أدب الرعب والعام

ثقافة من ممالك قديمة

مساءً، وقبل أسبوعين من الآن، وبينما كنت أشاهد إحدى المباريات أحضرتْ زوجتي عشائي. الذي كان عبارة عن ساندويتش جبنة مع المربى وكوب حليب. لم أمد يدي للساندويتش ولم أشرب الحليب في حينها . فقد كنت مشغولًا بمشاهدة أحداث مباراة كرة القدم . وبينما أنا على هذه الحال، لمحت جموعًا من النمل تتسلق الصينية، تتجه نحو الساندويتش .

عندها تذكرت كلام أحد أقربائي: “أسهل طريقة لطرد النمل هو النقر بأصبعك على مقربة منه”.

قمت على الفور بنقر الصينية، فرأيت النمل وكأنه أصابه جنون . يعدو في كل اتجاه، لا يعرف إلى أين يلجأ .أعجبتني هذه الطريقة. فواصلت النقر حتى لم يبقَ سوى نملتين كانتا عاجزتين تدوران في مكانهما . فأخذت أنقر الصينية بقوة وبشكل متواصل من باب التسلية، حتى إنني نسيت المباراة . زاد جنون هاتين النملتين فأخذتا تتجهان يمينًا وشمالًا. ثم عادت كلتاهما إلى مكانهما، حتى أصابهما الإعياء .. وسقطتا على أرضية الصينية بلا حراك .

اقرأ أيضا : العقرب

عندها تناولت الساندويتش وشربت كوب الحليب ورميت بجسدي على الفراش ودخلت في سباتٍ عميق، فراودني حلم غريب.
حلمت أنني في إحدى مستعمرات النمل تحت سطح الأرض عاريًا . يطوف حولي جيوش من النمل، يرقصون ويتبادلون القُبل، وبينما هم على هذه الحال صرخت ملكتهم فيهم : “هجوم”.

فهجموا عليّ وتسلقوا جسدي وأخذوا يلسعون كل جزء فيه، ولم يتوقفوا حتى سمعوا صرخة أخرى منها تقول فيها : ارموه خارجًا.

حملني النمل ورموا بي خارج مستعمرتهم، وإذ بي أسقط مذعورًا من السرير على الأرض . قمت من الأرض واتجهت مترنحًا إلى الحمام أحكّ جسدي بلا هوادة، وكأنني مصاب بالجرب. كان كل جسدي ملتهبًا متهيجًا، كنت أشعر وكأنني أتعرض للفحة نار حارقة.

اقرأ أيضا : دعنا على الحافة

نظرتُ إلى وجهي في المرآة، كان وجهي محمرًّا، نظرتُ إلى يديّ.. قدميّ، كان كل شبر من جسدي مُحْمَرًّا . حملت نفسي وذهبت إلى أحد أطباء الأمراض الجلدية . والذي بعدما سألني عن نوعية الطعام الذي تناولته .. أخبرني أن هذا الطفح الجلدي سببه حساسيتي من الحليب البقري ومنتوجاته .. وصرف لي علاجًا .

رغم العلاج لم يتحسن الحال، يديّ لا تتوقف عن الحك، أتلوى من الألم ليل نهار، استمرت معاناتي لأسبوعٍ كاملٍ.
وفي إحدى الليالي وبعد مضي أسبوع على هذه المعاناة، حلمت أيضًا بأنني ملقًى على حصيرٍ في إحدى مستعمرات النمل. يغطي جسدي العريان جيوش منها .. تنسج من دون توقف مادة تشبه الصمغ حول جسدي، حتى أصبحت وكأنني فراشة حبيسةٌ في شرنقة.

عندها توقفت حشود النمل وغادروا جسدي . تاركين خلفهم نملة بدت لي عجوزًا مرتديةً ثوبًا أسود تتكئ على عصا. قالت موجهة الكلام لي: استمع إليّ يا ابن آدم، استمع جيدًا :

إننا معشر النمل أكثر تحضرًا منكم معشر البشر . إن ممالكنا قديمة بقدم هذه الأرض، ونحن نعلم أنّ منا متطفلين ومزعجين. ولا مانع لدينا من محاربتهم فلكل مخلوق الحق في الدفاع عن نفسه. إن الدفاع عن النفس لهو الشرف بعينه، لكن السخرية عمل لا يقوم به الشرفاء . ومن يفعل ذلك في نظرنا – نحن معشر النمل – هو مخلوق حقير وجبان . هيا قم وغادر مستعمرتنا فأنت غير مرحب بك .

اقرأ أيضا : ضيف بلا ميعاد

عندها لا أعلم كيف حدث ذلك، استيقظت من النوم ونظرت إلى جسدي، اختفى الطفح والاحمرار . وتوقفت يديّ عن الحك، فحمدت الله، وأقسمت أن أترك النمل في حال سبيله .

في حقيقة الأمر هذه القصة أثرت فيّ . رغم اعتقادي بأن ما حصل معي لم يكن سوى أضغاث أحلام نتيجة لمعاناتي . عرفت ذلك عندما أحضرت زوجتي في أحد الأيام صينية إفطاري، والتي كان يتوسطها صحن عسل .. فبينما كنت منهمكًا أتناول الإفطار رأيت قطارًا من النمل يتسلق الصينية، فرفعت يدي وأحنيت سبابتي وهممت أن أنقر الصينية . لكنني شعرت بخوف شديد فتراجعت، لاحظ النمل ذلك التصرف، هذا ما بدا لي ..

فكانت المفاجأة هي أن طابور النمل غادر إلى وجهته التي أجهلها من دون أن يلمس شيئًا، وكأنه يقدم لي درسًا!

guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى