أدب الرعب والعام

ثمن الإختيار (3)

بقلم : أبو عمار – مصر

ثمن الإختيار (3)
تمت خطوبة باسم على سحر ، و كان باسم يشعر بالسعادة تغمر قلبه ..

في ليلة هادئة و في حفل عائلي بهيج في دار والد سحر ، تمت خطوبة باسم على سحر وسط جو من الفرح و السعادة من الأهل و الأقارب ، و كان باسم يشعر بالسعادة تغمره ، هذا الشعور الذي لم يكن يتخيل أن يدخل قلبه بهذة مت خطوبة باسم على سحر السرعة خاصة بعد أن ترك هالة .

إلا أن سحر أثبتت أنها تختلف عن هالة في كثيرٍ من الأمور ، فهي بنت بسيطة ، جادة ، ملتزمة و لا تهمها المظاهر البراقة بل تنظر إلى جوهر الأمور ، و أهلها أناس محترمين ، يعلمون أن الرجال بأخلاقهم الحسنة و طباعهم الجيدة و ليس بأموالهم و لا مظاهرهم الخارجية ، و ظهر ذلك عند الإتفاق على تكاليف الزواج ، حيث لم يغالوا في مطالبهم سواء في الشبكة أو المهر أو الشقة و أثاثها .

و بعد أن ألبس باسم خطيبته دبلته و ألبسته هي دبلتها ، جلسا في الشرفة بعيداً عن صخب الحفلة يتحدثان :
– مبارك يا سحر ، صدقيني هذا أسعد أيام حياتي
– الله يبارك فيك يا باسم ، و إن شاء الله تكون سعيد إلى الأبد
– أنا أعلم أن الشبكة ليست من مقامك لكن ربنا يقدرني أجلب لك أفضل منها بعد الزواج
– صدقني موضوع الشبكة ليس من أولى اهتماماتي ، الأهم عندي هو الإنسان الذي سوف أعيش معه و أخلاقه ، هذا هو المهم
– أنا أعلم أنكِ مختلفة كثيراً عن بنات هذة الأيام لذلك عقدت العزم على إسعادك و أن أكون نعم الزوج لك .
– و أنا أيضاً ربنا يقدرني أكون عون لك في حياتك و في عملك
– على فكرة أولادنا سيكونون محظوظين أن يكون عندهم أم مثلك
– و لماذا لا تقول عندهم والدان مثلنا ؟
– ما رأيك أن نجعل الزواج آخر هذا العام ؟ يعني بعد أربعة شهور
– عزيزي .. ما سوف تتفق فيه مع أبي أنا موافقة عليه

قطع حديثهما دخول والدتها تدعوهما لتقطيع تورتة صغيرة قد جلبها لها باسم و قد طبعت صورتها عليها .
و بعد انتهاء الحفل عاد باسم و والدته إلى بيتهما و ما إن دخلا شقتهما حتى رن جرس الباب
فذهب باسم ليفتح الباب فوجد ضابطاً و اثنان من العساكر .
– حضرتك (باسم صلاح) مدير تسويق شركة ( …..)
– نعم يا فندم ماذا هناك
– حضرتك مطلوب القبض عليك
– أنا !! لماذا ؟

******
كان كمال في حالة غضب شديد ، فما أخبره به رجله خطير جداً ، و قد يدمر كل ما بناه و فعله في السنين الماضية ، لذا أسرع بالإتصال بعدد من رجاله و أصدر لهم عدة أوامر فأسرعوا بتنفيذها ، بعدها أسرع بالإتصال على سعيد بك ليخبره بما حدث
– ماذا تقول يا كمال ؟؟ هل تعلم ما معنى هذا الكلام ؟
– أنا لا أعلم كيف تم تسجيل مكالماتي و تصوير تلك الأوراق ، لم أتصور أبداً أنه يمكن خداعي بهذا الشكل
– و قد تم ، هل تستطيع أن تخبرني ماذا أنت صانع ؟
– صدقني الموضوع حتى الآن تحت السيطرة
– سيطرة ! سيطرة ماذا الذي تتحدث عنها !! نحن الآن في خطر ، و أول من سوف يصاب بهذا الخطر هو أنت
– الموضوع لن يصل إلى أبعد من ذلك ، لقد أرسلت رجالي لينهوا الأمر حالاً .
– كمال ، الناس اللذين نعمل مهم لا يمزحون ، و الخطأ معهم لا يكفره إلا الدم .. أتفهم ؟ الدم
– سعيد بك أعدك أن الموضوع سوف ينتهي اليوم ، هذا وعد مني بذلك
– أتمنى ذلك و إلا ستكون العواقب وخيمة أتفهمني يا كمال ؟
– بإذن الله سوف ينتهي اليوم .

و لم تمض سوى ساعتين حتى عاد رجاله و أخبروه بإنهائهم المهمة و استعادتهم جميع التسجيلات و المستندات التي سرقت ، إلا أن السارق قد استطاع الفرار ، و رغم غضبه من فرار السارق إلا أنه كان يشعر بأن الروح قد عادت إليه من جديد ، فأسرع بإخبار سعيد بك بما حدث و قد أكد سعيد على ضرورة العثور على السارق و القضاء عليه

******
جريدة الأهرام : 29/8/2011 – صفحة الحوادث
* إصابة 100 شخص على الأقل بحالات تسمم بعد تناولهم مياة غازية تابعة لشركة (…) و تم نقلهم إلى المستشفى للعلاج ، و قد قامت الشرطة بإرسال عينات من المياه إلى المعامل الجنائية للفحص و جاء قرار الطبيب بأن المياه غير صالحة للشرب و غير صالحة للاستعمال .

جريدة الأهرام : 30/8/2011 – صفحة الحوادث
* القبض على صاحب شركة مياه غازية و مدير تسويقها اللذان قاما ببيع كمية من المياه الغازية غير الصالحة للشرب مما نتج عنه إصابة عدد يتجاوز الـ 100 شخص بحالات تسمم ، و بعضهم في حالة خطرة
********

انشغل كمال بعد ذلك بالانتخابات و ترشيحه فيها و جنّد كل موظفيه و رجاله من أجل الدعاية له و جمع أصوات ناخبين له ، و لو كان بالمال أو بالقوة إن لزم الأمر ، خصوصاً أنه كان من الواضح أن الحزب الحاكم يضمر شيئاً في هذه الانتخابات ، فرفض أن تتم هذه الانتخابات تحت الإشراف القضائي الكامل على عكس ما حدث في الانتخابات السابقة عام 2005 ، و قال أن إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات لا يمس نزاهتها ، وكانت نتيجة هذا أن زُورت نتائج الانتخابات بالكامل ، و حصل الحزب الحاكم على 97% من مقاعد المجلس ، أي أن المجلس خلا من أي معارضة تذكر ؛ مما أصاب المواطنين بالإحباط ، و كان كمال من ضمن الناجحين ، فأقام بمناسبة ذلك حفلاً كبيراً دعا إليه كبار رجال الدولة محتفلاً معهم بدخوله عالم السياسة بالإضافة لعالم المال .

أما هالة فبالرغم من فرحها بنجاح زوجها إلا أنها كانت تشعر بحزن نتيجة ما وصل اليه حال البلد و الشعور بالظلم الذي بدأ يسيطر على فئات كثيرة من طوائف الشعب ، لذلك استأذنت وصعدت إلى غرفتها و ما إن دخلت الغرفة حتى تذكرت صديقتها فاتن فاتصلت بها على هاتفها المحمول فلم ترد ، واتصلت بها على الهاتف الأرضي كذلك لم يرد عليها أحد ، فبدأ يساورها القلق خصوصاً أن فاتن لم تتصل بها منذ يومين ، و قد عللت هالة الأمر بأنها حتماً مشغولة مع زوجها كمال في الانتخابات ، لذلك انتظرت حتى الصباح و اتصلت بها على هاتف الشركة لتكتشف أنها لم تأتِ إلى العمل منذ ثلاثة أيام !!!

و الغريب أن كمال لم يخبرها بذلك رغم أنه بالتأكيد عرف أنها لم تكن تأتي طوال الفترة الماضية فقررت أن تنتظر إلى أخر النهار و إن لم ترد على اتصالاتها ستذهب إلى بيتها لتسأل عنها ، و بالفعل ما إن جاء الليل حتى ذهبت إلى بيتها و صعدت إلى شقتها و ضربت الجرس لكن لم يفتح لها أحد ،
و فجأة فُتح باب الشقة المقابلة لشقة فاتن و ظهرت امرأة عجوز و ما إن رأت هالة حتى قالت :

– لا يوجد أحد بالداخل يا بنيتي هل تريدين أية خدمة ؟
– نعم يا خالة ، أين (فاتن) ؟
– لا أحد يعلم يا ابنتي … نحن فوجئنا بأنها غادرت الشقة منذ ثلاثة أيام تحديداً بعد حادث السرقة ، و لم تعد من وقتها .
– حادث سرقة ! متى حدث هذا ؟
– حدث من ثلاثة أيام ، فقد عادت فاتن من عملها لتكتشف أن الشقة مبعثرة الأثاث و أن الدواليب مفتوحة و مبعثرة أيضاً ، و الغريب أنها رفضت أن تبلغ الشرطة و في منتصف الليل غادرت .
– و لا يوجد أحد سأل عنها نهائياً ؟!
– نعم ، أكثر من شخص سأل عنها و لكنهم لم يعودوا مرة أخرى
شكرتها هالة و استأذنت و غادرت العمارة

******
في سرايا نيابة العجوزة كانت أم باسم و خطيبته و أبوها ينتظران خارج مكتب وكيل النيابة ، حيث يتم التحقيق في حادث تسمم موطنين جراء شربهم المياة الغازية التابعة للشركة التي يعمل بها باسم ، و بعد انتهاء لتحقيق أمر وكيل النيابة بخروج أنور الحوفي صاحب الشركة و باسم مدير التسويق بكفالة قدرها 5 آلاف جنيه لكلا منهما ، و قد قام أنور الحوفي بدفع مبلغ 10 آلاف جنيه من حسابه .

عند خروج باسم استقبلته أمه بالأحضان و بكت بين ذراعيه ، كما سلمت عليه سحر و والدها و كان واضح على سحر التأثر
مما جعل باسم يقول : أنا آسف جدا يا جماعة ، واضح أني أتعبتكم معي .
رد عليه والد سحر : لا تقل ذلك نحن معك حتى تخرج من محنتك و لا يهمك شيء يا بني .
– على العموم يا عمي لو أن أموري ساءت أكثر من ذلك فأنا أحرركم من أي ارتباط
– عيب يا بني نحن أناس أولاد أصول ، و ابنتي متربية جيداً و ليست ممن تبيع خطيبها عند أول مشكلة تواجهه .
أكملت سحر : أنا معك يا باسم حتى تنتهي المشكلة و بإذن الله تنتهي على خير .

في هذة اللحظة خرج أنور و قال لباسم : حمد الله على السلامة يا باسم غداً أنا منتظرك في الشركة باكراً لكي نبحث ما العمل في تلك الورطة .

******
مضى شهر على هالة كأصعب ما يكون ، فأعز صديقة لها اختفت و لا تعرف مكانها و الغريب أن زوجها لم يهتم بالأمر و لم يكلف خاطره بإبلاغ البوليس باختفاء سكرتيرته الخاصة ، فلعل وراء الأمر جريمة ! بل سرعان ما أحضر سكرتيرة أخرى و مارس حياته بصورة طبيعية و عندما واجهته بهذا قال لها :
– يا هالة توقفي عن هذه المثالية ، أتريديني أن أترك عملي و أبحث عن موظفة عندي تركت العمل دون أن تخبرني ، و قد تكون الآن تعمل في شركة أخرى ؟!
– لكن قبل اختفائها تعرضت شقتها للسرقة و بعد ذلك هربت و اختفت ، كل هذا لا يجعلك تشعر أنها قد يكون حدث لها شيئاً أو تكون على الأقل في خطر ؟! و كما أنها لم تكن موظفة عادية عندك ، هذه كانت سكرتيرتك الخاصة و لن تتركك بهذا الشكل و شركتك من أكبر الشركات في مصر .
– اسمعي ممكن يكون في كلامك شيء من الصواب ، لكن ماذا أفعل ؟ أضيع وقتي في البحث عنها ، أم أنشر إعلاناً في الجريدة تحت عنوان خرج و لم يعد .
– أنت تمزح ! يا كمال .. هذه إنسانة كانت تجلس معنا أكثر ما كانت تجلس في بيتها ، و أكلت معنا “عيش و ملح” فضلاً أنها كانت بتعمل عندك و مسؤولة منك .
– اسمعي يا هالة ، دنيا رجال الأعمال مثل الغابة ، الذي يقف يؤكل و لا يوجد وقت للعواطف و المثالية … صدقيني الذي أفعله أنا هو الصح .

صمتت هالة و لم تستطع أن ترد عليه ، لذا تركته و صعدت إلى غرفتها .

و بعد أيام سافر كمال للخارج لإنهاء بعض أعمال الشركة
في الوقت الذي يئست فيه هالة من العثور على فاتن و بدأت تستسلم للأمر الواقع ، و بدأت تخرج و تذهب للنادي وحدها و تمارس حياتها بشكل طبيعي ، حتى جاء يوم حدث فيه شيء غريب ..

كانت خارجةً من النادي ، و ما إن ركبت سيارتها حتى جاءتها امرأة منقبة فظنت أنها تريد حسنة أو شيء ما ، و لكنها ما إن اقتربت من سيارتها حتى ألقت ورقة و مشت بسرعة ، فتحت هالة الورقة و قرأت ما فيها :
” أنا فاتن .. أريد أن أراك الليلة الساعة الثامنة في العنوان ….. ، و أرجوكِ لا تخبري أحداً بأنك ستريني و خاصةً كمال ، و كذلك إحفظي العنوان و احرقي الورقة بعد ذلك “

ظلت هالة لدقائق مذهولة و لا تستيطع أن تجمع شتات أفكارها ، و عندما تمالكت نفسها نظرت مرة أخرى إلى العنوان و حفظته ثم قامت بحرق الورقة .

******
مرة أخرى في مقر شركة المياة الغازية تم عقد اجتماع طارئ حضره جميع موظفي الشركة و من بينهم باسم و محامي الشركة
أنور : الحقيقة الموضوع هذة المرة خطير جداً و الشركة على حافة الهاوية .
مدير المبيعات : جميع مبيعات الشركة في تراجع كبير جداً و الخسائر فادحة
أنور : و يا ليت الأمر سوف يقف عند هذا الحد بل من المتوقع في أي وقت أن يتم غلق الشركة و الحجز على أموالها
المحامي : لقد أنذرتكم و قلت لكم أن هناك “ناس كبيرة ” لها أسهم في الشركات المنافسة لنا و ستفعل أي شيء لإيقافنا ، كان يجب أن نتفاوض و نقدم بعض التنازلات أفضل من نكون في هذا الموقف
باسم : القصة أكبر من هذا ، و هؤلاء كما قلت سابقاً كانوا سوف يوجهون لنا ضربات غادرة في كل الأحوال و لن يتوقفوا إلا عندما تغلق الشركة
المحامي : لا يا أستاذ باسم ، كلامك و نظريتك غير صحيحة هذة المرة ، فقد وصلت رسالة ألكترونية على الإيميل التابع للشركة من جهة ما تقدم لنا وعد بأننا إذا أوقفنا توسعات الشركة سوف تغلق هذة القضية
باسم : صحيح يا أستاذ أنور هذا الكلام ؟
أنور!: هذا صحيح ، و أنا أرى أن نوقف توسعات الشركة على الأقل في هذة الفترة إلى أن تهدأ الأمور .
باسم : أستاذ أنور ، لا يجب أن نرضخ بهذة السهولة عند أول مشكلة ، نحن عندما بدأنا العمل اتفقنا أن هناك كثير من الصعاب سوف تواجهنا و أننا يجب أن نتصدى لها و لا نستسلم لها .
أنور : الرسالة تقول أنهم سوف يقدموا لنا كثيراً من التسهيلات ، و سوف يخفضوا علينا بعض الأعباء المالية لعمليات الشحن و النقل و التخزين مقابل إيقاف التوسيعات
باسم)ط : لكن يا أستاذ أنور …
قاطعه أنور : باسم .. هذا كلام نهائي ، أنا مسؤول عن أموال شركاء و مستثمرين لهم أسهم في الشركة بالإضافة إلى موظفين الشركة فاتحة بيوتهم ، و أنا غير مستعد لأن أجازف بكل هؤلاء من أجل عمل بطولي لن ينفع .

أيد جميع من حضر الاجتماع كلام أنور ، مما اضطر باسم أن يرضخ لكلام الجميع رغم رفضه لهذا المبدأ

******
لم تخبر هالة أحداً بشأن الورقة التي رمتها فاتن لها ، و قررت أن تذهب للعنوان المكتوب لتعرف أسباب ابتعاد فاتن عنها و عن عملها في شركة كمال ، كانت متأكدة أن الموضوع وراءه لغز و أن له علاقة بزوجها كمال .

كان العنوان في إحدى المناطق الشعبية و في إحدى الحارات دخلت هالة ، و في آخر الحارة كان هناك بناية قديمة من ثلاثة أدوار كل دور من شقة واحدة ، صعدت هالة إلى الدور الأخير و دقت جرس الباب ، ففتحت لها فتاة شاحبة وجهها مصفر و واضح عليها التعب و الإرهاق… لأول وهلة لم تعرفها ، لكن عندما ابتسمت الفتاة و أخذتها بالأحضان و قالت : كيف حالك يا هالة ؟ كنت خائفة أن أموت قبل أن أراكِ .
– فاتن حبيبتي !! ياه كم اشتقت لكِ .
– و أنا أيضاً .. لا تعلمي كم كنت مشتاقة لرؤيتك .
– فاتن ، ما بك؟! و ماذا حدث لك ؟ و أين ذهبت ؟
– سأخبرك بكل شيء ، فأنا قاب قوسين أو أدنى من أن أسقط في أيديهم
– أيديهم ! أيدي مين ؟!
– كمال يا هالة .. كمال زوجك و من يقف وراءه .
– كمال و من يقف وراءه ؟ أنا لا أفهم شيء !!
– ادخلي و سأخبركِ بكل شيء .

يتبع …

تاريخ النشر : 2016-10-02

guest
23 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى