أدب الرعب والعام

رعب يفوق الخيال

بقلم : ياسر حسن – مصر

رعب يفوق الخيال
وصلنا لمقابر القرية ..

انا حسام السيد اعمل محررا بجريدة (……..) عملي ينصب على الاهتمام بموضوعات ماوراء الطبيعة و الاحداث الخوارقية ، اجوب القرى و المدن لأسمع و اجمع قصص و حكايات عن الظواهر غير المألوفة و الأمور الغامضة و القصص التي تتعلق بالاشباح و العفاريت .

عن طريق احد اصدقائي تعرفت على باسل الذي هو زميله في العمل و هو رجل يبلغ من العمر 45 عام … اسمر …نحيف .. متوسط الطول … مجعد الشعر يغزوه الشيب ، يعمل محاسبا باحدى الشركات بالقاهرة علم بعملي واهتماماتي فأخبرني انه لديه قصة حدثت معه شخصيا و يريد ان يقصها علي بشرط اني اذا نشرتها لا اذكر اسمه و لا اسم احد من الشخصيات المذكورة في القصة .

وافقت بالطبع فهذا حقه و اتفقنا على ميعاد يوم الإثنين الساعة 11 صباحا بمكتبي في الجريدة ، و في تمام الساعة 11.10 جاء باسل وجلست معه في مكتبي بالجريدة و بعد ان طلبت له فنجان قهوة جلس يقص علي حكايته ..

( منذ حوالي 25 عاما كنت في زيارة لجدتي في الريف في احدى القرى التابعة لمحافظةالقليوبية . و هناك قضيت يوما جميلا مع اولاد خالي المقيم هو و اسرته مع جدتي في القرية. و في المساء عرض على اولاد خالي سيد و حسين ان نصطاد سمكا من الترعة الموجودة في القرية و بالفعل بعد صلاة المغرب اخذنا السنارات و الطعم و جلسنا على شط الترعة نصطاد ، الا انه و بعد مرور 3 ساعات لم نستطع صيد سمكة واحدة فهممنا بالانصراف لكننا فوجئنا بابن خالى الصغير احمد يجري مسرعا ويخبرنا ان جدتي سقطت مغشيا عليها و ان خالي يطلب منا ان نسرع الى احضار الطبيب .

سيد : المشكلة ان الطبيب في اطراف القرية مما يضطرنا ان نعبر طريق المقابر التي هناك و هذه منطقة مظلمة وخطيرة .

انا : طب يعني هو لا يوجد طبيب غيره في القرية .

سيد : للاسف لا يوجد .

انا : طب لماذا لا ننزل المركز و نبحث عن طبيب هناك .

حسين : نحتاج ساعة لكي ننزل المركز و في النهاية لابد من ان نمر على مقابر القرية .

انا : خلاص ما باليد حيله هيا بنا و ربنا يسترها .

انطلقنا لإحضار الطبيب ومشينا حوالي ربع ساعة حتى وصلنا لمقابر القرية و وجدنا انفسنا نمشي وسط شواهد القبور التي تحاصرنا عن اليمين و الشمال و تمتد على مرمى بصرنا ، كان الامر اسوء من كل ما تخيلناه فالظلام كان شديدا و الرؤية صعبة و غير واضحة فنحن لم يكن معنا كشاف أو أي مصدر ضوء غير ضوء القمر الذي كان في تلك الليلة بدرا ، و كان ضوء القمر يصنع مجموعة من الظلال لشواهد القبور و الأشجار المحيطة بالمقابر مما يزيد الامر سوءً فانت في ذلك الضوء الضعيف تقع فريسة لهواجسك و مخاوفك و التي يشعلها اكثر وساوس الشيطان فتجد نفسك لا تدري أذلك الظل لشاهد القبر ام لشخص ما يختبئ ورائه … هل ما تراه على باب احد المقابر غصن شجرة ساقط منها ام يد جثة تحاول الخروج .. هل الذي تراه على الرمل من بعيد هو حبل طويل ام ثعبان يستعد للانقضاض عليك ..

واصلنا سيرنا في طريقنا و نحن نتلو بعض الايات القرأنية و ندعو الله ان يمر الامر بسلام ، و من بعيد سمعنا صوت عواء كلب و بعده بلحظات رد عليه كلب اخر بالعواء ثم بدأ الاثنان يعويان في نفس الوقت .. كان صوت العواء مخيفا حتى جمد الدم في عروقنا و شعرنا معه ان قلوبنا قد صعدت لحلوقنا .

حسين : اعوذ بالله ما هذا ؟

رد سيد عليه محاولاً طمأنته و ان بدا صوته مرتجفا :لا يوجد شيء . كلاب بتنبح عمرك ما سمعت كلاب تنبح ؟

قلت انا و قد امتلئ قلبي بالرعب : بتنبح ! لا طبعا هذة الكلاب تعوي و الكلاب لا تعوي إلا لو رأت شيطان .

سيد : باسل لا تخف نفسك و تخفنا معاك ، و انت يا حسين كن راجل و لا تكن جبانا , ونحن اقتربنا تقريبا من ان نخرج من طريق المقابر هذا و ان شاء الله ونحن عائدون سوف نعود في سيارة الطبيب .

حسين: يا رب هذه الليله تمر على خير و نخرج سالمين .

انا : و يا رب في الاخر نجد الطبيب و لايكون ذهب في اي مكان اخر .

سيد : انشاء الله سنجده فقط لا تكن متشائما .

انا : يا سيدي لن اتشائم لعلنا نعود سالمين .. المشكلة انني اشعر باننا لسنا وحدنا و ان هناك من يمشي معنا و يراقبنا بل اقسم اني المحه في بعض لحظات ثم اجده يختفي مما ولد عندي عبئا ثقيلا غير مريح على قلبي .

بالطبع لم اصرح لرفاقي بذلك حتى لا يزيد الامر سوءً خصوصا و انني لست متأكد ، فاستأنفنا المسير و كنا اثناء سيرنا نسمع احيانا اصوات عراك بين قطتين و كان صوتا شنيعا او اصوات اشياء كالزجاج تنكسر تحت اقدمنا او نرى طيورا سوداء تطير من فوقنا و لا نعلم هل هي غربان ام بوم ام وطاويط ام ماذا و لكننا قررنا ان نتجاهل ذلك و نسير في طريقنا لعلنا نخرج من هذا المكان على خير .

كان الامر صعبا و مخيفا كما ان التوتر والرعب تملكنا لأبعد حد حتى صار اي صوت او حركة خفيفة كفيلة بان تجعلنا نصرخ و نقفز في الهواء مترين على الاقل .. لكن بعد فترة من الوقت كنت وصلت لنهاية صبري و صل توتري و خوفي الى اقصى حد فقلت للأولاد خالي : هل هذة المقابر لن تنتهي نحن منذ فترة طويلة ماشين .

سيد : مش عارف نحن منذ فترة طويلة ماشين و طريق المقابر لم يكن طويل بهذا الشكل من قبل !

حسين : يا جماعة انا حاسس اننا نمشي في دائرة مفرغة و ان الامر ليس طبيعي .

سيد : فعلا انا اشعر بذلك ايضا .

انا : اذن نعود و نحاول ان نرى اي طريقة اخرى نستدعي بها الطبيب .

حسين : ايوة نحن يجب ان نعود انا حاسس اننا لو كملنا لن نخرج من تلك المقابر ابدا , و بدون كلام استدرنا لنعود مرة اخرى و ما ان مشينا عدة خطوات حتى فوجئنا بوجود حمار جالس بجانب احد المقابر .

قال سيد بصوت خافت يظهر فيه الخوف : كيف ظهر هذا الحمار و كان فين ؟

رد عليه حسين بصوت واهن تشعر انه من الخوف سيسقط فاقدا الوعي : بالفعل نحن مررنا من هنا الان و لم يكن هناك اي حمار .

و فجأة بدأت رأس حمار تدور يمينا و يسارا ببطء شديد ثم بدأ تدريجيا ينام على الأرض و يبدأ

جسده بالإنتفاض .. كان المنظر مرعبا , جسد الحمار ينتفض بشدة كأنه يسري في جسده مئات الشحن الكهربائية و اقدامه ترتعش بشدة و يخرج من فمه صوت اشبه بصوت الخوار و كانت ملامح وجهه تبدو عليها اقسى انواع العذاب كان واضحا ان الحمار يحتضر و انه دقائق و سيصبح جثة هامدة , اما نحن فلم يتفوه احدنا بكلمة فقد كان كل جزء في جسدنا يرتعش و لساننا منعقد لا يقوي على الكلام اما ضربات قلبنا فأظن ان صوتها كان مسموع في ارجاء القرية .

بدأنا نتحرك ببطئ من جانب الحمار و كنا حريصين ان يكون هناك مسافة بيننا و بين الحمار , لكن ما ان بدأنا نبتعد حتى انفتحت ابواب الجحيم وتحققت ابشع كوابيسنا .. القبور تهتز بشدة …. صوت ضربات قوية على ابوبها … غبار يتعالى في الجو … احجار و شواهد قبور تتساقط … ايادي متنشجة تحاول الخروج ثم بدأت الجثث بأكفانها البيضاء المغبرة بالتراب تطاير من حولنا كأن القبور تلفظها من فمها و كانت تسقط على الارض و تبدأ اجسادها انتفاض و ارتعاش مثل الحمار..

كنا في حالة يرثى لها نصرخ صراخا هيستيريا جنونيا يكاد يمزج احبالنا الصوتية , و اندفعنا نجري بدون وعي و بشكل عشوائي لا ندري الى اين نتجه .. كان سيد قد فقدنا اثره لا نعلم اين ذهب

اما انا و حسين فقد ظللنا نجري حتى وصلنا في النهاية الى حائط سد لأحد المقابر و نظرنا فلم

نجد اي مخرج او مكان نهرب اليه .. في الوقت التي بدأت الجثث تزحف نحونا على الارض ماده الينا يديها كأنها تطلب المساعدة .

و هنا لم يستحمل حسين فسقط على الأرض فاقدا للوعي اما انا فقد كان هناك خيط من الماء يسيل

من اسفل بنطالي على الارض وضح اني فقدت السيطرة على جهازي البولي , ما لبثت حتى شعرت انا الاخر ان الوعي ينسحب مني و الرؤية اصبحت مهتزة و قبل ان اغيب عن الوعي لمحت مجموعة اخرى من الجثث تحمل مشاعل تتجه نحونا .

*************************

فيما بعد علمت ان جدتي كانت في افضل حال و لايوجد اي تعب او اغماء اصابها و بالتالي لم يرسل خالي ابنه احمد ليطلب منا استدعاء الطبيب . وعندما طال غيابنا اشتد القلق على جدتي و خالي فقد اقترب الليل من الانتصاف و لم يعد الأولاد فقرر خالي الخروج مع مجموعة من رجال القرية للبحث عنا .فطافوا بالمشاعل في كافة ارجاء القرية و عندما اقتربوا من مقابر القرية سمعوا اصوات صرخاتنا فاندفعوا الى هناك فوجدوا في بداية المقابر سيد و هو يجري و كان في حالة خوف وهياج شديد يخرج من فمه كلمات وعبارات غير مفهومة و اضطروا في النهاية ان يقيدوه و حمله ثلاثة من الرجال الى بيت جدتي بينما اكمل خالي و باقي الرجال طريقهم للبحث عني انا وحسين حتى وجدونا فاقدي الوعي بجانب حائط سد لأحد المقابر .

طبعا لا داعي لأن اقول ان خالي والرجال لم يجدوا شيئا نهائيا لا جثث ملقاه على الارض … لا حمار يحتضر … لا قبور مفتوحة …. لا شيء على الاطلاق .. وبالطبع ظللنا لمدة شهرين نعاني من حالة انهيار عصبي … كنا في حالة نفسية و عصبية صعبة سيطر علينا الخوف بشدة … كانت الكوابيس تطاردنا في منامنا حتى اصبح النوم حملا ثقيلا على قلوبنا فكنا لا ننام الا بالمهدئات … نصاب فجأة بحالة هياج و هلع شديدين ,, نهذي في بعض الاحيان بكلمات غير مفهومة … تغيرت ملامح وجهونا فاصبح من يرانا يشعر كأننا كبرنا عشر سنوات على الاقل .

احتاج الامر لأكثر من جلسة علاج نفسي مع طبيب مختص حتى نستطيع ان نستعيد جزء من عافيتنا و قد قامت جدتي باحضار احد الشيوخ المعروفين بعلمه و تقواهالذي اكد لنا ان هناك نوع من الابالسة والشياطين يسكنون المقابر و الترع والمناطق المهجورة يحقدون على البشر و يبغضونهم يتجولون و ينتشرون بالليل بعد انتهاء الناس من اعملهم محاولين ان يصطادوا البشر الذين يمشون فرادى او في مجموعات قليلة ليثيرو رعبهم و مخاوفهم لدفعهم للجنون او الموت رعبا ,, و ان الحل الوحيد لاتقاء شرهم هو التقرب الى الله و تنفيذ اوامره و الابتعاد عن كل ما يغضبه .

انتهت قصة باسل عند هذا الحد اما انا فلا استطيع ان اجزم هل احداثها حقيقية ام لا و لن ابحث فليست مهمتي البحث عن صحة احداث القصة فهمتي الاولى و الاخيرة هي كما قلت سابقا هي جمع الاحداث و القصص الغريبة التي تقع خارج نطاق التفسير العقلي او المنطقي ,, و لكن ما استطيع ان اقوله انها قصة تحمل جزء لابأس به من الاثارة و الرعب خاصة لمن عاشوا احداثها و اعتقد انها بشكل كبيرا ستعجب القراء بالجريدة .

تاريخ النشر : 2015-10-23

guest
24 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى