منوعات

رموز ومعاني: ماذا تعرف عن الفوضوية؟

 
بقلم : اياد العطار
للتواصل : [email protected]

 

الفوضوية حركة ضد جميع انواع السلطات والحكومات
الفوضوية حركة ضد جميع انواع السلطات والحكومات

 

هل يمكنك عزيزي القارئ تخيل الحياة في مجتمع لا تحكمه دولة ، لا توجد فيه وزارات ولا مؤسسات حكومية ، ليس هناك شرطة ولا جيش ولا محاكم ولا سجون ولا بنوك ولا شركات .. مجتمع يخلو تماما من كل ما يمكن أن يصنف ضمن خانة التسلط والاستبداد والتمييز .. أفراده سواسية كأسنان المشط ، لا يوجد فيه حاكم ولا محكوم ، وكل فرد يعيش حياته حرا كما يشاء .. 

لكن أي مجمتع هذا الذي لا تحكمه سلطة ولا يسوده قانون ؟ .. أنه المجتمع الذي ينادي به الفوضوييون ، أو بالأحرى اللاسلطوييون ، ومازلت حناجرهم تصدح مطالبة بتحقيقه حتى يومنا هذا.

blank
رمز الفوضوية

في الواقع مصطلح “فوضوية” قد يبدو مضللا ، فالفوضويون أنفسهم لا يقبلونه ، ذلك أنهم لا يدعون إلى الفوضى ، ولا يرغبون في القضاء على سلطات الحكومة لكي يحل محلها الاضطراب والفوضى ، وإنما يريدون بناء مجتمعات تحكم وتدير نفسها ذاتيا عن طريق مؤسسات تفتقد الهرمية ويكون العمل فيها تطوعيا واختياريا.

الفوضويون يؤمنون بالفرد ، لا يوجد في نظرهم ما هو أسمى من الفرد ، أما الحكومة وجميع القيود الاجتماعية الأخرى فهي بنظرهم مجرد سلطة غاشمة تسعى لتكبيل الفرد وكبح حريته. فالسلطة هي منبع الاستبداد ، لم تخلق لخدمة الفرد أو حمايته ، وإنما لخدمة حفنة من المستفيدين والمحتكرين من سياسيين ورأسماليين ورجال دين. وأن الظلم والطبقية والتمييز والأستغلال الناتج عن استبداد السلطة هو الذي يزرع العنف والشر في نفوس البشر ، ولولاها لبقي الانسان على فطرته الطيبة.

طبعا هنا قد يقول قائل : كيف يمكن أن يدار المجتمع بدون حكومة أو سلطات ؟ .. فحتى لو سلمنا بأن الفوضوية ستخلق حقا مجتمعا فاضلا ومثاليا ، لكن ذلك لا يعني بالتأكيد اختفاء الجريمة تماما ، فهناك أشخاص عنيفين ويستمتعون بإيذاء الاخرين نتيجة خلل جيني أو مشكلة عقلية .. فكيف سيتم التعامل مع هؤلاء في ظل غياب الشرطة وعدم وجود سجون؟! ..

بالمقاطعة والتقويم المجتمعي ، الفوضوييون لا يقبلون بوجود سجون ، ولا يسمحون بأن يسجن شخص أو يعدم ، لكن بالمقابل يدعون لتقويم السلوك المنحرف عن طريق رد فعل مجتمعي رادع ، مثلا لو قام رجل باغتصب امرأة ، فلن يعاقب بالسجن ، بل ستكون عقوبته عدم تكلم النساء معه ومقاطعته وعزله تدريجيا عن المجتمع ، ومراقبته تطوعيا وبأستمرار من قبل أفراد اخرين في المجتمع لكي لا يكرر فعلته .. ونفس الأمر يمكن أن يطبق على جرائم أخرى ..

لكن هل هذا واقعي ؟ .. لا أدري ، في الحقيقة لا يوجد لحد اليوم مجتمع فوضوي حقيقي على أرض الواقع ، يقال – حسب بعض المصادر التي قرأتها – أن بعض البلدات الفرنسية – وفرنسا معقل الفوضوية – كانت ومازالت تطبق هذه العقوبات المجتمعية على المجرمين ولا يتم أبدا تسليمهم للسلطات.

blank
مظاهرة للفوضويين

الفوضوية تصنف كحركة يسارية ، هي أقرب ما تكون للماركسية والليبرالية ، لكنها مختلفة عنهما في رفض كل أشكال السلطات وكذلك في تصورها عن حجم الملكية الفردية. ولهذا السبب سرعان ما دب الخلاف بين الماركسيين والفوضويين بعد نجاح الثورة البلشفية في روسيا ، ليصبح الفوضويون مطاردون لاحقا من قبل البلاشفة.

طبعا أنا لا أريد الخوض في سرد ممل حول تاريخ الفوضوية وفلاسفتها ومنظريها ، من يريد الاستزادة عليه بالمصادر ، لكن أقول بأن هناك من يرى أن جذور الفوضوية ضاربة في القدم وأن لها وجود في كتابات بعض الفلاسفة الأغريق ، مع أن الواقع يقول بأن الفوضوية كحركة وتيار لم تظهر بشكل منظم للوجود إلا في منتصف القرن التاسع عشر ، مع وجود ارهاصات اثناء الثورة الفرنسية اواخر القرن الثامن عشر.

blank
مظاهرات الفوضويين تتخذ احيانا طابعا عنيفا ضد السلطات .. وقد شاركوا بقوة في مظاهرات باريس الأخيرة

جدير بالذكر ، أن الفوضوية ، مثلها مثل كل الحركات المجتمعة والسياسية ، لا تقتصر على تيار واحد ، بل تتفرع إلى عدة تيارات ولكل منها تصوراته ونظرياته، ورغم أن الفوضوية عموما تدعو إلى السلم والسلام وتحكيم العقل ، لكن هناك تيارات فوضوية مارست عنفا ضد ما تعتبره استبدادا سلطويا ، وأبرز صور هذا العنف يتجسد في تنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات على هرم السلطة ، لعل أشهرها هي اغتيال ملك ايطاليا اومبيريتو الاول عام 1900 ، واغتيال ملك اليونان جورج الاول 1913 ، وأغتيال رئيس الولايات المتحدة ويليام ماكينلي عام 1901.

المصادر :

Anarchism – Wikipedia
How would an anarchist society deal with crime?
الفوضوية: الفلسفة التي ظلمتها الترجمة

تاريخ النشر : 2019-09-29

guest
54 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى