ألغاز تاريخية

حقائق و أسرار عن رحلة ذي القرنين و مكان ردم يأجوج و مأجوج

بقلم : محمد عبد الله قوبعة – تونس

تزخر النصوص الدينية بقصص و أخبار كثيرة تتحدث في مجملها عن أحداث تاريخية قديمة وقعت في الأزمنة الغابرة و لعل من أغرب القصص و أكثرها غموضا قصة ذي القرنين الذي قام برحلة طويلة شملت أماكن متباعدة من الأرض حيث قادته الرحلة الأولى إلى موضع يقع عند مغرب الشمس ، و هناك أي في تلك البقعة النائية من الأرض شاهد الشمس تغرب في عين حمئة وقد تكلم الباحثون في هذا الموضوع و نسجوا حوله الكثير من الفرضيات حيث تحدث بعضهم عن عين طينية و أشياء كثيرة من هذا القبيل إلا أن المتأمل في سياق الٱيات يدرك أن النص القرآني كان يشير إلى أمر ٱخر حيث تبين للباحثين في علم الجغرافيا وحركة الأرض ان الشمس تظهر في المناطق القطبية بشكل مختلف عما نشاهده في سائر بقاع الأرض حيث يمكن مشاهدة الشمس في تلك الأماكن في فصل الصيف و كأنها تحوم او تدور حول الارض في مسار تتبع فيه خط الأفق و هذا كله يدفعنا للإعتقاد بأن ذي القرنين وصل في تلك الرحلة إلى المناطق القطبية الشمالية و شاهد فيها الشمس وكأنها تحوم حول الارض و في الروايات المنقولة في كتب المؤرخين ما يؤيد هذه الفرضية حيث أشار المؤرخ أحمد النيسابوري و غيره إلى مسألة وصول ذي القرنين إلى أرض الظلمات مما يلي القطب الشمالي و من المعروف علميا أن الأرض تميل بداية من الشطر الثاني من فصل الربيع بجزءها الشمالي ناحية الشمس فيسود الطقس الدافئ شمالي الكرة الأرضية و تظهر الشمس لستة أشهر كامله في القطب الشمالي و لكنها لا ترتفع بل تظل تحوم أي تدور حول الارض بمحاذات الأفق ، و تشهد المناطق القطبية الجنوبية في تلك الفترة ظلاما دامسا وليلا حالكا يستمر ستة أشهر ثم تميل الأرض بداية من الشطر الثاني من فصل الخريف بجزءها الجنوبي تجاه الشمس فتنعكس الصورة و تظهر الشمس لستة أشهر كامله في القطب الجنوبي بينما يسود الظلام في تلك الفترة الأطراف الشمالية من الكرة الأرضية.

blank
شمس الصيف في القطب الشمالي .. تكون بمحاذاة الافق

يحدثنا النص القرآني بعد ذلك عن وصول ذي القرنين إلى أرض تقع عند مطلع الشمس حيث شاهد هناك أقواما لم يجعل الله بينهم و بين الشمس سترا ولعل أهم ما يمكن أن يستوقفنا من خلال هذا الوصف هو عبارة مطلع الشمس والتي تشير على الأرجح إلى شدة سطوع أو بزوغ الشمس في تلك البقعة من الأرض ولا يخفى أن أكثر مكان تطلع و تبزغ فيه الشمس على وجه الارض هو المناطق الواقعة على خط الاستواء وهذا كله يدفعنا للإعتقاد بأن ذي القرنين وصل في تلك الرحلة إلى المناطق الإستوائية حيث شاهد هناك أناسا حفاة عراة لم يجعل الله بينهم و بين الشمس سترا و الستر هنا هو ما يستتر به الإنسان و المقصود به الثياب وفي الروايات المنقولة عن التابعين و عن مسلمة أهل الكتاب ما يؤيد هذه الفرضية حيث أورد بن اياس الحنفي في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور روايه نسبها للتابعي مجاهد جاء فيها ( ان هؤلاء القوم سود الألوان عراة الأجساد حفاة الأقدام و هم من الزنج الأعلى وهم أمم لا يحصون ) و المقصود بالزنج الأعلى في روايه مجاهد زنوج افريقيا السوداء المتواجدين في المناطق الإستوائية وقد ذكر غير واحد من الرحالة الأوروبيين الذين زاروا تلك الأماكن في القرنين السابع عشر والثامن عشر بعد الميلاد أن جميع الناس الذين شاهدوهم في بعض تلك المناطق كانوا عراة لا يتخذون الملابس.

وصل ذو القرنين بعد ذلك إلى منطقة تقع بين سدين او حاجزين أو لعلهما بحران او سلسلتين جبليتين أو شئ من ذلك القبيل ورغم غموض المعنى الوارد في وصف الإطار المكاني الذي قصده ذو القرنين في رحلته الثالثة إلا أن المتأمل في سياق الٱيات يجد أن الله عز وجل قد أشار قبل سرده لقصة ذي القرنين إلى رجل حكيم بنفس مواصفات ذي القرنين رحل أيضا إلى ثلاثة مواضع حيث ذكر الله عز وجل في قصته اطارا مكانيا شبيها جدا بالإطار المكاني الوارد في قصة ذي القرنين و اطلق عليه تسمية مجمع البحرين وقد فطن العديد من الباحثين للمعنى المراد من الاية و أدركوا أن منطقة مجمع البحرين المشار إليها في تلك النصوص هي جنوب أرض سيناء حيث يلتقي خليج العقبة بخليج السويس و يصبان في البحر الاحمر بالمقابل لو أردنا البحث عن أرض تقع بين سدين او بين حاجزين لوصلنا الى نفس النتيجة و لأدركنا أن أرض سيناء هي المنطقة المشار إليها في تلك الآيات وان السدين هما خليج العقبة و خليج السويس اذ لا توجد على وجه الأرض منطقة محصورة بذلك الشكل بين بحرين او بين سلسلتين جبليتين غير أرض سيناء وقد يحتاج الأمر إلى مزيد من الأدلة لنثبت أن منطقة مجمع البحرين المشار إليها في تلك النصوص هي نفسها منطقة ما بين السدين ولعل البحث عن الإطار الزماني قد يقودها الى معرفة الإطار المكاني.

blank
شبه جزيرة سيناء

جاء في بعض المصادر التاريخية منها كتاب البداية و النهاية لابن كثير و كتاب تاريخ مكة للازرقي ما يفيد بأن ذي القرنين أدرك فترة من بعثة النبي إبراهيم عليه السلام و طاف معه حول الكعبة و رغم اختلاف المصادر التاريخية حول بعض تلك التفاصيل إلا أن الشئ الثابت في هذا الموضوع هو أن النبي إبراهيم عليه السلام دخل الى مصر في فترة حكم الهكسوس كما أشار الى ذلك غير واحد من المؤرخين منهم عبد الوهاب النجار في كتابه قصص الانبياء و نستفيد من ذلك أن ذي القرنين عاش في فترة حكم الهكسوس أواسط القرن السابع عشر قبل الميلاد ولا يخفى أن الفترة التي سبقت دخول الهكسوس الى شمالي مصر شهدت اضطرابات و قلاقل كثيرة و اختلف بشأنها العلماء حيث أشارت بعض المصادر التاريخية الى غلظة ووحشية الأقوام الذين اجتاحوا و خربوا شمالي مصر في بدايات تلك الفترة جاء في بردية تورين الشهيرة ( انه في عهد الملك توتيمايوس حلت بنا ضربة من الرب و فجأة تقدم غزاة من إقليم الشرق من جنس غامض الى ارضنا استطاعوا بالقوة أن يتملكوها في سهولة ولما تغلبوا على حكام الأرض أحرقوا مدننا بغير رحمه و استولوا على أرض معابد الآلهة و عاملوا المواطنين بعدوان قاس فذبحوا بعضهم و أسروا زوجات آخرين و استعبدوا الأطفال ) (1) في المقابل نجد أن معظم الدراسات قد أشارت إلى أن الهكسوس كانوا رعاة من اعراق شتى وفدوا على مصر في شكل مجموعات متفرقة و تمكنوا من الإستيطان في المناطق الشمالية ثم انشأوا بعد ذلك مملكه خاصة بهم هذا و لا تعرف الأسباب التي دفعت المصريين للتراجع للجنوب وترك المناطق الشمالية الخصبة للرعاة .

تقول الباحثة الانجليزية في علم الآثار كريس ستانتس و المتخصصة في دراسة الحضارة المصرية القديمة إن الهكسوس لم يصلوا إلى الحكم في شمالي مصر من خلال العنف او الحرب (2). و في هذا السياق يقول المؤرخ الأشهر في التاريخ المصري القديم مانيتون ان الهكسوس لم يغزوا مصر بالجيوش (3).

blank
الهكسوس شعب غامض ظهر فجأة

ربما يدفعنا هذا التناقض للإعتقاد بأن بردية تورين وغيرها من المصادر لم تنشأ من فراغ و لم تكن مجرد محاولة لتشويه صورة الهكسوس بل كانت تشير إلى أمر ٱخر ربما الى قوة غاشمة كانت تخرج في فترات متفرقة من أرض سيناء فتعيث في الأرض فسادا و تخرب كل شيء قبل أن تعود إلى مكمنها و هذا كله يدفعنا للإعتقاد بأن قبائل يأجوج و مأجوج قدمت في فترة ما من المشرق ووجدت في مكان ما بأرض سيناء مكمنا فسيحا تحت الارض فاتخذت منه موطنا و منطلقا لتنفيذ غاراتها على المصريين مما اضعف السلطة المركزية هناك و أجبرها على التراجع للمناطق الجنوبيه الجافة و ترك الدلتا و المناطق الخصبة في الشمال للرعاة القادمين من مناطق شتى قد يكون ذلك المكمن الموجود بأرض سيناء فسيحا بحيث يمتد إلى مناطق شاسعة تحت البحر الاحمر او تحت المناطق الشمالية من الجزيرة العربية و قد يوجد فيه أشجار و أنهار و عيون متدفقة .

وعلى العموم أيا كانت الحقيقة فإن الشيء الثابت في هذا الموضوع هو أن الحقبة التي سبقت دخول الرعاة او الهكسوسس الى أرض مصر شابها الكثير من الغموض و امتزجت فيها الحقائق التاريخية بالكثير من الفرضيات وقد تكشف لنا النصوص التاريخية و البرديات حقائق أخرى تتعلق بهذا الموضوع

guest
23 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى