أدب الرعب والعام

حقد دفين

بقلم : سامي عمر النجار – jordan
للتواصل : [email protected]

حقد دفين
و أخيراً وجدت أميرتي

-1-

حينما اشتمت رائحة الطعام الزكية، توقفت عن تمرين اللياقة، وقفت محتارة، الصراع النفسي بدأ!. هي تريد التوجه إلى المطبخ وسكب بعض الطعام لكن ضميرها يؤنبها ويقول لها: وزنك فوق المئة، أنت سمينة جدا وفي عمر الثلاثين ولم تتزوجي بعد، انظري لنفسك، انظري لبطنك الكبير، انظري لملابسك، أنتِ تجدين صعوبة في العثور على ملابس بمقاسك، اثبتي على الرجيم ولا تتراجعي.
وبين شهوتها للأكل وضميرها صراع دائم غالباً ما ينتهي بفوز شهوتها للأكل.

بكل هدوء فتحت باب غرفتها وتوجهت إلى المطبخ، نظرت لتتأكد أن أمها ليست في المطبخ، دخلت المطبخ وبسرعة سكبت لنفسها من الطعام الساخن وتوجهت بسرعة وبكل هدوء إلى غرفتها، أوصدت الباب، وجلست تأكل بسرعة وحينما انتهت خبأت صحن الطعام تحت السرير.

شعرت سمية بالذنب لأنها خالفت برنامج الأكل المخصص لها، نظرت لنفسها بالمرآة، شعرت بالإحباط، توجهت إلى الميزان الموجود بجانب جهاز “المشي”، وقفت عليه وحينما رأت قيمة وزنها، أخذت بالبكاء وقامت بتكسير الميزان وشتمت ولعنت حالها وحياتها.

-2-

لم تكن أم سمية تعلم كيف تساعد إبنتها، أحضرت لها أعشاب للتنحيف وأدوية للتنحيف لكن دون جدوى، أخذتها إلى طبيبة مختصة أعطتها الطبيبة برنامج غذائي وقالت لها: يا سمية، لا تفكري بالعمليات الجراحية، مشكلتك بسيطة جداً، اتبعي هذا البرنامج وخلال سنة سيكون جسدك أفضل من عارضات الأزياء، كل ما تحتاجينه هو الارادة.
لكن سمية تعلم في قرارة نفسها أن المتعة الوحيدة لها هي الأكل.

مرت الأيام ولا جديد في حياة سمية، الإحباط يتملكها، كلما حاولت الإلتزام بالبرنامج الغذائي فشلت، في كل يوم توعد نفسها أن تبدأ من جديد لكنها تفشل في الإستمرار بالرجيم، 
وفي أحد الأيام لاحظت سمية وجود رسالة على صفحتها من شخص لا تعرفه، هذه الرسالة قلبت حياة سمية رأساً على عقب، كانت الرسالة تقول:
” سمية، أعلم أنك لا تعلمين من أنا، لكني أعلم من أنت، أنا إسمي أدهم درست معك في نفس الجامعة، ادخلي صفحتي وانظري إلى صوري ربما تذكرينني، أحببت أن أقول لك أني مهتم جداً بكِ أو بالأحرى معجب بكِ كثيراً، بعدما تركتي الجامعة وكنت أعلم أنك تركت الجامعة بسبب تعليقات الطلاب المضحكة على شكل جسدك ووزنك، بحثت كثيراً عنكِ ولكني لم أحصل على نتيجة، حاولت وحاولت، حتى على مواقع التواصل وجدت الكثيرات ممن يحملون نفس اسمك وكنت أبعث لهن نفس هذه الرسالة، لذلك أرجو أن تكوني أنت سمية التي أبحث عنها، أرجو منكِ الرد على رسالتي وعدم تجاهلها، لك كل الود والمحبة”.

قرأت سمية الرسالة ما يقارب المئة مرة، وفي كل مرة كانت تبتسم، وأخيراً هناك من هو معجب بها، وأي معجب شاب وسيم جدا، حينما رأت سمية صوره كادت أن تصرخ من الفرحة، هي لم تذكره لكن بما أنه وسيم فما المانع من التعرف عليه، شعرت بأن الأيام وأخيراً ستضحك لها، أخذت تتخيل نفسها عروس تجلس بجانب عريسها أدهم،
ردت على رسالة أدهم بصورة لها، فأرسل أدهم لها : وأخيراً وجدت أميرتي، أخذ الاثنان يراسلان بعضهما ويثرثران في أمور الجامعة والحياة.

كانت فرحة سمية لا توصف ووعدت سمية نفسها بأن تبدأ الرجيم من جديد وبإرادة من حديد، فقد أصبح لديها من هو معجب بها، أخيرا أصبح لديها حافز و هدف تريد تحقيقه.

لم تكن تعلم سمية أن هذه الرسالة ستكون البداية نحو دخولها السجن.

-3-

لا تأكلي الخبز ولا تأكلي الأرز، لا تقربي الحلوى..
تلك القواعد اتخذتها سمية في اتباعها للحمية الغذائية، منذ أن تعرفت على أدهم انقلبت حياتها رأسا على عقب، أصبحت تهتم بنفسها لدرجة مَرَضية،
خلال الثلاثة أشهر الأولى خسرت من وزنها 35 كيلو غرام، أمها انبهرت بهذا الانجاز، كانت أم سمية تشعر أن هنالك شيئاً جديداً قد غير من تصرفات سمية، لاحظت أم سمية أن ابنتها أصبحت تخرج كثيراً، حينما تتحدث عبر الهاتف تغلق باب غرفتها، حتى عينيها أصبحت لامعة، كانت تشعر أم سمية أن هناك رجلاً قد دخل حياة سمية.

في المقهى وعند كل لقاء بين سمية وأدهم، كان أدهم يبدي إعجابه بخسارة سمية لوزنها وكان يقدم لها كل الدعم والتشجيع ، كانت سمية تزداد جمالاً يوماً بعد يوم وأدهم يزداد نحافة وشحوب، وحينما كانت تسأله سمية عن سبب شحوبه كان يحاول التهرب من الإجابة وتغيير الموضوع أو كان يقول لها أن السبب هو ضغط العمل، لم تكن سمية تصدقه كانت تشعر أن هناك مشكلة ما في حياة أدهم، الغريب في الأمر أن جميع الجالسين في المقهى كانوا ينظرون لها وعلى وجوههم ارتسمت علامات الذهول.

يوم السبت، العاشرة صباحاً
كانت سمية تمارس رياضة المشي على الجهاز داخل غرفتها، حينما سمعت الرنة المخصصة للرسائل على هاتفها، فتحت الهاتف وكانت الرسالة من أدهم يقول فيها :
أريد أن أموت بين ذراعيك
أريد أن أراك الآن، هذا عنواني ……….

بدلت سمية ملابسها بسرعة وخرجت من المنزل.
اتجهت إلى العنوان، صعدت الدرج، الطابق الثالث الشقة 2، طرقت الباب.

-4-

لماذا قتلتِها؟. سأل الضابط سمية، فأجابت:
الحقيرة، أخذت حبيبي مني، أدهم كان يحبني وهي استولت عليه، أغوته، رأيتهما معاً في الشقة، كان عارياً، وهي كانت ترتدي قميص النوم، تلك العاهرة تستحق القتل ألف مرة.
تنهد الضابط بعصبية وقال لها:
أدهم، من هو أدهم؟ الشهود قالوا أنه لم يكن مع القتيلة أحد سوى طفلها الرضيع، زوجها سافر خارج البلاد.
قالت سمية: لعل أدهم حينما رآني هرب، قفز من النافذة.
وقف الضابط وقال وهو يجز على أسنانه:
هرب، تريدين إقناعي أن أدهم هذا الذي تتدعين وجوده قفز من الطابق الثالث.
قالت سمية: هذا ما حصل.
طلب الظابط من العسكري التحفظ عليها وإنزالها إلى النظارة.

في اليوم التالي تم إحالة سمية إلى المدعي الذي أمر بحبسها خمسة عشر يوماً لاستكمال التحقيق.
بعد خمسة عشر يوماً، محامي سمية يطلب من القاضي الكشف عن القوى العقلية لسمية.

-5-

سألها الطبيب: هل أنتِ أمها؟. فأجابت: نعم أنا أمها وهذا محامي إبنتي، ما الذي يحدث لإبنتي أخبرني أرجوك أيها الطبيب.
تنهد الطبيب وقال:
اطمئني يا خالة، إبنتك جسدياً بصحة جيدة، لكن المشكلة تكمن في عقلها، يبدو أن إبنتك مصابة بالفصام، بمعنى أن ابنتك تتخيل أشخاص وأحداث غير موجودة لكنها تتفاعل معهم كأنهم موجودين في الواقع، وهذا المرض يحدث بسبب تراكم الضغوط النفسية، ابنتك تتدعي أن هناك شخص أحبها وكان يريد الزواج بها واسمه أدهم، لكن صديقتها ريم أغوت أدهم وسرقته منها، لذلك قامت بقتلها.

ابنتك سمية كانت بحاجة إلى وجود رجل في حياتها، خصوصا أنها يتيمة الأب ووحيدة، تلك النقطة الأولى أما النقطة الثانية وزن سمية الكبير، بسبب وزنها فقدت ثقتها بأنوثتها، ولأنها كانت بحاجة ماسة لرجل يحبها ويدعمها اخترعت شخصية أدهم،

صفحة أدهم الموجودة على الفيس بوك ابنتك هي التي أنشئتها، سمية كانت تتبادل الرسائل مع نفسها، أما صور أدهم الوهمية فهي بالحقيقة صور عمر زوج ريم، أتوقع أن ابنتك سمية أثناء دراستها بالجامعة كانت تحقد على ريم، ممكن أن يكون ذلك بسبب جمال ريم أو ممكن أن ريم كانت تزعج سمية بحكاية وزنها، أو لأن ريم تزوجت صديقها في الجامعة عمر، وربما هذا الشخص ابنتك سمية كانت معجبة به، لكن لم أعلم لماذا كانت تسميه أدهم ؟، ابنتك من الداخل كانت تريد قتل ريم وساعدها على ذلك مرضها، المهم وأنا أراجع حالة ابنتك وأتحدث معها، تبين لي أن ابنتك مصابة بحالة انفصام حاد “شيزوفرينيا”
هذه تقارير كاملة عن حالة ابنتك المرضية.

أخذ المحامي الأوراق وهو يبتسم وقال لأم سمية: اطمئني الآن، في جلسة الأسبوع القادم سأقدم هذه التقارير إلى القاضي وسيتم إخراج ابنتك من السجن، وسيتم التحفظ عليها في المصحة حتى تتعافى ثم ستخرج حرة من جديد.

تاريخ النشر : 2018-06-02

guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى