أدب الرعب والعام

تلك الفتاة الرقيقة

بقلم : UEE

اشرقت الشمس وحل الصباح كان يوما ربيعيا جميلا تملؤه زقزقة العصافير..الشمس ساطعة والهواء عليل
استيقظت انيا من نومها وفتحت الستارة ، كانت انيا فتاة جميلة رقيقة عيناها تشع بالبراءة من اسرة ارستقراطية في الثامنة عشر من عمرها تعيش مع والديها ولديها اخ واخت وهي الصغيرة المدللة
نظرت من النافذة نظرة عميقة وهي تسرح بأفكارها عن الليله الماضية لقد اخبرهم والدها انه سيكتب وصيته وسيترك نصف ممتلكاته لاخيها الكبير جون والنصف الاخر سيتبرع بنصفه الى المؤسسات الخيرية بينما ربع الميراث سيكون من نصيب انيا واختها صوفيا ووالدتها
اعترضت صوفيا ووالدتها بشدة واعترض جون على ترك ربع الميراث للمؤسسات الخيرية واخبر والده انه اولى به فتشاجروا ونهضوا عن طاولة الطعام بينما صمتت انيا ووهي تراقب المنظر بتلك العينين البريئة نظر اليها والدها وقال لها: وانتي ما هو رأيك يا انيا
انيا:ابي انا اوافق على اي شيء تقرره فبالتالي هي ممتلكاتك وانت حر في فعل ما تشاء بها ونظرت اليه برقة وابتسمت ثم ذهبت اليه واحتضنته
والدها :لا شك انتي الوحيدة التي تفهمني دائما…لهذا السبب انتي اغلى شخص لدي
اشاحت بنظرها عن النافذة ثم تنهدت انيا بعمق وقالت:اه جميعهم حمقى
ثم غيرت ثيابها ونزلت لتتناول الفطور مع والدها الوحيد
نظرت انيا الى والدها فرأته قد تملكه الحزن
انيا : لا تقلق ابي سوف يتفهمونك يوما ما
والدها: لا اعلم ماذا كنت سأفعل من دونك عزيزتي

ذهب والدها الى عمله ,اما انيا فذهبت الى مكانها المفضل الذي انشأه لها والدها دخلت الى مكتبتها المليئة بمئات الكتب من كل الاصناف جلست على الطاولة واخذت تقرأ احد الكتب بنهم

مر يومان وفي اليوم الثالث وبينما هي جالسة في مكتبتها سمعت صراخ احدى الخادمات قادم من مكتب ابيها فاخذت تهرول بتلك القدمين الرقيقتين الى ان وصلت وجدت والدها واقع ارضا وحوله عائلتها والخدم ,تسمرت انيا في مكانها ولم تعرف ما تفعل ,الى ان اقترب رئيس الخدم من والدها وهنا كانت الصدمة لقد اخبرهم انه قد توفي

لم تتمالك انيا نفسها واغمي عليها من هول الصدمة

اتى المحققون واقترحوا ان يجروا تشريحا للجثة لكن عائلتها رفضت تدنيس جثة والدها ,ولكن انيا اصرت على اجراء التشريح لأنها لم تستوعب كيف لوالدها القوي ان يموت فجأة وبدون اي سبب وبعد اصرار انيا قرر المحققون انهم سيجرون التشريح ,وللمفاجأة فقد وجدوا انه قد تم تسميمه بالزرنيخ فقلبوا البيت رأسا على عقب يبحثون عن الادلة وقاموا بأستجواب الجميع دون فائدة وبعد قرابة الاسبوع وجدوا علبة زجاجية ملقاة بعيدا في الحديقة وعند فحصها تبين عليها اثار الزرنيخ ووجدوا بصمات جون ,ثار جون وادعى البراءة ولكن الادلة والدافع كانت كافية لأدانته

حكم على جون بالسجن المؤبد وانتزع منه لقبه وارثه وقامت صوفيا ووالدتها بمقاطعته, ولكن انيا لم تستطع مقاطعة اخيها الوحيد ,فكانت تذهب وتزوره في السجن وتأخذ له بعض الحاجيات

مرت سنتان وذات يوم اتى صديق والدها لزيارتهم مع زوجته وابنه الوحيد سيباستيان ,كان سيباستيان في الخامسة والعشرين من عمره شاب وسيم وطويل وعيناه تنضح بالكاريزما, عندما رأته الفتاتان اعجبتا به وهو ايضا قد اعجب بهما لا سيما بصوفيا ,لم يعني ذلك انه لم يعجب بأنيا ولكن كان اعجابه بصوفيا اكثر ,رأت انيا ذلك واثرت ان تفضل عائلتها على قلبها فتركت المجال لصوفيا وسيباستيان كي يتعرفا على بعضهما فيما ذهبت هي الى مكانها المفضل وانغمست في قراءة احد الكتب

مرت الايام ولاحظت انيا ووالدتها تصرفات صوفيا الغريبة

وفي احد الايام أتت انيا وبيدها كوب من مستخلص الشيح وبعض قطرات زيت الميرمية كعادتها وناولته لشقيقتها لتشربه كالعادة وجلست قبالتها
اخذت انيا تتحدث مع صوفيا عما يدفعها للتصرف بهذه الطريقة ولكن دون جدوى بدلا من ذلك اخذت تهلوس وتتحدث عن سيباستيان انه شيطان واتى لكي يغويها ويأخذها للجحيم ثم اخذت تصرخ بهستيريا وتحطم اغراضها عندما دخلت احدى الخادمات وهي تقول ان سيباستيان قد وصل ويريد مقابلتها

سمع سيباستيان الضجة وذهب راكضا ليرى ما الذي يحدث ,وعندما دخل رأى صوفيا وهي بحالة هستيرية وقد تمزقت ثيابها وتحاول اقتلاع شعرها وانيا تمسك بها بكل قوتها لكي لا تؤذي نفسها الى ان استطاعت تهدئتها فقامت بحضنها وعينيها الرقيقتين تتلألآ بالدموع وهي غير مصدقة ما يحدث لشقيقتها الغالية ,كان سيباستيان يراقب المنظر وهو مصدوم وحين هدأت صوفيا اعطتها انيا بعض الدواء وارقدتها في سريرها لترتاح ثم ذهبت وجلست مع سيباستيان مرت بضع دقائق بصمت الى ان تحدث سيباستيان:ان حالتها تسوء لما لا تأخذي اقتراح الطبيب وتدخلينها الى مشفى هناك سوف يعتنون بها افضل
انيا: مستحيل لن اترك شقيقتي في مشفى للامراض العقلية
سيباستيان: اذا ما الحل؟؟ هناك سوف يعالجونها ويهتمون بها افضل
انيا: انا سأفعل ذلك ,سوف اعالجها واهتم بها انها شقيقتي الوحيدة
اتت والدة انيا: انيا سيباستيان يقول الصواب ,لما لا نودعها في المشفى حتى تتحسن وتعود لنا
انيا :مستحيل !! واخذت الدموع تترقرق في عينيها الرقيقتين ,ثم نهضت وركضت بأتجاه الحديقة تبعها سيباستيان
رأته انيا: مستحيل !! ذلك مستحيل!! .. وكانت تنظر اليه والدموع تملأ عينيها
سيباستيان:حسنا انيا لن نودعها المشفى ,وذهب اليها واحتضنها بقوة لتكف عن البكاء بينما احتضنته وهي ترتعش وتبكي بحرقة

مر شهر ولم تتحسن صوفيا بل انها ازدادت سوءا وانيا تعتني بها بينما سيباستيان يزورهما دائما وفي احدى المرات حين كان سيباستيان موجودا سمعوا ضجة من غرفة صوفيا كالعادة بعدها سمعوا صراخ الخادمة فهرول سيباستيان للغرفة وهناك وجد صوفيا وقد اتتها نوبه هلوسة وتبدو غير واعية لما يحدث حولها وهي تمسك سكين الفاكهة الملطخة بالدماء ,بينما انيا ممددة على الارض وهي تتلوى وقد تم طعنها في بطنها ,فذهب سيباستيان الى صوفيا وتنازع معها حتى اخذ السكين منها وحمل انيا وذهب بها الى الطبيب طمأنه الطبيب ان جرح انيا سطحي لأن السكين لم تكن حادة ,فتنفس سيباستيان الصعداء ,استيقضت انيا فوجدت سيباستيان بجانبها وهو يمسك بيدها
انيا: اه… سيباستيان ,لقد اتعبتك معي
سيباستيان: انيا,يجب ان نتحدث

نظرت اليه وكأنها تعلم ما الذي يريد قوله فنزلت دموعها وهزت رأسها بالنفي
فنهض سيباستيان وقام بأحتضانها: اعلم ان الامر صعب ,ولكن يجب علينا ذلك ,ماذا لو كانت طعنتك بسكين حادة ,من يعلم ماذا ستفعل المرة القادمة؟؟ ارجوكي يجب ان تكوني قوية وتتخذي القرار من اجلها ,ماذا لو انها طعنت والدتك ؟؟ هل تظني ان صوفيا ترغب بأن تؤذيكما؟؟
انيا:حسنا… سأفعل

ادخلت صوفيا المشفى وبقيت انيا مع والدتها بينما سيباستيان يزورهما بأستمرار ,وقد توطدت علاقة انيا وسيباستيان ,ولكن والدتها لم يرقها ان ينتقل سيباستيان من علاقته بصوفيا الى علاقته بأنيا فأخبرت انيا ان هذا خاطىء وماذا لو ان صوفيا خرجت من المشفى كيف سيكون رد فعلها؟؟
ولكن انيا اكدت لوالدتها ان ما يجمعهما هو صداقة لا اكثر وانها تعتبره كجون لكن والدتها اخبرتها ان تنهي الامور معه على كل حال فوافقت انيا بدون جدال وبعد اسبوع وحين كانت والدتها تريد النزول من الدرج انزلقت قدمها ووقعت نقلوها الى المشفى ولكنها اصيبت بشلل تام لأنها وقعت على رأسها حتى انه اثر على نطقها فأصبحت خرساء ,اخبر الاطباء انيا ان تضعها في مشفى للرعاية ولكن انيا رفضت وفضلت اخذها للمنزل مع احضار ممرضة لرعايتها على اتم وجه

لم تستطع انيا ابعاد سيباستيان في خضم هذه الفوضى خصوصا انه الوحيد الذي بقي برفقتها في هذه الاوقات الصعبة ,فقررت ن تعتمد عليه وان تبقى برفقته

مرت الايام وتطورت العلاقة بين انيا وسيباستيان الى ان عرض عليها الزواج ,تفاجأت انيا وطلبت بعض الوقت لتراجع افكارها ,وبعد قرابة الشهر اخبرت سيباستيان انها موافقة على الزواج منه

مرت الايام والسنين ولكن انيا لم تستطع الانجاب مما تسبب بفتور العلاقة بينها وبين سيباستيان وبمرور الايام اخذت تلاحظ ان سيباستيان مهتم بأحدى الخادمات كانت شابة بالـ 18 من عمرها وكانت مفعمة بالحيوية والنشاط ورائعة الجمال لم تنبس انيا بكلمة لكي لا تزيد الطين بلة وبعد عدة ايام حينما استيقظت من النوم وجدت ان سيباستيان على غير عادته ويبدو كأنه يبحث عن احد ما لكنه يكبح نفسه فسألته انيا: ما بك؟؟
سيباستيان: حسنا لم ارى تلك الخادمة اليوم ،هل اخذت اجازة؟؟
انيا: اي واحدة ؟؟ لدينا العديد من الخادمات
سيباستيان: تلك الشابة …لا اعلم ما اسمها
انيا: تقصد مارج؟؟
سيباستيان: هل كان اسمها مارج ؟؟ لم اعلم
انيا: صحيح ، انها مجرد خادمة كيف ستعلم اسمها ،على كل لقد استقالت على عجل قالت ان والدتها مريضة جدا ولن تستطيع العمل ،لا تقلق لقد اعطيتها الكثير من الاموال لمساعدتها
سيباستيان: اه حقا ؟؟ ما كنت سأقلق
انيا: نحن متزوجان منذ عقد الان ،ما رأيك ان نذهب بنزهه الى احد الجبال ،يقال ان التنزه في الجبال يعيد للمرء حيويته ويساعده على ترتيب افكاره
سيباستيان: حسنا ،لنذهب بعد اسبوع

وبعد اسبوع ذهب سيباستيان وانيا للتنزه في احد الجبال القريبة وبينما كان سيباستيان واقفا على سفح الجبل يستمتع بالمنظر اذ به يتعثر ويسقط هرولت انيا لطلب المساعدة ولكن دون جدوى فحينما وصلوا اليه كان قد فارق الحياة

انهارت انيا من الصدمة ،حزنت بشدة على رفيق روحها ،وحزن كل من عرفها واشفق عليها

مرت السنوات وانيا الارملة الشابة الغنية ترفض كل من يتقدم لها الى ان تقدم لها احد الوزراء ،كان هو الاخر ارمل ،وقد وعدها انه سيفعل اي شيء مقابل الزواج به فقبلت على مضض وقبل الزواج اخذت تفكر في كل ما مر بها

مر عليها طيف والدها وكيف اراد ان يقسم ثروته من دون اعتبار لها وكيف انها اخذت الزرنيخ ووضعته في فنجان القهوة من دون ان تلاحظ الخادمة ثم عادت الى غرفتها وتظاهرت بالاغماء عند رؤيته ،ثم تذكرت كيف انها قبل يومين من الحادث نادت جون لمساعدتها بالشريط اللاصق واخذت بصماته ووضعتها على عبوة الزرنيخ واخفتها
ثم مر بها طيف اختها صوفيا كيف انها اسقتها المخدرات المهلوسة وكيف كانت ترمي دوائها وتضع مكانه ادويه مهلوسه وتسقيها مستخلص الاعشاب المهلوسة لكي تزيد من نوباتها ،ثم تذكرت كيف طعنت نفسها ووضعت السكين في يد صوفيا ليراها سيباستيان ،ثم كيف انها دفعت بوالدتها من اعلى الدرج لتسقط ولكن من سوء حظها انها لم تمت لذلك ابقتها قريبة منها وجعلتها تأخذ ادويه مخدرة بأستمرار حتى لا تستطيع ان تستعيد رشدها… هنا تنهدت انيا بعمق انيا: لم يكن يستحق كل هذا العناء

ثم عادت الى افكارها وتذكرت كيف انها رأت سيباستيان مع مارج وهما يتعانقان ويتبادلان تلك النظرات ،وكيف انها لاحظت ان مارج حامل وهي تعلم جيدا من هو الاب ، وكيف انها اخبرتها انها تحتاجها لتخرج معها الى مكان ما ،وبعدها عادت وحيدة بعد ان قتلتها ودفنتها واخفت اي اثر لها ثم ارسلت رسالة الى والدتها تخبرها انها احبت احد الشبان وستسافر معه الى بلد اخر

ثم تذكرت اخيرا كيف القت بسيباستيان من سفح الجبل فتهندت مرة اخرى وقالت : اه…جميعهم حمقى ،وانت يا زوجي المستقبلي اتمنى ان لا تكون احمق ايضا

guest
36 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى