تجارب ومواقف غريبة

تجارب واقعية من أرض فلسطين 20

بقلم : المعتصم بالله – فلسطين

تجارب واقعية من أرض فلسطين 20
أنت يا ابن أختي لم تَرَ سفاحاً و إنما رأيت عملية إعدام “ياسر” .. أنت رأيت عفريته يا “سامي” ..

السلام عليكم أعزائي رواد موقع كابوس ، بالرغم مما نمر به من ظروفٍ صعبةٍ إلا أنني قد جئتكم اليوم بحكايةٍ جديدةٍ تحمل في طياتها بعض الأمور الواقعية و الغريبة نوعاً ما .. كما أود أن أشكركم من كل قلبي لحرصكم على سلامتي بعد أن نجاني الله عز وجل برحمته من شر تلك الليلة ، لا أريد أن أطيل عليكم فهيا إلى التفاصيل ..

حدثت هذه القصة في نهاية ثمانينات القرن الماضي ، أثناء اشتعال الضفة و غزة بالمواجهات الدامية مع قوات الاحتلال إبان انتفاضة الحجارة .. يا لها من أيامٍ عصيبةٍ شهدناها يا شباب و ما زلنا ، المهم في تلك الأيام اجتمع أربعة رجالٍ ذات ليلةٍ في منزل أحدهم .. و قد كانوا يتسلون بلعب الشدة و كان أحدهم و اسمه “ياسر” مسيطراً على البقية في اللعب ، و قد كان يضحك ملء شدقيه مستهزءاً برفاقه الخاسرون .. و فجأةً سمعوا طرقات أحدهم على الباب فنهض رجلٌ منهم و قام بفتح الباب ، و إذا به رجلٌ ضخم الجثة و شكله مخيف يقف على الباب ثم قال هل صاحب المنزل موجود .. فقال صاحب المنزل ادخل يا عدنان إنني هنا ، فدخل الرجل الضخم و سلم على الجميع ثم قام صاحب المنزل بتعريفهم على هوية الرجل و بأنه زميله في العمل .. بعدها اطمأن الرجال و دعوه للعب معهم و لكنه شكرهم ، و جلس على مقعدٍ مواجهاً تماماً ل”ياسر” .. ثم أشعل الرجل سيجارةً و هو يرمق “ياسر” طيلة فترة السهرة و لا يتحدث ، نظر “ياسر” للرجل فجأة فلاحظ على الفور أن الرجل الضخم يرمقه بنظراتٍ مخيفةٍ مملوءة بالحقد .. هنا ارتعدت فرائص “ياسر” و طلب من صاحب المنزل المغادرة فوراً ، ثم خرج من المنزل مسرعاً ينظر خلفه برعبٍ شديد ..

و في مساء يومٍ كئيبٍ خرج “ياسر” كعادته إلى سوق البلدة للتبضع ، و أثناء وصوله إلى منطقةٍ منعزلةٍ نوعاً ما نظر خلفه مباشرةً فلاحظ سيدتان منتقبتان يسرن خلفه بخطواتٍ سريعة .. لم يأبه “ياسر” للأمر و واصل مسيره ، و ما هي إلا لحظاتٍ حتى شعر بفوهة مسدس مسلطة على رأسه و صوتٌ رجولي يقول له امشي معنا يا كلب .. لقد حانت نهايتك أيها اللعين فاللذان كانا خلفه لم يكونا سوى رجلان متنكران بملابسٍ نسائية ، اقتاد الرجلان “ياسر” و هو يبكي و يتوسل بأن يتركاه و لكن بلا فائدة .. اقتاد الرجلان “ياسر” نحو وادٍ عميقٍ تكسوه أشجار الزيتون الكثيفة و يمر تحتها نبع ماء ، و عند وصول الرجال إلى الوادي تفاجأ “ياسر” برجلٍ ضخمٍ يجلس على صخرةٍ تحت الأشجار .. و حين نظر إليه “ياسر” قال له ألست “عدنان” فقال له الرجل الضخم نعم أنا ، فقال “ياسر” ما الذي تريده مني فقال عدنان حياتك أيها اللعين الخائن .. كم من الشباب تسببت بقتلهم أو اعتقالهم أجبني أيها الكلب إن لك أن تدفع ثمن خيانتك و جرمك ، و هنا انهار “ياسر” من البكاء و أخذ يتوسل و لكن هيهات فقد أمر عدنان الشباب بالإمساك به .. ثم قاموا بطرحه أرضاً فأخرج مفكاً ضخماً من جيبه ، و انهال به على صدر “ياسر” طعناً إلى أن مزق جسده ثم تركوه بعدها ينزف حتى فارق الحياة .. و لكن لم تمضِ أيامٌ قليلةٌ حتى تم اعتقالهم جميعاً ، و زجهم بالسجن فقد كان هناك من يراقبهم ..

و تمر الأيام و السنين بعد هذه الحادثة ، و في يومٍ من الأيام يصحو “أبو صلاح” في منتصف الليل على صياح رجلٍ مزعجٍ قادمٍ من ناحية الوادي .. فيوقظ زوجته و يقول لها هل تسمعين ما أسمع ، تنصت الزوجة و تقول كأنه صراخ رجل .. فرد عليها “أبو صلاح” لكن من هو هذا المجنون الذي يصرخ في الوادي المخيف ، و بهذه الساعة المتأخرة من الليل يبدو أنه أحد الوحوش ثم استمر الصوت لعدة دقائقٍ و بعدها توقف .. و في صباح اليوم التالي يلتقي “أبو صلاح” برفاقه في أحد مقاهي البلدة ، و أثناء الحديث يسأل “أبو صلاح” أصحابه عن صوت الصراخ في الليلة الماضية .. فيجيبه أصدقائه بأنهم سمعوا هم أيضاً الصوت و قالوا له نفس كلام زوجته ربما يكون من أحد وحوش البرية ، هنا يطل عليهم “أبو أحمد” و هو أحد أصدقائهم و يعمل في البناء .. طرح الرجل السلام عليهم ثم جلس معهم و الوجوم على وجهه ، سأله أحد الرجال عن خطبه و لما هو واجم الوجه فقال “أبو أحمد” لأصدقائه هل سمع أحدٌ منكم ذلك الصراخ ليلة أمس .. فقالوا له نعم سمعناه كلنا و لكن لماذا ، فقال أخشى إن أخبرتكم أن تهزأوا بي و لا تصدقوني .. فقال له “أبو صلاح” تكلم يا رجل فقد أثرت فضولنا ..

قال “أبو أحمد” في الليلة الماضية تأخرت في العمل حتى ساعةٍ متأخرةٍ من الليل ، و بعد أن أنهيت عملي عدت إلى المنزل بسيارتي .. و أثناء مروري في الطريق الواقع فوق الوادي إذ بي أسمع صراخاً شديداً قادماً من الوادي أصم أذني ، بعدها لم أستطع قيادة السيارة و كأن هناك أحدٌ يسيطر عليها .. ثم صارت تتجه للخلف نحو الوادي بسرعةٍ كبيرة ، و الصراخ يكاد يفجر أذني و ظننت أنها النهاية .. هنا علمت أن الأمر غير طبيعي فبدأت بقراءة آية الكرسي بصوتٍ عالٍ ، بعدها شعرت كأن هناك من قفز من السيارة و اتجه نحو الوادي ثم عادت السيارة للعمل مرةً أخرى بشكلٍ طبيعي .. بعدها جمعت شتات نفسي و قدت السيارة في اتجاه حافة الطريق ، و نظرت باتجاه الوادي فشاهدت كأن أحداً يقف بين الأشجار و بالتحديد في المكان الذي قُتِلَ به “ياسر” .. يقف بلا حراك لم أجرؤ على الاقتراب من هذا الشيء ، و على الفور اتجهت نحو منزلي مباشرةً و هذا يا قوم ما حدث معي .. هنا انفجر أحد الرجال بالضحك و قال ل”أبي أحمد” يبدو أنك كبرت بالسن ، و أصابك الخرف فما كان من “أبي أحمد” إلا أن غضب غضباً شديداً .. و قال كنت أعلم أنكم ستسخرون مني و لكنني أعلمتكم بالحقيقة ثم ذهب مغاضباً ..

و في هذه الأثناء يطل على الرجال شابٌّ فيقول “أبو صلاح” أهلاً بابن أختي ، متى وصلت فيقول له الشاب قبل قليلٍ يا خالي .. ثم يلتفت “أبو صلاح” ليعرف الرجال على الشاب ، و يقول لهم هذا “سامي” ابن أختي فيرحب به الرجال .. هنا ينظر “سامي” إلى خاله و يقول له ما بال هذا الرجل انصرف من عندكم و هو في حال الغضب ، فقال له أحد الرجال لا عليك فقد أخبرنا أن هناك سفاحاً رهيباً كان يرمقه من بين أشجار الوادي و كاد أن يقتله .. هنا شعر “سامي” بالصدمة و قال أحقاً ما قال الرجل ، فقال له خاله لا عليك منهم هم فقط يمازحونك هلم معي للبيت هيا ..

يمكث “سامي” عند خاله مدةً من الزمن ، و في يومٍ من الأيام يقرر “سامي” الذهاب إلى البلدة المجاورة لإحضار بعض الأغراض .. و هذه البلدة يفصل بينها و بين بلدة خاله الوادي المخيف ، المهم يصل الشاب إلى البلدة المجاورة و يقضي يومه الكامل هناك .. و من حيث لا يدري يمر الوقت عليه سريعاً و قد هبط الليل ، هنا يقرر “سامي” العودة لبلدة خاله و لكن يتفاجأ بالوقت قد تأخر .. و لم يعد هناك حركة مرور و ينتظر “سامي” مجيء سيارةٍ ما و لكن دون جدوى ، هنا يقرر “سامي” العودة إلى منزل خاله سيراً على الأقدام ..

و بالفعل يخرج “سامي” من البلدة و يواصل طريقه حتى وصل إلى الوادي ، نظر “سامي” للوادي و قال في نفسه فعلاً إنه وادٍ مرعب .. و لكن يجب علي أن أجتازه فماذا سوف يحصل لي لا يوجد شيءٌ هناك ، و بالفعل يتجه “سامي” إلى الوادي و يبدأ مشواره الرهيب فيه .. و أثناء سيره كان يلتفت في كل الاتجاهات من شدة الخوف ، و عند وصوله إلى منتصف الوادي أصبحت أشجار الزيتون أكثر كثافة .. و لاحظ نبع ماء يمر من هناك و وسط هذه الأجواء إذ ب”سامي” يلاحظ فجأةً رجلاً ضخماً يجلس على صخرةٍ بين الوادي ، و كان ينظر للجهة المقابلة فتوقف “سامي” عن المسير و أصبح لا يعرف ماذا يفعل .. بعدها لاحظ “سامي” رجلان يمسكان برجلٍ ثالثٍ مقيدٍ ، و كان يبكي و يتوسل بأن يتركاه و ما أن وصلا للرجل الضخم حتى أخذ الرجل المقيد منهم و طرحه أرضاً .. و انهال عليه بالمفك يمزق جسده و صار الرجل المقيد يصرخ بصوتٍ عالٍ يصم الآذان ..

هنا “سامي” كاد أن يغشى عليه من هول ما رأى ، و قام بإطلاق ساقيه للريح و هو يركض بشكلٍ جنوني .. و صار يصعد إلى الوادي باستخدام قدميه و رجليه و هو ما زال يسمع و يرى ما يحدث خلفه من هول ، و ما هي إلا مدة بسيطة حتى وصل إلى الطريق المؤدي لمنزل خاله ليستلقي بعدها على الطريق لا يكاد يستوعب ما يحدث .. و فجأة صمت الصوت القادم من الوادي و هنا ينهض “سامي” ، و ينظر باتجاه الوادي ليشاهد رجلاً يقف بلا حراكٍ بين الأشجار و جسمه ينزف دماً .. وصل “سامي” لبيت خاله و هو في حالةٍ يرثى لها ، صدم خاله من حاله و سأله من الذي فعل بك هذا فقال “سامي” و هو يكاد يغشى عليه من الخوف لقد صدقكم “أبو أحمد” .. هناك سفاحٌ طليقٌ قام بقتل رجلٍ أمامي ، استغرب “أبو صلاح” مما قاله “سامي” و قال له حدثني بالتفصيل ما الذي حدث معك و ما هي أوصاف القاتل و المقتول .. فأخبرهم “سامي” بكل ما حدث معه و بأوصاف الرجال ، هنا أُصِيبَ “أبو صلاح” و عائلته برعبٍ شديد و قال ل”سامي” أنت يا ابن أختي لم تَرَ سفاحاً و إنما رأيت عملية إعدام “ياسر” .. أنت رأيت عفريته يا “سامي” ..

و يقال أن هذا الوادي ما زال يُسْمَع منه أصوات الصراخ ، و لا زال “ياسر” يُرَى هناك حتى يومنا هذا .. و الله تبارك و تعالى أعلى و أعلم بالحقيقة ..

تاريخ النشر : 2018-12-21

guest
15 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى