أدب الرعب والعام

ريما

بقلم : الأسود يليق بي – الأردن
للتواصل : [email protected]

ريما
اشتقت اليك يا امي

أنا ريما .. عمري واحد و عشرون عاماً , و أدرس في الجامعة .. حسناً .. أنا أكذب , فكم تمنيت أن أصل يوماً إلى الجامعة ..

لكن في الحقيقة ..((عمري هو اثنتا عشر عاماً , و أنا مازلت في المرحلة الأساسية)) .. بصراحة تلك الجملة بقيت مكتوبةً على دفتري لسنواتٍ عديدةٍ , و حان الوقت لأكملها ..

كتبتها قبل تسعة سنين , كانت بدايةً لقصةٍ مشوقة خياليةٍ من بنات أفكاري , حين كنت في الثانية عشرة من عمري .. لكني لم أستطع أكمالها , لأن عقلي كان فارغاً من الأفكار ..

لكن الآن و بعد مضيّ تسعة أعوامٍ و حدث كل ما حدث , فلن يتردّد قلمي الفحمي ثانيةً عن ترتيب الأحرف و تنظيم الجمل , لينتج بالنهاية قصة حصلت على ارض الواقع .

بدأ ذلك في فترة الصيف قبل سبع سنوات .. كان الجو رائعاً و مثالياً لرحلةٍ عائلية .. أنا و والدايّ و أختي و أخي .. و كان يقود رحلتنا , الرجل ذاته الذي أنجبني حين قاد السيارة على الطريق السريع و بسرعةٍ عاليهٍ جداً , اظنه كان متحمساً مثلنا للوصول إلى الغابة ..

لكننا لم نصل اليها ابداً , بسبب تدهوّر السيارة التي نتجت عن تلك السرعة المتهورة.. و أثناء تدهور السيارة لم أكن أعلم , هل كنت أحلم أم أنا مستيقظةٌ ؟!

ما اعلمه هو انني رأيت موت والدتي و أخي بأمّ عيني ! و كل ما اذكره : انني رأيت نفسي أطير في الهواء , و سيارتنا المحطّمة اسفل مني ! ثم هبطت ببطء على الأرض ..

و صحوت بعدها في المستشفى على صياح أبي , الذي لم يصبّ بأيّ مكروه , و كان بجانب سريري يردّد هذا الكلام :

-فقدتكِ يا من مسحتِ دمعي و آلامي ..فقدتكِ يا من احتضنتني بأوجاعي , و فَرِحت لأفراحي .. فقدتكِ يا رفيقة عمري .. فقدتكِ يا باب الجنان .. فقدتكِ يا أجمل إنسانة .. فقدتكِ يا زو..

و حينما سمعت تلك الكلمات , علمت من كان يقصد ! و وقتها آلام جسدي لم تبلغ نصف الآم قلبي !

و على الفور مرّت أمامي تلك الصفحات التي تحمل في طياتها أجمل اللحظات مع امي حبيبة قلبي , و أحسست وقتها بفراغٍ كبيرٍ رغم وجود والدي و أختي بجانبي .. لكن أمي هي من كانت تملأ حياتي ، و كانت هي كل شيء من دون مبالغة ..

الغريب انني لم الاحظ السعادة بوجه ابي بعد ان قمت بالسلامة , كما انني لم ارى في عينيه الحزن على فقدان زوجته و ابنه الذكر الوحيد !

لم تمر إلا أيامً قليلةً , حتى خرجنا جميعاً من المشفى .. كنت دائماً أمسك بيد أختي و كأني أخشى فقدناها هي الأخرى ، و كانت أصغر مني بأربع سنوات ..

و بعد أسبوع ..اكتشفت ما لم يكن بالحسبان .. كان لأبي زوجة اخرى ! كان قد تزوجتها قبل وفاة والدتي
-يا الهي ! من هذه السيدة ؟! و من أين اتت ؟! و لما احضرها ابي معه الى بيتنا , حاملاً بيده حقيبتها الكبيرة ؟!

و كم كانت صدمتي انا و اختي كبيرة حين اعلمنا بأنها زوجته ! أيقنت حينها بأن والدي لم يحزن على فراق أمي ..و بأن تلك الكلمات التي سمعتها في المشفى , كانت مجرد قافية ترتبت لوحدها دون ايّ إحساس داخلي منه !

و مرّت الأيام ..
عشت معها و انا احاول أن أعاملها كأمي , لكني لم استطع .. حقاً لم استطع !

و بعد شهور .. أنجبت زوجة ابي .. هي منذ البداية لم تكن حنونة علينا , لكن قسوتها زادت بعد انجابها لإبنها ..حيث كانت تمنعني و اختي من الإقتراب منه ! و تصرخ بنا كلما اقتربنا من مهده , و أحياناً تدفعنا بشدة بعيداً عنه ..

و كان أبي يقف بجانبها .. طبعاً !! فهي أنجبت له مولوداً ذكراً ..

في يوم الجمعة , أتت جدتي أم والدتي ” رحمة الله عليها ” فلم استطع أن اكتم قهري اكثر , و أخبرتها عن زوجة والدي و أفعال والدي معنا .. فحزنت جدتي و قالت :

-ذهبتِ يا ابنتي وتركتي خلفكِ أولادكِ , يا من كنتِ تحبسي أنفاسكِ ليتنفّس صغارك .. الآن أتت من تؤذيهم , لتدمع عينكِ و أنت في لحدكِ .. لكني هنا لأمسح دموعكِ و أريح روحكِ

و في اليوم التالي .. أخذتنا جدتي معها إلى المدينة .. و الغريب ان ابي لم يمانع رحيلنا على الأطلاق , و كأنه تخلّص اخيراً من همّنا !

حتى بعد ان غبنا لشهور .. لم يسأل عنا او يرسل لنا المال , و كأننا لم نكن اصلاً اولاده !

و بقيت انا بجانب جدتي و أختي , أساعدهما قدر المستطاع .. و في نفس الوقت ادرس بجدٍّ , لأن حلمي هو ان اصل للجامعة .. لكن للأسف ! وصلنا خبرين سيئين حطّما كل احلامي ..

الأول : يوم عودتي مع اختي للمنزل , فوجدنا جارنا يخبرنا بأن جدتي تعرّضت لأزمةٍ قلبيةٍ , و هي الآن في المشفى ..

و ما هي إلا ساعات قليلة , حتى اتى خالي بخبر وفاتها .. و قد ذرفت دموعاً كثيرة على فقدان الغالية ، التي ذكّرتنا بحنان أمي ..

الا ان خالي اخبرنا بعدها بأيام بخبرٍ اسوء : و هو تعرّض ابي للشللّ بعد انكسار عاموده الفقري , نتيجة سقوطه من اعلى الدرج ..

و ما ان عرفت زوجته بذلك , حتى تخلّت عنه ! فما كان امامي الا ان اعود و اختي لمنزله , كيّ اعتني به ..

و مع اني كنت اهتم بكل اموره الاّ انه و بكلماته الغير مفهومة كان يطالبني بإحضار زوجته , و كأنه غير ممّتن لخدمتي له !

و رغم صعوبة كلامه , الا ان كل كلمة تخرج منه , كان يجرحني فيها !

ياربي ..لما كل هذه الآلام , و هذا الحمل الثقيل ؟!

و في احدى الليالي .. نامت أختي , و جلست بغرفتي أكلّم نفسي و أبكي و انا اتوجّع على فراق امي الحبيبة , التي اتمنى لو تعود يوماً واحداً , لكنها رحلت و لحقتها جدتي , و تركاني مع آلام قلبي ..

لم يدم عذاب ابي طويلاً , فقد توفي هو الآخر .. و لم يستطع خالي أن يصرف علينا .. 
لذلك جبرت على ترك المرحلة الثانوية لأعمل .. و بقيت اعمل حتى وصلت اختي للمرحلة الثانوية ..

و في عملي وجدت حبيبي , و كنت حينها في التاسعة عشر من عمري .. و قد عرض عليّ أن أكمل دراستي من الأول ثانوي إلى الجامعة , و هو من سيتكفّل بمصاريفنا انا و اختي ..

في البداية رفضت , لكنه ضغط عليّ فوافقت .. و كيف ارفض و هو فرصتي للحب , فقد كان نِعمَ الإختيار ..

و جاء ذلك اليوم الجميل و تلك الأمسية الرائعة , حين طلب مني الزواج .. و كان ردّي له :

-يا من سرقت قلبي و عالجت جروحي فيك , و أزلت همّي ..طلبتني زوجة , فما هي ردودي ؟ ..أوافق طبعاً !! و أعطيك عيوني ..

نعم تزوجنا .. و منذ ذلك الوقت تحسّنت حياتي و بدأت أحبها ..

الحياة الآن شبه كاملة ..لكن هناك نقصاً واحداً فيها .. و هو أنتِ يا أمي الغالية

اشراف :
حمزة عتيق

تاريخ النشر : 2016-03-02

guest
22 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى