تجارب ومواقف غريبة

حراس الذهب

بقلم : عامر صديق – مصر
للتواصل : [email protected]

كان هناك ثعبان ضخم يهاجم العاملين بالموقع

 السلام عليكم أصدقائي الأعزاء ، ذكرت لكم سابقاً أني أقطن حالياً في مدينة القصير بالبحر الأحمر في مصر ، و هي مدينة صاحبة تاريخ عريق و منها خرجت بعثة الملكة الشهيرة حتشبسوت إلى بلاد بنت الصومال حالياً ، ومنها كان يخرج الحجيج من مصر والمغرب العربي إلى ميناء ينبع في السعودية ، وهي تقع في صحراء مصر الشرقية و بها تقطن قبيلة العبابدة التي تُعتبر من أقدم القبائل في مصر ، و كان يُطلق عليهم قدماء المصريين حراس الذهب لأنهم كانوا حراس مناجم الذهب الفرعونية وهم سادة هذه الصحراء من حدود السودان إلى طريق القصير فقط الذي يُعتبر خط الحدود بينهم وبين قبيلة المعاذة ذات الأصول العربية ، و يستطيع أي فرد من العبابدة أن يسير مئات الكيلومترات في الصحراء يستدل بقمم الجبال والنجوم ويعيشون حياة بدوية خالصة يعتمدون على الابل والأغنام ، وهم من أكثر القبائل غموضا في العالم إذ أنه من الصعب جداً معرفة أسرارهم ، و لهم لغتهم الخاصة بهم  و لهم عادات من بقايا الوثنية قبل اعتناقهم الإسلام

 فمثلاً اذا نذرت سيدة نذراً لوليدها عليها أن ترمي بعض الطعام في الصحراء أو البحر لأرواح الماء أو الصحراء ، وعندما ينزل بعض منهم في وادي يشعلون ناراً ويلقون بها بعض الملح فاذا صار لون النار أزرق وتصاعد اللهب منها يتركون الوادي لأنه مسكون بالجان واذا رفض الجمل أن يبرك في الوادي تركوه لغيره لنفس السبب ، ولديهم آلة موسيقية ذات أوتار و من أراد أن يتقنها عليه أن يعيش وحده في الجبال مدة معينة إلى أن يرى أوتار الالة تعزف وحدها حينئذ يرافقه جان يعزف معه كما يدعون ، و منهم البعض بارع جداً في السحر وان كانوا ينكرون ذلك ، وأشهر ساحرة عندهم كانت أسمها الحاجة تونس و كانت تقطن في مدينة مرسي علم وكان يحضر إليها من الخليج ودول أخري ناس يطلبون منها أعمال سحرية وكانت مشهورة بما يسمى حلب النجوم ، ولقد عايشت هؤلاء القوم ما يزيد على عشرين عاماً ولي منهم أصدقاء مقربين من كبارهم وشبابهم ، ولكني لم أعرف عنهم الكثير فهم في منتهى الغموض ، كي لا يدخل الأغراب إلى أرضهم

 و أتذكر يوماً كنت في رحلة سفاري إلى داخل الصحراء واخترقنا الطريق لنختصر المسافة ومررنا بوادي يُسمي وادي الجن جنوب مدينة القصير بسبعة كيلو مترات وكان السائق من العبابدة و مررنا بخيمة يسكن بها رجل عجوز منهم يرعي بعض الغنم ، فسأله السائق عن شيء بلغتهم الخاصة و أخذ يضحك وسألته عما قاله للعجوز فذكر لي : أن هذا العجوز يناهز السبعين وأنه يعيش في هذا الوادي منذ كان في سن العشرين وأنه ينتظر ظهور المدينة الذهبية التي ظهرت له في شبابه ، فتعجبت وسألته عن القصة

 فقال : إن هذا العجوز عندما كان شاباً فقد احدى الغنم وبحث عنها إلى أن حل الظلام وسمع صوتها في هذا الوادي ، وعندما دخل الوادي شاهد مدينة من الذهب والفضة بها قصور واحتفال عظيم وناس يرتدون ثياب الحرير والذهب والجواهر كأنهم من العصور الوسطي ، فأخذ يتجول وهو مبهور ولم يعيروه أي اهتمام ، وعندما اقترب الفجر اختفت تلك المدينة و إلى الأن لم يتزوج ويقيم هناك ينتظر ظهورها مرة أخرى من فرط انبهاره بها ، وهناك قصة أخرى غريبة كنت شاهداً عليها و كان لي صديق منذ خمسة عشر عاماً حصل علي محجر في جنوب مدينة لاستخراج الجرانيت و حضر إلي وهو مرعوب وقال : أنهم يقطعون جلمود الرخام وعندما يجهزونه للنقل يجدوه قد صار حجراً جيرياً لا قيمة له

 و ما زاد الطين بلة ظهور حيوان غريب بين الضبع والذئب يهاجم العاملين كل ليلة ويخرب المحجر ، فسالته : إن كان استأذن من العبابدة لاستخدام المحجر ؟ فذكر أنه قبل العمل في المحجر حضر رجل عجوز من العبابدة و هو غاضب وقال لهم : كيف تدخلون أرضي بغير أذني ؟ فطردوه واستهزاؤا به ، فتوعدهم بالعقاب وغادر منذ ذلك الحين وهم في عذاب ، فطلبت منه أن يأتي معي إلى اثنين من كبار القبيلة أعرفهم وجعلته يحكي لهم عما حدث ، فلم يتعجبوا ولاموه على عدم إرضاء العجوز صاحب الأرض وتحدثوا فيما بينهم بلغتهم الخاصة ثم طلبوا منه أن يحضر صباحاً ويحضر دقيق وسكر وشاي وتبغ وبعض الأقمشة لاسترضاء العجوز وأن يحضر إليهم

 وذهبت معه وذهبنا إلى مخيم هذا العجوز الذي يعرفون مكانه ، وعندما رأهم سلم عليهم ونظر إلي صديقي بغضب واخذوا في استرضاؤه إلى أن وافق على وجود الصديق في أرضه ، وقبل الهدايا على أن يقدم هذا الصديق له كل شهر بعض الدقيق والسكر والشاي والتبغ وبعض المال ، وقبل صديقي وتعاهدا على ذلك وتركناه معه وغادرنا ، وعندما سألتهما عما حدث لصديقي ضحكا وقالا : سيكون كل شيء على ما يرام ، بعد أسبوع حضر صديقي وهو في قمة السعادة وأخبرني أنه يستخرج أجود أنواع الجرانيت من المحجر وأن الحيوان الغريب اختفى وأن العجوز حضر إلى المحجر و وضع حوله أشياء منعت العقارب و حية الطريشة القاتلة التي هي الأفعى المقرنة من الظهور في المحجر ، وأن العجوز صار صديقه وحامي المحجر ، وقبل أن أختم أذكر أن الان الدولة تشق طريقاً جديداً هناك وذكر لي المهندسين العاملين في المشروع أنهم يدفعون المال والهدايا لأبناء القبيلة لحراسة معداتهم حتى بدون أن يبيتون في الحراسة وأنهم حين يتأخرون في الدفع يوماً تتوقف معداتهم عن العمل. ، أسف اطلت عليكم وللحديث بقية عن غرائب وعجائب هذه القبيلة.

مصادر : غير معايشتي لهذه القبيلة و هناك كتاب أسمه  حلايب إصدار دار الهلال في مصر الكاتبة نادية بدوي ، كتاب أخر أسمه في بلاد العبابدة إصدار دار الهلال أيضاً.

تاريخ النشر : 2019-04-08

guest
12 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى