تجارب من واقع الحياة

رحلت و لم أرها

بقلم : القلب المنكسر – اليمن
للتواصل : [email protected]

رحلت و لم أرها
أشعر بالحزن الشديد على فراقها والفراغ الكبير الذي تركته في حياتي

 قصتي مع أختي منذ ثمانية عشر عاماً ، هي حادث السيارة المريع والشنيع ، فكل الكلمات صارت عاجزة عن وصفه بل وتعثرت في الوصول إلى فمي مرتبة ، تعرضت له أنا وأختي التي تكبرني بسنة واحدة فقط وأبنة خالتي الصغرى وشخصين أخرين كانا شاب وعجوز حسب رواية أقربائي لي لأني فقدت الوعي تماماً ولم أتذكر ما الذي حصل يومها ، كان يوماً عاديًا مثل باقي الأيام لكنه كان مختلفاً لدي في ذلك الشعور الغريب الذي انتابني و كان سيئاً بداخلي يلاحقني يرعبني ، قمنا بأعمال المنزل سوياً كالعادة ثم بدلنا ملابسنا استعداداً للذهاب إلى المدرسة قبل أذان الظهر بقليل ثم مررنا بابنة خالتي الصغرى لنذهب معها ، جلسنا ننتظرها في الصالة أما أختي فقد كانت تجلس في الزاوية الأخرى منها بجوار المطبخ كانت تنظر لخالتي نظرات غريبة أشبه إلى حد كبير بنظرات الوداع 

أما أنا فقد كنت أجلس في الزاوية الأخرى أنتظر بصمت وذلك الشعور ما زال يلاحقني و لم أكن أعرف ما الذي سيحدث لكنني كنت قلقة من أعماقي ، وحين خرجنا من هناك ومضينا نحو الشارع الرئيسي و وقفنا على الرصيف نشير بإصبعنا إلى الحافلة التي ستأخذنا إلى هناك ، و بعدها توقف الوقت ولم أدري ما حصل معي ، كنت غائبة عن الوعي لأيام و رأيت نفسي في المشفى ومن حولي أمي وأخي الأكبر مني وبعض الأقرباء ووالدي الذي جاء مهرولاً من القرية بعد سماعه بهذا الخبر المؤلم 

ولكن أختي كانت هي الغائبة الوحيدة،  تيقنت حينها أن مكروها ما قد أصابها لأني معتادة على وجودها معي دائماً فلم نكن نفارق بعضنا مطلقا و كأنا توأمان ، كان الجميع يكذب علي ويخبرني بأنها قد سافرت إلى القرية برفقة والدي ، فقلت في نفسي من المستحيل أن تتركني أختي في مثل هكذا ظروف ولم أقتنع بتاتاً به حتى جاء ذلك اليوم الذي سمعت فيه إحدى قريباتي تخبر أمي بشيء مألوف علي : عظم الله أجرك يا أختي الله يرحمها برحمته كانت بنت طيبة الله يصبرك ، رنت تلك الكلمات في أذني ولم تبرح ذاكرتي تأكد لي ذلك الشعور المريب وبأن أختي قد رحلت فعلاً دون أن أراها

حزنت من أعماقي لفراقها كثيراً ولم أبح لأحد بالذي عرفته حتى حان وقت خروجي من المشفى ، أما ابنة خالتي فقد كانت ترقد في قسم العظام فقد كسرت ركبتها وتعرضت لشرخ في مقدمة رأسها ، وبقية ممن كانوا معنا في ذلك الحادث المريع كان مصيرهم موجعاً فالشاب توفي في حينها فقد داست عجلات ذلك السائق المتهور على جسده وفارق الحياة أما العجوز فقد كسرت قدماه ولكنه تعافى وأختي تعرضت لضربة موجعة في النخاع المستطيل ففارقت الحياة إلى الأبد بعمر الثانية عشر من العمر ، أما أنا فلم يسلم جسدي من الجروح والكسور إضافة إلى الحالة النفسية الصعبة جراء ما حدث، عدت إلى منزلنا وقد أظلم بفراق أختي الذي غادرته سريعاً أختي التي كانت لي الأخت والأم والصديقة معاً

لم أقوى على البكاء لفقدها ليس قسوة مني لكنها الصدمة كانت قوية جداً علي ولم أحتملها ، وب عد شهر أو شهرين لم أعد أتذكر تماماً ، صارحاني أمي وأخي بالحقيقة المرة ولكنهما تفاجأ حين أخبرتهما بأني قد عرفت كل شيء ، والأمر الذي أحزنني أكثر هو رحيلها السريع والمفاجئ عني ولم أرها كانت تلك اللحظات التي تشاركناها بصباح يوم الثلاثاء الموافق التاسع والعشرين من فبراير للعام ألفين ميلادية هي اللحظات الأخيرة من حياتها والتي لن تعود أبداً ، فلم أزل أشعر بالحزن الشديد على فراقها والفراغ الكبير الذي تركته في حياتي لن يعوضه أحد لكنه القدر فلا مفر منه لأنه مصير الجميع من البشر على كوكب الأرض ، ولربما يطول الحديث عن هذه المأساة التي عشتها وشهد عليها ذلك الدرج في تلك البناية فقد كان ملطخاً بدمائنا التي سالت بغزارة في ذلك اليوم الموجع الذي أتمنى أن أنسى ما حصل فيه .

تاريخ النشر : 2019-01-24

guest
20 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى