رموز ومعاني: ماذا تعرف عن الفوضوية؟
الفوضوية حركة ضد جميع انواع السلطات والحكومات |
لكن أي مجمتع هذا الذي لا تحكمه سلطة ولا يسوده قانون ؟ .. أنه المجتمع الذي ينادي به الفوضوييون ، أو بالأحرى اللاسلطوييون ، ومازلت حناجرهم تصدح مطالبة بتحقيقه حتى يومنا هذا.
رمز الفوضوية |
في الواقع مصطلح “فوضوية” قد يبدو مضللا ، فالفوضويون أنفسهم لا يقبلونه ، ذلك أنهم لا يدعون إلى الفوضى ، ولا يرغبون في القضاء على سلطات الحكومة لكي يحل محلها الاضطراب والفوضى ، وإنما يريدون بناء مجتمعات تحكم وتدير نفسها ذاتيا عن طريق مؤسسات تفتقد الهرمية ويكون العمل فيها تطوعيا واختياريا.
الفوضويون يؤمنون بالفرد ، لا يوجد في نظرهم ما هو أسمى من الفرد ، أما الحكومة وجميع القيود الاجتماعية الأخرى فهي بنظرهم مجرد سلطة غاشمة تسعى لتكبيل الفرد وكبح حريته. فالسلطة هي منبع الاستبداد ، لم تخلق لخدمة الفرد أو حمايته ، وإنما لخدمة حفنة من المستفيدين والمحتكرين من سياسيين ورأسماليين ورجال دين. وأن الظلم والطبقية والتمييز والأستغلال الناتج عن استبداد السلطة هو الذي يزرع العنف والشر في نفوس البشر ، ولولاها لبقي الانسان على فطرته الطيبة.
طبعا هنا قد يقول قائل : كيف يمكن أن يدار المجتمع بدون حكومة أو سلطات ؟ .. فحتى لو سلمنا بأن الفوضوية ستخلق حقا مجتمعا فاضلا ومثاليا ، لكن ذلك لا يعني بالتأكيد اختفاء الجريمة تماما ، فهناك أشخاص عنيفين ويستمتعون بإيذاء الاخرين نتيجة خلل جيني أو مشكلة عقلية .. فكيف سيتم التعامل مع هؤلاء في ظل غياب الشرطة وعدم وجود سجون؟! ..
بالمقاطعة والتقويم المجتمعي ، الفوضوييون لا يقبلون بوجود سجون ، ولا يسمحون بأن يسجن شخص أو يعدم ، لكن بالمقابل يدعون لتقويم السلوك المنحرف عن طريق رد فعل مجتمعي رادع ، مثلا لو قام رجل باغتصب امرأة ، فلن يعاقب بالسجن ، بل ستكون عقوبته عدم تكلم النساء معه ومقاطعته وعزله تدريجيا عن المجتمع ، ومراقبته تطوعيا وبأستمرار من قبل أفراد اخرين في المجتمع لكي لا يكرر فعلته .. ونفس الأمر يمكن أن يطبق على جرائم أخرى ..
لكن هل هذا واقعي ؟ .. لا أدري ، في الحقيقة لا يوجد لحد اليوم مجتمع فوضوي حقيقي على أرض الواقع ، يقال – حسب بعض المصادر التي قرأتها – أن بعض البلدات الفرنسية – وفرنسا معقل الفوضوية – كانت ومازالت تطبق هذه العقوبات المجتمعية على المجرمين ولا يتم أبدا تسليمهم للسلطات.
مظاهرة للفوضويين |
الفوضوية تصنف كحركة يسارية ، هي أقرب ما تكون للماركسية والليبرالية ، لكنها مختلفة عنهما في رفض كل أشكال السلطات وكذلك في تصورها عن حجم الملكية الفردية. ولهذا السبب سرعان ما دب الخلاف بين الماركسيين والفوضويين بعد نجاح الثورة البلشفية في روسيا ، ليصبح الفوضويون مطاردون لاحقا من قبل البلاشفة.
طبعا أنا لا أريد الخوض في سرد ممل حول تاريخ الفوضوية وفلاسفتها ومنظريها ، من يريد الاستزادة عليه بالمصادر ، لكن أقول بأن هناك من يرى أن جذور الفوضوية ضاربة في القدم وأن لها وجود في كتابات بعض الفلاسفة الأغريق ، مع أن الواقع يقول بأن الفوضوية كحركة وتيار لم تظهر بشكل منظم للوجود إلا في منتصف القرن التاسع عشر ، مع وجود ارهاصات اثناء الثورة الفرنسية اواخر القرن الثامن عشر.
مظاهرات الفوضويين تتخذ احيانا طابعا عنيفا ضد السلطات .. وقد شاركوا بقوة في مظاهرات باريس الأخيرة |
جدير بالذكر ، أن الفوضوية ، مثلها مثل كل الحركات المجتمعة والسياسية ، لا تقتصر على تيار واحد ، بل تتفرع إلى عدة تيارات ولكل منها تصوراته ونظرياته، ورغم أن الفوضوية عموما تدعو إلى السلم والسلام وتحكيم العقل ، لكن هناك تيارات فوضوية مارست عنفا ضد ما تعتبره استبدادا سلطويا ، وأبرز صور هذا العنف يتجسد في تنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات على هرم السلطة ، لعل أشهرها هي اغتيال ملك ايطاليا اومبيريتو الاول عام 1900 ، واغتيال ملك اليونان جورج الاول 1913 ، وأغتيال رئيس الولايات المتحدة ويليام ماكينلي عام 1901.
المصادر :
– Anarchism – Wikipedia
– How would an anarchist society deal with crime?
– الفوضوية: الفلسفة التي ظلمتها الترجمة
تاريخ النشر : 2019-09-29