ديزي اشفورد : عندما تتبخر الموهبة
الطفلة التي اقتحمت عالم الأدب |
ديزي اشفورد وهي طفلة .. ثم وهي امرأة بالغة |
لكن ذات يوم ، عام 1917 ، عندما كانت ديزي في السادسة والثلاثين من عمرها ، وبينما كانت ترتب أغراض العائلة القديمة في العلية ، عثرت على صندوق خشبي قديم يحتوي على مؤلفاتها الطفولية كاملة ، فأبتهجت أيما ابتهاج ، واعادت قراءة تلك القصص ، طبعا بعقلية وذهنية المرأة البالغة ، واندهشت سريعا عندما وجدت بأن تلك القصص رائعة حقا ، وتستحق أن تقرأ ، خصوصا الرواية التي ألفتها في سن التاسعة والتي تحمل عنوان “الزائرون الشباب” ، والتي تتحدث عن رجل في الثانية والاربعين من عمره يدعى الفريد يسعى جاهدا لكي يتعلم نمط واسلوب حياة الطبقة الارستقراطية من اجل كسب ود فتاة شابة تدعى ايثيل ، لكنه في النهاية يفشل في مسعاه وتتزوج ايثيل من صديقه برنارد.
ديزي اعارت كراس روايتها لإحدى صديقاتها لكي تتلهى بقرائتها خلال فترة نقاهتها من الانفلونزا ، وتلك الصديقة اعارتها بدورها لأصدقاء آخرين ، وجميعهم أعجبوا بما قرأوا ، حتى وصلت أخيرا ليد روائي وناشر يدعى فرانك سونرتون ، والذي قرر أن يغامر ، ليس فقط بنشر الرواية ، لكن بتقديمها للقراء بنفس الصيغة التي كتبت بها في الأصل ، أي بنفس الأغلاط الاملائية الطفولية ، والعبارات الساذجة البسيطة, والفقرات الطويلة التي تفتقر للتنقيط والفوارز.
رواية ديزي كما تم نشرها اول مرة |
الغريب في الأمر هو أن الرواية لاقت نجاحا منقطع النظير عندما نشرت أول مرة عام 1919 في انجلترا والولايات المتحدة ، إلى درجة أنه تمت اعادة طباعتها 18 مرة عام 1920 لشدة الاقبال عليها. ولعل العامل النفسي لعب دورا في نجاح الرواية ، خصوصا لمعرفة القراء بأنها كتبت بيد طفلة عمرها تسع سنوات ، لكن ذلك لا يعني أن الرواية تفتقر الجودة والتشويق ، لدرجة أن بعض النقاد ، والكثير من القراء ، ظنوا بأن الأمر برمته خدعة ، وأن الرواية في الحقيقة تم تأليفها بواسطة كاتب محترف.
رغم النجاح الكبير والشهرة الواسعة ، إلا أن ديزي اشفورد لم تكتب شيئا آخر في حياتها غير تلك القصص التي ألفتها في طفولتها ، لعلها افتقدت الموهبة التي امتلكتها يوما ما ، أو ربما هي لم تكن موهبة أصلا ، بل مجرد شغف طفولي وهواية مؤقتة .
فيلم تلفزيوني من انتاج البي بي سي عن رواية ديزي |
ديزي اشفورد كرست بقية حياتها لزوجها واطفالها الأربعة حتى وفاتها المنية عام 1972 عن تسعين عاما.
في الحقيقة ما دفعني اليوم للكتابة عن ديزي اشفورد هو اني تذكرت ، بأني في طفولتي ، ربما بعمر سبع أو ثمان أعوام ، كانت لدي هواية غريبة في عمل تصاميم بسيطة لمصانع وآلات ومكائن ، بوحي من بعض البرامج التي كان يعرضها التلفاز آنذاك ، والتي كانت تعرض خطوات صنع منتجات مختلفة داخل المصانع ، ابتداء من مرحلة المواد الأولية وانتهاء بالمنتج النهائي ، فكان يحلو لي أن أرسم معاملا مع سلاسل واحزمة ناقلة ومصاعد طالعة ونازلة وافران وابواب اتوماتيك الخ .. وبالرغم من بساطتها إلا أنها لم تكن تخلو من ذكاء ، حتى أن أهلي كانوا يتوقعون أن أصبح مهندسا عندما أكبر .. وطبعا كبرت .. لكني لم أصبح مهندسا ، وبصراحة لا أهوى أي شيء له علاقة بالهندسة والميكانيك، ومع ذلك أعتبرها هواية ضائعة ، وأتعجب كيف أن بعض الهوايات ، او ربما حتى المواهب ، تندثر مع الوقت لدى بعض الناس، وأن هنالك الأشخاص قد يشغف بهواية معينة ثم ينساها أو يتناساها تماما لاحقا من حياته ..
فهل أنت من هؤلاء الأشخاص عزيزي القارئ ؟ ..
هل كانت لديك موهبة أو هواية معينة ضاعت وتبخرت مع السنين ، أو لعلها مازالت موجودة لكنك افتقدت شغفك بها ؟ ..
مصادر :
تاريخ النشر : 2019-03-24