منوعات

التجربة الاكثر رعبا وخطرا

عام 1958 أراد العالم الامريكي جون بي كالهون معرفة بعض السلوكيات الفطرية في الخلق. باختصار أراد اختبار ردة فعل كائنات ما عند توافر جميع الظروف الملائمة و كأنها الجنة.. تماما كما أسماها هو. فقام بتجربة علي الفئران و أسماها الجنة أو الكون الصغير.. أو باسم علمي أكثر (الحوض السلوكي) أو كما أطلق عليها أيضا تجربة الكون 25. وذلك لدراسة ما السلوك الناتج عن تلك الظروف غير الاعتيادية بالنسبة لهم و إلى ماذا قد تؤول الأمور في ظل النمو السكاني اللانهائي مع وفرة الموارد.

وأنت أخي القارئ قبل القراءة.. ما تفكيرك إذا توافرت جميع ظروف الحياة الملائمة والمثالية للعيش من مال و مناخ و غذاء و سلام و زواج و حرية؟ هل سيكون الجميع سعيدا كما هو متوقع ام لا بتلك الجنة؟

تجربة الكون 25 قام بها العالم الأمريكي جون بي كالهون المولود عام 1917 في ولاية تينيسي.. والمشهور بفضوله و دراساته للسلوك الانساني بصفته باحثا نفسيا و أيضا اشتهر بتجاربه على الحيوانات لاسيما القوارض.

blank
العالم الأمريكي جون بي كالهون صاحب فكرة تجربة الكون 25

في عام 1958 أراد عمل تجربة لدراسة ما أقصى حد قد يتحمله العالم إن ازداد عدد السكان ووصوله لمرحلة الانفجار.. كل هذا في ظل ظروف مثالية للمعيشة كما أرادها بالتجربة.

إقرأ أيضا : تجربة ميلغرام : التجربة التي صدمت العالم

قام كالهون و فريقه بإنشاء أربع أقفاص ضخمة متصلة أو ما أسموه “يوتيوبيا الفئران”. وهي ليست أقفاصا بحجم عادي، بل كانت كبيرة لتضمن مساحة تستوعب حجم النمو السكاني الذي سيظهر في مستعمرة القوارض تلك فيما بعد. ووضعوا كميات غير محدودة و غير نهائية من الطعام المحبب لتلك الفئران و أيضا الماء. ووضعوا في البداية أربعة أزواج من الفئران.. أي أربعة ذكور و أربع إناث تم اختيارهم من قبل كالهون بنفسه لأنه أراد فئران بحالة صحية ممتازة خالية من الأمراض.. ووضعهم في درجة حرارة ثابتة و مناسبة في بيئة محكمة و خالية من أي تهديد.

و كما هو متوقع قضت الفئران وقتها مرفهة و متخمة بكمية الطعام الموفرة لها.. وعوض الوقت الذي تقضيه في البحث عن الطعام و التجول عادة قضوه في النوم و اللهو و التكاثر. مضت الأيام على خير و بدا العصر الذهبي لتلك المستعمرة بسلام، حيث لا يوجد ما يقلق راحتهم أو يهددهم من حيوانات أكبر منهم. أي أن تلك الفئران لم تختبر يوما شعور الخوف و التهديد أو المطاردة. و لديهم كل مايريدونه من غذاء و ماء و صحة و جنس و أمان ولعب.

تجربة الكون 25
الوسط الذي قامت فيه تجربة الكون 25

و ظل عددهم يتكاثر بسرعة، و بعد 300 يوم تحديدا وصل عددهم إلى قرابة ال600 فأر و بعد 560 يوم وصل عددهم إلى قمة ذروته، و بلغ عدد سكان تلك المستعمرة قرابة 2200 فأر و هنا كانت بداية النهاية و انقلاب جنتهم تلك إلى جهنم.

حيث أنه بعدما وصلوا قرابة الألفي فأر بدأ العدد في الانخفاض مرة أخرى و لكن لماذا؟ ظهر تغير كبير في سلوكياتهم حيث أنهم أصبحوا عدائيين مع بعضهم.. و أصبحوا يتقاتلون للحصول على مكان لهم في ظل ذاك التفجر السكاني في المستعمرة. و من ثم ظهرت سلوكيات أكثر عدائية حيث أصبحت الفئران تقتل بعضها البعض، و أصبحوا أكثر نشاطا عن ذي قبل .. بل وأصبحت الفئران تأكل لحوم بعضها رغم توافر الطعام بشكل طبيعي.

إقرأ أيضا : تجربة النوم الروسية: بين الحقيقة و الخيال

بعد فترة فقدت الإناث الرغبة في الأمومة تماما، حيث عند أي ولادة تتخلى الأم فورا عن أبنائها ولا تعرفهم ولا تقوم بأي واجب أمومي نحوهم بل تنفر منهم. فقد توقفت غريزة الأمومة تماما بهن، وظهرت حالات من الشذوذ الجنسي بين الذكور في نفس الوقت.. وبعد فترة توقف الذكور عن محاولة الإنجاب.

اعتقد جون كالهون أن السبب وراء ذلك هو الإجهاد المتواصل الذي يصيب الذكور وسط تلك المعركة وحالة الفوضى بالأقفاص.. و أيضا بسبب فقدان الإناث لجاذبيتهن على حد استنتاجه.

بعدها أصبح الوضع مزريا، و أصبحت الأقفاص حلبة للقتال. وفقدت كافة الفئران من الذكور أو الإناث أي رغبة لعملية التكاثر ولم يعد هنالك أي حوامل. ومن كانت تلد في بعض الحالات كانت تنفر أبنائها فورا بعد الولادة. وفقدت الفئران أي رغبة للتواصل أو اللعب معا.. مع العلم أن الفئران كائنات اجتماعية في طبعها الأصلي ولا تفضل أن تكون وحيدة أو منفردة. و أصبحت كائنات معقدة مصدومة، أو بالأصح بلهاء لا تفعل شيئا سوى النوم و انتظار الطعام و الأكل. و من ثم العودة إلى أماكنها للنوم مرة أخرى أي أنها أصبحت أقرب لروبوتات عما كانت في وضعها الفطري الطبيعي.

blank
أصبحت الأقفاص حلية لقتال الفئران وتغير وضعها الفطري الطبيعي

بعدما انتهت تلك المجزرة وتبقت بعض الأماكن مع استمرار الفوضى ظهرت فئة من الفئران تفضل الانعزال و البقاء وحيدة في أماكن بعيدة عن باق التجمعات. ولا تفعل شيئا محددا. أسمي جون بي كالهون تلك الفئة “الجميلون” لأولئك الذين فضلوا الانعزال وحيدين.

و في اليوم 600 مجرد ما كان هو موجود حقا هو بقايا لتلك المستعمرة التي كانت شبه منتهية. كان كل ما هو بها عبارة عن عدة فئران قليلة لا تتفاعل معا، و فقدت أي رغبة اجتماعية. ولا توجد فئران صغيرة، ولا توجد فرصة لتواجدها أصلا بسبب توقف التكاثر، و تعتبر التجربة قد انتهت على تلك النتيجة المأساوية.

إقرأ أيضا : تجربة الخروج من الجسد و الديجافو

أراد جون كالهون إثبات صحة نظرياته حول خطر الانفجار السكاني عن طريق تجربة الكون 25 المروعة. حيث أن جميع تلك التصرفات التي سجلها وتابعها وأسماها “الحوض السلوكي” قد تصبح واقعا بشريا يوما ما إذا واصل البشر نموهم السكاني على نفس المنوال الحالي ما لم يتم وضع حل ما لتلك الأزمة و أنه من المتوقع حدوث انهيار اجتماعي مماثل.

و استمر كالهون في تجاربه و أبحاثه المماثلة حتى بعد تقاعده من معهد الدراسات العقلية الأمريكي، واستمر في تلك الأبحاث حتى وفاته في العام 1995.

blank
كانت نهاية التجربة مأساوية

-شخصيا- أرى أن البشر ليسوا كالفئران، و ما يقرب جماعات أو عرقيات معينة اكثر مما يفرق في عالمنا. ولو أنه لو حدث انهيار اجتماعي ما فسيكون غالبا بسبب نقص الموارد و الصراع عليها لا لمجرد كثرة العدد، و هذا ما يعاكس التجربة التي توفرت بها موارد لا محدودة حتى في ذروة الانفجار السكاني. فكوكب الأرض ليس بالصغير، و أيضا موارده تحتمل الكثير من البشر أكثر من العدد الحالي إذا تم توزيعها بشكل عادل بين الشعوب بالفعل.

وأنت أخي القارئ ما رأيك في التجربة عموما، و ما توقعك للمستقبل البشري في ظل استمرار النمو السكاني بنفس الوتيرة الحالية؟ و هل أنت ممن يرون أن كوكب الأرض لا يحتمل بشرا أكثر؟ و أن الموارد تتناقص يوما بعد يوم؟ أم أنها مجرد دعاية و خدعة من طرف ما لاحتكار موارد لطرف ما؟ شاركنا رأيك في التعليقات.

ملاحظة : جميع حقوق المقال محفوظة لموقع كابوس . لا يحق لأي شخص كان النقل الحرفي أو المرئي للمقال المنشور دون إذن مكتوب من إدارة الموقع . وتترتب المسائلة القانونية المنصوص عليها على كل مخالف للتنبيه المذكور .

المزيد من المواضيع المرعبة والمثيرة؟ أنقر هنا
المصدر
Wikipediaموقع اهتم بنفسكThe scientist
guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى