أدب الرعب والعام

دموع في ليلة الزفاف

بقلم : ميرفا عون – lebnon

كان واقفا عند سور حجري مطل على البحر القريب من الفندق يتأمل الأفق أمامه
كان واقفا عند سور حجري مطل على البحر القريب من الفندق يتأمل الأفق أمامه

 

كان يوما طويلا في العمل و لكنه عادي، عادت بعده نسرين إلى المنزل كعادتها، و لم تكد تلقي التحية على والديها و تجلس على الأريكة بجانبهما لترتاح قليلا من تعب الطريق المزدحم حتى رن هاتفها المحمول.
كان الرقم أرضيا و غريبا لا تعرفه ، فتحت القفل بحركة سلسة من سبابتها و ردت بعد أن تعرفت على صاحب الصوت:
ـ شربل!.. و لكن أين أنت الآن.. حسنا، حسنا أنا قادمة فورا .. لا تقلق.
سحبت نسرين حقيبتها على عجل و رحلت دون أن تجيب على تساؤلات والديها.

بعد رحلة قصيرة بالسيارة، وصلت الفتاة إلى قسم الشرطة حيث احتجز شربل.
دخلت بسرعة و اتجهت صوب الاستعلامات و لكنها قبل أن تصلها رأت الشاب جالسا وحيدا على كرسي في صف طويل من المقاعد محني الجذع ، يكاد يلامس رأسه الأرض.
أقبلت عليه مستفسرة:
ـ شربل! ما الذي حدث؟
رفع رأسه فلاحت على وجهه ملامح مرعبة لم تعهدها نسرين، كانت عيناه حمراوان تحيطهما هالتان في لون الحداد، و فوقهما حاجبان عقدهما الوجع فتواصلا و تلاحما و كأنهما خط واحد، لم يجب سؤالها و اكتفى بأن نظر نحو مكتب قريب لتتبين الفتاة مجموعة من الأشخاص تعرفت من بينهم على بونيتا زوجة شربل و والدها.
فأشارت عليه أن ينتظر حتى تتبين الأمر، و اقتربت من المكتب محاذرة و بادرت قائلة:
ـ ما الذي حدث حضرة المفتش؟
أجابها المحقق بنبرة جافة متجاهلا سؤالها:
ـ هل معك مبلغ الكفالة أم نحتجزه إلى الغد؟
ـ كم هو المبلغ؟
ـ 700 دولار
ـ في الحقيقة، ليس معي هذا المبلغ الآن … و لكن إن سمحت لي لقد رأيت صرافا قريبا في طريقي إلى هنا سأسحب المال و أعود بسرعة.

أوصلت نسرين شربل إلى منزله قرابة الحادية عشر مساء بعد أن اضطرت إلى نقله إلى المستشفى لمعالجة جرح غائر في يده كان يلفه بمنديل، لم تنتبه له إلا عندما خرجا من قسم الشرطة.
فتح الشاب الباب، فهالها ما وجدت عليه المنزل، كان في فوضى عارمة. شظايا الزجاج متناثرة في كل مكان و بعض قطع الأثاث محطمة على الأرض و التلفاز الذي كان هديتها له بمناسبة زواجه صار قطعا .
و كانت هناك سلسلة من قطرات دمه تبدأ عند مدخل غرفة النوم و تنتهي عند ردهة الطعام، حيث ماتزال أطباق الأكل في مكانها لم يلمس منها شيء.

تقدمت نسرين وراءه مصدومة تنحني كل مرة لالتقاط غرض ما تعيده إلى مكانه أو تضعه جانبا حتى بلغا غرفة النوم فأحجمت عن التقدم و وقفت عند العتبة، عندها عاد شربل إليها و سحبها من يدها و أوقفها عند السرير فيما جلس هو على كرسي قريب يقلب في هاتفه.
على الفراش و حوله تناثرت فساتين سهرة و أحذية نسائية ذات ماركات عالمية و بعض علب المجوهرات، التفتت إليه نسرين مستفسرة في حيرة فناولها الهاتف، حدقت في بعض صوره مصدومة ثم أعادته إليه و قد استبد بها الحرج و الاشمئزاز.
فتمتم بقهر:
ـ ليس هذا كل شيء ، هناك أيضا مقاطع فيديو لها في أحضانه في الملاهي الليلية و في بيته. كل ما حدث بينهما موثق على صفحته في الفيسبوك و في الانستغرام .. الفضيحة في كل مكان.

اقتربت نسرين منه و جلست على مسند كرسيه و احتضنته مواسية:
ـ فضيحتها في كل مكان ، أما أنت فلا دخل لك بما حدث.
رفع نحوها رأسه معاتبا:
ـ ليتني استمعت إليك عندما حذرتني منها ، ليتك لم تستسلمي أمام عنادي أو ليتك أهديتني بدل التلفاز مسدسا أو خنجر.

لم تغادر نسرين منزل شربل حتى اطمأنت إلى أنه قد استسلم للنوم العميق، و في طريق عودتها لم تستطع منع نفسها من التفكير إن كان لها في المأساة الواقعة ذنب ، و هي التي طالما شعرت بأن بونيتا خائنة لا تناسب شربل و لن تحافظ عليه و لكنها مع ذلك سايرته في زواجه و احتفلت به معه و وقفت في ظهره اشبينة يوم الزفاف.
كانت موقنة بأن هذ الارتباط المتناقض الغريب سينتهي و لكن لم تتوقع أن تكون النهاية بهذه السرعة ، بعد خمسة أشهر فقط و عقب سفر شربل بشهر واحد!

كانت الأيام اللاحقة ثقيلة و خانقة ، لم يكن أمام شربل سوى رفع قضية طلاق ، خاصة بعد أن وقع التزاما يمنعه من الاقتراب من زوجته أو التعرض لها .
كان يشعر بالمرارة و فداحة الظلم الذي وقع عليه و لكنه كان عاجزا، عاجزا أمام قانون يحمي المرأة و إن خانت، عاجزا أمام عشيق ذو نفوذ و سلطة سلب منه زوجته و رجولته و احترامه لذاته، عاجزا أمام نظرات الاتهام و الاحتقار من حوله.
لم يجد أمامه من مهرب سوى الخمر، تنسيه و تعزيه و تخدر حواسه، فينسى و لو لفترات وجيزة بونيتا الخائنة التي باعت نفسها و شرفه من أجل بعض الفساتين و المجوهرات و رحلات بحرية في يخت عشيقها الفاخر. و ينسى غريمه الذي كسر شوكته و مرغ رأسه في الوحل و العار، و ينسى كلمات نسرين المحذرة قبيل زواجه التي أصبحت كل ما يسمعه و يذكره.

بعد شد و جذب و طول عذاب ، انتهى الأمر و خرج شربل من المحكمة ، ألقى نظرة أخيرة على طليقته في فستانها الأحمر الخليع الذي اختارته بعناية نكاية فيه و في كرامته و بصق على الأرض ثم سلك الطريق المعاكس لطريقها و هو يصب عليها لعنات رجولته المجروحة.
لم يكد يبلغ موقف سيارته حتى وجد نسرين متكئة على مقدمتها تنتظره ، ما إن لمحته حتى لوحت له بيدها و أسرعت نحوه قائلة :
ـ مبروك
ابتسم لها في مرارة، فدست يدها بخفة في جيب سترته و سحبت مفاتيح سيارته و فتحت باب السائق و قالت:
ـ جهزت لك مفاجأة و سأخذك إليها

لم تستمر رحلتهما طويلا قبل أن يتوقفا أمام مستودع تملكه أسرة نسرين ، يخزن فيه والدها بعضا من بضاعته.
دخلا يتلمسان طريقهما و ما إن أنارت الفوانيس حتى ظهرت لافتة عظيمة كتب عليها “طلاقا سعيدا” باللغة الإنجليزية و تحتها مباشرة صفت طاولة عظيمة عليها كعكة تحمل صورة كاريكاتورية لشربل و هو يركل بونيتا بعيدا ، و في إحدى الأركان طاولة أصغر من الأولى وضع عليها جهاز ستيريو قديم و سماعات عملاقة.

اتجهت نسرين نحو الجهاز و أدارته فانبثق منه لحن حماسي يشبه قرع الطبول ثم أقبلت و في يدها صندوق صغير فتحته و سحبت منه قفازا ملاكمة و واق للأسنان ألبستهما لشربل و وضعت على رأسه قبعة احتفالات ثم سحبت حبلا فتدلت منه دمية قماشية ثبتت على وجهها صورة بونيتا فدفعته نحوها صارخة “اقضِ عليها”.

انقض شربل على الدمية لكما و ركلا و انغمس في تلك المباراة المزعومة كطفل صغير تلهبه هتافات نسرين حتى تمزق غلافها و تتطاير القطن الناصع في الأرجاء كزخات ثلج.
و لم يتوقف حتى أنهكه التعب فالتقط صورة لجثة خيبته الملقاة على الأرض من حوله في حين أشعلت نسرين عود ثقاب غرسته سريعا في الكعكة و نادت شربل ليطفئه ، ركض الشاب بحماس و أدرك الشعلة قبل أن تخمد و لكنه لم يخفِ تعجبه:
ـ عود ثقاب!
ـ إنها لا تستحق أكثر من ذلك و على ذكراها المخزية أن تختفي من عقلك بسرعة انطفاء عود الثقاب بعد اشعاله

عاد شربل إلى منزله في وقت متأخر بعد أن أوصل نسرين إلى بيتها ، و ما إن تجاوز الباب حتى داهمته الوحشة و انقض عليه الحزن الذي ظن بأنه قد نجح في الإفلات منه بتلك الحفلة المفاجأة.
عاوده الغضب عندما تذكر تلك البسمة الخبيثة التي لم تفارق وجه بونيتا اليوم في المحكمة ، أو فستانها الاحتفالي الأحمر في لون دمائه الفائرة في عروقه من فعلتها .
بدأت أنفاسه تثقل و أسنانه تصطك من شدة قهره فقذف بأول غرض وجده في طريقه على الحائط فإذا به ينتبه بأنه قد حطم الهدية الكرستالية الثمينة التي قدمتها له نسرين في آخر الأمسية ، فازداد حزنه أكثر.
فنسي الوعد الذي قطعه على نفسه و توجه إلى خزانة المطبخ المقفلة و أدار المفتاح و أخرج زجاجة خمر و قدحا و جلس يحتسي محتواها طوال الليل.

مرت الأيام و الشهور و شربل يرقص على حبال التظاهر، فيلتقي نسرين في النهار على أحسن حال و يقضي ليله في معاقرة الخمور و ملاحقة النساء من حانة إلى ٱخرى.
كانت تلك متعته الجديدة أو لنقل طريقته الوحيدة التي وجد فيها انتقامه و عزائه ، كل ليلة يلتقي بونيتا جديدة و في الصباح ينساها ليبحث عن غيرها.
جرب اللعبة فأحبها و استمتع بها و من ثمة علق فيها ، و داخل حلبتها لم يقابل سوى نوع واحد من النساء ذلك الذي يضم طليقته و أخواتها!
أما نسرين فقد كانت تعلم أن شربل يدعي النسيان كما يدعي الحياة، كما تدعي هي الصداقة.

في إحدى الأمسيات كانت نسرين تهم بالخلود إلى النوم عندما رن هاتفها و ظهر على الشاشة رقم شربل ، أجابت بسرعة و قد انتابها القلق فالساعة تجاوزت الثانية و النصف صباحا.
جاءها صوته متقطعا يطلب إليها القدوم بلسان ثقيل و كلمات غير مفهومة.
كان متواجدا في إحدى الحانات الشهيرة ، جالسا إلى المشرب محاطا ببائعات الهوى و الساقي يملأ قدحه كلما فرغ.
أثار خاتمه ذو الحجر النادر طمع إحدى الغانيات فأمالت رأسها على كتفه و طلبت أن يمنحتها إياه ، و دون تردد نزعه من إصبعه و قدمه لها ، و لكن قطعت الطريق أمامها يد أخرى ، انتزعت الخاتم منه و ارتدته في بنصرها بعصبية.
أبعدت نسرين الفتيات عن شربل ، فصرخت بها إحداهن في ضيق:
ـ و من تكونين؟
ـ أنا زوجته
تراجعت النساء و انسحبن من المشرب ، فجلست نسرين على الكرسي بجانب شربل و أشارت إلى الساقي أن يرسل الفاتورة.

انهارت رأس الشاب المخمور على كتفها و هو يتمتم كلمات غامضة و غير مفهومة ، فالتفتت إليه تبتغي تعديل وضعيته حتى لا يقع ، و عندها التقت أنفاسهما.
كانت أنفاسه ثقيلة و لكنها منتظمة بعكس أنفاسها المضطربة المتقطعة.
دفعت الحساب و سحبته إلى الخارج بصعوبة وضعته في مقعد السيارة ، ثم اتخذت مكانها وراء المقود.
ما إن همت بالانطلاق حتى لمع الخاتم في بنصرها على ضوء اللافتات الكهربائية التي يعج بها الشارع فانتابها شعور غريب و موجع.

وضعت نسرين شربل في فراشه و غطته باللحاف و همت بالمغادرة و لكنه و في حركة مفاجأة أحاط رقبتها بذراعيه كما يتعلق طفل بتلابيب أمه و فتح عينيه الناعستين فالتقت هذه المرة نظراتهما و تعلقت عيناها بعينيه فتمتم مبتسما:
ـ بونيتا! أهذه أنت؟
جفلت الفتاة و أبعدت ذراعيه عنها و ابتعدت عن السرير مسرعة ، تأملته في خيبة و أطفأت النور و قبل أن تغلق باب الغرفة تذكرت الخاتم ، فنزعته و وضعته على المنضدة بجانبه و رحلت.

عندما فتحت نسرين باب المنزل ، وجدت والدتها تنتظرها في غرفة المعيشة جالسة في عتمة لا يبدد وحشتها سوى نور مصباح خافت بجانبها.
أشارت إليها بالجلوس و لزمت الصمت لبعض الوقت و كأنها تبعث رسالة إليها بأهمية ما ستقوله.
ـ أين كنت؟
ـ كنت …
قاطعتها بحزم:
ـ كنت مع شربل ، أو بالأحرى كنت تلاحقينه و تنقذينه للمرة الألف و تعتنين به كالعادة و تصلحين ما يفسده
ـ إنه يمر بوقت عصيب..
ـ جميعنا نمر بأوقات عصيبة فهل هذا عذر لكي نفسد حياتنا و حياة الآخرين؟
هل أن ذلك يغفر لنا إثارة القلاقل و الأزمات في حياة الآخرين و جعلهم مضغة في الأفواه؟
ـ ماذا تقصدين؟
ـ تعلمين جيدا ما أقصده و ترينه في أعين الجيران و في همسات الأقارب و في أسئلة زملائك
ـ أنا و شربل أصدقاء منذ سنين و بمباركتك أنت و والدي ، و من حقه علي كصديقة أن أقف إلى جانبه
ـ بالله عليك هل تصدقين ما تقولينه الآن؟ هل تقومين بذلك فقط بدافع الصداقة!
التزمت الفتاة الصمت فواصلت أمها حديثها:
ـ كنت أعلم ذلك ، ذلك الحزن الذي استوطن عينيك بعد زواجه ، البكاء كل ليلة في فراشك حتى يهلكك النعاس ، عصبيتك كلما ذكر اسم زوجته أو كلما سئلا أمامك عن الحمل و الأطفال و ابتسامتك التي استعدتها بعد طلاقه ، جميعها كانت براهين حب لا تقبل الشك.

داهمت العبرات نسرين فأجابت بصوت متهدج:
ـ و ما العيب في الحب ! أم تراه شربل من تعيبينه و أنت التي تعلمين منه ما لا يعلمه أحد!
ـ لو كنت أرى في شربل عيبا لما سمحت له بالاقتراب منك، لما استقبلته في منزلي طوال هذه السنين و عاملته كولد لم أنجبه ، و ليس العيب في الحب بالتأكيد .
كنت سأفرح حد البكاء، لو أنكِ أقبلت علي قبل سنة فقط من اليوم لتخبريني بأنك تحبين ، كنت سأطير فرحا لو وجدت بأن شربل يبادلك حبا بحب ، كنت و والدك سنبارك حبكما كما باركنا منذ عقد من الزمن صداقتكما البريئة الطاهرة.
أما اليوم و بعد ما حصل ، و أنا أعلم يقينا بأنه لا يكن لك و لو القليل مما تحملين له في قلبك و جوارحك ، لا يسعني إلا أن أعارض هذا الحب و أن أحميك منه حتى و إن جعلك فعلي هذا تكرهينني لبقية العمر.

نهضت الأم و غابت قليلا ثم عادت و معها الكتاب المقدس و أمسكت بيد نسرين و وضعتها عليه قائلة بحزم:
ـ أقسمي أن لا تقابلي أو تكلمي شربل ثانية
حاولت الفتاة سحب يدها و لكن أمها قالت مهددة:
ـ إذاً لا تتركين أمامي سوى خيار واحد ، سأقابله و سأجعله يقسم بدلا عنك و أبعده عن طريقك
ارتجفت نسرين لمجرد التفكير في أن يكتشف شربل الغافل عنها بأنها تحبه و أنها تتخذ الصداقة حجة للتقرب منه و البقاء بجانبه ، فاستسلمت و اقسمت كما أمرتها والدتها و إن أضمرت في نفسها بأن تلتقيه لآخر مرة قبل أن تفي بقسمها..

في الغد ، غادرت نسرين عملها قبل ساعتين من انتهاء الفترة المسائية بعد أن ضربت موعدا مع شربل في أحد المقاهي القريبة من بيته بعيدا عن عيون أهلها و معارفها.
انتظرته لساعة تقريبا و اتصلت به عشرات المرات و لكن لا حياة لمن تنادي. ترددت قليلا و لكنها قررت أن تذهب للبحث عنه في منزله ثم في حانته المعهودة.
و في طريقها إلى هناك ، رن هاتفها و ظهر على الشاشة رقم شربل ، فتحت الخط و ردت بعصبية:
ـ أين كنت؟ لماذا لم تأتي؟
فأجابها صوت غريب :
ـ لقد وجدت بأنك آخر المتصل بهذا الهاتف و..
فقاطعته نسرين بصوت يشه الصراخ:
ـ من أنت؟ أين شربل؟
حاول صاحب الصوت تهدئتها بقوله:
ـ أنا موظف استعلامات المستشفى الذي نقل إليه صاحب الهاتف ، لا داعي للخوف حالته مستقرة
ـ ما الذي حصل له ؟
ـ من المفضل أن تأتي إلى المستشفى لكي يتمكن الأطباء من طمأنتك شخصيا.
لم تعلم نسرين كيف وصلت و لا أي طريق سلكت و ما إن وطأت قدمها المكان حتى أسرعت إلى قسم الاستعلامات ، فدلها الموظف على مكتب الطبيب المكلف بحالة شربل.

كان الدكتور لطيفا و لكن دون إفراط ، فاعتبرت ذلك دليلا بأن حالة مريضها لا تنبؤ بالسوء ، دعاها للجلوس ، فقالت و هي تسحب كرسيا:
ـ هل شربل بخير؟
ـ حالته الآن مستقرة و الحمد لله ، استهلك جرعة زائدة من المخدرات و ما زاد الأمر سوءا هو حالة كبده المتدهور بسبب إدمانه للخمر كما أتوقع ، المهم لقد تجاوز مرحلة الخطر وهو تحت المراقبة الآن.
ـ هل لي برؤيته؟
ـ آسف و لكن في مثل هذه الحالات ، تمنع الشرطة زيارة المريض حتى تنتهي التحقيق معه في الحادث.

انتهت تحقيقات الشرطة بعد سويعات و كلف أحد عناصرها بحراسة مدخل الغرفة ريثما يسمح لشربل بمغادرة المستشفى و استكمال التحقيقات في أحد أقسام الشرطة.
و بالرغم من طول مكوثها في قاعة الانتظار و رغم عدم توقف والدتها عن الاتصال بها ، قررت نسرين البقاء لرؤية شربل و الحديث معه.
سمح لها الطبيب بالدخول ، فوجدته نائما على السرير و ما إن لمحها حتى تحامل على نفسه و جلس و طأطأ رأسه خجلا.
اقتربت نسرين من السرير و وقفت عند حاشيته و قالت:
ـ لماذا لم تخبرني؟
حاول شربل تخفيف وطأة الجو الثقيل بينهما ممازحا:
ـ أليس هناك من “حمدا لله على سلامتك”!
ازداد وجه الفتاة جمودا و ألما ، فأجابها شربل:
ـ ما الذي سأقوله ؟ بأنني بعد إدمان الخمر و السهر و المجون ، أدمنت المخدرات!
أو بأن كل نصائحك و تحذيراتك كلمات أنساها ما إن تغادري و بأن كل وعودي لك ذهبت أدراج الرياح!

تعلقت عينا نسرين بوجهه المرهق و هي تقول بصوت لا نبرة له و بوجه خال من التعابير:
ـ أخبرني بأنك تحاول الموت من أجلها ، مستميت لتلفت نظرها إليك ، تفعل كل ما تستطيع لتجعلها تشعر و لو بوخزة عرضية من الندم و تأنيب الضمير نحوك ، تزحف وراءها صارخا أنا ضعيف بعدك ، وحيد دونك ، ميت لا أملك سببا للحياة.
أخبرني أنك منغمس في محاولة الانتحار بكل ما في قلبك من أنانية إلى الدرجة التي لم تعد تشعر فيها بأحد غيرك ، و لا تفكر حتى ما الذي ستكون عليه حالي و أنا أسير خلف نعشك ، أو كيف سأعيش ما بقي من عمري و أنا أتساءل كيف حصل هذا .
قل لي بأن مصيري لا يعنيك ، و مشاعري لا تهمك ، و بأني و كما يقول الجميع ألاحقك و أفرض عليك نفسي و صداقة هي عندك لا تساوي الخيانة حتى.
اصرخ في وجهي بأن أرحل و أدعك و شأنك ، ادفعني بعيدا عنك بكل ما في ساعديك من عزم و أوصد أمامي الأبواب.
و هنا بدأت دموع نسرين بالانهمار غزيرة و حارة و هي تقول:
ـ ٱقتل بداخلي كل تعلق بك و كل حبك لك ..
ثم هرعت نحو الباب ، بعد أن انفضح سرها الذي دفنته في صدرها عقدا كاملا من الزمن و الذي عاهدت نفسها بأن لا تكشفه لشربل أبدا إن لم يفطن إليه بنفسه.

أفاق الشاب من صدمة ما سمعه لتوه ، و غادر سريره ساحبا عمود المصل يبتغي اللحاق بنسرين و لكن الشرطي عند الباب منعه فراقبها و هي تبتعد كغيمة في نهار صحو.

نال شربل حكما بالسجن لمدة سنة كاملة بسبب استهلاكه للمخدرات ، قضى منها ثمانية أشهر و خرج بسبب حسن سيره و سلوكه.
طوال فترة سجنه ، كان ينتظر أن تزوره نسرين و لو لمرة واحدة ، أرسل إليها عشرات الرسائل يطلب منها فرصة واحدة أخيرة تسمح له فيها بأن ينهي الحديث الذي بدأته في المستشفى يوم هربت من وجهه دون أن تسمع إجابته على طلبها و لكن كلماته المتوسلة كانت قوبلت بالصمت التام و المرعب و المريب.
كان يعزي نفسه بأن رسائله لم تصلها ، و بأنها لربما ضاعت في الطريق إليها ، و كان ذلك أهون عليه من التصديق بأنها زهدته و نسيته و رحلت نهائيا من حياته.
كان أول ما قام به فور خروجه من السجن أن قصد منزلها ، فوجده مقفلا ، مقفرا تتكدس تحت أشجار حديقته أكوام الأوراق الصفراء المتجعدة.
أطل داخل علبة البريد في مدخل البيت ، فوجدها تعج بالرسائل و الفواتير ، و كانت رسائله هناك نائمة منذ وصلت و لم تجد صاحبتها.
أين ذهبت؟
ماذا حدث؟

طرق أبواب الجيران الذين يعرفونه و يعرفهم منذ سنين ، و لكن أيا منهم لم يشفِ غليله أو يعطيه إجابة مؤكدة ،
“لقد رحلوا منذ سنة” هذا كل ما عرفه منهم.
لا يمكن أن يكون هذا صحيحا ، لا يمكن أن تكون هذه النهاية !
هذا كل ما كان يدور في عقله و هو يبتعد عن المنزل حيث عرف لأول مرة دفئ العائلة ، و حنان الأب ، و عطف الأم ، و براءة الصداقة ، حيث عرف نسرين و حيث فقدها.

في الأيام الموالية لإطلاق سراحه ، حاول شربل جاهدا احترام قرار نسرين بالرحيل ، فانهمك في البحث عن عمل و لما وجده أرهق نفسه فيه كي لا يجد الوقت و لا الطاقة للبحث عنها أو حتى التفكير فيها.
لكنه فشل في إدراك النسيان ، لقد كانت ثمانية أشهر من التفكير و الوحدة كفيلة بأن تنزع عن عينيه غشاوتهما ، ليدرك بأن نسرين لم تكن عارضا في حياته ، لم تكن ما اعتقده دوما ، لم تكن الأخت أو الصديقة .
كانت عشقا سربله الخوف و طمسه الواجب ، واجبه في أن لا يسرق قلب إبنة الرجل الذي استقبله في عقر داره إبنا و بأن لا يطمع في من كانت أمها تطعمه و تكسوه و تدعو له.
لم يعد بإمكانه التراجع الآن، يجب أن يقابلها ، يجب أن تعلم بأنه يحبها كما تحبه و لعله يحبها أكثر.
كان يحدث نفسه بأن عليه المحاولة فإن نجح و عثر عليها فهذا دليل بأنهما خلقا لبعضهما و قدر لهما أن يكونا معا ، و إن عجز عن إيجادها فتلك علامة له من القدر بأنها ستكون أسعد مع غيره و يجب عليه أن يدعها و شأنها ما كتبت له الحياة.

قصد مقر عملها ، سأل عنها مرات و مرات و في كل مرة كانت الإجابة واحدة ” تركت العمل هنا”.
قضى ساعات طويلة يبحث عن حساباتها الشخصية على مواقع التواصل و لكن بعد أن قامت بحظره فقد كل اتصال بها لذلك أنشأ حسابات جديدة و بحث عنها مستخدما كل الأسماء التي خطرت في باله و لم يجدها.
اتصل برقم هاتفها ملايين المرات و لكنه كان خارج التغطية ، كان يعلم بأنها قد غيرته و لكنه ظل يحاول متمسكا بخيط ضعيف من الأمل.

كانت كل الابواب مقفلة في وجهه ، و كل محاولة للوصول إليها ترميه بعيدا عنها ، و كان قد بدأ ييأس و يفكر في أنه ربما عليه أن يتوقف و بأن كل تلك المصاعب هي رسالة القدر إليه بأن يتخلى عن مطاردتها حتى تذكر صديقة مشتركة بينهما تدعى ميلا لم يكن يستسيغها كثيرا، لذلك انقطع تواصله معها بعد التخرج من الجامعة بينما ظلت نسرين تتواصل معها بين الفينة و الأخرى ، كان احتمالا ضعيفا جدا و لكنه فتح في قلبه طاقة كبيرة للأمل.

قصد منزل أسرة ميلا مدعيا بأن بذمته دينا لها يريد إيفاءه ، أخبروها بأنها قد تزوجت و أعطوه عنوان بيتها .
عندما بلغه ، فتح له الزوج الباب ، و كان رجلا لطيفا كما يوحي شكله على عكس زوجته التي ما إن رأت وجه شربل حتى انقلبت سحنتها و لم تكلف نفسها عناء إخفاء ضيقها بهذه الزيارة الغير متوقعة و سألته بفظاظة :
ـ ماذا تريد؟
تدخل زوجها قائلا:
ـ تفضل بالدخول أولا و سنتحدث أثناء تناول الشاي
ضربته ميلا بمرفقها متوعدة ، فصمت و الحرج باد عليه؟
ـ لا بأس لا داعي لذلك فأنا في عجلة من أمري.. هل تواصلت مع نسرين مؤخرا أو هل تعرفين عنوانها الجديد؟
هم الزوج بالرد و لكن ميلا نهرته بعينها و ردت بعصبية جلية:
ـ آخر مرة تقابلنا فيها كانت قبل دخولك إلى السجن بسنة تقريبا
أدرك شربل بأنها تحاول إهانته فاستأذن بالمغادرة.

سار إلى موقف الباص و هو يشعر بأنه الآن و قد سد آخر منافذ أمله بات العالم فارغا جدا من حوله و كأنه يقطع صحراء قاحلة .
و بينما هو غارق في تفكيره قاطعه صوت رجالي ، رفع رأسه فوجد زوج ميلا واقفا أمامه ، لم يمهله و قال:
ـ أنا أعرف قصتك أو لأكون صادقا جزء منها و أتفهم ما تمر به ، و أعلم بأنه لم يكن على ميلا أن تتفوه بما تفوهت به منذ قليل
ـ لا بأس ، أنا أستحق ذلك على أي حال
تردد الرجل قليلا ثم إقترب من شربل أكثر و قال:
ـ هل تحب تلك الفتاة.. نسرين؟
اختنقت الإجابة في حلق شربل فاكتفى بالإيماء و على شفتيه الكالحتين لاحت ابتسامة مريرة.
عندها سحب الرجل من جيب بنطاله الجينز ظرفا سلمه لشربل قائلا:
ـ لم أكن لأفعل هذا لو أحسست للحظة بأنها كانت سعيدة يوم أحضرته
فتح شربل الظرف بيدين مرتعشتين و هو شبه متأكد من محتواه ، كانت دعوة زفاف كما توقعها .
كتب عليها اسم نسرين و اسم رجل لم يهتم له بل تسابقت عيناه بين الأسطر تبحثان عن زمان و مكان الحفل.
نهاية الأسبوع ، بعد ثلاثة أيام فقط ستتزوج في أحد الفنادق.
قرأ العنوان و الزمان مرارا ، حفظهما عن ظهر قلب .
أعاد الظرف لصاحبه ، و شكره و لما غادر الشاب و بقي شربل وحيدا جلس على الرصيف و وضع رأسه بين يديه و انتحب .

جلست نسرين في معطف الحمام أمام المرآة الكبيرة قبالتها تتأمل انعكاسها بعد أن أتمت خبيرة التجميل وضع لمساتها الأخيرة ، كانت ملامح وجهها جامدة لا أثر للسعادة فيها رغم تلك الابتسامة الخادعة التي رسمتها عنوة على شفتيها.
غابت قليلا ثم عادت و قد ارتدت فستان الزفاف الذي و ككل شيء آخر في الحفل عهدت بمهمة اختياره إلى والدتها.
ارتفعت من حولها أصوات “الزلاغيط” بينما ثبتت خبيرة التجميل الطرحة في تاج وضعته على رأسها.
اقتربت أمها منها و الدموع تتلألأ في عينيها و قبلت جبينها و دعت لها بالسعادة و الهناء و وفرة الأبناء ، ثم خرجت تبحث عن زوجها ليزف إبنتهما إلى عريسها.

شعرت نسرين بالضيق فطلبت من صديقاتها و قريباتها أن يتركنها لوحدها قليلا، فخرجن و بقيت جالسة في فستانها الناصع على الأريكة تحاول عبثا التوقف عن التفكير فيما كان و ما سيكون.
طرق الباب طرقا خفيفا متباعدا ، فردت نسرين في ضيق:
ـ ادخل
و لكن أحدا لم يدخل ، فكررت العروس بصوت أعلى:
ـ ادخل
فتح الباب ببطء ليلج منه شربل في بدلة سوداء ، تغطي نصف وجهه لحية أهمل حلاقتها لأيام كان يبدو منهكا و مفجوعا.
هبت نسرين لرؤيته و قفز قلبها لمرآه ، و لكنها أحجمت في آخر لحظة عن الركض نحوه و الارتماء في حضنه.
وقفت في مكانها بينما أخذ يقترب منها رويدا رويدا ، إلى أن صار أمامها مباشرة ، تأملها جيدا و تمتم:
ـ يا الله كم أنت جميلة !
ـ ماذا تفعل هنا؟.. كيف عرفت بأمر الزواج و مكانه؟
ـ فأما كيف عرفت بأمر الزواج ، فذلك أني قضيت الشهر الماضي كله أبحث عنك و لم أترك مكانا قصدتِه لم أذهب إليه و أسأل عنك فيه و لم أترك شخصا عرفتِه لم أسعَ إليه و أستفسره عنك.
و أما عما أفعله هنا ، فإن هناك كلاما يجب أن أقوله لك إن شئت تقبلينه و إن شئت ترفضينه ، و لكن أرجوك اسمعيه مني.
ـ الآن؟! و هنا؟!
ـ يوم جئتني إلى المستشفى قلت ما أردت قوله كاملا ، لم أمنعك و لم أقاطعك و لم أسألك الآن؟! و هنا؟!.
يومها رحلت و لم تمنحيني الفرصة للرد ، و غيرت عنوانك و لم تمنحيني فرصة للتواصل و اليوم تحاولين مجددا حرماني الفرصة ، الفرصة التي تعلمين جيدا بأنها ستكون الأخيرة بيننا يا نسرين ، فأنت تعلمين لست أنا من يمد يده بخراب البيوت و تفكيك الأسر.
اسمعيني ما دمت تقفين على الحياد بيني و بينه لأنك إن خرجت من هذا الباب دون أن تمنحيني فرصتي فقد اخترت أن تخرسيني مدى الحياة.

لزمت نسرين الصمت فواصل الشاب كلامه:
ـ لا تعرفين كم ترددت قبل أن آتي اليوم ، و كم من ساعة وقفتها أحدق في باب الفندق دون أن أجرؤ على الدخول، و كم ذرعت الرواق أمام هذه الغرفة حتى استجمعت شجاعتي لطرق الباب و كم جزعت لمجرد رؤيتك و التحدث معك ، هناك شيء واحد فقط دفعني في كل مرة للتقدم و السير نحوك ، أتعرفين ما هو؟
إنه خوفي أن الذكرى الأخيرة لي منك ستكون صورتك الدامعة في رواق المستشفى و أنت راحلة عني !
و أنك بعد سنين لن تذكري مني سوى خيال رجل أناني كسر قلبك ، و إن كنت لم أقصد يوما ذلك و أنت تعلمين.
في السجن ، اكتشفت أمرا واحدا كان الحقيقة التي صمدت معي في زنزانتي فيما قوضت كل الأكاذيب وهو أنك الوحيدة التي كنت أتحمل من أجلها علاج الإدمان و علامات انسحاب المخدر ، و كنت أتمتم إسمها بلهفة في كل مرة يعلن فيها الحارس عن جدول الزيارات.
في السجن اكتشفت أنني أحبك و خارجه تأكدت من ذلك.

اقترب شربل من نسرين و تناول راحتيها في يديه و قال:
ـ أنا أحبك ، منذ التقينا أول مرة ، منذ حديثنا الأول ، و ضحكتنا الأولى ، أحببتك منذ تواعدنا على الصداقة ، أحببتك و لكني لم أكن أعلم.

سحبت نسرين يديها و ضمتهما إلى صدرها و همست بصوت مختنق:
ـ لقد فات الأوان يا شربل ، و كلماتك لن تعيد ما كان .

انهار الشاب على الأرض فأسرعت نسرين و تلقفته و ألصقت جبينها بجبينه و شاركته البكاء و هي تقول:
ـ أحبك أيضا ، أحبك أكثر من نفسي و لكن لا أستطيع فعل شيء ، فبيني و بينك اليوم تقف بونيتا و رجل ينتظرني في الأسفل لأزف إليه ، و أهل أخشى خسارتهم .

حاول شربل التماسك فمسح دموعه بكمه و نهض و أنهض حبيبته التي ضاعت منه و مسح دموعها بأطراف أصابعه هامسا:
ـ معك حق ، لقد فات الأوان ، مبروك و أرجوك أن تعيشي بسعادة
و عندما هم بالمغادرة ، كانت نسرين هذه المرة من تمسكت براحته بشدة كانت تزداد كلما حاول سحبها منها ، و لكنها أفلتتها بعد طول مقاومة و تركته يرحل.
راقبته من النافذة المطلة على مدخل الفندق و هو يغادر فيما كانت تقاوم رغبة شديدة في البكاء.

أقبل والدها ترافقه والدتها و إشبيناتها و عدد من قريباتها و صديقاتها ، فغطت وجهها بطرحتها و تأبطت ذراع والدها و نزلت نحو قاعة الزفاف حيث ينتظرها الجميع .
كان عليها المرور عبر ردهة الفندق العظيمة ، سارت فيها ترفل في ثوب زفافها و لم تستطع مقاومة النظر إلى المخرج الذي عبر منه للتو شربل بقلب مفطور و أمل مكسور بسببها.
توقفت فجأة و رفعت الطرحة عن وجهها و راوحت نظراتها بين والدها و والدتها و تمتمت :
ـ أنا آسفة و لكني لا أستطيع أن أفعلها حتى من أجلكما.. و أتمنى أن تسامحانني يوما ما
و قبل أن تمنحهما و الحاضرين الفرصة لفهم ما يحصل ، ركضت نحو الخارج مسرعة خلف شربل.
أدركته أخيرا واقفا عند سور حجري مطل على البحر القريب من الفندق يتأمل الأفق أمامه ، اقتربت منه و كان غارقا في التفكير فلم ينتبه إليها ، و احتضنته من الخلف و أمالت رأسها على ظهره.
التفت إليها بكل جسده غير مصدق لما تراه عيناه ، تأملها برهة ليتأكد بأنه لا يحلم ثم ابتسم و مد يده و التقط الرموش الصناعية التي وقعت من عينيها لتستقر على خدها الأيمن فابتسمت له بدورها و عندها احتضنها و كأنما التقيا بعد فراق دهر.

تاريخ النشر : 2019-03-08

guest
36 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى