أدب الرعب والعام

زمرة دم نادرة – الجزء الأول

بقلم : ضياع – السودان
للتواصل : [email protected]

فكرت لبرهة ثم وقفت وأمسكت بيده وحلق بي نحو الأفق
فكرت لبرهة ثم وقفت وأمسكت بيده وحلق بي نحو الأفق

 

وقف ليتنشق آخر نسمات الليل قبل أن ينطلق محلقا في الفضاء ويختفي قبل شروق الشمس ثم قال: أنا هو حارس الليل أنا ليو ثم أفرد جناحين قويين وأنطلق محلقا في ألأفق .

في ألأسفل توقفت سيارات الشرطة التي كانت تطارد هذا الوحش الذي روع مدينة لوس أنجلوس وبث فيها الرعب ، تلقت الشرطة معلومة عن مكان هذا الوحش وهو أنه يعيش بالحي الصيني وفورا تحركوا لكنهم وصلوا متأخرين فلقد رحل لتوه ، مرت ستة أشهر على رحيله عاد فيها ألأمان لقلب المدينة ، في يوم السبت الموافق السادس عشر من يوليو عند الساعة السابعة مساء وفي مطعم كابانا للماكولات البحرية جلست شابة في الثلاثينيات من عمرها ذات شعر أشقر وعينان خضروان وبشرة صفراء رشيقة الجسم ترتدي فستانا أسود اللون زاد من جمالها ، وجلس قبالتها رجل في الخمسينيات من العمر مربوع الجسد وشعره أسود وعيناه رماديتين يرتدي بذلة سوداء مخططة بالأبيض ويحمل بين يديه مدونة وقلم ثم قال

: أريد منك التركيز آنستي وأحكي لي عن ليو من هو؟ ومن أين أتي؟ وإلى أين رحل؟

أعتدلت في جلستها وأعادت ظهرها للوراء ثم قالت :تعلم أنني لا أريد الشهرة أو المال وكما أوصاني أن أنشر حكايته وطلب مني أن أخبر الناس عنه لهذا عدني سيد لويس أنك لن تدرج إسمي على كتابك القادم . رد بأبتسامة صادقة وقال : أعدك آنا أعدك فقالت
: حسب ما أذكر حدث هذا في شتاء 2003 من شهر أغطسس ، كنت عائدة من حفل عيد ميلاد إحدى صديقاتي عند حلول السابعة والنصف مساءا لمنزلي الذي يقع في حي لوس فيليز وبجانب إحدى مكبات النفايات حيث كانت ألأضاءة خافتة رأيت شابا كان يقاربني بالعمر لكنه كان بحالا يرثى لها ، بدا وكأنه  قد تعرض لهجوم مميت ونجى  منه بأعجوبة

أقتربت منه بحذر شديد سمعته يتكلم بهمس أقتربت أكثر لسماعه فسمعته يقول (ساعدوني ساعدوني) فأمسكت بيده وساعدته على النهوض لكنه لم يقدر فسقط مجددا ، كان هناك آثار خدوش لمخالب بدت وكأنها لنمر وعضات على عنقه وملابسه كانت ممزقة وفقد كثرا من الدم ، أخرجت هاتفي أجريت إتصالا لطلب ألإسعاف أخبروني أنهم في طريقهم إلينا بعد أخذ معلومات المكان ، ثم سندته على حائط إحدى ألأبنية وبدأت بتفحص ملامح وجهه ، كان شابا في غاية الجمال بشرته بيضاء ومفتول العضلات صدره واسع كان شعره أبيض اللون وحريري يصل طوله إلى كتفيه ، كان كالملاك لم أرى عينيه لأنهما مغلقتين ، لفت إنتباهي عقد كان حول عنقه فمددت يدي للمسه لكنني شعرت  بشيء ما يقف خلفي وعندما أستدرت نحوه تسمرت في مكاني وتجمد الدم في عروقي وتمكن مني الرعب ، فلقد كان هناك خفاشان عملاقان يتبادلان أحد المتسولين ليقتاتا على دمائه ، فكرت بالهرب وأردت ذلك فوقفت ولكنه أمسك بي عندما نظرت إليه هز لي رأسه رافضا وجذبني إليه فسقطت من فوقه ، كنت أنظر لعينيه وصدقته قبل أن يطلب البقاء فانصعت لطلبه ، كانت عيناه غاية فالروعة ولونهما أزرق كالمحيط رغم أنه قد فقد كثيرا من الدماء ورغم أنه لم يستطيع الوقوف بقدميه إلا أنه أستطاع ذلك وبسرعة خاطفة أمسك بأحد الخفاشين وعضه على عنقه وما أن تركه حتى سقط الخفاش وبدأ يصرخ ويتلوى وخرج من جسده دخان كثيف جدا وكأنه يحترق ثم أنسلخ عنه جلده الخارجي وتحول لرماد ، وبعد مدة عاد رجل عادي ثم أمسك بالآخر وفعل به مافعل للأول وحدث معه ماحدث للأول ، كان الخفاش الثاني شاب بدا لي ألأمر كوالد وإبنه ، ثم عاد إلي بنفس السرعة التي ذهب بها وخلع العقد الذي حول عنقه وأمسك بيدي اليسرى ثم وضعه في راحة يدي ثم قال بصوت عذب : شكرا لك. ثم أفرد جناحين سوداوين قويين كجناحي النسر وأستعد للطيران فقلت : من أنت ؟‎ ‎‏. فأجاب : أنا ليو دمائي قاتلة وأنيابي شافئة ، أنا هو حارس اليل

أعتدلت آنا في جلستها مجددا ووضعت رسغيها على الطاولة فأبتسمت وغرقت في بحر الذكريات ، كانت إبتسامتها مشرقة وجميلة جدا أسنانها كانت كبياض الثلج عندما ضحكت هذه ألأبتسامة جعلت لوس يفكر في داخله ويقول بسره (ترى كيف كانت حياتك آنا؟  ماالذي تعايشتي معه ؟ وكيف كانت حياتك منذ أول لقاء ؟ أخبريني آنا أخبريني)

ثم قالت : لم أكن أعلم أنه بقبولي للعقد سأعيش حياة ليس بعالمي وسأسلك طريقا ليس بطريقي ، عندما عدت للمنزل وجدت والداي جالسان على طاولة الطعام يتناولان العشاء وأخي جوني كان بغرفته غارقا في بحر ألأحلام ، ألقيت عليهما السلام وتوجهت لغرفة أخي ، عندما دخلت كانت ألأضواء مطفأة وعبر الظلام رأيت مخلوقات صغيرة كانت تجري هنا وهناك ، أشعلت الضوء عبر مفتاح الحائط لأتأكد منها وبعد أنتشار الضوء بكل مكان أختفت فجأة ، بحثت عنها بكل مكان ثم قلت : لابد أنني أهذي ، أقتربت من جوني وقبلته على خده وبجانب الوسادة رأيت ظلا صغيرا جدا أقتربت لأتأكد منه فرأيت قزما صغيرا جدا بحجم حبة الفستق ذهلت عندما رأني أحدق به فر هاربا وأختبأ خلف إحدى ألعاب جوني المتناثرة بأرجاء الغرفة ، جلست على ألأرض ثم مددت يدي نحوه وقلت له بهدوء : تعال لاتخف لن أؤذيك أعدك تعال ، بدا وكأنه قد صدقني ثم أقترب مني بحذر شديد أمسك أصبعي بكلتا يديه ثم تسلق على يدي قربته إلى وجهي فقال : هل يمكنك رؤيتنا وسماع صوتنا ؟  أجبته بإيمائة ثم صرخ قائلا : هيا تعالوا إنها مسالمة ولن تؤذنا

ثم خرجت آلاف من هذه المخلوقات بعضهم كالعناكب وبعضهم كالفراش وبعضهم مثله تعرفت بهم وتعرفوا علي غمروني بلطفهم فهم في غاية الروعة والجمال عن طريقهم علمت كيف نفقد أشياء ثم نجدها بمكان آخر؟ أومثلا عند منصف الليل نستيقظ على صوت صنبور الماء مفتوحا ونسرع بأغلأقه ومن المخلوقات الصغيرة تدرجت للأشباح وألأرواح المعذبة ، كنت كل ليلة أرى ألأشباح تطفوا في السماء وفي الشارع الذي يقع أمام منزلنا كان هناك روحين لزوجين دائما مايتشاجران كل ليلة وأشباح أطفالا يلعبون بالشارع ، لم أستوعب شيئا مما يحدث مر شهر وأنا أكتشف فيه صنف جديد لمخلوقات غريبة أزهار تتراقص عند حلول الليل علمت أن هذه المخلوقات فقط تظهر عند حلول المساء ولأن أبي عالم آثار مشهور عرضت عليه العقد وبعد أن درسه جيدا أخبرني أن هذا العقد يحتوي في تكوينه على معادن ليست من كوكب ألأرض ولايعود لأي حقبة زمنية سابقة ولم يتم أكتشاف شيئا يماثله بعد ، وأن ماأخبرته به لم يراه أويعيشه وطلب مني إعادته لأنه يسبب لي الهلاوس ، لم أصدق كلامه فأخذته معي لغرفة جوني وأستدعيتهم ثم أمسكنا بطرفا العقد أخبرني أنه لايرى شيئا أو يسمع بشئ رغم أنني كنت أراهم يتراقصون ، صرخ  والدي بوجهي وأخذ العقد ورماه عبر النافذة قائلا : يكفي هراء يا آنا ثم خرج غاضبا كانت المخلوقات تنظر لي بتعجب وفجأة هبت عاصفة قوية وسمعت صوت رفرفة جناحين ثم سمعت صوتا يقول عبر النافذة :من طلب ليو بطريقة غير لائقة ؟ شعرت بسعادة داخل قلبي فركضت نحو النافذة فرأيت أنه هو أنه ليو حارس الليل 

أقترب نحوي بأبتسامته وبصوته العذب قائلا :آسف أيتها الجميلة لقد سامحتك. كان يرتدي معطف أسود اللون طويل وحذاء أسود يصل حتى ركبتيه وقفازان سوداء تغطي يديه ، ثم أخذ يدي اليمنى ووضع العقد في راحتها ثم تقاذفت تلك المخلوقات عليه من كل الجهات ترحب به وكأنهم يعرفونه منذ زمن بعيد ،  سمعت صوت وقع أقدام على السلم طلبت منه الإختباء لكنه حلق عبر النافذة بينما أختبأت تلك المخلوقات في أرجاء الغرفة ، فتح أبي الباب بغضب ثم جرني من رأسي وأخذني لغرفتي ورماني بقوة بداخلها قائلا : من الآن أنت معاقبة حتى تقلعي عن تعاطي المخدرات ، ثم أوصد الباب بالمفتاح صرخت أحاول تبرئة نفسي من أتهامه وبعد كثيرا من المحاولات الفاشلة جلست أبكي ثم تجمعت تلك المخلوقات حولي وبدأوا بمواساتي ثم سمعت طقطقة على النافذة وعندما أدرت رأسي إليها وجدت ليو ، أسرعت المخلوقات بفتح النافذة فمد يده وقال بصوته العذب : هل تفضلين البقاء ومواصلة البكاء ؟ أم ترافقيني في رحلة ملئية بالمغامرات وترك هذا العالم القاسي ؟ ،فكرت ‏‎ ‎لبرهة ثم وقفت وأمسكت بيده وحلق بي نحو ألأفق

* * * 

تغيرت ملامح وجه آنا مجددا وبدأت علامات الغضب والتوتر وأضحة عليه ثم أخرجت من حقيبتها سيجارة وأعواد ثقاب وأشعلتها لتخفيف التوتر عبر التدخين ثم قالت : أخذني إلى أماكن لم أكن أحلم يوما بالوصول إليها وزرت كل بقاع أوربا ثم أنتقلنا لأسيا عبر سرعته التي كانت توازي سرعة البرق ، رأيت مخلوقات أكثر عجبا ودهشة أحصنة مجنحة ونسور عملاقة وتنانين متنوعة ، وفوق أجواء الصين طاردتنا أعداد هائلة من تلك الخفافيش العملاقة نظر إلي وهو يبتسم ففهمت مايرمي إليه فتشبثت به بقوة و زاد من سرعته وأختفينا بلمح البصر ، ثم حط بي على جزيرة بمنتصف المحيط حينها أخرج من جيبه زجاجة كانت تحتوي على عصير برتقال ومدها لي أخذتها منة فقال لي : أشربيها برفق . بادرته بسؤال بعد أن أرتشفت جرعتين من الزجاجة : ليو أخبرني من أنت حقا ؟ ولماذا أستطيع أنا مشاهدة هذه المخلوقات وحدي؟ ولما أعطيتني العقد أصلا ؟

رد لي بأبتسامته المعهودة ثم أجاب : إسمي الكامل هو ليون إيزر أحد الحراس لمملكة السماء مهمتنا هي الحفاظ على توازن الكوكب ومحاربة الظلام وبالتحديد المخلوقات التي تتغذى على دماء البشر أو كما يعرف بعالمكم مصاصي الدماء فهم لايستطيعون ألأنجاب أو التكاثر ولايوجد طريقة سوى عض الآخرين حتى يصبحوا مثلهم ، تخيلي معي عندما يصبح كل البشر مصاصي دماء حينها سوف يموت الكوكب ويصبح قاحلا كصحراء جرداء فكل كائن حي بهذا الكوكب يتغذى على نسبة معينة من كائن حي آخر وهكذا هي دورة الحياة أما إجابتي لسؤاليك الثاني والثالث هي دمائك آنا ، زمرة دمك النادرة هي السبب في لقائنا الأول وهي هبة تحدث كل ألف عام وواحد من عشرة مليون شخص يحصل عليها فلقد تعرض هذا الكوكب للأنقراض وماكان من والدي إلا أن يتبرع بدمائة ليبث الحياة به  من جديد أنت تملكين زمرة دم والدي آنا قلت له : كيف عرفت إسمي؟ رد : هذا سهل تبعتك منذ أن كنت رضيعة حميتك طوال هذه السنين من مصاصي الدماء قاطعت حديثه بغضب : تقصد لحماية المملكة فإن حصلوا على دمائي تهدد المملكة وقد تدمر صحيح ؟ ولأن دمائكم قاتلة هذا يعني أن دمائي هي المفتاح هل أنا محقة؟ قال لي : أجل معك حق بكل شيء  ولهذا يتوجب علينا العودة قبل شروق الشمس فلقد أقترب وقتها ، أمسكت به مجددا ولكن يبدوا أن الخفافيش وبعض الوحوش كانت تنصب لنا كمينا ولقد نجحوا وهجموا علينا من كل الجهات ، قاتل ليو بشجاعة لحمايتي لكن كثرتهم هزمته ، أمسك بي خفاش ضخم وحلق بي في الفضاء كنت أشاهد ليو وهو يقاتل ويهجمون عليه من كل الجهات كنت لازلت أحتفظ بالعقد فضربت به إحدى قدمي الخفاش فأطلق صرخة وأحترق وسقطت أنا نحو المحيط وعندما أقتربت منه قفز شيئا وحملني بيديه  ثم أعادني للشاطئ وأعاد لي العقد  ثم رحل ، لم أتبين شكله بسبب المياه التي دخلت لعيني نظرت لليو فوجدته في وسط كومة من الجثث ولايزال عددهم يزداد ثم أتت المساعدة سبعة شبان بمثل عمره ونفس بشرته ولكن ملابسهم مختلفة عنه فهم يرتدون ملابس الفرسان وشعر رأسهم يختلف عنه فمنهم ما لونه أزرق ومنهم ألأسود وألأصفر وألأزرق ،  وعندما شعرت تلك المخلوقات بالهزيمة هربت ،

تقدم نحوي وأمسك بي ثم حلقنا عائدين للمنزل سألته عن ذلك الشيء  الذي أنقذني من المحيط فأجاب : إنه صديقي لوكا وهو أحد غرانيق البحر ، وعند وصولنا كانت الشمس على وشك الشروق فقال : تذكري آنا الحي الصيني  ، إن أردت لقائي وأن العقد هو سلاح لحمايتك الشخصية ثم رحل ..

يتبع ….

تاريخ النشر : 2019-11-30

ضياع

السودان
guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى