عجائب و غرائب

حكايات المظلومين : لغز البصمة على الجدار

بقلم : اياد العطار
للتواصل : [email protected]

هل يمكن للبريء ان يترك اثرا يثبت برائته
هل يمكن للبريء ان يترك اثرا يثبت برائته

لا تشتمل جدران السجون السميكة على المجرمين فقط ، بل تحتضن الأبرياء أيضا ، وبعض هؤلاء لم يقترف جرما في حياته ، كل ذنبه هو الوقوع في الشبهات، ربما عن طريق الصدفة المحضة ، كأن يتواجد عرضا في مسرح جريمة ما ، أو من خلال الدسيسة والمؤامرة ، كأن يلفقوا له تهمة لأسباب شتى .. وفي كل الأحوال يكون طعم الظلم مرا علقما ، خصوصا لمن خسر أحلى وأغلى سنوات عمره وراء القضبان وهو برئ ، والأتعس أن يدفع المرء حياته جريرة ذنب لم يقترفه أبدا .. وحكايتنا اليوم عن ابرياء فقدوا حياتهم ظلما فتركوا ورائهم أثرا عجيبا ودليلا محيرا على برائتهم.

بصمة المظلوم

blank

صبيحة يوم مشمس جميل من صيف عام 1877 توجهت حظيرة من حرس سجن مقاطعة كاربون في بنسلفانيا بخطى وئيدة ومتناسقة نحو أربعة زنازين ليقتادوا نزلائها نحو باحة السجن من اجل تنفيذ حكم الاعدام فيهم ، وكانت المحكمة قد ادانتهم بتهمة قتل رجلين.

ثلاثة من هؤلاء المدانين استسلموا لمصيرهم القاتم دون أن ينبسوا ببنت شفة ، إذ كانوا قد اعترفوا وأقروا بذنبهم خلال محاكمتهم ، لكن المدان الرابع ، نزيل الزنزانة 17 ، المدعو الكساندر كامبل ، رفض الخروج من الزنزانة وراح يتوسل قائلا أنه بريء لم يقتل أو يؤذي أحدا في حياته ، وهو إدعاء كان قد دأب على تكراره خلال جلسات محاكمته السريعة ، لكنه لم يجد اذنا صاغية من القضاة والمحلفين.

بالنهاية اضطر الحرس إلى سحب السيد كامبل من زنزانته عنوة ، لكن قبل أن يتمكنوا من فعل ذلك ، وضع كاميل يده على أرضية الزنزانة المغطاة بالغبار والرطوبة ، ثم رفعها وضرب الجدار بقوة ، فأنطبعت بصمة كفه الموحلة على الجدار ، وقال منتحبا : “هذه البصمة ستبقى هنا إلى الأبد شاهدا ودليلا حيا على برائتي”.

خلال ساعة من الزمن كان كامبل المسكين قد رحل عن عالمنا حيث تدلت جثته من خشبة المشنقة إلى جوار المدانين الثلاثة الآخرين.

العجيب في القصة ، أن بصمة أو طبعة كف السيد كامبل على الجدار أبت أن ترحل عن هذا العالم كما فعل صاحبها ، وذلك رغم كل الجهود التي بذلتها أدارة السجن لعشرات السنين من اجل ازالتها .. حيث تم كشط الجدار وطلاءه مرات عديدة ، حتى أنهم قاموا بهدمه وبناءه من جديد ، ومع هذا كانت بصمة كامبل تعود لتظهر من جديد بعد فترة قصيرة.

وإلى يومنا هذا ، أي بعد حوالي 150 عاما على اعدام الكساندر كامبل ما تزال بصمته على الجدار مثار استغراب وحيرة جميع زوار هذا السجن القديم الذي أغلق أبوابه رسميا عام 1980 وتحول إلى معلم سياحي .. إلى درجة دفعت المجلس التشريعي لولاية بنسلفانيا لاصدار قرار عام 2005 يعتبر اعدام كامبل “غير دستوري وظالم” .. وقد طالب المجلس من حاكم الولاية تأييد القرار، لكنه رفض ، وإلى أن يفعل ستبقى البصمة العجيبة شاهدا على براءة السيد كامبل.

القبر الذي لا ينبت فوقه العشب

blank

في عام 1819 ، في بلدة مونتغمري وسط ويلز ، ظهر شاب قوي البنية وسيم الملامح يدعى جون ديفيز ، كان آتيا من بلدة بعيدة باحثا عن عمل.

جون أشتغل في البلدة كعامل بناء لسنتين ، وقد أثار اعجاب ومحبة كل من عرفوه لشدة امانته وأخلاصه في عمله ، مما دفع أرملة عجوز تدعى السيدة موريس إلى أن تعرض عليه إدارة مزرعتها ، وقد كانت المزرعة في حالة يرثى لها ومثقلة بالديون منذ وفاة زوج السيدة موريس قبل سنوات. وكانت الأرملة تسكن منزلا صغيرا داخل المزرعة مع أبنتها الوحيدة جين.

جون وافق على عرض الأرملة ، وتفانى بشدة في عمله الجديد ، فأثمر جهده سريعا ، إذ خلال أقل من عام تحولت المزرعة الخاسرة إلى مشروع ناجح يدر أموالا وفيرة ، الأمر الذي نال استحسان الأرملة ، وكذلك أثار اعجاب ابنتها الحسناء التي بدأت تميل بشدة نحو هذا الشاب الوسيم الأمين الذي انقذها هي وامها من حافة الافلاس وأعاد البهجة إلى قلبيهما مجددا.

لكن كما يقال فأن للنجاح أعداء ، ونجاح جون لم يرق لجميع سكان البلدة ، خصوصا السيد توماس بيرس صاحب المزرعة المجاورة  الذي كان يأمل أن تضطر الأرملة تحت ضغط الديون إلى بيعه مزرعتها بثمن بخس ، لكن آماله تبخرت الآن بسبب عمل جون الدؤوب والمخلص. كما أن مشاعر الحب التي بدأت تنمو بين جون و أبنة الأرملة أثارت حسد وغيض شاب يدعى روبرت باركر كان يطمع بالزواج من الفتاة.

الرجلان الحاقدان أتفقا على أن السبيل الوحيد لتحقق طموحاتهما هي بالتخلص من جون ديفز وازاحته عن طريقهما ، وقد وضعا لأجل ذلك خطة محكمة شريرة ، حيث أقدما على تنفيذ عملية سرقة عنيفة وتركا في مسرح الجريمة ادلة تقود إلى اتهام جون ديفز ، وسرعان ما ألقي القبض على الشاب البريء المسكين وتمت محاكمته على عجالة ، وفي ذلك الزمان القاسي كانت عقوبة السرقة المسلحة هي الإعدام ، وهذا بالضبط ما حصل عليه جون ديفز رغم أصراره على برائته حتى آخر لحظة.

ويقال أنه في صبيحة يوم تنفيذ الحكم ، وبينما كانوا يقتادون جون الى حتفه ، أبرقت السماء وارعدت كثيرا رغم أن الجو كان مشمسا والطقس صاف! .. وحينما صعدوا به إلى المشنقة ، وقبيل تنفيذ الحكم ، رفع الشاب رأسه إلى السماء وقال : “إن كنت بريئا فلن ينمو العشب على قبري لجيل كامل على الأقل”.

تم اعدام جون ، وقاموا بدفنه في باحة كنيسة البلدة ، ولم يطل الوقت حتى لاحظ سكان البلدة أمرا عجيبا ، فالعشب لا ينمو على قبر جون أبدا رغم أن القبور المجاورة كلها مغطاة بالعشب. وكلما زرعوا عشبا فوق قبره ذبل ومات سريعا. وأستمر القبر على هذه الحال لعشرات السنين ، لكن يقال بأن المساحة الخالية من العشب بدأت تنحسر قليلا بمرور الزمن ، وذلك لأن جون قال ساعة اعدامه بأن العشب لن ينمو على قبره لفترة محددة.

بالنسبة للرجلين الذين تآمرا على قتل جون فيقال بأن الأول أصبح سكيرا وتداركه المرض فخسر كل ثروته ومات في فقر مدقع، بينما الثاني لم يتزوج بأبنة الأرملة قط ، ومات جراء حادثة مروعة بعد فترة قصيرة من اعدام جون .. وهذه هي عاقبة الطمع ..  

ختاما ..

هل هذه معجزات وكرامات ؟ .. لا أعلم ولا يهمني معرفة ماهيتها ، بالنسبة لي هي مجرد قصص للتسلية وتمضية الوقت ، ولا يخلو موروث الشعوب من حكايات مماثلة ، ما بين قبور مضيئة وبقع دم لا تزول وموتى يتكلمون وأجساد لا تبلى الخ .. ولعلنا لو فتشنا وبحثنا في معظمها بشكل منطقي لوجدنا تفسيرا علميا معقولا ، أو مبالغة وتدليسا ، في الكثير منها والله أعلم .. لكن على فرض أن القصص التي سردناها في هذه المقالة صحيحة ، فهنا قد يقول قائل أن الدنيا تغص بالمظلومين فلماذا لم يتركوا ورائهم أثرا ولا كرامة ؟ .. أقول بأن المظلومية درجات ، هناك مظلوم لا يعدو أن يكون هو نفسه ظالما ، ليس شرطا أن يقتل المرء أو يبطش بالآخرين لكي يكون ظالما ، للظلم تجسدات كثيرة : الكلمة الجارحة ظلم ، السخرية والشماتة ظلم ، الغيبة والمكيدة ظلم ، عقوق الوالدين ظلم ، البخل على الأهل ظلم ، كسر القلوب ظلم الخ .. وأنا شخصيا حين أقلب صفحات ذاكرتي أجدني أحمل النقيضين ، أنا مظلوم تارة ، وظالم حينا ، ويقيني أن معظم الناس هم على شاكلتي ، وأمثالنا لا يجترحون المعجزات للأسف! ..

المصادر :

HANDPRINT ON JAIL CELL WALL: GHOSTLY SIGN OF INNOCENCE
The Robber’s Grave

تاريخ النشر : 2020-03-25

guest
56 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى