أدب الرعب والعام

حديث عابر

بقلم : نيروز منَّاد – سوريا
للتواصل : [email protected]

قال لي : هل تعتقدينَ أنَّكِ جاهزة لتغييرٍ من نوعٍ آخر؟

 

كنتُ أنوي قضاء ما تبقى من الليلة في الحمام كنتُ في البانيو تفصلُ بيننا ستارةٌ من النايلون رقيقة عندما دخل فجأةً و انحني على كرسي الحمام ليتقيأ ثمَّ رفع رأسه و ضحك بشكلٍ هستيري. للحظة شعرتُ أن عليَّ الهرب و لكنَّي وقفتُ ثوانٍ أفكر ما جعلهُ يلحظ وجودي ففتح الستارة برعبٍ خائفاً من ما ينتظره ثمَّ قال : ” كنتُ أخشى أن يكونَ سفاحاً ما ينتظرني خلف الستارة, ماذا تفعلينَ هنا؟ “.

جلسنا على أرضِ الحمام نتحدث و لحظتها قال:
_ أكرهُ حفلاتِ الزَّفاف خاصةً عندما تكونُ العروس خمسينيةٌ متصابية إلى جانبها عجوز سيموتُ الليلة على الأغلب, هل أنتِ من أقارب أحدهما؟
_ أنا ابنتها
_ أنا أ.. آسف فعلاً لم أكن أقصد أنَّها متصابية, و قد لا يموتُ العريس الليلةَ على كل حال
كان بإمكاني استغلالُ الموقف و افتعالُ شجارٍ معه ولكني في الحقيقة ضحكتْ, أضحكني بشدة ما قاله و هو يشبه كثيراً ما كنتُ أردده لأمي طوال فترةِ خطوبتها :
_ أريدُ أن يكونَ لدي شريكٌ لما تبقى من حياتي و لا يمكن لأحدٍ أن يحرمني من هذا
_ أمي أرجوكِ فكري بالأمر, عريسكِ سيتمُّ عامه السَّبعين قريباً هل تعتقدينَ أنَّه الشَّريك المناسب؟ ستكونينَ ممرضةً بدوامٍ كاملٍ في هذه العلاقة و قد تقتله حماسةُ ليلةِ الزَّفاف فينقلبُ عرسكِ إلى مأتم!

كنتُ أختبئ في الحمّام لأتجنَّبَ سماعَ عباراتٍ من هذا الَّنوع ” عروسٌ متصابية ” و لكنَّ الحقيقةَ تلاحقنا دائماً!. نظرّ إليَّ مبتسماً وقال :
_ ستعيشينَ معهما؟
_ لا, لديهِ مزرعةٌ كبيرة ستنتقل والدتي للسكنِ فيها
_ ستكونينَ وحدكِ طوالَ الوقت؟!
أردتُ أن أقول لهُ أنّي وحدي حتَّى عندما كنا في نفس المنزل, لم تكن والدتي متفرغةً لي في يومٍ من الأيام, منذ توفي والدي دخلتْ والدتي في حالة خوفٍ شديدٍ من الوحدة فتنقلت في زمنٍ قليل بين عددٍ لا بأسَ بهِ من العلاقاتِ الفاشلة و التي أصابتها بالكثير من الحزن و خيبة الأمل إلى أن قابلتْ عريسها في البنك قالت لي يومها : ” عرفتُ منذ اللحظةِ الأولى أنَّه شريكُ حياتي”.

لم تلتفتْ في يومٍ من الأيام إلى حقيقة أني أقص شعري باستمرار و أتقيأ ما أتناوله دائماً و أعاني من أرقٍ مزعجٍ سببَّ لي شحوباً أكرهه, لم تكن تعلم أنَّي عشقتُ أستاذي و خرجتُ معه في موعدينَ عاطفيين انتهى أحدهما بهجومٍ حادٍ من قِبل زوجته سببَّ لي كدماتٍ على وجهي لم تختفي بسهولة. أردتُ أن أقولَ له :” أنا وحيدةٌ جداً, عانقني مثلاً أو ربما دعني أضعُ رأسي على كتفك” و لكن عوضاً عن الحقيقة قلتْ:
_ نعم, سأكونُ وحيدةً طوالَ الوقت
_ قَصةُ شعركِ مميزة, جرأةٌ حقاً أن تقصَ فتاةٌ شعرها بهذا القِصر!
_ أشعرُ براحةٍ نفسيةٍ كبيرة عندما أقصه, يبدو أنَّه التَّغيير الوحيد الذي يطرأُ على حياتي

كانتِ ابتسامته رائعة و كنتُ وحيدةً جداً و خائفة, لم أجد مانعاً من تغييرٍ جديدٍ لا ينالُ من ما تبقى من شعري.

بعد مرورٍ عدةٍ أعوامٍ على ذلك اللقاءِ الغريب, سألتني والدتي و نحنُ في طريقنا إلى جنازة شريكِ حياتها الأخير:
_ هل كانَ شعركِ طويلاً دائماً !
_ لم يكن طويلاً بالفعل
_ بالمناسبة دائماً أردتُ أن أسألكِ أين قابلتِ زوجكِ أولَ مرة ؟
_ في الحَمَّام, قابلتُه في الحمام عندما كنتِ تتزوجين المرحوم !

تاريخ النشر : 2019-01-13

guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى