أدب الرعب والعام

خمسة غُرف متاحة

بقلم : هبة أحمد – مصر
للتواصل : [email protected]

خمسة غُرف متاحة
و عندما عاد التيار الكهربائي وقعت عيناي على منظر لن أنساه أبدا ..

تجلس فتاة في العقد الثاني من عُمرها في غرفة ويجلس قبالتها على المكتب رجل في العقد الخامس من عُمره وقام بالنظر إليها وقال لها متسائلًا :
– ما هو السبب الذي سيجعلني أُعينك هنا في هذه الصحيفة ؟
– أنني ماهره وأتقن عملي ! و … أتمتع بالثقة
– ولماذا اخترتِ البحث والكتابة في مجال الرُعب؟
سكتت الفتاة لبُرهة ثم أخذت تقول :
– لأن الخوف هو ما يجعل الإنسان يظهر على حقيقته ويجعل غريزته الحقيقية تظهر ويبين اذا كانت المشاعر التي نحملها للأخرين حقيقية أم مُزيفة .
قام الرجل بخلع نظارته وقال لها وهو يشير بيديه نحو الباب :
– اذهبي .. وابدئي عملك
ثم ابتسم وخرجت الفتاة من الغرفة .

في صباح اليوم التالي في أحد المنازل القديمة ، تجلس الفتاة عشرينية العُمر على أريكة تتحمل المرء بصعوبة ، وتقدم لها امرأة عجوز فنجانًا من القهوة كرماً لضيافتها ، ثم جلست فأخذت الفتاة تتحدث معها :

– أريد أن أسمع الواقعة كُلها من فضلك
ضمت العجوز شفتيها على بعضهما البعض وشرعت في الكلام
– ذهبت أنا وصديقتاي وابنٌ لإحداهما لقضاء العطلة في اسكتلندا ، وكان يتواجد فُندقٌ رخيص الثمن في شرق اسكتلندا ، ذلك ما قالهُ موظف الاستقبال من قبل أن نفتح أفواهنا “هناك خمسة غرف متاحة” فقمنا بحجز غُرفة كبيرة تشملنا نحن الأربعة .

********
في غُرفة الفندق تمزح الصديقات مع بعضهن البعض وتتعالى ضحكاتهن ، بينما يجلس الطفل على الأريكة ينظر إليهن نظرة ملل متسائلا في نفسه ” ما الذي قد أتى بي إلى هنا ” ثم قام الطفل وخرج من الغرفة دون انتباه أمهِ أو صديقاتها , وأخذ يسير في الفندق وكان المكان أشبه بمهجور ، لا يوجد فيه أحد أبداً ، حيث كان صوت ضحكاتهن فقط هي ما تعمّ المكان ، وبينما يستمر الطفل في السير انقطع التيار الكهربائي ، وأخذ الطفل يصرخ ويستغيث بأمهُ خوفًا .
كانت أمه ( إليزابيث ) تحاول بشده أن تفتح باب الغُرفة ، لكنها لم تستطع يبدو وكأنه هناك شخص ما يمسك الباب ولا يُريدها أن تتركه ، وعلى الجانب الآخر من الباب سكت الطفل عن الصراخ وبدأ يسير في الظلام ويداه باردتان ترتجفان من الخوف ، وإذا به يسقط من أعلى الدرج ، وحينها عاد التيار الكهربائي ، واستطاعت (إليزابيث) الخروج من الغرفة وسارعت بالركض نحو الباب ، واذ بها ترى ابنها مُلقاً على الأرض فأخذت تنزل على السُلم وهي تجري و وراءها صديقتيها وأخذت تقول وهي تبكي :
– بُني عزيزي أنا آسفه لأني لهوت عنك
كانت تحاول أن تُفيقه لكن محاولتها باءت بالفشل ، وخرج مستقبل الفندق من غرفتهُ وسأل عن تلك الضجة ، فأخذت الأم الحزينة الغاضبة تُصرخ في وجهه قائلةً :
– فندقكم هذا عبارة عن عفن متراكم ، و خدامتهِ لا تليق بالبشر .

*******
وضعت العجوز فنجان القهوة على الطاولة أمامِها وأخذت تقول :
– قام المستقبل بحمل ابنها إلى الغُرفة ، و قمنا بوضع الضمادات عليه و أخذ يستفيق ثم ينام وقمنا بتهدئتها وأخبرناها أننا سنسارع بالذهاب فور شفائهِ .

قالت الفتاه العشرينية وهي تضع القلم في مذكرتها وتغلقها :
– عفوًا لكنني قُلت في إعلاني أنني أبحث عن أشخاصٍ يحكون قصصاً حقيقية حصلت معهم بشرط أن تكون مُخفية وغير مألوفة وأنا لا أرى سوى كلاماً عادياً تتحدثين به .
تبسمت العجوز ثم قالت :
– الخوف كان بداخلنا آنذاك ، وعندما يكون الخوف بداخل الشخص فتأكدي أن أحداثًا مُريبة ستحدث.
– عفوًا منك لكن القارئ إن قرأ تلك الأحداث سيشعر بالضجر ولن يكمّل
– اتركيني أُكمل ووعدُ مني لن تندمي على سماعكِ لي
أشارت الفتاة بيديها لتكمل العجوز وأخذت تتحدث
******
*بعد مرور يومين* لم يستفيق الطفل الصغير بعد وكانت الأم تقضي وقتها في البكاء والدعاء لابنها ، وتواجدت المشاكل بين الصديقات بسبب جلوسهن بلا حراك بجانب صديقتهن والدة الطفل وعدم موافقة أمُه على أن ينقلوه سفرًا ويذهبوا به لأي مشفى ، كان أمر الأم غريب جدًا .
تجلس المرأة العجوز عندما كانت صغيرة السن آنذاك على الأريكة ليلًا أمام المدفأة تتصفح أحد الكُتب ، وكان شباك الغُرفة مفتوحٌ على مصراعيهِ

******
العجوز :
– كانت الرياح قويةً ، وكان الشباك مفتوحٌ على مصراعيهِ مما أدى إلى إطفاء المدفأة لذلك قلت لصديقتَي أنني ذاهبة لأكلم رجل الاستقبال ليعطيني بعض الاخشاب لأنها انتهت ، وسارعت في الخروج من الغرفة ، وأنا أمشي بالممر سمعت صوت بُكاء ، فأخذت أشيح بناظري يميناً ويساراً ، ولكنني لم أرَ أيَ شخص في الطابق ، كان نبض قلبي يتسارع وكأن الخيل يجري من النيران ، وتسارع أكثر عندما استوعب ان النيران أصبحت محاطةً بِهِ من كُل جانب ، وهنا انقطعت الكهرباء..
أعرف ما يدور ببالك أنني كُنت امرأةً راشدة وينبغي علي التفكير والعودة إلى الغرفة ، لكن ليس كوّني كبيرة السن يعني أنني أتمتع بالعقل ، تجمدت مكاني لعدة لحظات .

******
تقف (ماريا ) مكانها متجمدة في الظالم الدامس ، بينما أخذ صوت البكاء يزداد عُلواً وقربًا منها ، ومسك شخصٌ يدها ، ارتعدت ( ماريا ) وسحبت يدها بسرعة فائقة ، وتنحت بعيدًا وقالت بصوتٍ عالٍ مرتجف :
– من هناك؟!!!
أجابها صوت طفلةٍ صغيرةٍ يتمهد لإنهاء البكاء :
– لقد ضللت طريقي إلى غُرفة والداي ، رجاء ساعديني .
هدأ روّع ( ماريا ) قليلًا لكن كان بعض الخوف يلبسها لذلك قالت بصوتٍ أقل رجفةً :
– سأساعدك لكن المكان الآن مظلم للغاية لننتظر سويةً عندما تأتي الكهرباء .
قالت الفتاة وهي تضحك :
– هل سننتظر في منتصف الممر؟
– بالطبع لا ، تعالي معي إلى غُرفتي ، ولا تخافي نحن أناسٌ آمنين .
ضحكت الفتاه وأعربت عن موافقتها ، ثم أخذت ماريا تحاول أن تفتح باب الغرفة لكنه كان موصدًا ، لذلك أخذت تنادي صديقاتها ليفتحوا لها الباب لتدخل ، ولكن ما من إجابةٍ ، التفتت ( ماريا ) قائلةً للفتاه : من الواضح أن لا أحد يسمع وللأسف الباب مغلق بشدة .
– …..
– مممم ، أنا أعتذر منكِ عزيزتي .
– ….
– أين ذهبتِ؟؟ مرحبًا !!
ظل الوضع هكذا بضع لحظاتٍ تتحدث ( ماريا ) ولكن ما من جوابٍ من تلك الفتاة التي كان المفترض أنها تقف معها ، وعادت الكهرباء.

******
صمتت العجوز للحظات ، ثم أخذت تمسح وجهها قائلةً :
– لقد وصلتُ إلى أعلى درجات الخوف والحزن ، سيطرت عليّ المشاعر المضطربة وتمنيت عندما عادت الكهرباء ثلاثة أماني … أن أصاب بالعمى ، أنني لم أعارض أهلي وآتي إلى هُنا ، وأنني وُفقت في محاولة قتل نفسي في العام الذي سبق تلك الحادثة .
قالت الصحفية مستعجلةً لها للكلام :
– ماذا رأيتِ؟؟؟
– فتاة صغيرة مُلقاة على الأرض تحاط بها دماء جافةً ملتصقة بالأرضية والجدران ، حسنًا.. حق الوصف لم تكن فتاة ، بل هيكلٌ للفتاة ، كُنت في طابق غير الطابق الذي تتواجد بهِ غُرفتنا ، وكان من الواضحِ أن ذلك الطابق مهجورٌ ولا أحد يصعد إليه بتًاتًا

******
أخذت تركض (ماريا) مُسرعةً متجهة إلى أسفل وعندما وصلت إلى غُرفتها وجدت صديقتها مُلقاةً على الأرض مضروبةً على رأسِها ، بينما تمسك (إليزابيث) بيدها مطرقةً وهي تبكي , تساءلت (ماريا) :
– ما الذي يحدث هنا؟
– لا شيء
– أجيبيني ما الذي حدث لها؟
قالت (إليزابيث) بينما أسقطت المطرقة من يديها على الأرض وهي تبكي :
– كانت تحاول إبعادي عن ابني ..
– ماذا؟!!
– كما قُلت لك
ظهرت علامات الاستغراب على وجه ( ماريا) وذهبت إلى سرير الطفل وعندما اقتربت منهُ شمت رائحةً متعفنة فقامت برفع الغطاء من عليهِ , رجعت خطواتٍ إلى الخلف مسرعة الابتعاد عنهُ وقالت برجفة في صوتها :
– يا (إليزابيث) لقد مات ابنك!!
كانت تبكي (إليزابيث) بشدةً عارمة وقالت لها :
– لا لم يمت , جميعهم هنا لا يموتون …
– ماذا؟
– كما أقول لكِ جميعهم هنا لا يموتون , إنه يستيقظ في الليل ويتحدث معي ويحدثني عن لعبة مع تلك الفتاة التي تقطن فوقنا .
– ماذا تقولين؟ بالتأكيد فقدتِ عقلك .
– رجاءً (ماريا) لم يمُت ابني فروحهُ معلقةً هنا ، لا تطلبي مني ابدا أن أفارقه وأذهب بعيداً.
– إن لم تكوني تُريدين الذهاب سأذهب أنا وهي ..
ضحكت (إليزابيث) بصوتٍ مرتفع يبث القلق , من يدخل هنا لا يخرج .
شعرت (ماريا) بالقلق الشديد لذلك ركضت مسرعةً لتخرج من الغُرفة , ووصلت إلى الاستقبال وما رأته كانت الصدمة …

******
قالت الصحفية باستغرابٍ شديد :
– رجل الاستقبال مُجرد عظام؟؟ كيف ذلك ؟!
– ذلك ما لا أعلمه هل أصاب العمى ثلاثتنا , الفندق كان مهجور بمعنى الكلمة ظننت أنني جُننت هل ذلك الوقت كُنا نتعامل مع أناس غير متواجدين؟ كيف ذلك , لم أنتظر صديقتي المُصابة سارعت بالركض خارج الفندق .. للأسف ما يتملك الإنسان عند الشعور بالخوف الأنانية , كُل ما كُنت أفكر بهِ هو نفسي
– وماذا حدث بعد ذلك؟
– ركضت في الطريق لمسافة ليست بقصيرةً , حتى رأيت سيارةً مارة وأوقفتها وطلبت منهُ أن يوصلني إلى قسم شُرطة وللأسف كان قد فات الأوان , كانت صديقتي ماتت جراء صدمتها ، وانتحرت (إليزابيث) لتبقى مع ابنها .
– عفوًا ولكن ما تلك النهاية؟
– تريدين أن تعرفي ما كان ذلك الفندق أليس كذلك ؟
– نعم , من فضلك ..
– سأخبرك .

******
تقف (ماريا) وعليها غطاءً يحميها من برودة الجو ، وعندما قال لها الشرطي عن الخبر المؤسف لوفاة صديقاتها ، سألته عن ذلك المكان وعن غرابتهُ وأنها إلى الآن لم تفهم ماذا حصل , أخذها الشرطي إلى مكتبهِ وأجلسها ووضع لها كوبًا من الشاي الدافئ وشرع في الحديث :
– ذلك الفندق دائمًا كان شاغرًا بالناس , أبدًا لم تتواجد غُرفة فارغة , وفي إحدى الطوابق ذات ليلة حدثت جريمة قتل , قَتل صاحب الفُندق كل من صاحبهُ في نفس الطابق بلا رحمةً وأشعل النار في موظف الاستقبال بينما أخذ الباقون يفرون من هذا المكان أخذين ما يمكن أخذهُ
نظرت (ماريا) بدهشةً متسائلةً :
– لماذا فعل ذلك؟؟
– يوجد في كُل طابق ستة غُرف و في الطابق الذي وقعت فيه الواقعة غُرفة منهم يقطنها صاحب الفُندق , وأبدا لم يكن يُحب أن يقطن معه أي شخص في ذلك الطابق ، وعندما استبدل موظف الاستقبال لم يكن الموظف الجديد يعلم برغبة صاحب الفُندق ، وفي ذلك اليوم أتت عائلة تتكون من أب وابنته وزوجته ، وصديقتان مراهقتان ، ورجلٌ وزوجتهُ ، وثلاث فتيان ، وعابر على تلك المنطقة ، فأخبرهم عن وجود خمسة غُرف متاحةً في ذلك الطابق لذلك سارعوا وقطنوا في ذلك الطابق .

******
الصحفية:
– فقط ؟
– هذا ما قالُه الشرطي , وسمعت فيما بعد من الناس بعد انتشار الخبر , أن ذلك الطابق كان يقطن فيه هو وعائلتهُ وأصدقائهُ وأقرب الناس إليه , وتوفوا جميعهم في سنٍ صغير وهو ظل على قيد الحياة ، لذلك جُن جنونهُ أن أشخاصٌ آخرين غير من كان يُحبهم جلسوا في أماكنهم ، واستخدموا ما كانوا يستخدمونهُ .
ضحكت الصحفية وأعربت عن جنون ذلك الشخص ، ثُم سألت العجوز عن ذلك الرجل ما الذي حدث بهِ هل أُمسك في نهاية المطاف ؟
قالت العجوز بوجهٍ كشر :
– هل ينتصر الخير في الحقيقة عزيزتي؟!

******
بعد انتهاء الحوار شكرت الصحفية العجوز على وقتها وعلى قص عليها تلك الأحداث وخرجت من بيتها وأسرعت بالذهاب لمقر عملّها لتعرض القصة على مُديرها.
وبعدما قرأها قام باستدعائها :
– ما هذا الذي قُمت بالبحث عنهُ وكتابتهُ , هل تُريدين حقًا أن أخسر جميع القارئين , تلك مُجرد ترُهات وبعضٌ من الأشياء التي لا تُجدي نفعاً ، لقد قُمت بإعطائك فُرصةً نظراً لأنكِ صغيرةً طامحة ولم أرد أن أحطمك , ولكن يا ليتني قُمت بتحطيمك في بداية الأمر ولم أشغل أحدًا فينا ، تحطمت الصحفية العشرينية العُمر ، وظهر ذلك على وجههِا بشدةٍ وخرجت من مكتبهُ ولم تنطق كلمةٍ واحدة , بينما قام المُدير بأخذ سجل للصور كان في دُرج مكتبهِ ، وأخذ يُقلب فيهِ حتى ظهرت تلك الصورة القديمة لرجلٌ يقف أمام فُندق مع بعض الأشخاص الآخرين مُبتسم ، وقال في نفسهِ : كم أود بشدةٍ أن أحرقك يا عمي على ما فعلتهُ لأولئك الناس ، لكن أبدًا لن أترك قصتك تنتشر على أنك شخصٌ غامضٍ قتل أشخاص بريئين لحزنُه , يجب على الجميع معرفة حقيقتك وحقيقة مرضك النفسي الذي تتحجج بهِ لتعذب قلوب الناس .. ”

******
يقف ذلك الرجل صاحب الفُندق في طابقهِ المفضل ، بينما هُناك جُثة امرأة مُحطمة الوجهُ مُلقاه على الأرض وبيد زوجها مطرقةً مليئة بالدماء ، وفي رُكن الطابق فتاةٌ صغيره تبكي بشدةٍ وهي تمسك لُعبتها ، ويقول صاحب الفندق :
– لقد خانتك امرأتك مع ذلك الرجل في الغرفة المجاورة ، وأهنئك لقتلها ، لكن قُل لي كيف ستتركهُ ينجو بفعلتهِ ، وكيف ستترك تلك الفتاة الصغيرة؟ ما أدارك أنها فتاتك؟ من الوارد أن تكون ابنة زِنا , وأولئك المراهقتان والثلاث فتيةٍ يرتكبون أشياءً قذرة في حق المجتمع , إنهم يبيعون المخدرات وأجسادهن ، فعليك بأن تُخلص العالم منهم .

نظر ذلك الرجل الذي بيدهِ مطرقة لصاحب الفُندق وأخذ يركض كالمجنون في الطابق ليقتل الجميع , بينما يجلس صاحبا الفُندق على كُرسيهِ الهزاز يتأرجح ويضحك مستمتعًا بما يراه

تاريخ النشر : 2016-12-02

guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى