أدب الرعب والعام

تجربة محظورة

بقلم : محمد خالد دسوقي – مصر
للتواصل : [email protected]

تجربة محظورة
السفر عبر الماضي يمكننا من التحكم في كل شيء

 أستيقظ من النوم أنظر حولي ، على فراش في غرفة متواضعة أثاثها من طراز قديم أشعر بألم و وجع في رأسي ، لا أعرف أين أنا ولا أتذكر غير أن إسمي بيتر ! أسمع طرقات على باب الغرفة ، تحركت في صعوبة ، فتحت الباب ، وجدت شخص طويل و نحيف قليلاً ذو بشرة سوداء يحتضنني بقوة ويقول : اشتقت لك يا بيتر ، كيف حالك الآن ؟.

صمت قليلاً ثم قلت : أنا بخير ، من أنت ؟.

نظر لي بابتسامة و قال : لقد حدثنا الطبيب أنك ستفقد الذاكرة لبعض الوقت ، أنا صديقك هنري.

ثم أخرج صورتان من جيبه وقال : هذه جدتك هي الآن تنتظرنا.

قاطعته : تقول جدتي !.

قال : نعم.

قلت له : و أين هي .

 قال : في المنزل تنتظرك .

قلت وأنا أنظر حولي : إذن ما هذا المكان ؟ .

قال : إنها غرفة فندق جئت بك إلى هنا حتى تفيق لكي لا تفزع جدتك بعد الحادث .

قلت : أي حادث ؟.

قال : صدمتك سيارة أثناء سباق الدراجات ، ألم تتذكر ذلك أيضاً ؟.

قلت : لا أتذكر شيء ، دعنا نذهب من هنا .

انطلقنا بسيارة هنري من الفندق إلى منزلي حيث أعيش أنا و جدتي كما يقول .

تذكرت أن هنري أخرج صورتين في الفندق كانت إحداهما لجدتي ، فسألته عن الصورة الثانية ؟.

قال وهو يخرجها من جيبه : كنت أريد أن أنبهك فقط ! فإن صاحبة الصورة لن تقبل تحت أي ظرف أن تنساها حتى لو لم تتذكر بقية العالم .

قلت له وأنا أنظر إلى الصورة : من هذه الجميلة ؟.

قال : هذه هيلين حبيبتك وهى الآن في انتظارنا مع جدتك .

لا أعرف سبب سعادتي الكبيرة لمعرفة ذلك .

إنها حقاً رائعة الجمال .

وصلنا إلى المنزل و كانت جدتي أمام الباب ، إمرأة عجوز تجاعيد وجهها بارزة ، ضمتني إليها وهي تبكي و تقول : لا تفعل ذلك مجدداً يا بيتر لقد كنت قلقة جداً عليك .

خلفها كانت تقف هيلين الجميلة وجهها مبهج كزهرة عباد الشمس وشعرها الأشقر الذي يتطاير علي وجهها مع نسمات الهواء .

لم أعرف كيف أتصرف حين رأيتها تركض نحوي وتحتضني بقوة .

دخلنا إلى المنزل جميعاً ، كانت هيلين و جدتي قد حضرا الغداء وأخذنا نتحدث كثيراً .

حتى أني تذكرت أشياء عنهم هم الثلاثة ، لكني لم أتذكر أي موقف يجمع بيني وبينهم في الماضي ، لكن رغم ذلك كنت سعيد أنني بينهم الآن وكأن حياتي تبدأ من جديد .

بالطبع كنت أحب أن أتذكر كل لحظة مع حبيبتي هيلين و جدتي الحنونة و صديقي هنري .

مضت عدة أسابيع.

أنا سعيد للغاية ، جدتي حنونة جداً معي و تخاف على وتهتم بي ، وهيلين التي أشعر بحبها مع كل كلمة تنطق بها وكل نظرة منها ، انها جميلة وبريئة ، كان وجودها معي يملأ حياتي بالبهجة والسعادة والحب ، و هنري صديقي هو بمثابة أخي ، يقف بجانبي و يساندني دوماً كما قالت جدتي.

لا يضايقني سوى بعض الكوابيس التي أراها كل ليلة ، حيث أرى أني مُلقى على سرير داخل مستشفى بدون أقدام لا أستطيع الحركة ، تتكرر هذه الكوابيس كل ليلة .

وفي أحد الأيام خرجنا أنا وهيلين وهنري الذي اصطحبنا بسيارته إلى أحد المنتزهات وعندما أكلن شعر هنري بألم شديد في معدته ، كان لا بد من نقله إلى أقرب مستشفى .

حملناه أنا وهيلين إلى السيارة وذهبت به إلى مستشفى قريبة بمساعدة هيلين التي كانت تدلني علي الطريق لأني لا أتذكره .

نقف في أحد طرقات المستشفى ، أتى طبيب وطمأننا على حالة هنري وقال سيخرج معكم بعد ساعة .

لا أعرف ماهية المشاهد التي رأيتها في عقلي وقتها ، عن وجودي داخل مستشفى أخرى والأطباء حولي لكن كنت أنا المريض ، لم يكن شيء واضح كأني داخل حلم ، استففت على صوت هيلين وهي تقول : هيا لنأخذ هنري للمنزل .

خرجنا ثلاثتنا من المستشفى ، هنري لا يزال متعب ، صعدنا إلى السيارة و ذهبنا إلى منزله ليرتاح  وعدنا أنا وهيلين إلى جدتي .

في اليوم التالي أتى هنري وكانت حالته قد تحسنت كثيراً .

جلسنا نحتسي بعض القهوة ، لاحظت أن هنري يطيل النظر إلي ، قلت له : ما بك يا هنري ؟.

قال : ماذا حدث أمس ؟.

قلت له : لقد مرضت وذهبنا بك إلى المستشفى .

قال : حقاً !.

ثم أكمل وقال : كيف ؟.

قلت له : ما بك يا هنري ؟ لقد مرضت وذهبت بك إلي المستشفى بالسيارة ، ما الغريب في ذلك ؟.

قال : الغريب يا صديقي أنك لم تتعلم القيادة أبداً ولم تقود سيارة من قبل لذلك كنت تحب ركوب الدراجات .

فقل لي : كيف تمكنت من قيادة سيارتي أمس بكل سهولة ذهاباً وإياباً ؟.

نظرنا لبعضنا البعض في استغراب ثم ساد الصمت قليلاً.

– هنري أحقاً ما تقول ؟.

– نعم يا بيتر ، هيلين أيضا تعلم ذلك ولم تخبرك بشيء .

– قلت لها : أني كنت أعلمك القيادة لتفاجئها .

– ما بك يا بيتر أنت تغيرت كثيراً بعد الحادث ؟.

قلت له كيف ؟.

قال : أنا لا أعرف كيف نجوت من هذا الارتطام ، لقد ظن الجميع أنك فارقت الحياة .

عندما نقلناك إلى المستشفى كنت شبه ميت واستمرت الغيبوبة لشهر ، و حين حدثني الطبيب إنك استعدت وعيك ، كانت معجزة بالنسبة لنا مما جعلني أذهب بك لأحد الفنادق بعيداً عن جدتك حتى تتماثل للشفاء .

– كنت أعرف للمرة الأولى أني كنت في غيبوبة ،

لا أعرف ما بي يا هنري ، أرى كوابيس غريبة كل يوم ، أرى أني داخل سيارة معي سيدة و طفلان ونصطدم بشاحنة كبيرة ، كأني أرى مشاهد من حياة شخص أخر ، لم أخبر أحداً غيرك بهذه الكوابيس فأنا لا أريد أن أقلقهم مرة أخرى .

قال هنري : لا بأس ، ربما يكون ذلك من تأثير الحادث والغيبوبة التي مررت بها .

نظرت إلى هنري وقلت : أي حادث وأي غيبوبة تلك التي أتعلم منها القيادة ؟.

كنت أنظر لهنري الذي بدا على وجهه الاستغراب والحيرة .

مرت الأيام و تلك الكوابيس تطاردني و قد زادت عن كونها مشاهد صغيرة إلى تفاصيل كاملة وحياة أرى نفسي فيها .

لكن لم تكن جدتي و لا هنري ولا هيلين بها ، كنت أرى سيدة أخرى ، كانت زوجتي ولدينا طفلان صبي وفتاة ، كانت تناديني توم ، و تنتهى معظم الكوابيس بحادث السيارة .

وأرى نفسى على فراش مستشفى لا أتحرك 

أطباء كُثر حولي من بينهم طبيب أعرفه جيداً ، كنت أنادى عليه كثيراً في كوابيسي ، يُدعى دكتور ” بيل ” .

مرت عدة أيام كنت أجلس بمفردي كثيراً و أفكر ماذا يحدث لي ، أشعر أني منقسم إلي نصفين ،

نصف ” بيتر ” والنصف الآخر ” توم ” الذي أرى مشاهد حياته بالتفصيل ، لا أعرف ما العلاقة التي تربطني به و لماذا أشاهد كل هذه الكوابيس ؟.

أسمع طرقات على باب غرفتي ، إنها جدتي : تفضلي.

قالت : ما بك يا بني لما تمكث في غرفتك كثيراً هذه الأيام ؟ أحدث مني شيء ، أأنت غاضب مني ؟.

ضممتها وقلت : لا يا حبيبتي ، لست غاضب منك ، أنا مرهق قليلاً فقط .

قالت جدتي : ماذا بك ؟.

قلت لها : تراودني كوابيس كل ليلة عن حياة أخرى أعيش فيها .

قالت جدتي وهي تبتسم : أنا لدي علاج لحالتك.

قلت لها : أي علاج ؟ .

قالت : لا بد أن تتزوج وتصنع حياة واقعية بديلة للحياة التي تراها في كوابيسك .

تذكرت هيلين الجميلة ، أنا أحبها كثيراً.

قلت لجدتي : سنتزوج الأسبوع القادم إذن .

فرحت جدتي وضمتني إليها بقوة .

في اليوم التالي عندما جاءت هيلين وقلت لها ، غمرتها سعادة بالغة وأخذت تقبلني و تضحك ، إنها ساحرة في كل شيء ، أنا سعيد لوجودها في حياتي ، أريد أن ينتهي عمري وأنا بالقرب منها .

في الليلة التي تسبق الزفاف أجلس في غرفتي فرحاً أقول لنفسي : غداً سأتزوج من هيلين حبيبتي.

أحضر لي هنري بدلة جديدة و زين سيارته بالورود ، سيأخذنا إلى المطار بعد الزفاف و سنقضي شهر العسل في الخارج ، نمت و أنا أريد أن يذهب الليل سريعاً حتى يأتي نهار زواجي من حبيبتي هيلين.

في صباح اليوم التالي استيقظت من النوم أنظر حولي .

– ما هذا ، أين أنا ؟.

أرى أني على فراش داخل مستشفى موصولة بي أجهزة كثيرة ، يوجد أطباء حولي ، أحاول أن أركز في وجوههم .

– ما هذا .

هؤلاء الأطباء الذين يظهروا في كوابيسي ، أنا أحلم ، لكن كل شيء واضح .

صرخت فيهم : أين أنا و من أنتم ؟.

قال أحدهم : كيف حالك يا توم ؟.

– أنا دكتور ” بيل “.

أنظر له في ذهول : دكتور بيل أنت حقيقي !.

أنا أحلم ، أنا داخل كابوس الآن أليس كذلك ؟.

أريد أن أستيقظ ، سأتزوج اليوم و ينتهي كل شيء .

– للأسف يا توم انتهي وقت التجربة و لن تعود لحياة بيتر مرة أخرى .

قلت و أنا أصرخ في وجهه : أنا لست توم ، أنا بيتر ، أنا بيتر .

قال دكتور بيل : ستستعيد ذاكرتك خلال ساعات ، أنت كنت نموذج لتجربة سفر عبر الزمن .

صوت طبيب آخر يقول : دكتور بيل لا بد من إعطائه الحقنة الثانية الآن .

اقترب مني أحدهم وغرز حقنة في رقبتي غبت بعدها عن الوعي ، عندما عدت ثانية  نظرت حولي غير قادر على التركيز ، اقترب مني دكتور ” بيل ” وعرض لي فيديو أظهر فيه وأقول :

أنا توم بيريز أعلن موافقتي الكاملة وأنا بكامل حريتي بدون إجبار على خوض تجربة السفر عبر الزمن ، لمدة ثلاثة شهور فقط أو كما يرى دكتور بيل ، و هذا إقرار مني بذلك وأتحمل كامل المسؤولية مهما كانت تبعات هذه التجربة.

لا أعرف كيف وافقت على ذلك ، هذا جنون .

نظرت لدكتور بيل بغضب و أنا أقول كيف جعلتني أوافق على ذلك ، كيف وافقت أن أصبح فأر تجارب ، كيف ؟.

وهممت بالنهوض من على الفراش ، لكني لم أستطع .

– أنا لا أتحرك ، لا أشعر بقدمي و لا يدي ، أنا عاجز تماماً مثل الكوابيس .

دكتور بيل تحدث بهدوء وقال : توم أنت طلبت مني أن تكون من يخوض تلك التجربة بعد الحادث الذي تعرضت له أنت و زوجتك وطفليك ، بعد موتهم جميعاً لم يتبقى لك أحد ، أصبحت عاجز عن الحركة أو الجلوس ، لن تتحرك من هذا السرير أبداً ، وقد عرضت عليك خوض التجربة بعد مذكرة ( الموت الرحيم ) التي قدمتها لأنك لا ترغب أن تعيش باقي حياتك هكذا ، وعندما تم رفض طلبك لأن القوانين هنا تعتبر الموت الرحيم جريمة ، أنت من طلب خوض التجربة في سرية ، لأن تجارب السفر عبر الزمن محظورة وخاصةً السفر للماضي 

بعد أن تمكن بعض العلماء من اكتشاف عدة طرق للسفر عبر الزمن ودمج المسافر مع توأمه في الزمن الآخر ، توصل العلم أن لكل شخص توأم مطابق له في كل شيء لكن بحياة مختلفة و يظهر كل مائتي عام ، وأنت كنت التجربة السرية الأولى بعد حظر مثل هذه التجارب .

قلت له : كيف فعلت ذلك ؟ أنا كنت متأكد أني بيتر ، وكيف تم دمجي في حياته وأين ذهب هو أثناء وجودي ؟.

رد دكتور بيل : السفر عبر الماضي يمكننا من التحكم في كل شيء لأننا نعلم ما حدث في الماضي و نعلم أن توأمك بيتر تعرض لحادث ولم ينجو منه وتم استبدالك به أثناء الغيبوبة ، بعد إدخال بعض الذكريات من حياته إلى عقلك لتتعرف على اسمك والأشخاص القريبة منك.

قلت له غاضباً : لماذا لا تتركني إذن في زمن بيتر ، على الأقل كنت قادر علي الحركة و بين عائلة تحبني ، و كنت سأتزوج من هيلين الجميلة ، لماذا لا تتركني ؟.

– لم يكن بيدينا شيء يا توم ، كان لابد من رجوعك لعالمك الحقيقي في الوقت الحاضر قبل أن تغير شيء في الماضي ، أنت تعلم لماذا تم حظر تجارب السفر عبر الماضي ، لأن أي تغيير بسيط في الماضي سيغير في المستقبل ، مثلاً ماذا لو قابل شخص ما جده في الماضي و كان لا يزال شاباً وهو لا يعرفه و قتله ، فأن عائلة هذا الرجل لن تكون موجودة في المستقبل ، هذا مثال بسيط ، فماذا لو قتلت قائد جيش أو زعيم دولة أو عالم أكتشف معادلة أفادت البشرية في المستقبل ؟.

وصولنا للماضي ضرره أضعاف فائدته و لهذا تم حظر هذه التجارب ، و ستعدم كل المعادلات التي تمت في هذا العلم  لكي لا تُستغل من أحد لا يعرف مقدار الضرر الذي يمكن أن نتعرض له في الحاضر والمستقبل .

كنت أسمع كلام دكتور بيل وأنا أبكي ، كيف بعدما رأيت حياة بيتر وما ينتظره من زواجه من هيلين وحب جدته له و صديقه هنري ، إلى أن أتقبل وجودي هنا وحيد و عاجز على هذا الفراش في حياة توم .

 

النهاية …..

 

 

تاريخ النشر : 2019-01-07

guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى