أدب الرعب والعام

ثائر تراقيا

بقلم : علي غدير – فلسطين
للتواصل : [email protected]

كبر هيليوس و كبرت معه قدراته القتالية و شجاعته و أصبح محارباً ..

تراقيا ، أرض البهاء و موطن الأحباء ، أذهلت أعظم الأباطرة بسكونها الأخاذ ، و نهر جمالها الفياض ، لكن و من قوانين الحياة الحتمية أن لا شيء يدوم …

ترعرع هيليوس في قرية صغيرة تدعى (اوكنفيلد) في تراقيا ، و قد كان وحيد أمه ، فأباه توفي قتيلاً على يد جيش الداشيّون المسيطرين على نصف أراضي تراقيا المبعثرة دون قائد أعلى ، فقد كان كل قرية يحكمها زعيم أوحد تم تعيينه بحسب إنجازاته و خبراته .
كبر هيليوس و كبرت معه قدراته القتالية و شجاعته ، و أصبح محارباً من مدافعين القرية الصغيرة ، و قد قاتل في صفوف جيش تراقيا مراتٍ عديدة ، وحارب الدخلاء عدة مرات لكن بلا أمل ، فخسائر التراقيون أكبر بكثير من خسائر الداشيون ، سرعان ماتم الإعلان عن حضور القائد الأعلى لجيش روما (كلاوديوس هيرون) لاجتماع مهم مع جميع محاربي تراقيا و قادتهم ، و كان بطلنا هيليوس أحد الحاضرين …

بدأ الاجتماع بعد تخبطات كثيرة جرت بسبب كره التراقيون لهيرون بسبب خيانة روما لهم ، و قتل القائد هانيبال آنذاك ..
هيرون : مرحباً بكم في الاجتماع أيها الجبابرة ، تراقيا بلد الأمن و السلام ، بلد العود والريحان ، بدأت تتحول إلى أشلاء لتنتهي في طيات الزمان ..
أحد الزعماء : انطق و كفى كلاماً بلا معنى ..
هيرون : كما تريد .. إمبراطورية روما تعرض عليكم دعمها للقضاء على جميع الدواشي ..
يقاطعه هيليوس : الجميع ؟! إلى أي مدى ؟
أحد الزعماء : مع أنه ليس دوره بالحديث ، إلا أنني أوافقه ، الدواشي نهبوا أموالنا ، اغتصبوا بناتنا ، و رمّلوا نسائنا ، و كلما نطردهم خارج قرانا يعيدون بقوات أكبر و جيش أقوى فإلى أي مدى سنصل ؟
هيرون : النصر ، و طرد جميع الداشيّون خارج تراقيا ..

يبدأ الجميع بالصراخ و البهجه و الهتاف بالانتصار ..

عاد هيليوس إلى منزله و وجد أمه جالسة تحت شجرة التوت ..
هيليوس : مابك يا أمي ، هل هنالك مكروه ؟
الأم : لا يا بني ، أنا فقط كنت قلقه عليك ألا تعود ، فآخر مرة رأيت أباك فيها كانت عندما كان ذاهباً إلى وادي أورورا للحرب ..
هيليوس : لا تقلقي يا أمي ، غداً سنقهرهم جميعهم ..
الأم : جميعهم ؟
هيليوس : جميعهم ، أعدك ..
و في اليوم التالي ، يبدأ هيليوس بارتداء دروعه ، و خوذته المعدنيه ، و يلتقط سيف أبيه الذي قطع رؤوس عشرات الداشيّون .. يودع أمه بقبله على جبينها و يتركها تبكي حزناً و قلقاً و خوفاً عليه ..

بدأت الرحلة نحو أراضي أورورا ، واستعد المحاربين للزحف إليها ..
حلّ الليل و قرر جيش التراقيون و الرومان الموحد التخييم بجبال طوروس ، و النوم هناك لشدّ الرحال في الغد إلى أورورا ..
بزغت شمس الشروق و استيقظت الجيوش إلا أن المفاجأة التي حيّرت التراقيون هو زحف الجيوش نحو الغرب ، أي عكس اتجاه أراضي أورورا الشرقية ، ذهب بضعة محاربين و من بينهم هيليوس إلى مخيمات الرومان و تحديداً إلى خيمة هيرون ..
هيليوس : أعتقد أن هناك خطأ ما ، فجيوشك ذاهبون إلى الغرب على عكس طريق أورورا الشرقي ..
هيرون : أعلم ذلك ..
هيليوس : ماذا !
هيرون : سنذهب أولاً إلى البحر الأسود لمحاربة جيوش ميثريداتيس الآتية إلى روما ..
هيليوس : ميثريداتيس ، مستحيل ، سنهلك جميعاً ..
هيرون : إذاً ستموتون بشرف الدفاع عن روما
هيليوس : هيرون ، و لكن هذه ليست خطتنا
هيرون : لقد تغيرت الخطة و إن لم يعجبك هذا فسأعدك مطروداً من الجيش التراقي ، و تعلم ما مصيرك ..
هيليوس : ستدفع الثمن ..
و غادر هليوس و رفيقاه الخيمة .

هيليوس : أيها التراقيون ، لقد تم خداعنا .. يريدنا هيرون أن نصبح دروعاً بشرية لروما ، لكن نحن لن نسمح باستغلالنا ، فنحن لا نخضع لأي حاكمٍ مستبد ، نحن لن نستسلم ننتصر أو نموت !
هتف التراقيون لكلام هيليوس الشجاع و علت صرخات الثورة في الأرجاء ، لتصل على شكل هجوم مدوي إلى هليون و أتباعه الرومان ، لتبدأ حرب بين التراقيّون و الجيش الروماني ، لكن سرعان ما انتهت نهاية مأساوية عنوانها الكثرة تغلب الشجاعه بهزيمة التراقيون ، و لم يتبقى إلا بضعة ناجون انسحبوا و كان هيليوس من بينهم ..

عاد هيليوس فوراً إلى قريته بعد رحلة دامت يوماً و نصف ، و كان كل ما يشغل باله هو أمه و ماذا حل بها ، هل قتلها الرومان ؟ أم الداشيون ؟!
وصل هيليوس إلى قرية أوكينفيلد و علامات القلق و الصدمة باديةً عليه ، فقد رأى القرية تحترق .
ها قد غزا الداشيون القرية العذراء ، و أحرقوا ما أحرقوا و نهبوا مانهبوا ..
هرول هيليوس إلى بيته فوجد أمه تبكي حرقةً على ما حصل ، و تفاجأت و بدأت علامات الصدمة و الفرحة تعلو وجهها فور رؤيتها لابنها هيليوس ، عانقها و بكى فرحاً لرؤيتها بسلامة و على قيد الحياة ..

غادر هيليوس وأمه القرية و مضوا في طريقهم نحو السلام المجهول ، لكن سرعان ما تفاجئ هيليوس برماح تطير في السماء نحوه و أمه ، فوجد أمامه بضعة فرسان رومان بقيادة هيرون ، أشار هيليوس إلى أمه بالهروب ، و هجم على الرومان ، لكن سرعان ما تدارك هيرون الموقف و رمى رمحه الذي غرز في بطن أم هيليوس .
قاتل هيليوس بغضبٍ و وحشيةٍ ، و قتل ما قتل ، و جرح ما جرح ، لكن انتهى القتال بتقييد هيليوس و أسره ..

مضى على سجنه في مدينة كابوا الرومانية عدة سنوات ، و من ثم تم إخراجه و تدريبه كعبد مصارع لأحد النبلاء الرومان ، أظهر هيليوس قوّته و قدراته القتالية في التدريب ، حتى أحرز سلسلة انتصارات ، فأصبح اسمه يعلو بالأفق و أصبحت مناداة الحشد و الجمهور باسمه من الأمور المعتادة في الساحات و حلبات روما الكبرى ، و ذاع سيطه بين نبلاء روما ، و أصبح الجميع يتهاتف على رؤيته يقاتل حتى تفوق على ثيوكليس ملك الحلبات برفقة صديقة الجديد ڤارو ، ليصبح هو البطل الأوحد لجميع حلبات روما ..

غضب كلاوديوس هيرون فور سماعه الخبر ، و أرسل أقوى المصارعين لمواجهة هيليوس لكن هيهات ، فضربة بسيف هيليوس مفعمة بالأسى و الحقد تستطيع إنهاء كل من يقف في طريقة نحو الإنتقام ..
أظهر هيليوس جبروته على جميع المصارعين غيره حتى توصل إلى قيادة العبيد ، و تعبئة رؤوسهم بأفكار التمرّد والإنتقام ، ثار غضب العبيد و هدموا بيت سيّدهم ، و حرروا العبيد في المباني المجاورة ، و خرجوا للاختباء في أحد المعابد المهجورة في غابة فيسوفيوس العظيمة ، لكن سرعان ما تمت خيانتهم من قبل أحد العبيد ، و إخبار القائد هيرون بالأمر و بمكان اختبائهم آملاً بالحرية ، لكن تمت ملاقاته بسهم في رقبته تنهي ضربات قلبه ..

زحفت جيوش هيرون الكبيرة إلى فيسوفيس حتى وصلت بعد يومين إلى المعبد المتواجد عند ضفة نهر أوريليا ، و هاجموا العبيد و حاصروهم في جبل بركان فيسوفيوس العظيم بحلول الليل ، قرر هيرون عدم مهاجمتهم و تركهم يموتون جوعاً كنوع من العذاب ، و ليكونوا عبرةً لمن ينوي التمرد على امبراطورية روما العظمى ، لكن هيهات .. فذكاء و فطنة القائد هيليوس لا تهزم بهذه السهولة ، و نيران غضبه لا تخمد بهذه البساطة ..
فأتت إلى ذهنة فكرة و هي استخدام أغصان شجرة الباسيفلورا المتواجدة على الجبل كحبال ، و ربطها مع بعضها لينزل هيليوس و اثنين من المصارعين الأقوياء ، و هم ليسيسكوس و هيروليس ، باغت القادة الثلاثة حراس الجبل الخمسة بهجوم مدوي بالسيوف، و لم يتركوهم إلا جثثاً هامدة ..

نزل بقية العبيد من الجبل ، و سرعان ما هجموا على معسكرات الجيش ، واستخدموا مدافعهم نحو المعبد الذي ينام فيه قائد الجيش كلوديوس هيرون ..
تسبب العبيد بخسائر فادحة لجيش هيرون ، و سرعان ماقهروهم ، دخل هيليوس و رفاقه المعبد و رأوا أن هيرون مازال على قيد الحياة .
تقاتل هيليوس و هيرون بدون أي تدخل من العبيد ، و كانت المعركة لصالح هيليوس الذي تفوق على هيرون بكل سهولة ، و أطاح به أرضاً قبل أن ينفذ ضربة الانتقام الأخيرة ..
هيرون : أتظن أنها النهاية ؟! ، يوماً ما ، روما سترسل حشوداً للقضاء عليك و يلقوا بحتفك المستحق ..
هيليوس : يوماً ما ، لكنه ليس هذا اليوم ..
وجه هيليوس ضربة الانتقام التي قضت على هيرون ، و غرز سيفه في بطن هيرون و أرداه قتيلاً ممدداً على الأرض .

احتفل هيليوس و جيشه بالانتصار ، و سرعان ما بدأت أعدادهم بالتصاعد ، و توجهوا نحو جبال الألب و هم يرقصون على دقّات لحن الانتصار العظيم ، ثم تفرقوا الفراق الأليم و كل منهم ذهب إلى جهته و أرضيه ليحظوا ببعض السلام قبل النوم الأبدي ..

أما عن بطلنا .. فقد توجه نحو قرية بعيدة عن روما و تراقيا ، و عن كل العذاب الذي عاشه ، و تزوج من حسناء اسمها أوفيليا ، و أنجب توأمين ذكر و أنثى ، الذكر أسماه سبارتاكوس و الأنثى أسماها كورنيليا ..
و أخيراً ، عاش بسلام و هدوء و ترك أعباءه كلها و ماضيه وراء ظهره ..

تاريخ النشر : 2016-08-05

علي غدير

فلسطين
guest
35 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى