أدب الرعب والعام

حجاب أسود

بقلم : The Black Writer – الأردن

حجاب أسود
أصابه الخوف حينما أدرك أنه لا يحلم

 ذَبَحت الديك و جعلت دماؤه تتدفق فوق الصورة التي تجمع سمية بزوجها خالد ، ثم قَرَّبت الصورة من فمها وقالت : بحق الحياة والموت والسماء والأرض والضحك والبكاء وبحق كل زوج في جسد المخلوق العجيب الذي أسمه إنسان ، بحق الملائكة والجان أجمع بين خالد أبن حليمة و بين زوجته سمية بنت صباح و أصنع بينهما رباط لا ينفك إلى يوم الدين ، وَحَرر عقله المسجون في ظلمة البشرية العقيمة وأسر الجنية التي ترعى في الأحشاء والبطون.

قلبت الصورة وكتبت بالدماء : برهش كلمش سمخاباروخ بكهطهطونية قلنهود طاران ترقب برهتيو ، ثم رسمت دائرة وكتبت خالد وسمية ، ثم قامت بثني الصورة عدة مرات ولَفَّتها بقطعة قماش سوداء وألصقتها بلاصق شفاف ، قدمتها لسمية وقالت :

– اسمعي يا بُنيتي ، ضعي هذا ” ومدت يدها تُقدم الحجاب” تحت وسادة زوجك ، هذا كل ما عليك فعله.

نَظَرت سمية للمرأة متعجبة وقالت :

والحجاب ! إلى متى سيبقى تحت الوسادة ؟.

ابتسمت المرأة وقالت :

– هذا عمل أسود ، حجاب سفلي ، مستحيل يخيب ، الجن هو الذي سيقوم بإخفاء الحجاب ، هي ليلة واحدة فقط ، وعندما يستيقظ زوجك سيشتم نساء العالم كله ويُقَبِّل قدميكِ.

ضحكت سمية وأخرجت النقود من صدرها وقدمتها إلی الساحرة.

1

لم يَستَطع منع نفسه ، كانت جميلة جداً ، هذا الجمال الخام ، الجمال الطبيعي والفتنة التي لا تُقاوم ، أشارت له بيدها من الشُرفة ، لم يُصدق عينيه ، تُريده أن يَذهب إليها !  أشار لها ليتأكد من الذي فهمه ، ضحكت وهزت رأسها ثم دخلت إلى بيتها .

نظر إلى سيجارة الحشيش ، أخذ منها آخر نفس عميق ثم أطفأها و دخل وهو يشعر بسعادة ولذة قادمة ، كانت زوجته تَشخرُ نائمة ، نظر لها وأطلق شتيمة من بين أسنانه ، كان يشعر بالملل تجاه زوجته ، لذلك كان يبحث عن فاكهة جديدة ليتذوقها ويستمتع بطعمها ، هكذا معظم الرجال.

ارتدى ملابسه و رَشَّ بعض العطر ، أطفأ النور وخرج من البيت مسرعاً وبكل هدوء أغلق الباب خلفه.

كانت جارته  – الساكنة الجديدة – تقف مبتسمة أمام باب بيتها وهي ترتدي قميص نَومٍ كشف عن فتنة لا تُقاوم ، ابتسم لها واقترب منها دون أن يقول كلمة واحدة.

أغمض عينيه و أَخذ منها قُبلَة عميقة كانت كفيلة بإيقاف الزمن عن التقدم والأرض عن الدوران .

– أين أنا ؟.

كانت أشجار البلوط تُحيطه من كل جانب ، نَظرَ لنفسه ، أخذ يتلمس جسده ، أنا لا أحلم !.

أصابه الخوف حينما أدرك أنه لا يحلم ، كان وحيداً وسط أشجار البلوط ، أخذ يمشي على غير هدى ، لَعلَّهُ يَلمح أحد المارة فيطلب منه المساعدة ، حَدَّثَ نفسه قائلاً :

– ربما كنت أمشي وأنا نائم ! حدث ذلك كثيراً وأنا صغير ، تختلط أحلامي بالواقع ، لا داعي للخوف ، اطمئن ، اطمئن يا خالد!

2

سمع خالد صوت غناء جميل جعله يشعر ببعض الطمأنينة ، هناك شخص ما ، سار مسرعاً يَتبعُ هذا الصوت الساحر ، كان الغناء لرجلٍ حزين يُغني لزوجته التي ماتت منذ أيام ، كان صوته في غاية الجمال والحزن ، وحينما اقترب من مصدر  الصوت رأى رجلاً في غاية الجمال يَمسكُ قيثارة بيده وحوله يَقِفْن بعض الفتيات الفاتنات ، ومن خلفه نهر يعكس ضوء القمر.

توقف الرجل عن الغناء ونظر إلی الفتيات وصرخ بهن :

– اغربوا عن وجهي ، أنتن سكارى ، اغربوا عن وجهي لن ألمس أي امرأة بعد زوجتي.

نظرن لبعضهن وقالت إحداهن :

– “اورفيوس” ، زوجتك قد ماتت ، و نحن لا قوة لنا على سحرك و جمالك.

وقالت أخرى :

– نعم ، خذ أجسادنا وأصواتنا ، هيا أيها الرجل الحلو لا وقت لدنيا.

نظر اورفيوس لهن وقال باحتقار :

– فلتذهبوا للجحيم.

أخذت الفتيات ينظرن لبعضهن وقد أحمَّرت وجوههن من الغضب ، صرخن جميعاً بصوت واحد : نحن “الباخيات” لا يرفضنا أحد ، والآن خذ غضب اللواتي احتقرتهن ، وهجمن عليه يضربنه بأغصان الشجر والأحجار ، ولكن الأغصان والأحجار أبت أن تؤذيه بعد أن سُحِرت بعذوبة موسيقاه فازداد غضب الباخيات فانقضوا عليه ومزقوه بأيديهن قطعة قطعة ، ثم ألقوا برأسه وقيثارته في النهر .

كان خالد يراقب الموقف وهو يرتجف من شدة الخوف ، لم تعد قدماه قادرة على الحركة ، أي لعنة ألقت به في هذا المكان ، أخذت أسنانه تصطك وهو يشاهد النساء يَنهَشن لحم الرجل الذي يسمى اورفيوس ، فجأة شعر بيد تلمس كتفه من الخلف ، أطلق صرخة من فزعه ونظر الی الخلف ، كانت امرأة جميلة جداً وفاتنة اقتربت منه ودون كلام قَبَّلَتهُ.

3

حينما فتح خالد عينيه رفع رأسه وأخذ يتلفت حوله ، كان المكان صغير جداً كانه تابوت ، لا يوجد فيه نوافذ ، حتى أنه لم يرى باباً له ، أين أنا ؟.

أدارت المرأة رأسها واقتربت منه ، قالت :

– لا تخف ، أنت في أمان الآن.

تنهد خالد تعبيراً عن بعض الارتياح ثم تذكر ما شاهده ، فقال وهو على وشك البكاء :

– لقد قتلنه ، رأيتهن ، قاموا بتقطيعه و رميه في النهر ، الرجل المسكين.

ابتسمت المرأة وقالت :

– اهدأ ، أنت في أمان الآن.

من أولئك النسوة ؟ سألها خالد .

مَدَّت المرأة يدها تمسح على وجهه برقة وتقول :

– إنهن الباخيات ، نساء ملعونات ، في النهار يتحولن لشجر البلوط وفي الليل يبحثن عن الجنس والخمر ، وكل من يرفضهن يقتلنه.

تنهد خالد وقال :

أريد العودة لمنزلي ، ساعديني أرجوك.

ضحكت المرأة  وقالت :

انظر حولك يا خالد ! أنت في بيتي ، داخل شجرة الصفصاف ، الكثير قبلك جاء هنا والكثير بعدك سيأتي هنا ، هنا حيث يموت الرجال ، حيث تكون الغلبة للنساء فقط ، هنا يتحول الرجال إلى نساء.

كان خالد ينظر لها كالأبله ، لم يفهم شيئاً مما قالت ، قال لنفسه : أنا أحلم ، بالتأكيد هذا حلم .

ضحكت المرأة بصوتٍ عال وقالت :

– أيها الأحمق أنا “ليليث” ، أُغوي الرجال وأخصيهم ، هنا في بيتي يتساوى الرجل بالمرأة.

دفع خالد ليليث بيديه و وقف على قدميه ، أخذ يتحسس جدران المكان يبحث عن مخرج بينما ليليث تنظر له وتضحك ، بعد لحظات استسلم خالد لمصيره فجلس على الأرض يبكي ، خلعت ليليث ردائها واقتربت من خالد ، أمسكت شعره و رفعت رأسه وهي تقول :

– لا تبكي الآن ، وَفِّر دموعك فالألم قادم ، قَبَضت على عنقه بكل قوة وأهدته قُبلة عنيفة أَفقدته وعيه.

4

شعر خالد بيد رقيقة وناعمة تُغطي عينيه ، رفع يديه ليُبعد اليد التي تُغطي عينيه ، سمع صوت فتاة حزينة تقول :

– سأُبعد يدي عن عينيك ولكن إياك أن تنظر لوجهي.

رفعت الفتاة يدها عن وجه خالد وأدارت له ظهرها ، قالت له :

– أنقذتك من ليليث في آخر لحظة ، لا تخف ، أنت الآن في المعبد المقدس لأثينا.

تحسس خالد جسده واطمأن أنه ما زال رجلاً كاملاً ، نظر إلى الفتاة التي كانت تُعطيه ظهرها ، كانت في عمر السادسة عشر وتَضعُ غطاءً على رأسها ، من أنتِ ؟.

–  كان أسمي” جورجونز” ولكن ، تنهدت وأردفت بصوت حزين للغاية : كُنتُ صغيرةً عندما تم اغتصابي داخل المعبد المقدس لأثينا ، اغتصبني “بوسيدون” ملك البحار، وحينما علمت صاحبة المعبد المقدس عاقبتني أنا ، فقامت بسحري ولعني إلى وحش قبيح مع قدرة قاتلة لتحويل كل من ينظر إلی وجهي إلى حجر. وصار الناس يطلقون عَليَّ اسم “ميدوسا”.

سأُريكَ شيئاً ولكن لا تخف .

كشفت ميدوسا عن رأسها ، وحينما رأى خالد ضفائر رأسها الكثيرة أصابه الفزع ، لم تكن الضفائر من شعر بل كانت ضفائر من الثعابين الحية.

بكلتا قدميه  وبكل قوة دفع خالد ميدوسا مما تسبب في سقوطها أرضاً ، صرخ فزعاً : ابتعدي عني ، ابتعدي.

خرجت ميدوسا من الغرفة حزينة مكسورة الخاطر

وما أن أغلقت الباب خلفها حتى نهض خالد من فراشه وفتح النافذة وقفز هارباً من المعبد.

 

بدأ الثلج ينهمر من السماء ، كانت لحظات حتى وجد خالد نفسه يسير وسط الثلج الأبيض الذي ملأ الدنيا ، شعر ببرودة تُحَطِّم عظامه.

أنا أحلم ، لا بد أنني أحلم ، لا بد أنني الآن نائم بجانب زوجتي ، في حضن زوجتي ، حيث دفئها والطمأنينة التي تبعثها في قلبي ، عندما أستيقظ سأقول لها أنني أُحبها جداً ، سأطلب منها المغفرة ولن أخونها مرة أخرى ، سأُقَبِّلُ يديها ورأسها وسأعوضها هجراني لها ، يا ربي لو تعلم سمية  كم أنا بحاجتها الآن ، بحاجة لحضنها ودفئها ، هذا البرد سيقضي علي.

توقف خالد عن السير ، لم تعد قدماه تحملانه ، البرد شديد وهو بحاجة لمصدر دفء لتعود حيويته ، تلفت حوله باحثاً عن أَحدٍ ليساعده ، لاحظ كوخاً خشبي على مَقرُبةٍ منه ، “هناك أمل”، استجمع آخر ما تبقى له من قوة واتجه إلى ذلك الكوخ الخشبي.

5

كان الكوخ الصغير فارغاً من كل شيء تقريباً ، دخل خالد وأغلق الباب خلفه ، لاحظ وجود نافذة زجاجية ، اقترب منها وهو يرتجف وأخذ ينظر للخارج عَلَّهُ يعلم في أي مكان هو ، و فجأة أثناء مشاهدته لجمال الثلوج وغموض المكان رأى سيدة تسير فوق الثلوج  وكأنها تطير دون أن تترك أثرًا ولها جمال فاتن ولكن به شيء غامض فهي شفافة تكاد ترى ما يقف خلفها بوضوح  ولها شفتان زرقاوان كالموتى  وبشرة شاحبة للغاية تُمَّيز وجهها ، شعر خالد بالخوف منها ، فابتعد عن النافذة وجلس على الأرض وقد تقوقع على نفسه ، كان يُحاول تدفئة جسده.

– هذا بيتي !.

أدار خالد وجهه نحو الصوت بكل هدوء، كانت تلك المرأة التي رآها عبر النافذة ، هذه المرة لم يكن يَشعر بالخوف ، لم يَشعر بالفزع ، كل ما كان يَشعر به هو البرد.

اقتربت منه المرأة وقالت له :

– أنا اسمي “يوكي أونا”  وأنت ؟.

قال خالد وهو يرتعش ويرتجف : بررررداااانن.

– حسناً ، لا توجد مدفأة هنا ، سأحتضنك حتى تدفأ.

فَرَدت ذراعيها وأحاطت جسد خالد وشدته اليها بكل قوة ، لم يعد خالد يشعر بقدميه ولا يديه ولا جسده ، لحظات حتى تجمد جسده كله وتحول إلى كتلة من الجليد.

6

النهاية..

استيقظت سمية على صوت المنبه ، أطفأته ونظرت إلى زوجها الذي كان قد ازرق وجهه وبَرَدَ جسده ، شعره الأسود اكتسى بالبياض، أصابها الفزع لرؤيته هكذا ، حاولت إيقاظه و تحريكه دون فائدة ، وضعت رأسها على صدره تُحاول أن تسمع دقات قلبه ، صرخت بقوة ، رفعت رأسه وسحبت الوسادة ، لم تجد الحجاب ، أمسكت هاتفها واتصلت بأمها وهي تبكي.

– ألو ، أمي ، خالد مات يا أمي ، أنا كنت أريد فقط أن يكون لي وحدي ، أن لا يخونني مجدداً ، لم أقصد أن أؤذيه ، أمييي.

وانهارت سمية على الأرض باكية.

 

ملاحظة :

 ليليث : أسطورة سومرية.

ميدوسا ، اورفيوس والباخيات ، : أساطير إغريقية.

يوكي أونا : أسطورة يابانية.

كلمات الحجاب : تأليفي ، ليست حقيقية.

تاريخ النشر : 2019-01-11

The Black Writer

الأردن
guest
13 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى