعم لهما ضد عمهما الأكثر قوة والأفضل وضعا ، بعد أن حكم رسميا بكونه ( الملك الشرعي )

ثانيا : نعود لنناقش مرة أخرى تلك النقطة الهامة : هل وضع الملك للطفلين في برج لندن دليل على سوء نيته ؟!

ذكرنا أن برج لندن في الأصل هو قصر ملكي ، وقد كانت مواكب التتويج الملكية تخرج منه .. وسمعة البرج السيئة كمكان للتعذيب والإعدام لم تشتهر إلا في عهد الملك ” هنري الثامن ” الذي حكم بعد موت ” ريتشارد الثالث ” بفترة تقرب من ربع قرن !
لم يكن برج لندن المخيف حينها ، بل مجرد قصر من القصور الملكية !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

برج لندن الشهير

ثالثا : هل ” ريتشارد ” وحده صاحب المصلحة في موت الولدين ؟ !

منطقيا فلم يكن العم صاحب مصلحة مطلقا في موت الأميرين ، بل ربما تضرر من ذلك أكثر من أي أحد ، لأن أعدائه استخدموا قتل الأميرين كسلاح دعاية وتهييج ضده .

رابعا : هل كان الأميرين يحجبان عمهما عن وراثة العرش ؟!

مطلقا فهو أكثر شرعية منهما بحكم البرلمان الإنجليزي الصادر في يونيو عام 1483.. لكنهما يحجبان آخرين عن الوصول للعرش !

هذه النقطة الأخيرة لها أهمية قصوى في موضوعنا الشائك !

هل اتهام ” ريتشارد ” بقتل الولدين ، بغض النظر عن مدى صحته من عدمها ، يصب في مصلحة شخص آخر ؟!
ولكن من هما قضاة ” ريتشارد ” ودائنيه والشهود عليه في تلك القضية الملغزة الوحشية ؟!

الشاهد الأول ” توماس مور “: هل هو شاهد عدل ؟!

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

” توماس مور ” .. أول من لطخ ، رسميا ، سمعة ريتشارد الثالث

ولد السير ” توماس مور ” في عام 1478 ، أي أنه كان بعمر الخامسة حينما تسلم الملك ” ريتشارد الثالث ” العرش ، وكان في السابعة عندما مات .. درس القانون ، وكان والده قبله محاميا ، ولكنه ، برغم إعداده الجيد لمهنة المحاماة ، حول مساره إلى الدين ، فترهبن ، ثم ترك الرهبانية ، مع استمراره في خدمة الدين ، وتزوج مرتين ورزق بأربعة أبناء .. تعلق ” مور ” بالمذهب الإنساني وتنقل بين عدة أعمال ، توثقت علاقته بالفيلسوف الشهير ” إراسموس  ” ، وأرتقى عدة مناصب حتى صار عضوا بالبرلمان عام 1504 ، ، ثم صار وزيرا للعدل في المملكة ( قاضي للقضاة ) في عام 1529م .. وحينما وصل إلى مكان يمكنه منه أن يحدث تغييرا حقيقيا في البلاد يوافق ما أثبته من أفكار وأحلام في ( اليوتوبيا ) الخالدة التي تفتق عنها ذهنه ، أختار ” توماس مور ” أن ينحاز لطاغية مثل ” هنري الثامن ” وأن يكون سيفا على أعدائه ، ثم أنقلب عليه حينما وجد أنه جاوز كل الحدود ، وبدأ يعمل على هدم الكنيسة ذاتها.. وبعد فترة تقاعد ” مور ” ، لكن خطر معارضته الماضية للملك ” هنري ” ظل يطارده ، وبعد عدة مناوشات ، سببها رفض ” مور ” الموافقة على بعض إجراءات الملك وجهره بانتقاده لطلاقه من ” كاثرين أراجون ” ، سُجن لفترة ، انتهت بمحاكمة في مطلع يوليو من عام 1535م ، أدانته بخيانة الدولة ، وحُكم عليه بالموت ، ومن ثم تم تنفيذ الحكم فيه ، بالمقصلة ، بعد مرور ستة أيام .. أي في السادس من يوليو !

نستخلص من تلك السيرة المقتضبة أن التهمة التي وجهها ” توماس مور ” للملك ” ريتشارد الثالث ” لم تكن أبدا ناجمة عن إطلاع ، أو معاينة لأحوال هذا الملك ، وما جرى في عصره .. بل كانت في أغلبها ترديد للشائعات والأقاويل التي حيكت حول هذا الرجل ، بعد وفاته بنحو ربع قرن تقريبا .. ولا يجدر بنا أن ننسي أن ” مور ” عاش في ظل الملك ” هنري الثامن ” ، الذي هو ابن ” هنري السابع ” أو هنري تيودور ” ، ألد أعداء ” ريتشارد ” وأكبر كارهيه .. كما أنه ، أي ” مور ” ، كان رجل دولة ، وقد تقلد مناصب رسمية تحتم عليه ، إذا أراد أن ينجو من ملك دموي ذو سمعة رديئة كـ ” هنري الثامن ” ، أن يقول ويكتب ما يرضي هذا الملك ، وما تقبل به سلالة ” تيودور ” الكارهة لـ” ريتشارد ” ، وأخيه وابني أخيه ، وسائر سلالة ” يورك ” التي ينتمون إليها .. لكن هل كان رجل كـ” مور ” يرضى بمخالفة مبادئه وكتابة ما يخالف ضميره ؟!

لقد وافق صاحب المدينة الفاضلة كما يسمونها ، أو ( يوتوبيا ) ، إبان عمله كحاجب في الأسقفية على التنازل عن مبادئه ، حيث تم إحراق ثلاثة بروتستانت بتهمة الهرطقة بعلمه ، كما تم جلد رجل ، بأمر منه ، داخل بيته بالتهمة عينها .. الملاحظة الأهم أن الكتاب المعنون بـ ( تاريخ ريتشارد الثالث ) لم ينشره مؤلفه إبان حياته ، ولعله وضعه كمخطوطة تعج بتشويه ملك متوفى ، لا يستطيع أن يدافع عن نفسه ، لكي يسترضي ملك حي طاغية ومشهور بسفك الدماء ، لكنه لم يأخذ في حسبانه أن شهادته تلك سوف يتم نشرها ، بعد موته ، وتؤخذ دليلا على ” ريتشارد الثالث ” .. أو على ” توماس مور ” نفسه !

الشاهد الثاني ” شكسبير ” :  خادم فضل حفيدة ” هنري تيودور ” !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

شكسبير أعتمد على عدة مصادر في أعماله التاريخية

ولعل شهادة أعظم كتاب الإنجليزية في كل العصور ” وليم شكسبير ” كانت أكبر ضربة تلقاها ” ريتشارد الثالث ” ، وهو في قبره .. فعبقري الدراما المولود بعام 1564 تقريبا ، ببلدة ستراتفورد ، مقاطعة (وركشير ) ، والذي وافته المنية في الثالث والعشرين من إبريل من عام 1616م ، بعد أن ترك خلفه تراثا زاخرا بعدد هائل من عيون الدراما والمسرح ، لا تزال مصدر فخر وإعزاز لكل الناطقين باللغة الإنجليزية ، قد أدلى بدلوه ، مؤيدا سلفه ” توماس مور ” ، في توجيه الاتهام للملك المشهر به في قضية مقتل ولدي أخيه الأميرين .. كتُبت مسرحية ” ريتشارد الثالث ” في عام 1593 ، وتكون هكذا قد وضعت في المرحلة الأولى التي مر بها ” شكسبير ” ككاتب مسرحي يهدف إلى تكوين شهرته ، ولو ألقينا نظرة سريعة على تلك المرحلة من مراحل إبداع عملاق المسرح العالمي ، والتي امتدت حتى عام 1594 ، وتُعرف بمرحلة المسرح الإليزابيثي Elizabethan Theatre   ، لوجدنا أنه قد غلب عليها الأعمال الوطنية الحماسية ، وكانت درجة الإبداعية لدى الكاتب لا تزال في أدنى مراحلها ، فجاءت نصوصه حماسية صارخة ، قليلة الاهتمام بالصيغة والشكل لصالح المضمون ، وقد تضمنت قائمة أعماله في هذه المرحلة أعمالا تغنت ببطولات الوطن الإنجليزي ، مثل ثلاثية ( هنري السادس ) ومسرحية ( ريتشارد الثالث ) ، ومسرحية (تايتُس اندرونيكوس ) ، وقد اتفقت الآراء على كونها أعمالا صاخبة ، تحاكي عنف وضراوة الطبيعة ، وتشابه الملاحم الإغريقية والرومانية ، وتحفل بمشاهد القتل وسفك الدماء .. إذا وضعنا تلك الحقيقة مع حقيقة أخرى صغيرة ، وهي أن ” شكسبير ” كان يكتب ويعتمد على رعاية ملكة تدعى ” إليزابيث الأولي ” ، وعرفنا أن هذه السيدة ليست إلا حفيدة ” هنري السابع تيودور ” ، أحد المتهمين الرئيسين في قضية قتل الأميرين ، وأيضا كون ” شكسبير ” قد أعتمد في نصه ، ولو بشكل جزئي ، على ما كتبه ” توماس مور ” ، الذي كان مثله غير معايش للأحداث ، لخرجنا بنتيجة واضحة مؤداها أن المؤلف العظيم لم يكن أمامه سوى تصوير عدو سلالة مليكته وولية نعمته  ، ” ريتشارد الثالث ” ، بتلك الصورة البشعة ورميه بالتهمة الشنيعة .. بل إن ” شكسبير ” أيضا غالى في الأمر ، فشوه الشكل الجسدي لـ ” ريتشارد ” ورسم له صورة كسفاك دماء ، وأحدب بشع الخلقة .. شوه تاريخه وجسده وشبهه بحيوان متعطش للدماء !

فهل كانت تلك الصورة صادقة فعلا .. أم أنها فرية أفتروها على الملك الذي تبارى الجميع في تشويه سمعته ؟!

هل كان ” ريتشارد الثالث ” مشوها فعلا ؟!

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

ريتشارد الثالث لم يكن بالبشاعة التي وصفها شكسبير

لم يكن ” شكسبير ” ، وكذا سابقه ” توماس مور ” ، معاصرين للأحداث التي تكلموا عنها في أعمالهم حول حياة ” ريتشارد الثالث ” ، بل كان كلا منهما ينقل من بضعة مصادر ، أو من روايات تنوقلت شفهيا عن الملك الموصوم بلعنة الغدر بأقرب أقاربه .. وبالنسبة لـ” شكسبير ” فقد كان لديه بضعة مصادر أعتمد عليها في عمله المسرحي المعنون ” ريتشارد الثالث ” ، والذي يشكل تتمة لمجموعة أعمال منها ثلاثية ” هنري السادس ” ، من تلك المصادر كتاب يسمي (تاريخ رافاييل هولنشد ) ، صدرت طبعته الثانية في عام 1587 ، وهو نفس تاريخ بدء كتابة المسرحية الشكسبيرية الشهيرة ، كما يشار إلى مصدر آخر هو كتاب بعنوان (اتحاد عائلتي لانكستر ويورك الطموحتين ) الذي نشر في وقت مبكر أكثر ، وظهرت طبعته الثانية للنور في عام 1548 .. ونستخلص من ذلك أن رؤية ” شكسبير ” كان مبنية على مصادر تاريخية لا دليل واحد على حيدة ونزاهة مؤلفيها ، الذين شأنهم شأن بقية المؤرخين ومتناولي الأحداث التاريخية ، قد يقعون في فخ التضليل والنفاق ، وعرض معلومات وتفاصيل مغلوطة .. ولعل أكبر مثال على عدم دقة ما ساقه ” شكسبير ” من معلومات بشأن الملك ” ريتشارد الثالث ” هو وصفه له بكونه ( أحدب ) .. فهل كان ” ريتشارد ” أحدب مشوها فعلا ؟!

كانت إجابة ذلك السؤال عسيرة حتى عام 2012 ، حينما حدث اكتشاف مثير للغاية في ساحة لانتظار السيارات بمدينة ( ليستر ) ، التي باحت أرضها بسر ظل مكتوما طوال خمسمائة وثلاثون ( 530 ) عاما ، وذلك عندما كشفت أعمال حفر عن وجود رفات بشرية تعود إلى قرون مضت .. إنها بقايا شخص ذو عمود منحني ، دُفن في ذلك المكان ، الذي كان كنيسة صغيرة فيما مضي ، بشكل سري ، بعد أن سقط صريعا في معركة (بوسورث فيلد ) في أغسطس من عام 1485م ، وهو محاصر بأعدائه وقد فقد حصانه ، ومات واقفا على رجليه ، ثم تمت تعمية قبره وإخفاء موقع دفنه .. إنه ” ريتشارد الثالث ” بنفسه وقد خرج ، رفاتا محطمة ، من بين حطام التاريخ وأيامه السوداء المليئة بالغموض !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

كان لديه انحراف بالعمود الفقري لكنه لم يكن احدبا

فحص العظام أثبت أن الملك كان له عمود فقري منحني ، لكنه ليس أحدبا بالصورة التي أدعاها ” شكسبير ” ، أو روج لها في مسرحيته الشهيرة ، وأكد الأطباء بعد إعادة فحص الرفات ، وتصوير العظام بالصور ثلاثية الأبعاد ، أن الملك كان يعاني من انحناء جانبي في العمود الفقري .. أي أنه لم يكن أحدب ، وكذلك فإن إعادة بناء ملامح وجهه دلت أيضا على أنه لم يكن ( الضفدعة القبيحة ) التي تحدث عنها ” شكسبير ” !

ليس أحدبا ولا ضفدعة ولا مشوها ، ولا دليل على معاناته من العرج أو وهن الساق .. معلومات مغلوطة أو كاذبة أو مضللة أو مستقاة من مصادر هذا شأنها .. فيما أخطأ ” شكسبير ” أيضا هذا هو السؤال الآن !

نصف ملكه لمن يأتيه بجواد !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

بوسورث فيلد المعركة التي كتبت نهاية ريتشارد الثالث وحكم سلالة يورك

كان ريتشارد الثالث محاطا بالأعداء ، هذه حقيقية لا يمكن إنكارها .. ويكفي أنه كان محاطا بالخيانة من الخارج والداخل أيضا .. فقد كان يده اليمني ” دوق باكينجهام ” أول من خانه !

ولتوضيح نقطة خيانة ” باكينجهام ” لملكه ” ريتشارد الثالث ” برغم كونه ممن ساعدوه على ارتقاء العرش ، فهناك تفسير يعتمد على تداعي الأحداث التي تؤكد طمع الأول في العرش .. فإذا كان الدوق طامع في العرش ، فقد كان وجود ” ريتشارد ” والأميرين عقبة عظيمة في سبيل بلوغه لهدفه .. لكن الطريق الأيسر هو مساعدة ” ريتشارد ” على بلوغ العرش ، مع التخلص من الولدين عن طريق الطعن في شرعيتهما وأهليتهما للحكم ، ثم يتخلص من الأميرين ملقيا المسئولية على ” ريتشارد ” .. مما يضمن له التخلص من العم وابني الأخ في ضربة واحدة دون أن يبذل أي جهد من جانبه !

وتعد خيانته لـ” ريتشارد ” وإعدامه دليل على نمو خطة مشابهة في عقل ” باكينجهام ” ، ويبدو أنه طمع في أن ينجح التمرد ، ويتم خلع ” ريتشارد ” ، أو قتله ، ومن ثم يصير هو ، أي باكينجهام ، الشريف الأحق بالعرش باعتباره الرجل الأقرب للسلطة وللتاج !

فرصة ” باكينجهام ” كانت أكبر من فرصة ” هنري تيودور ” لبلوغ العرش .. لكن حظه كان أقل من حظ الأخير وأكثر سوء !

وبعد أن تخلص ” ريتشارد ” من خيانة مساعده المقرب لم يُقدر له أن يستريح ،  فلم يكد يكمل عامه الثاني في الحكم حتى عاد إليه ” هنري تيودور ” ، الذي هرب مجرجرا أذيال الهزيمة في المواجهة الأولى ، بجيوش جرارة .. وتلاقت جيوش ” ريتشارد ” بجحافل ” هنري ” في ( بوسورث فيلد ) ، ونتيجة لخيانة جديدة ، كان بطلها تلك المرة حليفه ( إيرل نورثمبرلاند ) الذي سحب جنوده من المعركة ، هُزم الملك وقتل في أرض المعركة .. ويذكر أن ” ريتشارد ” مات واقفا على قدميه ، بعد أن فقد جواده وأخذ يصيح : ( جواد .. جواد .. نصف ملكي لمن يأتيني بجواد ) !

لكن أحدا لم يأتيه بالجواد الذي يتمناه .. ومات تاركا العرش لغريمه الشرس ” هنري تيودور ” .

ومما يلفت النظر أن حليف الملك الخائن ( إيرل نورثمبرلاند ) قد أضمر له أهل منطقته الشر ، بعد عودته من أرض المعركة وذيوع خبر خيانته للملك ، وتمردوا عليه بعد نحو أربع سنوات وقاموا بقتله !

تلم الفعلة تدل دلالة واضحة على حب ، ولو قطاع واحد من الشعب الإنجليزي ، لـ ” ريتشارد الثالث ” ، وهو ما تجاهله كل من شوهوا سمعة الملك المهزوم وتنصلوا من معناه الواضح الجلي !

هنري : العرش ..التاج .. البرج .. والأميرين !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

ريتشارد الصغير أمير البرج .. هل عاد ليحارب من أجل عرشه المسلوب ؟!

بعد سقوط ” ريتشارد ”  قتيلا في معركة ( بوسورث فيلد ) صار الطريق مفتوحا أمام ” هنري تيودور ” إلى لندن ، وإلى العرش البريطاني العتيق .. دخل المنتصر لندن ، ثم أستولى على برج لندن بما فيه ، وبمن فيه .. وأعلن نفسه ملكا على إنجلترا باسم ” هنري السابع ” ، منهيا بذلك حكم سلالة ” يورك ” وحرب الوردتين ، ومؤسسا لحكم عائلة ” تيودور ” العريقة التي دام حكمها حتى عام  1603م .. وليستوفي شروط التاج قرر الملك الجديد أن يدعم نسبه وحقه الضعيف في العرش بربط أواصر النسب بالسلالة الحاكمة المعترف بها في طول البلاد وعرضها .. فعقد قرانه بالأميرة ” إليزابيث يورك  ” ، وهي ابنة ” إدوارد الرابع ” الكبرى ،  وأخت الصبيين المختفيين ، كما أن ” ريتشارد الثالث ” هو عمها !

الأميرة التي أضحت الآن ملكة البلاد وزوجة اليد الأعلى كانت تحمل الشرعية الملكية التي يفتقدها زوجها .. لكن كان هناك نقطة واحدة تلطخها ، وهو كونها ، تبعا للقرار الذي حصل عليه العم المقتول ، ابنة غير شرعية للملك ” إدوارد الرابع ” مثلما أخوتها غير شرعيين ، نظرا لكون قرار اعتبار زواج الأخير من أم أولاده غير قانوني يسري على جميع أبنائه وبناته .. لكن ” هنري تيودور ” لم يعدم وسيلة يتخلص بها من تلك العقبة الصغيرة .. فقد مزق قرار مجلس العموم ببساطة وأصدر مرسوما بإلغائه !

وهكذا ، وبشكل غير مقصود ، أكد الملك الجديد المغتصب على حق الولدين في العرش .. ترى ماذا كان يحدث لو أن الأميرين لا زالا موجودين ؟!

كان وجودهما سيعني نفي حق ” هنري ” في العرش ، ومن ثم فإنه هو ، أي ” هنري ” ، المستفيد الأكبر من اختفائهما أو موتهما !

وتلك النقطة حدت بالبعض إلى وضع تصور أو سيناريو متخيل للأحداث مبني ، في جزء منه ، على بعض الوثائق التي تروي الأحداث بشكل مغاير .. السيناريو المتخيل منطقي ويقدم فرضيتين متقاربتين كليهما تتفقان في نقطة واحدة : إن كليهما تبرءان ” ريتشارد الثالث ” من تهمة قتل ابني أخيه الأميرين الطفلين !

السيناريو الأكثر منطقية : مؤامرة باكينجهام / تيودور !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

الطريق إلى البرج .. شاهد على المؤامرة وحقيقة ما حدث

ذكرنا أن ” دوق باكينجهام ” كان بمثابة اليد اليمنى لـ” ريتشارد الثالث ” ، وكان ممن عاونوه على الوصول إلى العرش ، برغم أن ثمة دلائل على كون الأول طامع في العرش .. وبدوره كان ” هنري تيودور ” ، حفيد ورثة ” بلانتاجنت ” ، راغب بشدة في الوصول إلى العرش .. لكن هناك من يحولون بين الاثنين وبين بغيتهما .. الأول هو ” ريتشارد الثالث ” نفسه ، وابني أخيه أصحاب الحق الشرعي في العرش .. ولأن الرجلين جمع بينهما الطمع المشترك ، فيبدو أنه كان هناك نوع من الاتفاق والتنسيق بينهما على القيام بعمل ضد ” ريتشارد ” ، وخلعه عن العرش ، وربما كان ” هنري ” ، المعروف بخبثه ودهاءه ، قد أوهم ” باكينجهام ” أنه سيساعده على ارتقاء العرش ، في حالة التخلص من شاغله الحالي .. وهكذا دُبرت مؤامرة للإطاحة بالثلاثة الشرعيين أصحاب الحق القانوني في العرش ، الولدين وعمهما في ضربة واحدة .. وربما يكون الشق الخاص بالتخلص من الولدين قد وقع على عاتق الدوق الذي تخلف ، في واقعة جديرة بالنظر ، عن مرافقة الملك في رحلته إلي ( أكسفورد ) ، برغم كونه مساعده الأول .. بقي ” باكينجهام ” في لندن ، وبرج لندن تحت هيمنته ، وأستغل الفرصة للقضاء على الأميرين ، فأمر بقتلهما بغية توريط عمهما وإلقاء اللوم عليه في الأمر .. هل يوجد دليل على ذلك ؟ّ!

نعم !

إنها سجلات قديمة محفوظة جيدا ، تعود إلي وقت الأحداث ، عامي 1482/1883 ، وفيها يذكر كاتبها ، وهو كما يعتقد تاجر لندني كان معني بتسجيل يومياته وأحداث زمانه ، تلك الشهادة الفريدة الثمينة :

(( هذه السنة أعدم ولدا الملك إدوارد الرابع في برج لندن من قبل نائب دوق باكينجهام )) !

شهادة موثقة ومعاصرة للأحداث .. والأهم أنها من طرف محايد ، ومن شخص غير ذي صلة بالبلاط أو بالمتصارعين على العرش ؟!

لكن ما مصلحة ” باكينجهام ” في ذلك العمل ؟!

إن قتل الولدين ، ثم إشاعة أن عمهما هو القاتل ، تمثل سند هائل وحجة ضخمة لخروج الدوق عن طاعة مليكه ، وإعلانه العصيان والتمرد ضده .. ومن ثم ينتفض الناس ضد الملك الخائن ، قاتل الأميرين الذي تم تلطيخ سمعته كما يجب ، ويقفون ضده .. وهكذا يصل ” باكينجهام ” بسهولة إلى العرش الذي يحلم به ، ويُنظر إليه على أنه الفارس النبيل ، الذي حارب لأجل الثأر لدماء الأميرين الصغيرين .. ولا ننسى أنه زوج خالة الأميرين مما يعطيه شرعية هائلة في الدفاع عن حقهما المهضوم !

ذلك السيناريو تؤيده دراسات بعض المؤرخين عن ” دوق باكينجهام ” ، التي تصفه بأنه شخصية غير متزنة ومضطربة !

وهكذا يكون ” باكينجهام ” هو القاتل في الاحتمال الأول .. لكن ماذا إذا لم يكن هذا صحيحا ؟!

السيناريو الثاني : هنري تيودور في البرج .. والأميرين أيضا !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

الأمير ” ريتشارد ” وبيركن واربيك ” .. هل هما نفس الشخص

بني ” هنري تيودور ” عصيانه ضد ” ريتشارد ” ، الذي كان سببه الأول هو طمعه في العرش ، على حجة الثأر لدم الولدين الصغيرين .. لكن سرعان ما نندهش إذا علمنا أن ” تيودور ” اللطيف ذو القلب الرقيق ، هو بنفسه قام باحتجاز ابن شقيق الملكين ” إدوارد الرابع ” و” ريتشارد الثالث ، الذي كان بعمر العاشرة ، حين دخوله لندن ، بعد نصره الحاسم في ( بوسورث فيلد )  ، وأبقاه رهن الاعتقال نحو أربعة عشر عاما ، قبل أن يقتله بتهمة التواطؤ والخيانة .. وهكذا علينا أن نقتنع أن ” هنري ” ثار وحارب لأجل دم الأميرين .. ثم أعتقل عمهما وقتله بعد ذلك بدم بارد !

عُرف عن ” هنري تيودور ” قسوة القلب وغلظته ، ولم يتورع عن قتل الكثيرين أبان حكمه ، وقد ورث منه ابنه وخليفته ” هنري الثامن ، مزاجه الدموي وقسوته .. وهكذا تظهر فرضية جديرة بالنظر : فماذا لو لم يكن الولدين قد قتلا أصلا في عهد عمهما ، وكانا على قيد الحياة في برج لندن ، وأشاع ” هنري ” قصة قتلهما ،  ليتخذها ستارا لأطماعه ، وليعزز  التفاف أعداء ” ريتشارد ” حوله ، ثم قتلهما بنفسه بعد دخوله المظفر إلى العاصمة ؟!

احتمال قائم بشدة ، خاصة مع ملاحظة أن ” هنري ” ، بعد انتصاره على ” ريتشارد ” ، لم يكن ثمة من يحول بينه وبين العرش سوى هذين الصغيرين المسكينين ؟!

هناك دليل متوفر على كون شائعة قتل الأميرين على يد ” ريتشارد ” لم يكن الجميع يصدقونها .. وليس فقط من العامة والسوقة ، وغير المخالطين للبلاط وشئونه الداخلية .. بل إن الأميرة ” مارجريت ” ، شقيقة ” ريتشارد ” ، وعمة الأميرين ، نفسها لم تكن تصدق أنهما ماتا !

المفاجأة الصغيرة : لكن الولدين لم يموتا أصلا !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

لامبرت سيمنول .. الغلام الذي نازع هنري السابع على العرش .. لم يكن الناس يصدقون أن الأميرين قد ماتا !

السيناريو الأكثر غرابة هو أن الولدين أصلا لم يموتا ، لا على يد عمهما ولا على يد ” باكينجهام ” ، ولا حتى على يد ” هنري ” .. بل إنهما هربا أو تم تهريبهما من البرج ، قبل دخول الملك ” هنري السابع ” إليه !

هل هذا ممكن ؟!

هل هناك دليل على ذلك .. نعم هناك دليل قوي بما يكفي !

فعقب استيلاء ” هنري ” على العرش لم تستتب له الأمور .. بل تمرد ضده قطاعات من الشعب الإنجليزي ، وحدثت ضده ثورتين كبيرتين ، والغريب أن الأميرين ، الذي قيل أنهما ماتا ، كانا على علاقة بتلك الأحداث !

ففي عام  م1487  وقع تمرد عٌرف بـ ( عصيان لامبرت سيمنول ) ، وأثناء المعارك انتشرت شائعة أن الأميرين ، ” إدوارد الخامس ” و” ريتشارد شروزبري ” ، قد رجعا ليحاربا من منفاهما !

وبرغم عدم ظهور أثر حقيقي لأي منهما في المعارك المحتدمة ، إلا أن تلك الشائعة كانت ذات دلالة قوية : وهي أن فكرة موت الأميرين لم تكن منتشرة ، وكان ثمة من يعتقدون أنهما لا زالا على قيد الحياة !

وبرغم نجاح ” هنري ” في قمع التمرد ، إلا إنه لم يهنأ بالسلام طويلا ، فقد جابهه تمرد أخطر .. ورجع له ” ريتشارد ” بنفسه في مفاجأة مثيرة .. الأمير ” ريتشارد الصغير ” دوق شروزبري والأمير الأصغر في البرج !

بيركن ورابيك : هل هو الأمير المفقود ؟!

في عام 1490 تقدم شاب إلى محكمة ( بورجندي ) مطالبا بإثبات أنه الأمير ” ريتشارد شروزبري ” .. وروي قصة عن هروبه وشقيقه من البرج ، ومن ثم قتل أخيه ” إدوارد الخامس ” على يد بعض المجرمين ، الذين احتفظوا بالأخ الأصغر ولم يقتلوه بدوره .. وانتشرت قصة الشاب ، ومن ثم أنضم إليه الكثيرين ، كان معظمهم من كارهي ” هنري تيودور ” والمتضررين من حكمه وبطشه ، ثم بدأ الشاب يغير على الأراضي الإنجليزية .. وكانت أعداد مؤيديه تتزايد ، ثم بدأ يحظي بدعم على أعلى مستوي .. فليس فقط العامة والفلاحين والرعاع قد تبعوه ، بل لقد دعمه ملك فرنسا ” شارل الثامن ” ، وإمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة ، وملك اسكتلندا ، والأهم من كل هؤلاء هو أن الشاب نال دعم الأميرة ” مارجريت ” .. عمته المفترضة !

فهل كل هؤلاء خُدعوا في شخصية الولد ، ولم يستطيعوا معرفة ما إذا كان الأمير المفقود فعلا .. أم مجرد ابن لفلاح مدعي كما أشاع ” هنري ” وأتباعه !

وحتى لو كان مدعي شخصية الأمير ” ريتشارد شروزبري ” كاذبا .. فإن دلالة دعم الناس له واضحة : إن الكثيرين كانوا يعتقدون أن الأميرين على قيد الحياة .. ولو أن عمهما قد قام بقتلهما حقا لكان يكفي ” هنري ” التلويح بتلك الحقيقة لإثبات كذب الشاب !

في كل الحالات فإن ” هنري تيودور ” واجه موقفا بالغ السوء ، بل جاهر بعض رجاله أنفسهم بدعمهم للأمير ” ريتشارد ” .. وتلك المجاهرة كانت السبب في إعدام الحاجب الخاص للملك ” هنري السابع ” سير وليم ستانلي  !

لكن لسوء الحظ فإن ثورة ” بيركن واربيك ” ضد ” هنري السابع ” فشلت ، وبينما كانت قوات الشاب تجتاح إقليم ” كورنول ” تم أسره .. وأخذ إلى حيث تم محاكمته ، والغريب أن الشاب حظي في البداية بمعاملة جيدة ، بل وسُمح له بالبقاء تحت رعاية الملك وحضور الولائم الملكية لفترة .. لكنه أتهم ، فيما بعد ، بمحاولة الهروب من برج لندن برفقة ابن شقيق الملكين ” إدوارد الرابع ” و” ريتشارد الثالث ” .. وتعرض للتعذيب ، وتحت التعذيب انُتزعت منه اعترافات بأنه ابن لفلاح من العامة ، وأن اسمه ” بيركن ورابيك ” ، وأنه كان يدعي شخصية الأمير ” ريتشارد ” كذبا !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

تعذيب بيركن واربيك

ومن ثم تم نشر اعترافاته  ، ثم أعُدم الشاب ، وابن عمه المفترض في عام 1499 ، دون أن تظهر حقيقة شخصيته !

فهل هو الأمير ” ريتشارد ” فعلا .. أم مجرد محتال مدعي ؟!

ولو كان مجرد دجال محتال فلما أحسن الملك ” هنري السابع معاملته أولا ، ومن ثم أنقلب عليه ؟!

على كل حال لحق الشاب بالملك ” ريتشارد الثالث ” ، واستوي ” هنري السابع ” على العرش آمنا مطمئنا .. ولا منافس أو معارض له ، مؤمنا الحكم لسلالة قوية من بعده .

أشترك جميع أفرادها في خصلتين رئيسيتين : حبهم لسفك الدماء والبطش .. واهتمامهم بتشويه صورة الملك ” ريتشارد ” وتلطيخ سمعته بكل صورة ممكنة !

فلما كل هذا العداء لرجل واحد لم يحكم إلا عامين قليلين ؟!

وهو في النهاية قريب لسلالة ” تيودور ” ويحمل دماء مشتركة ونسبا ، وإن كان بعيدا ، معها ؟!

جمعية ريتشارد الثالث : البحث عن الحقيقة !

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

صور من الجنازة الملكية ل” ريتشارد الثالث ” والتي جرت يوم 22 مارس عام 2015 بمدينة ” ليستر “

نشأت ( جمعية ريتشارد الثالث ) The Richard III Society في عام 1924 ، وقد أسسها الجراح المهتم بالتاريخ ” ساكسون بارتون ” في ليفربول .. وتهدف الجمعية ، وجمعيات أخرى مماثلة أصغر حجما ، إلى إزالة اللبس والتشويه الذي نال سمعة الملك ” ريتشارد الثالث ” .. وتعتمد على نشر وإذاعة كتب وتقارير وأعمال مؤرخين تنصف ” ريتشارد ، وترفع الغبن الذي أوقعته عليه الدعاية المضادة ، التي قامت بها ضده سلالة ” تيودور ” بأكملها .. ومن أشهر أعضاء هذه الجمعية والمتعاطفين مع آرائها الكاتبة ” جوزفين تي ” ، التي أصدرت رواية تشكك فيها في الروايات التاريخية حول ” ريتشارد الثالث ” ، والممثل الشهير ” لورانس أوليفيه ” ، الذي قدم فيلما يعرض قصة مغايرة لما قدمه ” شكسبير ”  حول حياة الملك ” ريتشارد الثالث ” .. وقد قام أعضاء الجمعية بدور كبير في البحث عن رفات الملك الذي مضى أكثر من خمسة قرون على موته .. وبواسطة إصرار ” فيليبا لانجلي ” ، عضو الجمعية التي خصصت مجهودها البحثي لذلك الهدف ، تم العثور أخيرا على الرفات الثمينة في ساحة انتظار السيارات في مدينة ليستر .. ومن ثم ساعدت الجمعية على تقديم دفن لائق للملك ” ريتشارد الثالث ” ، الذي جرى الاحتفال بدفنه ، في موكب ملكي ، ونقل رفاته إلى كاتدرائية ( ليستر ) ليرقد أخيرا في مكان يليق به .. وقد شهد أعضاء الجمعية ، يتقدمهم رئيسها ” فيل ستون ” ، المراسم ليحققوا حلما كبيرا من أحلامهم أخيرا .

وقد نالت ” لانجلي ” تكريما رسميا على جهودها للبحث عن المكان الذي ترقد فيه رفات آخر ملوك سلالة ” يورك ” .. والجدير بالذكر أن ” ريتشارد الثالث ” هو آخر ملك يُقتل في ساحة المعركة .. في  تاريخ إنجلترا كله !

حظي ” ريتشارد الثالث ” أخيرا بمستقر لائق لعظامه .. وظهر من يدافعون عنه بضراوة .. لكن يبدو أن الصورة الكاريكاتورية البشعة التي رسمها له ” شكسبير ” تغلبت على كل حقائق وشكوك ووثائق التاريخ .. فكم الفن والإبداع أقوى من كل الوثائق والحجج والبراهين المنطقية ومن أدلتها الجامدة المختزلة في بضع كلمات أو سطور !

المصادر :

– موسوعة ويكيبديا ( مادة : ريتشارد الثالث / هنري السابع / شكسبير / توماس مور )
– مسرحية ريتشارد الثالث تأليف ” وليم شكسبير “
موقع جمعية الملك ريتشارد الثالث
History of King Richard the Third

صدر للكاتبة مؤخرا في المكتبات :

بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟ بيركن واربيك : لغز الأمير المفقود ؟

تاريخ النشر 22 / 11 /2016

guest
32 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى