أدب الرعب والعام

ذكريات ماري

بقلم : Nuts

الان انا ابكي بجنون، الان انا حقا اشتاق لماري
الآن أنا أبكي بجنون، الآن أنا حقّا أشتاق لماري

ياله من يوم كئيب !! الجميع قد لبس السواد وارتدوا أقنعة الأسف والحزن، السماء قد أعلنت حدادها كذلك، بكائهن مبتذل بحق، وأسم “ماري” يبدو مقرفا بنحيبهم، حتّى كلماتهم لمواساتي كانت نفسها وكأنّهم تلقّنوها.

عناق؟ ﻻ أحتاج إلى عناق! ألا تستطيعون رؤية ثباتي؟! أنا لا أبكي.. ماري أعذريني .. أشعر بالأسف على نفسي أكثر منك .. أدركت توّا أّننا لم نتحدّث كثيرا .. لم نصنع ذكرى .!
الجميع قد وضع بعض الزهور التي بدت ذابلة بالقرب من صورتك، لا أكذبك.. أشعر بالغيرة عندما أراهم ينظرون لك، إمرأة ثلاثينيّة بابتسامة قد أظهرت بعض التجاعيد وعينان بنيتان نقيتان وشعر قهواني باهت، ﻻ زلت أراك جميلة .! 

 
خرجوا جميعهم من المنزل أخيرا، سقط جسدي على الأرضيّة المغطاة بحصير التاتامي، لأستوعب ما حدث اليوم . ماري ماتت، ماري لم تعد موجودة، ماتت من دون سابق إنذار. لم أبرح مكاني وغفوت بهدوء مريب من غير بكاء، وﻻ حزن! لم استيقظ سوى باستيقاظ الشمس، أول يوم من دون “ماري” !

بعد أن اغتسلت وارتديت ملابسي، ذهبت للمطبخ لأكل شيئا .. أنا وماري لم نرزق بأطفال، لذا بعد أن أصيبت بالخرف، صرت أعدّ الطعام لنا . لمحت طيفها الباهت وهي تقوم بحركات بيديها . بدت وكأنّها تغسل الأواني، فجأة، انحنت للأسفل بحزن، وكأنّها تلتقط شيئا ..اتّسعت عيناي ممّا رأيته ! لذا التزمت الصمت حتّى لا يقول الناس أنّي مجنون.

طيف ماري كان يقوم بفعل أشياء مألوفة ولكنّه سرعان ما يفسدها لتبدأ بالبكاء، ماري بدت بائسة حقا ! ووجدت أنّي ككتلة من الثلج لا أتأثّر! فكّرت وأنا أرى طيفها متسائلا “أ هذا ما كانت تحاول القيام به عندما أكون بالعمل؟! ” هذا يفسر لماذا أجد كلّ شيء محطّم عند عودتي، حاولت الاقتراب منها لمواساتها ولكن يدي كانت تعبر من خلالها.. إنّها فعلا مجرّد طيف! 

خرجت مسرعا وبحثت في الانترنت عن شيء يفسّر ما حدث، ما علمته هو فقط أنّ المصاب بالخرف عند موته يقوم طيفه بفعل ما فعلته الروح وهي على قيد الحياة منذ إصابتها بالخرف، وتكون غير مؤذية. ماري قد أصيبت بالخرف قبل شهرين فقط، هل سيبقى طيفها هنا لشهرين؟

استسلمت للأمر وأنا أنظر لها من باب غرفتي . وقد بدت شاردة وخائفة. أنا وماري لم نملك ذكريات مع بعضنا، كنت أقضي وقتي بالعمل بينما هي حبيسة بالمنزل، ربّما تكون فرصة لمعرفة ما تفعله من دوني، ربما سأصنع ذكريات مع طيفها

استقلت من عملي لأستمرّ بمراقبتها طيلة الشهرين، أشياء كثيرة قد أصبحت واضحة.
كانت تقوم بالطبخ والغسل وترتيب المنزل، لكن شيئا فشيئا هي أصبحت تنسى، وقد بدأت بإفساد كل شيء.! 

بدوت مرتعبا لأتذكّر ذلك اليوم .. اليوم الذي صرخت في وجهها أنّها عديمة النفع، بعد أن كادت أن تحرق يدها لأنّها نسيت كيف تقوم بإطفاء الغاز.

وقتها كنت غاضبا جدا فذهبت للغرفة ونمت، الآن أنا أراها تبكي بشدّة محتضنة ساقيها إلى جذعها، قد كنت قاسيا معها حقّا وقتها . حاولت معانقتها ولكن بدت وكأنّها ﻻ تراني.. وقد عبرت من خلالي دون أن يحدث شيء 

مرّ الشهر الأوّل وماري قد ازداد خرفها، وقد أردكت أنّي كنت أتجاهلها لأنّي رأيتها عبء.
في الشهر الثاني وبالتحديد السابع من ديسمبر، كانت ذكرى زواجنا، الذكرى التي قمت بحذفها، تذكّرت في ذلك اليوم، كبف حاولت تحسين علاقتنا وفاجأتها من الخلف معانقا إيّاها لتقوم بصفعي بخوف! في ذلك اليوم ماري قد نسيت أنّي زوجها !.

أنا أرى طيفها وهو يسقط أرضا بشدّة كمن ضرب، صحيح في ذلك اليوم لم أتمالك نفسي، بعد أن نستني لأقوم بدفعها بشدّة على الأرض  وخرجت تاركا إيّاها في مكانها! اعتقدت أنّها لن تشعر بشيء ! الآن أنا أرى طيفها يبكي بشدّة محتضنة جسدها بخوف، يؤلمني أنّي ﻻ أستطيع مساعدتها

وهكذا مرّت الأيّام بسرعة . وكلّ يوم، أدرك حجم ما كانت تعانيه حتّى جاء اليوم الأخير ..
في اليوم الذي توفيت فيه كان لديّ اجتماع عمل، لم أملك الوقت لترتيب كل شيء .
كنت أتحدّث بالهاتف بينما أقوم بكيّ قميصي، وقتها اقتربت منّي لتساعدني لأصرخ غاضبا ” ماري تعلمين أنّك غير قادرة على فعل أبسط الأشياء.. فقط اتركيني فأنا في عجلة من أمري !” .. كم كنت قاسيا عليها !.. هذا واضح من تعابير طيفها الحزينة،

 

في التّاسعة مساءا، أنا غادرت، لم أعلم كيف توفّت لأراقب طيفها ودقّات قلبي تتسارع . أرى طيفها يقترب من المكواة بعد أن أخرج قميص آخر لي، أظنّها تحاول تذكّر كيف قمت بكيّ قميصي لتقلّدني ! ربما أرادت أن تسعدني بعد أن غضبت.

انتهت من القميص لتأخذه بسعادة مع أنّه لم يكن مرتّبا، ولكنّها قد نست المكواة ! شعرت بغصة في قلبي وأنا أتذكّر طريقة موتها، صرخت في طيفها بترجّي ” المكواة !! .. هيّا افصليها بسرعة !! ﻻ تنسي المكواة !! ” ولكن لا حياة لمن تنادي فلم تكن تسمعني

ماري قد ماتت بعد أن حدث حريق في الغرفة بسبب المكواة، المحزن أنّها لم تعرف كيف تطلب النجدة ولم تستطع فتح الباب فماتت . انهار جسدي بالكامل قرب سقوط طيفها أرضا حتى اضمحل شيئا فشيئا. الآن أنا أدرك ذكريات ماري، الآن أنا أبكي بجنون، الآن أنا حقّا أشتاق لماري !!

ماري أنا أسف !! ..

 

 حقّا آسف !..

تاريخ النشر : 2019-03-14

guest
24 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى