أدب الرعب والعام

رانــو دراجـــا جابـــا

بقلم : MnsMas – مصر
للتواصل : [email protected]

المال هو كل شيء..

رانو دراجا جابا …

انه ذات الصوت .. انها تلك الحروف التي تمتزج بروائح السحر الكريهة

رانو دراجا جابا …

انها تلك النغمة الغريبة التي ترتفع حدتها كلما تكررت تلك الجملة

رانــو دراجا جـــابــــــــا …

الجو يتناغم مع تلك الجملة .. الحرارة تنخفض مع كل حرف يتحرر .. الرياح تنساب بين تلك الحروف ..

را .. نو… د .. را .. جــــــا …. جا ………..

لقد اخبرته مراراً ان لا يفعل .. لكنه عنيد .. عنيد جداً لدرجة أن يفعل

 

***

– هل احرقت الورق بالكامل ؟!!

– لا .. لا أظنني استطيع التوقف الآن .. سأكون قد خسرت كل شيء بدون فائدة

– اذاً سأنهي الأمر بنفسي و فوراً ..لا مجال لتنفيذ مراده .. انه وهم .. لن نقتله

– اهدأ ارجوك .. امهلني يوماً واحداً فقط .. واحد فقط .. انني على يقين انه موجود .. انا واثق انه يسمعنا الآن .. يمكننا أن نفعلها .. فقط ساعدني

– أتخبرني انك ستقتل من أجله ؟! أجننت ؟!!

– إنها اوامره .. ننفذها و ننعم بعدها

– أتظن انني مجنون مثلك لأصدق تلك التفاهات ؟!! انها مجرد اوهام شعرنا بها

– هل تعتقد فعلاً انها تفاهات ؟!

– و هل تعتقد انت انها حقيقة … هل يخبرك عقلك انه موجود فعلاً .. هل درست المنطق من قبل ؟!

– لم ادرس المنطق .. لكني درست ذلك الكتاب .. و انا اصدق ما احتواه تصديقاً تاماً ..

– اذاً افعل ما شئت فانا خارج الأمر .. لن استمر في تلك التفاهات بعد الآن

– أرجوك .. كل ما اطلبه منك هو يوم واحد لا غير ..

– ثم ؟!

– ثم .. ثم سأنقطع عن ذلك الأمر تماماً و سأعطيك حصتك من المال ..

 

***

هل تصدق وجوده فعلاً ؟؟!!

هل تتوقع انه موجود و يقرأ معك هذه الكلمات الآن ؟؟!

ألا تشعر بانه خلفك تماماً ؟ .. ربما تشعر بأطرافه تداعب جسدك الآن ..

هل تظن انها مجرد تخيلات .. هو يريدك أن تعتقد ذلك ..

هل بدأت تشعر بوجوده ؟! .. عقلك يحاول اقناعك بالمنطق الدنيوي انه لا وجود له .. و لكن عقلك الخبيث يعلم الحقيقة .. و لكنه يخفيها عنك لأنها لا تنتمي لمنطقه ..

الامر معقد و يصعب تصديقه .. و لكن هذا لا يعني انه غير موجود !

 

هل بدأت تشعر بالرعب .. اذا دعك من ذلك .. اخبرني .. كم مرة فكرت في المال الكثير ؟ .. كم مرة استغرق عقلك في تخيل تلك الصدفة التي تنتظرها ؟؟ .. الصدفة التي من المفترض ان تغير حياتك من البؤس و الفقر الى ألوان النعيم .. كم مرة دخلت ذلك المتجر الضخم الذي يضم كل ما هو باهظ الثمن و تمنيت اقتناء بعض محتوياته و لكن جيبك لم يساعدك على ذلك ؟؟؟ ..

ألم يغوص فكرك من قبل في بحر الأموال ؟؟ .. هل تخيلت حينها مسكنك المنعم و سيارتك ذات الطراز الحديث ؟! ..

هل تصدق هذه الجمل العقلانية التي تخبرك بان المال ليس كل شيء ؟!!

ربما انت مخطئ … زمننا ليس عقلانياً بما فيه الكفاية .. هل ما زلت لست مقتنعاً ؟! .. ربما من الصعب اقناعك.. او انك تهرب من الحقيقة كما هرب عقلك من حقيقة وجود ذلك الظل الغريب خلف ظهرك !! .. خالفني ان شئت .. ربما الحياة فقط هي من ستعلمك ان المال اصبح الأن كل شيء ..

لكن كيف تحصل عليه ؟! …

إذا اردت الدقة اضف على ذلك السؤال كلمة " بسرعة " …

الأمر الآن اكثر تعقيداً .. الشيء الوحيد الموثق في التاريخ الذي يجلب لك اجابة واضحة لذلك السؤال هو الاتجاه الغير مشروع اتباعه .. مثل تجارة الممنوعات , العصابات , السرقة و القتل او أي شيء آخر غير مشروع .. فهو بالتأكيد سيجلب لك ما أردت ان تنال ..

 

دعك من كل ذلك .. ما رأيك في اتباع تلك الطرق؟ .. هل تظن انها مخاطرة؟ .. بالفعل هي كذلك .. لكن الأمر يستحق فعلاً ..

هل تحتاج الى ذلك المال ؟؟ ..

انت من تلك الطبقة المتوسطة في المجتمع .. هل ستظل تحاول التسلق للوصول الى الطابق العلوي حتى تفشل و تسقط قتيلاً للأماني الطوال؟!! .. او ربما يحق لك استعمال المصعد الكهربائي .. و لكن احذر ان يعطل بك في منتصف الطريق للأعلى ..

هل تحتاج الى ذلك المال ؟! ..

ما رأيك في اتباع الطرق غير المشروعة .. الا تظن انه من الأفضل ان تستعمل المصعد الكهربائي ؟! ..

هل تحتاج المال فعلاً ؟ ..

اذاً كيف ترى احتياج طارق لذلك المال؟! .. من هو طارق ؟!! .. انه احد الذين جلبتهم امهاتهم في تلك الحياة ليفشلوا بكل الطرق المختلفة .. طارق الذي بعد سلسلة الفشل المتتابع قرر ان يضع كل امواله في ذلك المشروع الجديد .. سيخطط له جيداً هذه المرة .. سيفعل كل ما بوسعه لينجح .. ربما سيستعين بصديقه حسام .. رفيق فشله .. لكنهما هذه المرة سينجحا .. المشروع لا يحتمل الفشل سيربحان بالتأكيد .. انها شركة استيراد و تصدير للأجهزة الكهربائية التي لا غنى عنها .. سيربحان .. حتى لو كان ذلك الربح ضئيل .. ضئيل لدرجة انه لا يكفي لصاحب المشروع .. او ربما لا يكفي ليمنح طارق بطاقة الصعود للطابق العلوي .. سيظل في تلك الطبقة المتوسطة اذاً الى ان يتوقف نبضه .. انه ملل اليس كذلك ؟!.. انك تستيقظ لتعمل بدون هدف .. تجلب لنفسك من الأموال ما ستصرفه في اليوم التالي .. الا تظن ان طارق من حقه ان يفكر في امر المصعد الكهربائي ؟؟! .. و اذا فكر فعلاً في ذلك .. فأي نوع سيختاره ؟! … السرقة ؟ القتل ؟ .. بالتأكيد هناك انواع مختلفة من المصاعد الكهربائية..

او ربما هو فكر في شيء اكبر .. مصعد كهربائي سحري من النوع الطائر .. لقد قرأ عن ذلك كثيراً .. بالرغم من انه فاشل في كل شيء الا انه يمكن وصفه على انه شخص مثقف .. على اعتبار ان كل من يقرأ الكتب في هذا الزمن يعد رجلاً مثقفاً ..

لقد قرر ان يستعين به .. سيستعين به و يحرره ليمنحه ما شاء .. انه يثق في وجوده .. عليه فقط ان يسترجع تلك الكتب في بيته .. سيحتاجها بالطبع و سيلجأ اليها ..

فلتستعين به .. و لا تنسى ان تتصل بصديقك حسام ليساعدك على هذا الامر ايضاً .. لماذا انت متردد هكذا ؟ .. الأمر ليس صعباً .. و لكن لكل شيء ثمنه و سيتوجب عليك دفعه ..

ربما انتم الآن تتخيلون ما اتى لاحقاً .. ربما افلام الرعب قد لعبت دورها لتعطيكم ذلك الخيال الواسع المرعب ..

لم يتردد حسام للحظة في مساعدة صديقه .. ربما يظن انه لا وجود لمن يتم استدعاءه .. فهو لا يصدق الأمر برمته .. ربما أتى للاستمتاع … او ربما هو هنا فقط لأن طارق وعده بأن يكون له النصف و أغرته شهوة الأموال ..

الأمر دائماً المرة الأولى أكثر رعباً .. فلتتحملا الرعب اذاً و تصبرا عليه بشهوة المال .. فلتتحملا تلك الرياح الوهمية التي أخذت تعصف بكم .. فلتتحملا ذلك الصرير المزعج الذي يلفح اذنكما .. فلتتحملا الى النهاية …

و لكن لا تغفلا انه لا يحضر الا بثمن .. ثمن باهظ .. و لكنكما ستنفذا الأمر ..

انه امر صعب .. ان تقتل !! .. لكنه سيجعله لكم سهلاً ممتعاً .. فما عليكما الا اتخاذ القرار و سيحدث المراد بدون اي اثر يذكر ..

 

***

سامح .. المحاسب المجتهد الذي القى به حظه السيء للعمل في اقبح شركات الاستيراد و التصدير .. و لكنه بطبعه مجتهد .. سيعمل و يقاوم الى ان ينجح .. سيقضي الشهور في عمله السري على هذه الصفقة .. ربما سيؤدي ذلك الى سوء العلاقة مع زوجته .. ربما لا وقت لها الآن فعمله أهم .. ربما سيعوضها عن ذلك لاحقاً .. و ربما ايضاً هي ستظل في انتظاره .. ستصبر الى ان يأتي ذلك اليوم الذي سيخبرها فيه انه انتهى من عمله المتعب ذلك و كل ما عليه الآن هو الذهاب الى صاحب العمل ليعرض عليه هذه الصفقة المغرية المربحة و من ثم يعود لها .. يعودان مرة اخرى للنعيم .. يقضيا ليلة مثالية يتذكراها طوال عمرهما .. كل ما عليه الآن ان يسحب ذلك الورق الذي قضى في تنظيمه شهوراً .. ذلك الورق السري الذي يحوي الكثير من الأرقام الهائلة .. أرقام تقدر بالملايين .. صفقة العمر للشركة .. ربما سيكون صاحب الشركة سعيد لأقصى حد بذلك .. ربما الى حد ان يقتله ..

 

***

ماذا يهم اذا كانت الخطوة التي ستنعم بعدها هي ان تقتل احد معارفك ؟! .. انها مجرد تضحية بسيطة في سبيل النعيم .. انه مجرد محاسب شاب لا يستطيع ان يجعل تلك الشركة تربح .. انها تضحية بسيطة .. حتى و ان دخل عليك بوجهه البشوش و في يده بعض الاوراق التي تدل على اجتهاده .. حتى و ان راق قلبكما له انتما قد اتخذتما القرار .. و هو الآن المنفذ .. لا رجعة في ذلك .. استرخيا .. فسيتحكم هو بجسدكما ليملأ المكان بالدماء .. ثم سيمحو كل آثار يديكما ..

 

في ذلك المنزل في الحي الفقير جلست هي في انتظاره .. ارسلت له رسالة من رسائل الحب و الغرام .. ستنتظرينه .. صبرك سينفذ و لكن لا تستطيعين فعل شيء.. شعور الخيانة سيلفحك .. انه دائماً يفعلها .. انه يفضل العمل عنك .. او ربما يفضلها هي عنك .. عليكِ الآن أن تبكي بنار الكراهية له .. عليكِ ان تخططي له المكائد .. ان تحفظي هذه الكلمة و طريقة القائها "طلقني" .. ثم عليكِ ان تستمري في البكاء بنار الكراهية الى ان يأتي اليك .. ربما عندها فقط سيتحول بكاء الكراهية لعويل و صراخ .. لندم و ألم ..

 

***

– رانو دراجا جابا .. لقد نفذنا أوامرك ايها العظيم

طارق يردد بحماس و حسام يردد برهبة و خوف

– رانو دراجا جابا .. هبنا الملايين

إنه نفس ذات الصوت

– رانــــــــــــــو دراجــــــــــــــا جـــــــــــــابــــــــــا

او هو صوت آخر .. صوت يخرج من الاتجاهات الأربعة للغرفة .. صوت افزع طارق و حسام .. صوت يستحيل خروجه من كائن حي .. صوت مفزع للجسد و مخيف للعقل .. لكنه هنا بالفعل .. انه يقترب منهما من اللّا اتجاه .. الظلام يسيطر بحيث لا يدع مجالاً للعين لتقوم بعملها .. الأشياء من حولهما تهتز بشكل جنوني و كأنها تحاول الهرب ..

– رانــــــــــــــو دراجــــــــــــــا جـــــــــــــابــــــــــا

الصوت يأتي هذه المرة من باب الشقة .. ربما سمعنا أحد الجيران و هو الآن قادم لنا ليرى ماذا يحدث .. لكن .. باب الشقة مغلق تماماً بحيث يستحيل كسره او دخوله .. ربما انه هو .. ربما هو في طريقه لتلك الغرفة المظلمة .. فقط وجهوا أعينكم بخوف و رعب ناحية باب الغرفة و انتظروا دخوله ..

 

الظلام يتلاشى جزئياً ليساعدهما على رؤيته .. الأشياء من حولهما تسكن لتساعدهما على سماع صوته .. ملامحه ليست غريبة .. انه ليس بتلك البشاعة التي تخيلاها .. بل افظع .. لقد اتى اليهم في صورة بشري .. لقد وقفا طويلاً و برعب يرمقان ذلك الشاب عند باب الغرفة الملطخ بالدماء و هو يحمل بين يديه تلك الأوراق التي تأخذ شهوراً من العمل عليها ..

بصوت واحد يصدر من حنجرتان تصفعهما خيوط الخوف و الرهبة

– سامح !!!!!

تعالت الضحكات المرعبة منه دون ان يفتح فمه كأن الصوت صادر من أعماقه .. قبل ان يصدر الصوت مرة اخرى وسط ضحكاته آتياً من الّلا مكان و بصوت اكثر شدة هذه المرة ..

– رانــــــــــــــو دراجــــــــــــــا جـــــــــــــابــــــــــا

 

تأليف طالب اعدادي هندسة : محمد نوبي السيد

تاريخ النشر : 2016-07-28

MnsMas

مصر
guest
18 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى