ألغاز تاريخية

تاريخ الإسكيمو و حقيقة وصول ذي القرنين الى القطب الشمالي

بقلم : محمد عبد الله قوبعة – تونس

لا احد يعلم بالتدقيق كيف وصل الانسان الى القطب الشمالي او كيف استطاعت المجموعات البشرية الاولى التى وطئت اقدامها تلك الاصقاع النائية من الأرض التأقلم مع ضروف طبيعية تعد الاقسى على هذا الكوكب ولكن يعتقد أن بدايات وصول البشر الأوائل الى المناطق القطبية او الشبه القطبية كانت في ضروف طبيعية مغايرة ، و من المعروف علميا أن مناطق شاسعة من هذا الكوكب قد تتعرض للجفاف او القحط او للإرتفاع الشديد في درجات الحرارة مما يجبر البشر على الإرتحال الى الاماكن الاقل حرا و الأكثر خصبا ، و لكن أيا كانت الأسباب التي أوصلت البشر الى تلك الأصقاع النائية فإن بقاءهم في مثل تلك الظروف و محاولتهم التأقلم مع واقعهم ساهم في خلق ثقافة و نمط عيش جديد ربما يعد الاقسى على هذا الكوكب.

عرفت المجموعات البشرية التي اختارت او بالأحرى أجبرت على العيش في تلك المناطق بالـ “إنويت” او الإسكيمو ، ومعناه الناس الذين يأكلون طعامهم نيئا ، كانت الأرض المحيطة بهم شاسعة و مترامية الأطراف و معظمها مغطى بالثلوج بحيث يصعب على البشر في تلك الأزمنة الخروج منها بوسائلهم البدائية ، لذلك سعت قبائل الإسكيمو بدلاً من ذلك إلى محاولة التأقلم مع واقعهم فاعتمدوا في عيشهم على الصيد واتخذوا لأجل ذلك حرابا و أدوات مصنوعة من عظام الحيوانات.

blank
قرية انويت خلال القرن التاسع عشر

و لما كانت الأرض المحيطة بهم مغطاة معظم فترات السنة بالثلوج ولا تحتمل البناء ابتكر الإنويت طريقه جديده للبناء تعتمد على قطع مكعبات الثلج ووضعها بأسلوب فريد يعكس مدى الخبرة التي وصلت إليها تلك القبائل في التعامل مع البيئة المحيطة بهم بحث تظهر بيوتهم او اكواخهم الجليدية في آخر المطاف على شكل دائري او نصف دائري في أسفلها فتحة صغيرة تكفي لدخول شخص واحد ، يقوم الإنويت بعد ذلك بتبطين الكوخ من الداخل بجلود الحيوانات و رغم صغر حجمه يضطر الإنويت أحيانا للبقاء داخل الكوخ وعدم مغادرته لأيام عديدة خاصة أثناء هبوب العواصف القطبية القارسة و التي قد تستمر لأسابيع ، و عند هدوء العواصف و تحسن الطقس يضطر الإنويت فى الغالب لترك تلك الأكواخ و الإنتقال إلى أماكن أخرى بحثا عن الفقمات و فيلة البحر و الوعول القطبية المعروفة بالكاريبو.

كانت الحيوانات و الأسماك هي مصدر قوتهم الوحيد و يبدو أن شعوب الإنويت قد فطنوا نتيجة تمرسهم على العيش بتلك الأماكن لوجود الماء تحت طبقات الجليد فاستخدموا أدواتهم البدائية لكسر الجليد و استخراج او صيد الاسماك او الفقمات حيث ساعدتهم هذه الطريقة على البقاء خاصه في الفترات الصعبة عند انعدام القوت.
أما في تنقلاتهم المستمرة للبحث عن الطرائد فاستعمل الإنويت زلاجات تجرها الكلاب كانت الأرض المحيطة بهم مليئة بالذئاب و الدببة القطبية و كانو بحاجة للفراء باعتباره المصدر الوحيد لصنع الثياب التي تقيهم من الصقيع لذلك اضطر الإسكيمو لخوض معارك دامية مع تلك الحيوانات الضارية مستخدمين أسلحة بسيطة مصنوعة من عظام الحيوانات و غالبا ما تتسبب تلك المعارك لرجال الإنويت في إصابات بالغة قد تؤدي بهم إلى الموت.

blank
تأقلموا مع البيئة الصعبة المحيطة بهم

ولعل الجانب الأكثر قتامة في تاريخ ڜعوب الإنويت يتمثل في إقدام الفئات الأكثر جأشا منهم على ازهاق أرواح الأشخاص غير المنتجين و كبار السن باعتبارهم عبئا على المجتمع آنذاك. الغريب أن معظم عمليات الإعدام كانت تتم بطلب من الشخص نفسه الذي يقع عليه القتل يعني أن الأمر كان أشبه بالإنتحار و لم تقتصر عمليات القتل على كبار السن بل امتدت لتشمل الرضع و الاطفال الصغار حيث كانت الأم تتخلى أحيانا عن طفلها خاصة فى الفترات الصعبة عند انعدام القوت على أمل أن يجده شخص فيتبناه او يقتله البرد او ربما تفترسه الذئاب ، الا أن جميع تلك العادات قد اندثرت منذ أواسط القرن الثامن عشر حين اتصل الإنسان المتحضر ببقايا شعوب الإسكيمو و أمدها بالبنادق و بوسائل العيش الأخرى لتتناقص بعد ذلك أعداد الإنويت حيث امتزج الكثير منهم بالشعوب الأوروبية و لم يتبقى منهم الآن الا نحو مئة وعشرين ألفا يتوزعون في مناطق متباعدة في شمالي كندا و شبه جزيرة ألاسكا و جزيرة غرينلاند و شمالي سيبيريا ، وقد ترك معظمهم أساليب عيشهم القديمة و باتوا يعيشون في مساكن عادية و يستعملون البنادق في الصيد.

على العموم فقد عاشت شعوب الإسكيمو في عزلة تامة عن العالم لقرون طويلة حتى لقد ظنوا في تلك الأزمنة انهم الوحيدون في هذا العالم و خالوا أن الأرض كلها ثلوج و عواصف و صقيع ، ثم تغير نمط عيشهم في أواسط القرن الثامن عشر أي مع بدايات الإكتشافات الجغرافية لتلك الأماكن.

blank
هل وصل ذو القرنين الى القطب

نأتي الآن للحديث عن الفرضيات التي نسجها بعض المؤرخين بخصوص بعض الفصول المندثرة من التاريخ القديم لشعب الإنويت حيث أثارت الفقرات التي أوردها المؤرخ أحمد النيسابوري و المعروف بالثعلبي في كتابه قصص الانبياء والتي تحدث فيها عن دخول ذي القرنين أرض الظلمات مما يلي القطب الشمالي فضول الكثيرين و نسجوا بدورهم فرضيات كثيرة تتعلق بهذا الموضوع ، حيث اعتبر بعضهم أن الأرض التي بلغها ذو القرنين عند مطلع الشمس هي المقصودة في كتابات الثعلبي ، فيما رجح آخرون الفرضية الثانية أي القائلة بأن الأرض التي بلغها ذو القرنين عند مغرب الشمس هي المقصودة في تلك الروايات ، و رغم أن لكلا الفرضيتين مؤيدات و ربما متناقضات إلا أن الفرضية الثانية تبقى الأقرب للمنطق و الأكثر قبولا ربما لتوفرها على مؤيدات أكثر واقعية ، منها أن القطب الشمالي هو أقل مكان تبزغ فيه الشمس على وجه الأرض فالطقس فيه بارد والشمس فيه ضعيفة ولا يصح في العقل وصفه بمطلع الشمس ، ومنها أن الشمس تظهر خلال فصل الصيف في المناطق القطبية قريبه من الأفق و لا ترتفع بل تظل تحوم أي تسير مع الأفق حيث تكمل دورة واحدة كل 24 ساعة و تبقى على تلك الحالة ستة أشهر كاملة ثم يعقبها ليل طويل مظلم يدوم ستة أشهر ، يعني أن ذي القرنين حين دخل القطب الشمالي وجد الشمس تحوم أي تسير مع الأفق و لذلك قال الله تعالى : ( حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) و قد قرأت لفظة حمئة بقرائات مختلفة ، و على العموم أيا كانت الحقيقة فإن الشئ الثابت في هذا الموضوع هو أن المؤرخين العرب أطلقوا على القطب الشمالي تسمية أرض الظلمات.

المصدر
إنويت - ويكيبيديا
guest
30 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى